منتديات اهل الحق
مرحبا بكم في منتدياتنا منتديات اهل الحق و أرجو من زائرنا العزيز أن يجد كل ما يبحث عنه من مواضيع و برامج ......وشكراا...
منتديات اهل الحق
مرحبا بكم في منتدياتنا منتديات اهل الحق و أرجو من زائرنا العزيز أن يجد كل ما يبحث عنه من مواضيع و برامج ......وشكراا...
منتديات اهل الحق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  
آيـــــات الشفاء في القرآن الكريم إن هذه الآيات تجتمع في كل آية فيها كلمة شفاء و تقرأ بترتيب المصحف فقد قال العلماء أن في هذا استعانة بكلام الله على الشفاء و خصوصا بالنسبة للأمراض التي لا تقدر عليها أسباب البشر...وهـــم:- الآية 14 من سورة التوبة: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ... صدق الله العظيم الآية 57 في سورة يونس : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ... صدق الله العظيم الآية 69 من سورة النحل : وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ... صدق الله العظيم الآية 82 من سورة الإسراء : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا... صدق الله العظيم الآية 80 من سورة الشعراء : وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ... صدق الله العظيم الآية 44 من سورة فصلت : وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ...||

 

  الهجرة أسرار وأنوار

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة





التقييم : 3
نقاط : 357210
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

 الهجرة أسرار وأنوار Empty
مُساهمةموضوع: الهجرة أسرار وأنوار    الهجرة أسرار وأنوار I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 26, 2012 9:43 pm


مع مطلع العام الهجري


إن لكل مؤمن هجرة في مناسبة الهجرة وهجرة المؤمن في هذه المناسبة الكريمة هي في قول النبى
{المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدهِ والمؤمن من
آمن جاره بوائقه[يعني شروره وآثامه] والمهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ
عنه} [1]

فالمؤمن في نهاية عام وبداية عام جديد لابد له من وقفة مع نفسه يقلّب صفحات
العام الماضي أمام عينيه فما وجد فيها من عمل حسن شكر الله عليه وسأله أن
يزيده منه وما وجد فيه من عمل فيه إثم أو زور أو غفلة أو جهالة سواء كان عن
قصد أو عن غير قصد تاب إلى الله منه وسأله أن يسعه بواسع مغفرته وشامل
رحمته ولذلك كان دأب السلف الصالح أن يجعلوا اليوم الأخير من العام كله
للتوبة والاستغفار مما مضى من الذنوب والآثام فلا تكل ألسنتهم من الاستغفار
وتقف أفئدتهم وقلوبهم على باب التواب الغفار تسأله بقلوب منكسرة وأبدان
خاشعة غفران ما مضى والعفو عما سلف ويضرعون إليه أن يوفقهم فيما بقى من
الأوقات والأيام والأنفاس وكانوا يحرصون أن تكون نهاية العام خير وبدايته
خير فتطوى صحف العام الماضي بالأعمال الصالحة فيجعلون الليلة الختامية
للعام مع الله في كتاب الله أو في عبادة واردة في كتاب الله أو مأثورة عن
سيدنا رسول الله أو على الأقل يغلقون ألسنتهم في هذه الليلة عن الخنا
والفجور وقول الزور واللغو فضلاً عن الغيبة والنميمة وما شابه ذلك لقوله

{إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا}[2]

فإذا ختم العام بخير لعل الله يأتي على ما فيه من ذنوب وسيئات فيمحوها بل
ربما يبدلها كما قال عز شأنه بحسنات {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ
سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}وقد قال حديثاً عظيماً وأصلاً كريماً وعملاً
سهلاً يسيراً على كل مؤمن فقال
{إذا قال العبد المؤمن لا إله إلا الله ذهبت إلى صحيفته فمحت كل سيئة تقابلها حتى تجد حسنة تقف بجوارها }[3]

يعنى ما بينها وبين العمل الصالح المسجل في صحيفتك تمحوه أي أن لا إله إلا
الله تمحو ما قبلها من الخطايا ويفتتحون هذا العام بالصيام لقوله
{أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللّهِ الْمُحَرَّمُ}[4]

ولا شك أن العمل الذي بدايته الصيام عمل ناجح وصالح على الدوام لما ورد فى الأثر
{ إذا أحب الله عبداً وفقه لأفضل الأعمال في أفضل الأوقات }

وكان بعضهم يفتتح في هذا اليوم القرآن الكريم ولا يتركه حتى يأتي على
نهايته، ومن كان يعلم من نفسه العجز كان يقرأ في صبيحة ذلك اليوم بسم الله
الرحمن الرحيم مائة وأربع عشرة مرة يعني بعدد سور القرآن الكريم ويكثر من
قراءة سورة الإخلاص لأنه ورد في الحديث الشريف أنها ثلث القرآن وكان كثير
منهم يصلي في هذه الليلة أو هذا اليوم صلاة التسابيح لوصية رسول الله لعمه
العباس في شأنها حيث قال له

{ يَا عَبَّاسُ يَاعَمَّاهُ أَلاَ أُعْطِيكَ؟ أَلاَ أَمْنَحُكَ؟ أَلاَ
أَحْبُوكَ؟ أَلاَ أَفْعَلُ بِكَ عَشْرَ خِصَالٍ إذا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ
غَفَرَ الله لَكَ ذَنْبَكَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ
خَطْأَهُ وَعَمْدَهُ، صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ سِرَّهُ وَعَلاَنِيَتَهُ
عَشْرَ خُصَالٍ أَنْ تُصَلِّي أَربَعَ رَكَعَاتٍ ثم وصفها له وقال له في
نهايتها: إنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيهَا في كلِّ يَوْمٍ فَافْعَلْ،
فإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فإِنْ لَمْ تَفْعَل
فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ
مَرَّةً، فإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي عُمُرِكَ مَرَّةً } [5]

فكانوا يبدأون العام بهذه الصلاة طلباً لمغفرة الله ورجاءاً فيما عند الله
أما الهجرة التي يهاجرونها فإن كل مؤمن في هذا العام الجديد يراجع نفسه
ويطابق أوصاف نفسه على ما ورد عن الحبيب المختار من ناحية الأخلاق
والعبادات والعادات والمعاملات فإن وجد في نفسه خلقاً لا يتطابق مع الشمائل
المحمدية هجره وكان في ذلك هجرته وانتقل إلى الأفضل والأعظم بمعنى إذا وجد
في نفسه شيئاً من الكبر ومن صفات الحبيب صلي الله عليه وسلم التواضع هجر
الكبر وسارع إلى التخلق بالتواضع لله ويحثه على ذلك قوله

{ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ
كِبْرٍ» قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ
حَسَنا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ: «إِنَّ الله جَمِيلٌ يُحِبُّ
الْجَمَالَ. الْكِبْرُ : بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ}[6]

[يعني عدم الاعتراف بالحق مع التلبس بالباطل يعني يرى الإنسان نفسه مخطئاً ولا يعترف بخطئه ويصر أنه على صواب ]

لأن الاعتراف بالحق فضيلة وهذا مرض قد شاع وانتشر في عصرنا وزماننا فإن
المرء يعرف ويتيقن أنه على خطأ ولكنه يكابر ويجادل ويرفض الاعتراف بذلك
وليس هذا من شرع الله ولا من دين الله في قليل أو كثير بل هو كما نعى على
أهله الله
{أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ
الْمِهَادُ}لأن المؤمن يعترف بخطئه ولو كان مع طفل صغير فضلاً عن امرأة أو
صبي أو أخ أو مسلم مهما كان شأنه فإن الاعتراف بالخطأ يمحو الضغينة في قلوب
الآخرين ويستل الحقد من قلوب الآخرين لأن اعتراف الإنسان يكون بمثابة غسيل
لقلوب الآخرين{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً
عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}كذا إن كان يجد في نفسه غلظة بدلها بالشفقة
والرحمة وجعل قدوته قول الله {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ
وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} وإن
وجد في نفسه شحاً عالجه بالكرم المحمدي وإن وجد في نفسه عجلة عالج ذلك
بالحلم النبوي وهكذاينظر في أخلاقه ويقيسها بشمائل وصفات وأخلاق رسول الله
ويتلو في ذلك بعمله لا بلسانه قول الله{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ
الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }

وقس على ذلك بقية الشمائل والأخلاق ثم ينتقل إلى عباداته فإن وجد في
عباداته تكاسلاً أو تراخياً أو قلة إخبات وخشوع وخضوع رجع إلى نفسه ليصلح
من شأنه فإن وجد نفسه يصلي الصبح بعد شروق الشمس فليبكي بدل الدمع دماً
وإذا وجد أن نفسه لا تتأسف على ذلك ولا تحزن على ذلك فإن الذي يستيقظ من
نومه بعد الشمس ولا يجد في قلبه لوماً ولا توبيخاً ولا تعنيفاً لنفسه فقد
سقط من عين الله لأن من عظمة الله جعله يعظم فرائضه ومن سقط من عين الله
جعله يتكاسل ويتراخى عن فرائضه وقد وصف بذلك المنافقين فقال {وَإِذَا
قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ
يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } وقال النبى{ بَيْنَنَا وَبَيْنَ
الْمُنَافِقِينَ شُهُودُ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ، لاَ يَسْتَطِيعُونَهُمَا
}[7]، وقال سيدنا عبد الله بن مسعود(أتى علينا وقت في زمن رسول الله كان لا
يتخلف عن صلاة الجماعة في وقتها إلا منافق ظاهر النفاق)فيتخلص من أمثال
هذه العادات وأيضاً إذا وجد نفسه يجلس يتحدث أو يجلس وليس له عمل ويستمع
إلى الآذان ولا يجد من نفسه عزيمة ولا حركة لتلبية الآذان في وقته فليعلم
علم اليقين أنه في هذا الوقت ممن باءوا بالخزلان من الرحمن لأن الله لا
يحضر أمام حضرته في الصف الأول في الوقت الأول إلا من يحبه وفى الأثر كما
أسلفنا: { إذا أحب الله عبداً سخره لأفضل الأعمال في أفضل الأوقات}وقد قال
له سيدنا جابر لرسول الله{أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلاَةُ
لِوَقْتِهَا }[8]

ثم بعد ذلك يكون للمسلم وقفة مع عاداته فإن كانت عاداته توافق شرع الله حمد
الله عليها وذلك كعاداته في أكله وفي شربه وفي زيه وفي نومه وفى مشيه وفي
حديثه وفي جلوسه مع الآخرين فإن كان من الذين{إِذَا أَنفَقُوا لَمْ
يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }فرح وبشر
نفسه لأنه من عباد الرحمن أما إذا كان مقتراً على نفسه، وأهله مع السعة أو
مبذراً فإن هذه علامة أن الله لا يحبه لقوله{إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ
الْمُسْرِفِينَ }وقوله{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ
الشَّيَاطِينِ}فمثلاً إن كان يشرب دخاناً فالله أمرنا أن نشكره على النعم
ومن أجل النعم نعمة المال وهل يليق بمؤمن أعطاه الله المال أن يشكره بحرق
هذا المال؟ هذا مع أنه يحرق مع المال صدره ورئتيه وأعضاء جسمه لا يحرق
المال فقط بل يضر نفسه ويضيق على أهل بيته فليهجر هذه العادة الذميمة مع
مطلع العام الهجري الجديد ليكون من المهاجرين{لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً
مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}ما جزاؤهم؟{
أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ }

إذا كان يجالس بعض الغافلين الذين يخوضون بالباطل في أعراض الآخرين ولا
يتورعون عن الغيبة والنميمة فليمتثل لقول ملك الملوك{فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ
الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}يهجر هذه المجالس ويجالس الذين
أمر الله المؤمنين أن يجالسوهم في قوله{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }

وكذلك إذا كان له عادات في مشيه وفي نومه وفي حديثه لا تطابق ما ورد في
كتاب الله وفي سنة رسول الله فليهجرها ليكون مهاجراً وكذلك في معاملاته
فالرجل الصالح في زماننا هو الذي يتعامل مع الخلق على سنة سيد الخلق فلو
كانت الكذبة الواحدة ستدر عليه ملايين الدولارات يرفضها ويأباها لأن فيها
مخالفة لله ومخالفة لحبيب الله ومصطفاه ويكفي أن الكاذب يدخل في قول الله
{فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }

فلا يدخل في لهو ولا في مزاح ولا في جد لا مع صبيان ولا مع أهله ولا مع
إخوانه لأن المؤمن الصادق في كل أقواله وأعماله فيتحرى في تعامله مع إخوانه
أن يكون من المؤمنين وهذا يقتضي أن يتبرأ من الغش لقول سيد الأولين
والآخرين: {مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا}[9]

فلا يغش الأمة أو أي فرد من الأمة في نصيحة أو في قول أو في عمل أو في بيع
أو في شراء أو ما شابه ذلك فلو طالبه إنسان بنصيحة وقال خلاف ما يعرف ويعلم
إن ذلك خلاف الحقيقة فهو غش يحاسب عليه يوم الدين وما أكثر الغشاشين في
زماننا بهذه الطريقة إذاً عرفنا من هو المهاجر؟ المهاجر هو الذي يهجر من
نفسه خلقاً ذميماً أو عادة سيئة أو معاملة غير طيبة وقد قال أحد
الصالحين(ليست الكرامة أن تطير في الهواء لأن أي طائر يفعل ذلك، ولا أن
تمشي على الماء لأن الأسماك تستطيع ذلك، ولا أن تقطع ما بين المشرق والمغرب
في لحظة لأن إبليس يفعل ذلك ولكن الكرامة أن تغير خلقاً سيئاً فيك بخلق
حسن)وهذه هي العظة الكبرى من الهجرة فإن النبي استطاع أن يغير أخلاق العرب
من الفسق والفجور والظلم والكبرياء واللهو والمجون والفخر بالآباء والأجداد
والأحساب والأنساب إلى فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى قال: {المهاجِرُ مَن
هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه}


[1] متفق عليه.

[2] رواه ابن حبان في صحيحه والبخاري والطبراني في الكبير، والدار قطنى في السنن عن سهل ابن سعد.



[3] رواه أبو يعلى في مسنده عن أنس.



[4] رواه أحمد وأبو داود في سننه والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة.



[5] رواه ابن ماجة في سننه والبيهقي في سننه، السيوطي في الكبير، وأبو داود في سننه والحاكم والترمذي عن ابن عباس.



[6] رواه مسلم والسيوطي في الفتح الكبير عن ابن مسعود.



[7] رواه الطبراني في الكبير عن قتادة، والأوسط عن عائشة.



[8] رواه مسلم عن ابن مسعود، والخطيب عن أنس والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود.



[9] رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في سننه وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





التقييم : 3
نقاط : 357210
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

 الهجرة أسرار وأنوار Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة أسرار وأنوار    الهجرة أسرار وأنوار I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 26, 2012 9:44 pm





كفاية الله لرسوله أمر الكافرين


{إِنَّا
لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } وعد كريم من العزيز الحكيم وعد فيه بالنصر
عباده المؤمنين وحزبه المفلحين وقد أكد الوعد بإنَّـا وزاد تأكيده بلام
التوكيد{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا} وليس الرسل وحدهم ولكنه شملنا
معهم{وَالَّذِينَ آمَنُوا}أي نحن ننصر الرسل والمؤمنين الذين معهم في أي
مكان يا رب؟ قال في الحياتين في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، في
الدنيا وفي الآخرة أظن بعد هذا الوعد ماذا يريد الإنسان بعد ذلك؟ عندما
يكون الوعد صريحاً من الله بأن الله يتعهد ويؤكد وليس بأداة واحدة من أدوات
التوكيد ولكن بأكثر من أداة بأنه سينصر رسله والمؤمنين في الحياة الدنيا
ويوم يقوم الأشهاد.
ماذا يريد المؤمن بعد ذلك من الله؟هذا الوعد ظهر بأجلى مظهره في هجرة سيدنا
رسول الله فالكفر كله تحدى رسول الله ووقفوا جميعاً ضده حتى كان يتجشم
الصعاب من أجل أن يبلغ دعوة الله فقد كان العرب يأتون للحج من أول شهر شوال
يعني عقب عيد الفطر وكان لهم ثلاثة أسواق سوق عند مكة وهو عكاظ وسوق عند
منى وهو ذي المجنة وسوق قريب من عرفات وهو ذي المجاز فيخرجون من هذا السوق
إلى هذا السوق إلى هذا السوق ويذهب رسول الله لتبليغ دعوة الله فيأتي
الوليد بن المغيرة عليه لعنة الله وكان قائد الفريق الذي يتزعم القضاء على
دعوة رسول الله وأبو لهب قائد فرقة المطاردة التي تطارد رسول الله فيحضر
الوليد بن المغيرة ليرى القبائل التي تصل إلى مكة أو إلى هذه الأسواق وكانت
تأتي من اثنى عشر طريقاً فكان يقسم أعوانه إلى اثنى عشر فريق وكل فريق له
أربعة يقفون بالتناوب اثنان يسلموا اثنين بحيث يقفون على الطريق طوال الوقت
يصفون الرسول لهؤلاء القوم ويصفونه بأنه ساحر أو مجنون ويقولون لهم نحن
قومه وأعرف الناس به فلا تسمعوا لكلامه ويحذرونهم تحذيراً شديداً من رسول
الله
أما الفرقة الثانية بقيادة عمه أبي لهب وكان اسمه عبد العزى فقد كان يسير
خلفه على الدوام وكلما يجلس الرسول مع جماعة ويكلمهم يقول أبو لهب لا
تسمعوا لكلامه هذا ابن أخي وأنا أعرف به فلا تصدقوه فيقولون له إذا كان عمك
يقول فيك هذا الكلام عندما تتبعك عائلتك وعمك نتبعك نحن هذا في الأسواق.

أما في داخل مكة فكانت فرق الاستهزاء برسول الله جماعة يصفرون عليه عندما
يمشي وجماعة يصفقون ويطبلون عندما يرونه ماشياً وجماعة عندما يرونه يمشون
أمامه وخلفه ويتهكمون ويستهزءون ويتغامزون عليه كل هذه ألوان لمعاكسة رسول
الله وكان رسول الله يؤيده الله{ وقد استهزأ أحدهم بالنبى عليه السلام فى
بعض الاوقات حيث سار خلفه عليه السلام فجعل يخلج انفه وفمه يسخر به فاطلع
عليه فقال له «كن كذلك» فكان كذلك الى ان مات لعنه الله واستهزأ به عليه
السلام عتبة بن ابى معيط بصق فى وجهه فعاد بصاقه على وجهه وصار برصا ومر
عليه السلام بجماعة من كفار اهل مكة فجعلوا يغمزون فى قفاه ويقولون هذا
يزعم انه نبى وكان معه عليه السلام جبريل فغمز جبريل باصبعه فى اجسادهم
فصاروا جروحا وانتنت فلم يستطع احد ان يدنو منهم حتى ماتوا }[1]
أى أن الله تعالى انتقم منهم جميعاً لكننا نرى كيف تحمل رسول الله كل ذلك
وكان هناك من يجعله ساجداً ويضع عليه أحشاء الحيوانات ويضعون في طريقه
الشوك أنواعاً وأنواعاً من العذاب لا تتحملها الجبال الراسيات تحملها رسول
الله وكذلك تحملها صحابة رسول الله مع أن رسول الله كان عمه يدافع عنه ولكن
كان هناك أناس غرباء لا يجدون من يدافع عنهم
والأعجب من ذلك أنهم قاطعوه وعائلته ثلاث سنوات ومن معه من المسلمين لا
يبيعون لهم ولا يشترون منهم ولا يزوجونهم ولا يتزوجوا منهم مقاطعة كاملة
حتى أنهم لم يجدوا ما يأكلوه فهناك من يأكل ورق الشجر أو أعشاب الأرض أو لا
يجد مع شدة الجوع ومع ذلك صبروا حتى رنَّت شهادة التوحيد في آفاق العالم
العلوي والسفلي ودوت في أرجاء الكون كله ونصره الله وأعز دينه ونصر جنده
وهزم الأحزاب وحده هذا كله أيها المسلمون يتجلى في قصة الهجرة بعدما نصر
الله رسوله وأيده وأكرمه واتفق مع الأنصار أن يهاجر إلى مدينتهم فقال
لأصحابه (لقد جعل الله لكم مكاناً)
فأذن لهم بالهجرة إلى المدينة فذهبوا إلى المدينة فلم يبق في مكة من
المسلمين المعروفين غير سيدنا رسول الله وسيدنا أبو بكر وسيدنا علي وبعض
المستخفين بالإسلام وهاجر الجميع، فقال الكفار هذه فرصة لا تفوتنا لأنه لو
خرج من بيننا وذهب إلى المدينة سوف يجند هناك جيشاً ويحاربنا ولن نقدر عليه
فقاموا بعمل اجتماع عاجل في دار الندوة بحضور إبليس اللعين لإعداد خطة
حكيمة للقضاء على الرسول بدون إثارة قبيلة بني هاشم فقال أبو البحتري بن
هشام: الرأي أن نحبسه في غرفة ونمنع عنه الطعام والشراب إلى أن يموت فقال:
إبليس إن هذا ليس برأي لأنكم تعرفون مدى حبهم له ولو وضعتموه في سجن ومن
خلفه سبعون سجناً سوف يصلون إليه ويخرجوه وينتصرون عليكم وكانت هناك آراء
كثيرة ورفضت فقال أبو جهل: نأخذ من كل قبيلة واحداً ويقفون جميعاً على باب
الرسول ويحيطون بالمنزل وعندما يخرج لصلاة الفجر يضربونه ضربة رجل واحد
بحيث تختلط به جميع السيوف فيشترك في قتله الجميع فلا تستطيع بنو هاشم
محاربة الجميع فيرضون بالدية فقال لهم إبليس:هذا الرأي الصواب الذي ليس
بعده رأي ووافق الجميع على هذه الخطة وهذا الاقتراح ووكلوا أبا جهل في
تنفيذ هذا الأمر والقيام به واتفقوا على أن يكون هذا الأمر سرياً للغاية
وينفذونه فوراً حتى تكون الخطة عاجلة وقال بعض المؤرخين بأن الاجتماع كان
في الصباح وتنفيذها في المساء في نفس اليوم وقيل أن أبا جهل قال لهم لا أحد
يخرج من هذا الاجتماع ومن هذا المكان إلا أن يأتي لكم الخبر بأننا قتلنا
محمداً لأنه لو خرج واحد منكم ربما يذيع الخبر وهذا الذي نزل فيه قول الله
عز وجل في الحال{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ}
يعني يحبسوك {أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} الثلاث خطط
{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}
وهنا وقفة أن مكر الله ليس كمكرنا فمكر الله يعني تدبير الله ومعناها تقدير
الله ومعناها تصريف الله لأن مكرنا الكيد والحيل والدهاء لكن مكر الله
التدبير والتقدير والتصريف منه لعباده واختار أبو جهل سبعين رجلاً بسيوفهم
حول بيت سيدنا رسول الله والسبعين كثيرين وغير معقول أن السبعين يشتركون في
القتل واختار من السبعين خمسة يقفون على الباب ويضربونه جميعاً مع بعضهم
وفي نفس الوقت يقف على جميع فتحات مكة قوات من أجل إذا خرج تمسك به القوات
يعني حصار شديد في جميع أنحاء مكة فانظر كيف ينصر الله رسله{إِنَّا
لَنَنصُرُ رُسُلَنَا}مع أنهم يعسكرون حول البيت ومتيقظين وليسوا نائمين
وأبو جهل يقول لهم أن محمداً يقول أن من يتبعه سوف يملك ملك كسرى وملك قيصر
ويوم القيامة يكون له جنان يعني حدائق مثل حدائق الأردن والذي لم يتبعه
سيقتل قتل عاد وإرم ويوم القيامة يدخل جهنم فيخرج عليهم رسول الله ويقول
لهم { نعم أنا أقول هذا وأنت منهم} وهذا الكلام في وجه أبي جهل وأخذ حفنة
من تراب ووضعها على رءوس الجميع كيف يكون ذلك؟ما هو السلاح الذي كان معه؟
{يس{1} وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ{2} إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ{3} عَلَى
صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{4}[ إلى]فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ
يُبْصِرُونَ{9}
ماذا حدث في هذا الوقت؟ أنزل الله سلاح الضباب الكثيف على أعينهم فأصبحوا
لا يرون من أمامهم وليس ذلك فقط ولكن الله جعل على آذانهم غشاوة لا يسمعون
حديثه أو مشيه أو رؤيته وأيضاً أفقدهم الله الإحساس بالتراب الذي وضع على
رءوسهم وكأن هذا التراب من جهنم فكل من جاء على رأسه تراب قتل في غزوة بدر
أو في غزوة أحد وهذه إرادة الله ويقول في ذلك النبى{ إذا أَرَادَ الله
قَبْضَ عَبْدٍ بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ إِلَيْهَا حاجَة }[2]
ولذلك فالرسول في غزوة بدر جاء قبل المعركة ومشى وقال هنا يموت أبو جهل
وهنا يموت أبي بن خلف وهنا يموت فلان حدد في كل مكان من يموت فيه منهم
والمكان الذي حدده الرسول هو الذي مات فيه كل منهم وكان هذا قبل المعركة
وكأنه أحضر التراب من هذه الأماكن التي ماتوا فيها وكل واحد وضع على رأسه
التراب كان أجله في هذه الغزوة ويخرج رسول الله من مكة ولا يحس به أحد كيف
يخرج مع وجود كل هذه القوات وهذه الجنود؟ حدث عندهم ذعر وجنون كيف يخرج من
بيننا ولم نره ونحن فرسان العرب ونحن قادة العرب كيف يكون ذلك؟وعلى الفور
أرسلوا فوجاً إلى كل طريق وأجَّروا أدلاء يعرفون الأثر من أجل أن يعرفوا
أين ذهب وإلى أين توجه ومن أجل أن يصلوا إلى مكانه ولكن الله يتحداهم لا
بالملائكة ولا بقوات ولا بالدبابات ولا بالطائرات ولا بالصواريخ
ولكن التحدي كان بأضعف المخلوقات سوف أنصر حبيبي بأضعف الأشياء من أجل أن
تعلموا بأنكم ليس لكم وزن عند الله وهذه إرادة الله يذل الجبابرة بأضعف
المخلوقات مثل النمروذ لما طغى وتجبر وقال إني إله ووضع سيدنا إبراهيم في
النار أرسل له بعوضة دخلت في أنفه واستقرت في رأسه ولم يسترح إلا بضرب
النعال على رأسه لمدة أربعين يوماً إلى أن مات هذا الملك الذي عمل إله مات
ببعوضة وهذه قدرة الله من أجل أن يذل الجبابرة وكذلك زعماء مكة أذلهم الله
بهذه الطريقة فهذا الوليد ابن المغيرة من كبار قريش ذهب ليشتري سهاماً من
أجل الحرب فتعلق في ثوبه سيف فاستكبر أن يبعده عن ثوبه فوخذه السيف في قدمه
فمات وكذلك البختري بن هشام جالس بجوار شجرة ومعه عبد من عبيده فنزل سيدنا
جبريل وظل يضرب رأسه في الشجرة فيقول للعبد ادفع عني فيقول له إني لا أرى
شيئاً وظل يضرب رأسه في الشجرة إلى أن مات وكذلك العاصي بن وائل السهمي كان
من الذين يستهزءون برسول الله وأثناء سيره مع أولاده قال لقد لدغت من قدمي
فلم يجدوا شيئاً وبعد خمس دقائق مات وكلهم بهذه الطريقة أذلهم الله وهذا
سر قوله سبحانه{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}
قال النبى يقول الله تعالى: { مَنْ عَادَىٰ لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ }[3]

كان من عناية الله بأنبيائه ورسله والصالحين من عباده أن يعز حبيبه وصفيه
ويخذي الكفار بأضعف المخلوقات فيرسل له نباتاً وعنكبوتاً وزوجاً من الحمام
في الغار والغار عبارة عن حجر من الجبل له باب فيخرج النبات في وسط هذا
الباب نبات كبير مشهور في الصحراء اسمه (أم غيلان) يخرج منه فروع كثيرة مثل
القطن ولذلك يستخدمونه في صناعة المراتب والألحفة وغيرها وغطى الباب كله
وبقى جزء صغير وفي الحال نزل العنكبوت ونسج عليه الخيوط، وفي الحال جاءت
الحمامتان على العش وتحتهما البيض والأغرب من ذلك أرادوا أن يعرفوا إلى أين
وصل الرسول؟ وقال لهم الأدلاء الذين معهم إلى هنا انقطع الأثر ولا نعرف
إلى أين اتجهوا وطبعاً المشي على الرمل يتعب والمشي على الصخر يتعب أيضاً
فعندما يمشي رسول الله على الرمل يتماسك حتى لا يتعب الرسول ولا يترك أثراً
في الأرض والحجر عندما يمشي عليه الرسول يلين حتى لا يتعبه ويؤثر في الحجر
فوجدوا أن الأثر انقطع في وسط الطريق والأعجب من ذلك أن بين هذا الجبل
وبين مكة حوالي سبعة كيلو مترات ولكن الرسول قطعهم في لحظات كيف ذلك؟ لأن
الأرض تطوى لرسول الله. يقول سيدنا أبو هريرة: { مَا رَأَيْتُ شَيْئاً
أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي في وَجْهِهِ،
وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَسْرَعَ في مَشْيِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
كَأَنَّمَا الأَرْضُ تطْوَى لَهُ إِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا وإِنَّهُ
لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ }[4]
ويذهب الكفار إلى الغار ويقفون على بابه في حيرة لماذا؟ والجواب هو ما أخبر
به رسول الله فى معنى حديثه الشريف أن العنكبوت جند من جنود الله وفي ذلك
يقول الإمام البوصيري :


فالصِّدْقُ في الغارِ والصِّدِّيقُ لَمْ يَرِما

وَهُـــــمْ يقولـــــونَ ما بالغارِ مِنْ أَرمِ

ظَنُّوا الحَمــــامَ وظَنُّو العَنْكَبُوتَ على

خــــــيْرِ البَرِيَّةِ لَــــمْ تَنْسُجْ ولمْ تَحُم

وِقَايَةُ اللـه أغْنَتْ عَـــــــنْ مُضاعَفَةٍ

مِنَ الدُّرُوعِ وعَنْ عالٍ مِـــــنَ الأُطُمِ

ما سامَنِي الدَّهْرُ ضَيْماً وَاسْتَجَرْتُ به

إلاَّ وَنِلْتُ جِــــواراً مِنْـــــهُ لَمْ يُضَـــــم

فحماه الله من الأعداء بأضعف المخلوقات{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}


[1] تفسير حقي، وتفسير نور الأذهان لإسماعيل البروسوى، وقد ورد القصص ذاتها فى كتب السنة متفرقة، برصاً أى أصابه مرض البرص.

[2] رواه أحمد والترمذي عن مطر بن عكامس، عن أبي عزة

[3] رواه البخاري في صحيحه والسيوطي في الكبير والبيهقي في سننه وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة.

[4] رواه الترمذي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





التقييم : 3
نقاط : 357210
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

 الهجرة أسرار وأنوار Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة أسرار وأنوار    الهجرة أسرار وأنوار I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 26, 2012 9:45 pm










لماذا هاجر النبي من مكة إلى المدينة؟


سؤال
دائماً يراودنا لماذا هاجر النبي من مكة إلى المدينة؟ ولماذا أمر أصحابه
من قبل بالهجرة مرتين إلى بلاد الحبشة؟ إن الإجابة التي نحفظها جميعاً
فراراً من أذى الكفار ومن شدة بطش الكافرين والجاحدين فراراً بدين الله
وبنور الله وبالإيمان بالله قد يكون هذا ينطبق على الهجرة الأولى إلى بلاد
الحبشة لكن الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة كان لها غاية أخرى وحكمة
ثانية كبرى ومن أجلها تدبَّر وتروَّى سيدنا رسول الله قبل أن يختار الله له
هذا المكان، لماذا هاجر إلى المدينة؟إنه كان يبحث عن مكان يقيم بين أهله
وذويه مدينة فاضلة على العقيدة الحقة والأخلاق الصادقة والمعاملات الحسنة
والعبادات الخالصة لله ويريد أن تكون هذه المدينة نموذجاً تحتذيه كل المدن
والقرى الأرضية إذا أرادوا إصلاح أحوالهم وإذا أرادوا انتعاش تجارتهم
وأموالهم وإذا أرادوا صلاح أخلاقهم وتهذيب نفوسهم وإذا أرادوا في الآخرة
السعادة عند ربهم ولذا نقول لإخواننا أنه لا سعادة لمجتمعنا أو لأي قرية أو
مدينة في بلادنا أو غير بلادنا إلا إذا طبقت من جديد الأسس والسجايا
والقيم والأخلاق التي أرساها رسول الله في دار هجرته وقد عبر عن هذا الحال
جعفر بن أبي طالب عندما طلبه النجاشي ملك الحبشة استجابة للشكوى التي تقدم
بها عمرو بن العاص بالنيابة عن قريش لقد أرسلوه بالهداية إلى النجاشي
وطلبوا منه أن يكلمه ليقبض عليهم ويردهم إلى السجون والتعذيب في مكة كما
كانوا من قبل ولكن النجاشي كما وصفه الصادق الأمين{لا يظلم عنده أحدٌ،
وأرضه أرض صدق } فلم يرضَ بالحجة بدون الأخرى فإن الدين القويم يحتم على كل
مؤمن ألا يحكم على قضية من أول وهلة ومن أول شاكي بل لابد أن يسمع إلى
المشكو لأنه ربما يكون مظلوماً ومعه الحق وقد قيل لسليمان عندما جاءته
امرأة باكية وتدعي لها حقاً على ضرتها فقال من حوله: إنا نرى الحق لهذه
قال: ولم؟ قالوا: لأنها تبكي. قال: ومن أدراكم بالثانية ربما تكون قد فقأت
لها عيناً أو كسرت لها عضواً منعها من سرعة المجيئ فلا يجب على مسلم في
قضية كبيرة أو صغيرة أن يحكم إلابعد أن يستمع إلى الإثنين الشاكي والمشكو
حتى يتبين له وجه الحق وإذا كانوا يكذبون على سيد الخلق حتى قال
النبى{إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ
أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ} يستطيع أن ينمق الكلام ويزخرف الكلام
حتى يروق في عين السامعين ثم قال محذراً {فَأَقْضِي لَهُ عَلَىٰ نَحْوٍ
مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئاً،
فَلاَ يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ
}[1]فطلب النجاشي جعفر ومن معه وقال لهم: اختاروا رجلاً يتحدث عنكم،
فأشاروا إلى جعفر فقال: ما شأنكم؟ فقال(كنا قوماً في جاهلية نعبد الأوثان
ونقطع الأرحام ونشرب الخمر ونفعل الفحشاء، ونكذب في الحديث حتى بعث الله
إلينا رسولاً منا نعرف نسبه ونعرف صدقه دعانا إلى الإيمان بالله وإلى صدق
الحديث وإلى صلة الأرحام وإلى حسن الجوار وإلى الوفاء بالعهد) وأخذ يعدد له
فضائل الإسلام التي جاء من أجلها نبي الإسلام ما أردت أن أذكره في هذا
الصدد: أن نبيكم الكريم جاء بهذه الأخلاق الكريمة والقيم العظيمة فوجد
العرب في مكة لا يريدون أن يغيروا طباعهم، ولا أن يهذبوا أخلاقهم ولا أن
يعدلوا أحوالهم فيصرون على شرب الخمور ويصرون على الزنا والفجور ويصرون على
قطع الأرحام ويصرون على إيذاء الأيتام ويصرون على الجفاء بين الأنام
ويصرون على هذه الخبائث، وهو يريد أن يصنع مجتمعاً للأنام فيه القيم
الفاضلة والأخلاق الكريمة فكان ذلك سر هجرته إلى المدينة هاجر إلى المدينة
عندما وجد في أهلها شوقاً إلى هذه الخصال، ورغبة في هذه الأخلاق، وحمية في
نصرة هذه الشمائل والصفات، فهاجر إليهم فنشرها فيما بينهم فأصلح هذا
المجتمع وهذا سر إصلاح أي مجتمع وله أسس ثلاثة ذكرها الله في قرآنه وجعلها
دستوراً إلى أن ينتهي الزمان وأن ينتهي المكان ويرث الله الأرض ومن عليها
دستور الإصلاح لأي مجتمع على البسيطة، ما هو يا رب؟{وَالَّذِينَ
تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ
هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا
أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ
خَصَاصَةٌ}هذه القيم وهذه المبادئ وتحتها آلاف المبادئ الإيمانيةوآلاف
القيم الإسلامية لكن هذه هي مجمل الآداب الإيمانية والإسلامية التي عليها
صلاح الحال وصلاح الأفراد، وصلاح العباد، وصلاح البلاد، وصلح كل واد وناد
فإن صلاح الكل بنشر المحبة، وديننا أيها الأحبة هو دين المحبة، فليس
للبغضاء طريق في الإسلام وليست للكراهية طريق بين المؤمنين، وإنما أسس هذا
الدين على الحب لله والحب لرسول الله والحب لكل من آمن بالله وحتى لو كان
هذا الذي آمن بالله، أخطأ في حق نفسه أو أساء في حق ربه أو ارتكب محرماً،
فإني لا أكرهه في ذاته لأن هذا ينافي دين الله ولكني أكره هذا الخلق الذي
اتصف به وهذا العمل الذي قام به فإذا تركه فهو أخي وحبيبي في الله ورسوله
وقد قيل لأبي الدرداء إن أخاك فلان وقع في إثم عظيم فهل تبغضه؟قال: لا
وإنما أبغض عمله فإذا تركه فهو أخي، ثم قال لهم ناصحاً: أرأيتم لو أن أخاً
لكم وقع في بئر، ماذا كنتم فاعلين؟ قالوا: نأخذ بيده. قال: كذلك أخاكم إذا
وقع في ذنب تأخذوا بيديه لتنقذوه من إبليس وجنوده إلى حزب الله وإلى دين
الله وإلى أنصار الله وقد قال في ذلك رسولكم الكريم :أوثق عرى الإيمان لم
يقل الصلاة ولم يقل الزكاة، ولا الصيام، ولا الحج مع أهميتهم البالغة عند
الله ولكنه قال{أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ الحُبُّ فِي اللَّهِ وَالبُغْضُ
في الله}[2]إن الحب لله وفي الله أيها المسلمون هو المرهم الذي يداوي
العاصي من المؤمنين، وهو الشفاء الذي يشفي به الله صدور الموحدين وهو
الترياق الذي به يدخل كل مؤمن إلى رضوان رب العالمين من الذين يدخلون جنتك
يا رب؟ ومن الذين ينالون رضوانك يوم القيامة يا رب؟ استمع إليه وهو يحدد
صفاتهم ويبين سماتهم فيقول{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ
إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}الذي انتزع الغل والحقد والحسد
والبغضاء والكراهية من قلوبهم لعباد الله المؤمنين هو يكره اليهود ويبغض
الجاحدين ويحقد على الكافرين لكن لايجب على مؤمن أن يتصف بهذه الصفات
بالنسبة للمؤمنين وإلا كان عمله كله - حتى لو ملأ البر والبحر عبادة -
حابطاً هالكاً يوم لقاء رب العالمين فالإسلام هو الحب يا جماعة المؤمنين
لأن الله عندما مدح الأنصار لم يمدحهم بالصلاة ولا بالزكاة ولا حتى
بالشجاعة في ميدان القتال في سبيل الله وإنما أول صفة مدحهم بها وعليها
الله {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}الحب ولذا أكد عليها النبي
الكريم فقال{ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ
جَارَهُ. وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ
ضَيْفَهُ. وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ
خَيْرا أَوْ لِيَسْكُتْ }[3] تلك آداب الإسلام وتلك تعاليم نبي الإسلام
عليه أفضل الصلاة وأتم السلام فإن أبا بكر الصديق عندما بيَّن الله فضله
وبيَّن النبي منزلته ومكانته عند الله، أخذ يتحدث أصحاب رسول الله فيما
بينهم عن سرِّ حصوله على هذه المنزلة، وسرِّ علوه إلى هذه المكانة فبعضهم
قال لقيامه الليل، وبعضهم قال لإكثاره من صيام النهار، وبعضهم قال لإكثاره
من تلاوة القرآن، وبعضهم قال لتبتله بين يدي الواحد القهار، فخرج عليهم
النبي المختار وهم على ذلك فقال{ما فضلكم أبا بكر بكثير الصلاة، ولا بكثير
الصيام، ولكن بشئ وقر في صدره}[4] وما هو؟ هو الحب لله، والحب لرسول الله،
والحب لعباد الله المؤمنين، حتى أنه عند انتقال رسول الله إلى الرفيق
الأعلى، وقد اختاره لإمامة الصلاة، وقال لامرأة جاءت إليه في قضية ثم رجعت
وقالت: إذا رجعت ولم أجدك فإلى من اتجه؟ قال: إلى أبي بكر، وأشار إليه
إشارات صريحة لكنه لشدة الحب في قلبه كان يتدافع الإمامة، ويقدم عمر، ويقول
عمر أولى مني، ثم يقدم أبا عبيدة ويقول أبا عبيدة أحق بهذا الأمر مني
ويريد أن يعطيها لإخوانه حتى يظلوا أحباء فيما بينهم أوفياء لبعضهم لاتنفك
المحبة عن صدورهم لأنه يعلم أن المحبة هي أساس الصفاء في مجتمع المؤمنين
وهي أساس النقاء في علاقات المؤمنين وهي أساس قبول الأعمال عند رب العالمين
قال النبى{ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ،
مَنْ كَانَ الله وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ
يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لله وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُود
فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ الله مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ
يُقْذَفَ فِي النَّارِ}[5]إن المرض الأول الذي استشرى في مجتمعنا وعكر
علينا صفو حياتنا ليس الغلاء وليس قلة الرواتب وليس كثرة المشاغل والمصالح
إنما المرض الأول هو الأثرة والأنانية التي جعلت كل منا يحب نفسه وفقط. أما
أوصاف المؤمنين فهي{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ
خَصَاصَةٌ}أصبح كل واحد منا يحب الخير لنفسه فقط، وإذا زاد قليلاً فلنفسه
وولده، وبعد ذلك لا يتجاوز قيد أنملة لكن المؤمنين يحبون لإخوانهم ما يحبون
لأنفسهم اسمعوا معي إلى هذا الدواء النبوي، الذي يحل كل هذه المشاكل في
لمسة حنان محمدية، ولمسة لطف رحمانية ربانية يقول فيه خير البرية {لا
يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ }[6] لو
طبقنا هذا الدواء، لزالت جميع الأسقام والأدواء فأنا لا أحب أن يغتابني
رجل فلماذا أغتاب غيري؟وأنا لا أفرح أن يسبني ابن أخي فلماذا أسمح لابني أن
يسب أخي؟ وأنا لا أرضى لزوجة جاري أن تجاهر زوجتى بالسب والشتم فلماذا
أرضى لزوجتي أن تجاهر جارتها بالسب والشتم؟وقد أنهرها ظاهراً أمام الناس
وأشجعها بعد ذلك باطناً في الخلوة بعد اختفاء الناس أنا لا أرضى أن ينقل
جاري حد الأرض ويأتي به علي فكيف أنقل الحد في أرض جاري أنا لا أرضى أن
تنزل بهيمة جاري وتقضي على زرعي، فلماذا أرضى أن تنزل بهيمتي وتقضي على زرع
جاري؟وغيرها وغيرها فالمؤمن يحب لجاره ما يحب لنفسه، ويرضى لجاره ما يرضاه
لنفسه وقد جعل الإسلام الجيران ثلاثة: جاراً له حقوق ثلاثة وهو الجار
المؤمن القريب له حق الجوار وحق الإسلام وحق القرابة، والجار البعيد المسلم
له حق الجوار وحق الإسلام، والجار اليهودي والنصراني فله حق الجوار، وحق
الجوار في شأنه كبير والذي يطالب بالحقوق ملك الملوك فهذا نبيكم كان جاره
يهودياً وهو القائد والحاكم ويستطيع بإشارة أن يجعله يترك داره، ويهجرها
إلى مكان آخر لكنه لا يروِّع أحد – فالمسلمون لا يغصبون أرض أحد، فعندما
أخذ عمرو بن العاص أرض يهودية وضمها إلى مسجده الذي تعلمون واشتكت إلى عمر
بن الخطاب أمر أن يرد الأرض إلى صاحبتها لأنه لا يجوز للمسلم أن يتعبد على
أرض مغصوبة من أهلها -فتركه في جواره ولكنه زاد في إيذائه فكان يجمع
العذرات ويضعها على بابه قبل كل صباح فيخرج رسول الله ويزيلها بتؤدة وأناة،
ويطهر المكان ويغسل الباب من الأذى ولا يقول شيئاً فخرج يوماً ولم يجد
أثراً فسأل عن اليهودي فقيل:أنه مريض فقال: وجبت زيارته لأنه جارٌ فذهب
إليه وزاره، وقال: لقد عودتنا على عادة فلما لم نرها سألنا عنك، فقالوا:
مريض فقلنا: حق علينا زيارتك، فكانت النتيجة أنه أسلم لله عندما وجد هذه
الشمائل المحمدية والأخلاق الربانية في النبى فدين الإسلام يا إخواني يجعل
المؤمن غير كامل الإيمان إلا إذا كان يحب الخير لإخوانه المؤمنين أكثر من
نفسه. أما بقية الصفات التي تحدث عنها الله، فلها وقت آخر ولكن أقرءوها
وتدبروها وعوها واعملوا بها واحفظوها في قلوبكم{يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ
إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا
وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





التقييم : 3
نقاط : 357210
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

 الهجرة أسرار وأنوار Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة أسرار وأنوار    الهجرة أسرار وأنوار I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 26, 2012 9:45 pm


إلا تنصروه فقد نصره الله



علامة
حب الله لأي عبد من عباد الله بينها رسول في حديثه الذي يقول فيه{إذَا
أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً فَقَّهَهُ فِي الدِّينِ}ولم يكتف بذلك
لأن العلم لابد له من العمل فأكمل وقال{إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ
خَيْراً فَقَّهَهُ فِي الدِّينِ وَأَلْهَمَهُ رُشْدَهُ}[1]يعني وفقه في
العمل الذي تعلمه وحادثة الهجرة السعيدة تزيد إيمان المؤمن إيماناً وتفاصيل
الحادثة الحمد لله كلنا يعلمها لكن اكتفي منها بما أبشر به نفسى وإخواني
بعناية الله وكفالة الله وتأييد الله لكل عبد تمسك بهدى الله يكفينا جميعاً
قول الله{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ}ولم يقل في الآية فقد
ينصره الله وإلا كان النصر معلقاً وحادثاً لكن جاء بما يفيد أن النصر من
الله مقدر له قبل خلق الخلق لأن القرآن كلام الله القديم فقد نصره الله قبل
خلق الخلق، ونصر الله واضح في آيات القرآن فإن الله كما أخبر القرآن عندما
خلق الحبيب روحاً نورانية قبل خلق جسمه وخلق أرواح الأنبياء والمرسلين
جميعهم وأخذ عليهم العهد والميثاق أجمعين أن يؤمنوا به وينصروه ويؤازروه
ويبلغوا أممهم بصفاته ونعوته ويطلبوا ممن طال به الزمن إلى عصر رسالته أن
يؤمنوا به ويتبعوه{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ}وهذا قبل
الرسالة{لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ}
والرسالة لا تكون إلا بعد ظهور الجسم في الحياة الدنيا لأنها تكليف من
الله لإبلاغ دعوة الله إلى الخلق. ماذا أخذ على النبيين من الميثاق؟{
لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ }يؤمنوا به وينصروه فأخذ الله العهد
على الأنبياء أجمعين أن ينصروا رسول الله كيف ينصروه ولم يكونوا في زمانه
وتنتهي آجالهم قبل مجئ أوانه؟ينصروه بإظهار صفاته ونعوته وعلاماته لأممهم
وأتباعهم ويأمرونهم أن يتبعوه إذا حضروه وقد كان ذلك والأمر يطول إذا
تتبعنا السيرة العطرة لكن يكفي ما جاء على لسان نبي الله موسى وما جاء على
لسان نبي الله عيسى{وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ
أَحْمَدُ}ولم يبشروا به وبنعوته فقط بل حتى أوصاف أصحابه كانت مذكورة في
التوراة والإنجيل{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} مثلهم
في التوراة ومثلهم في الإنجيل مذكورين بصفاتهم حتى أن التاريخ يروي أن عمر
بن الخطاب لما توجه للصلح مع البطارقة واستلام مفاتيح بيت المقدس ذهب
وخادمه ولم يكن لهم إلا مركب واحد فكانوا يتناوبون ركوبه عمر يركب والخادم
يمشي ثم يركب الخادم ويمشي عمر خلفه فلما اقتربوا من القوم كانت نوبة
الخادم في الركوب فقال يا أمير المؤمنين إني تنازلت لك عن نوبتي هذه لأن
القوم على استعداد للقاءك وكيف يلقون أمير المؤمنين ماشياً والخادم يركب
فأصر عمر على ذلك فلما دخلوا عليهم سألوا أين عمر؟فقالوا: الذي يمشي
فقالوا:هكذا نجد عندنا صفته في الإنجيل إنه يدخل بيت المقدس ماشياً وخادمه
راكب بجواره، فأوصاف أصحابه كذلك ذكرها الله في التوراة وذكرها الله في
الإنجيل وذكرها الله في الزابور وذكرها الله في كل الكتب السابقة وأنتم
تذكرون جميعاً أنه قال: {أَنا دَعْوَةُ أَبي إِبْراهيمَ}[2]{رَبَّنَا
وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ}هذه دعوة سيدنا إبراهيم فنصر الله
لحبيبه ومصطفاه كان من قبل القبل فقد أيده وأمر الرسل الكرام بإبلاغ صفاته
ونعوته لأممهم وهيأ الكون كله وأمره أن يكون رهن إشارته، لكن العبرة التي
نحتاج إليها في هذه الظروف الحالكة في حياتنا اليوم أن نعلم علم اليقين ولا
نشك في ذلك طرفة عين ولا أقل أن أي رجل منا أقبل بصدق على الله وتمسك في
سلوكه وهديه وحياته بشرع الله فلم ينافق ولم يمارِ ولم يبتغِ بعمله إلا وجه
الله فإن الله يجعل له قسطاً من نصر الله لحبيبه ومصطفاه فيؤيده وينصره في
أي موقع وفي أي زمان وفي أي مكان لأن هذه سنة الله التي لا تتبدل ولاتتغير
على مر الزمان ولا بتبديل المكان ونأخذ مثالاً واحداً كي لا نطيل
عليكم{إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا
فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ
مَعَنَا}فاسمعوا سيدنا موسى عندما خاف قومه بعد خروجهم من مصر من اللحاق
بهم فقالوا له: النجدة فقال لهم: لا تخافوا{كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي
سَيَهْدِينِ}أنا معي ربي لا تخافوا ولكن سيدنا رسول الله قال{إِنَّ اللّهَ
مَعَنَا}أي معنا جميعاً ولم يقل إن الله معي ومعنا هذه هى بشرى لكل مؤمن
إلى يوم القيامة ولذلك أيده الله في كتاب الله فقال{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ
مَن يَنصُرُهُ }فالذي ينصر الله ينصره الله،وهل هل الله يحارب لننصره؟ لا
ولكن يعنى من ينصر شريعته ويقيمها في نفسه وفي بيته وفي عمله وفي أهله
وفيمن حوله فنصر الله يعني إحياء شريعة الله والعمل بها بين خلق الله وماذا
كانت النتيجة ؟ بماذا أيده الله؟{فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ
وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا }أولاً أنزل عليه السكينة وكيف نأتي
بها؟لاتأتي إلا بتوفيق الله لمن أحبه الله واجتباه{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ
السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ}وكما أنزل عليه السكينة أنزل
علينا السكينة والسكينة يعني الطمأنينة بوعد الله والثقة في قدرة الله
ورعاية الله وكلاءة الله وصيانة الله وحفظ الله لمن تمسك بشرع الله ابتغاء
وجه الله فكما أنزل الله عليه السكينة أيضاً فتح المجال لجميع المؤمنين
وأعلمنا علم اليقين أن السكينة لا تأتي إلا من عنده وهو الذي ينزلها بنفسه
حتى أنه لا ينزلها عن طريق ملك ولا عن طريق أي كائن أو مخلوق بل هو ينزلها
ولم يقل ينزل (بالمضارع) بل قال أنزل السكينة في قلوب المؤمنين فيحبب إليهم
الإيمان ويشرح صدروهم للعمل بأركان الدين والاهتداء بتعاليم القرآن
والتأسي بسنة النبي العدنان ثم ماذا؟{وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ
تَرَوْهَا}أيده بالملائكة وأيده بالأرض وقال له: الأرض طوع أمرك مرها بما
شئت فيقول لها:خذيه فتمسك بفرس الفارس الذى خرج ليلحق به وتغوص به فيقول
لها اتركيه فتتخلى عن الفرس فكانت طوع أمره وليس مرة واحدة ولكن ثلاث مرات
وأيده بالحمام وأيده بكائن بسيط وحشرة صغيرة وهي العنكبوت وأيده بالأنصار
وأيده بالمهاجرين بل وأيده بأناس قبله جهزوا له المكان الذي سيسكنه فالهجرة
إلى المدينة كان يعلمها من قبل من ساعة ما نزل عليه الوحي وأخذته زوجته
السيدة خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وقال له: ليتني أكون فيها جزعاً
(يعني شاباً فتياً) عندما يخرجك قومك. فقال: أو مخرجي هم؟ قال: نعم ما
أُرسل رسول بما أرسلت به إلاأخرجه قومه حتى المكان الذي هاجر إليه كان
يعلمه منْ سبقه من الأنبياء والمرسلين ولذلك يروي القرآن أن اليهود تركوا
بلاد الشام وجاءوا إلى المدينة مترقبين ظهور النبي الذي قرُب زمانه وعندهم
صفاته وكانوا يرجون أن يكون منهم وقد ذكر الله ذلك{وَكَانُواْ مِن قَبْلُ
يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا
عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ}فقد كانوا عندما تحدث بينهم حرب وبين أي قبيلة
يقولون كما قالت السيرة العطرة: (اللهم بحق النبي الذي ستبعثه في آخر
الزمان انصرنا عليهم) فينصرهم الله وهذا معنى الآية(وَكَانُواْ مِن قَبْلُ
يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ) أي يطلبون به النصر فينصرهم
الله هل كانوا يعرفونه؟ القرآن يقول (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ
أَبْنَاءهُمْ) وهل هناك أحد لا يعرف أولاده الذي أريد أن أصل له بنفسي
وإخواني أننا جميعاً لنا نصيب في هذا الأمر إذا استمسكنا بهدى الله ولم
تغرينا مغريات الحياة ما الذي جعل الله ينصر رسول الله هذا النصر العظيم؟
أنه تمسك بهدى الله رغم ما عرضوا عليه في هذه الحياة فقد عرضوا عليه المال
وقالوا: إذا كنت تريد مالاً جمعنا لك مالاً حتى تصير أغنانا وإن كنت تريد
الملك جعلناك ملكاً علينا وإن كنت مريضاً طلبنا لك الشفاء والدواء والأطباء
قال: لا أريد ملكاً ولا مالاً ولا أي شئ في الدنيا (إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ
عَلَى اللّهِ)أريد أن تهتدوا إلى الله ولا أريد منكم شيئاً، ولذلك قال فى
الأثر: {كن مع الله يكن الله معك}إن الدرس العملي الذي نأخذه جميعاً من
هجرة رسول الله وما أكثر دروسها أن المرء منا لا يتوقف عند أي أمر أمره به
الله مهما لاقى في سبيل ذلك من صعاب فالذي أعز أصحاب رسول الله شدة عقيدتهم
فكان الرجل منهم لا يبيح لنفسه أن يخرج عن المثل والمبادئ الإيمانية قيد
أنملة خوفاً من الله مهما تعرض له من صعاب لكن في عصرنا الآفة التي انتشرت
في مجتمعنا أن الناس قد اجتهدوا من عند أنفسهم اجتهاداً خاطئاً في تبرير
الزيغ والبعد عن المثل والمبادئ الإيمانية فيبيح لنفسه الكذب بحجة أنه مضطر
ويبيح لنفسه أخذ ما يريد من المال العام بحجة أن مال الحكومة ملك للجميع
وكل واحد له فيه نصيب ويبرر لنفسه التزويغ من العمل بحجة أن أجره لا يكفي
وهذا الوقت على قدر فلوسهم مثلما نسمع منهم ويبيح لنفسه أن يخدع في تجارته
أو يغش في بيعه وكيله وبلسانه وإلا لن يستطيع أن يعيش أو يكسب في زعمه هذه
الحاجات التي سولّتها لنا النفس وعززها الشطان وهذا الذي جعل الله يبتلينا
ليذكرنا وليس للانتقام منا لأنه لا ينتقم من المؤمنين ولكن يذكرنا المرة
تلو المرة بالمرض أو الفقر أو الغلاء فكل هذه ابتلاءات كي نرجع إلى الله
لكن والله الذى لا إله إلا هو لو تمسكنا بهدى الله لفتح الله لنا الخيرات
في الأرض وأنزلها من السماء وكنا كأهل الجنة تأتينا أرزاقنا في أيدينا دون
عناء أو تعب(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ
لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)لم يقل فتحنا
عليهم خيرات لأن الخيرات ممكن تكون كثيرة ولكنها لا تكفي لأنها ليس فيها
بركة لكن لو رزقنا القليل وبارك الله فيه لأغنى عن الكثير والكثير فنحن يا
إخواني نشتكي في زماننا من كثرة الأمراض ومع كثرة المستشفيات لم تعد تستطيع
أن تقوم بمهمة العلاج والأمراض الموجودة في الأجسام كلها لا تساوي مرضاً
واحداً من أمراض الأخلاق التي حذّر منها الكريم الخلاق والتي تنخر في
مجتمعنا نخر السوس كالشّقاق والنفاق والحسد والبغضاء والكراهية والأحقاد
وغيرها من الأمراض التي نعاني منها من الضغوط النفسية والتوترات العصبية كل
هذا يسبب وجود الأمراض الجسدية والأمراض الجسدية لو لم يوجد خلفها
التوترات العصبية سوف تشفى بإذن الله لكن الذي يزيد المرض هو التوترات
والضغوط والمشاغل وكل هذا جاء من الحسد لهذا والكره لهذا حتى أن كل مؤمن
بينه وبين إخوانه المؤمنين حروباً لا عدّ لها حروب مع الأولاد وحروب مع
زملائه في العمل والحروب مع الأقارب لماذا ؟أين الذين قال الله
فيهم{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ
مُّتَقَابِلِينَ}الذين ملأوا المحاكم من أجل سهم في البيت أو سهمين في
الغيط والأخ وأولاده وزوجته حرب على أخوهم والثاني كذلك وهذا يستعد وهذا
يستبدّ ألم يسمعوا عن القول الذين أخذوا الغرباء عنهم في النسب لكنهم معهم
وقريبين منهم في الدين ويقول له تعالَ أقسم بيتى نصفين وتختر أحدهما والمال
نصفين واختر ما يعجبك وانظر إلى زوجتى الاثنتين أيهما تعجبك فأطلقها وبعد
انتهاء العدة تتزوجها أنت على سنة الله ورسوله هؤلاء الجماعة ماذا قال الله
لهم في الوسام الذي أعطاه لهم؟{يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا
يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى
أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}ليس ذلك فقط بل عندما جاءت
الفتوحات وجاءت الخيرات جمعهم النبي وقال لهم تعالَوْ معشر الأنصار
وتعالَوْ معشر المهاجرين فقال للأنصار: ما رأيكم جاءت إلينا خيرات كثيرة
أقسمها بينكم أنتم والمهاجرون ويظلون معكم؟ أم أعطيها للمهاجرين ويتركوا
لكم البيوت والأموال التي معهم؟ قالوا: لا أعطيها لهم كلها ولا نأخذ شيئاً
خرجنا منه لله{لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءُ الْرَّاجِعُ فِي هِبَتِهِ
كَالْكَلْبِ يرجع فِي قَيْئِهِ }[3]اعطِ لهم الكل ونحن والحمد لله يكفينا
رضاء الله علينا أين هؤلاء يا إخواني؟هؤلاء هم أجدادنا وهم آباؤنا وهم
قدوتنا وهم أسوتنا وهم الذين قال الله فيهم

{أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}فنحن جميعاً
نحتاج نصر الله وتأييد الله ولطف الله وتوفيق الله وهذا هو السبيل البين
والطريق القويم له


[1] رواه البزار عن ابن مسعود، البيهقي في شعب الإيمان عن أنس.


[2] رواه ابن سعد عن الضحاك مرسلاً في كتاب جامع الأحاديث والمراسيل.


[3] رواه أحمد عن ابن عباس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





التقييم : 3
نقاط : 357210
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

 الهجرة أسرار وأنوار Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة أسرار وأنوار    الهجرة أسرار وأنوار I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 26, 2012 9:46 pm


الهجرة والثبات على المبدأ




يقول الله
فى حديثه القدسى {من ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد ومن أراد رضاي أردت ما
يريد ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد أهل ذكري أهل مجالستي وأهل شكري
أهل زيادتي وأهل طاعتي أهل كرامتي وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي إن تابوا
إلي فأنا حبيبهم فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين لم يتوبوا إلي فأنا
طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب}[1]ونحن في مطلع عام هجري جديد
نقف وقفة قصيرة مع هجرة النبي الأمين نستلهم منها العبرة في حياتنا والمثل
الصادق في أخلاقنا والمثال المتفرد في علاقتنا مع خالقنا وإلهنا عملاً
بقول الله عز شأنه{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي
الأَلْبَابِ}نسمع اليوم وكل يوم من ييئس الناس من حياتهم الإيمانية ويدعوهم
إلى التكاسل والتواني في تنفيذ الشريعة الربانية ويتعلل ويقول: قلَّ
المخلصون وندر المساعدون ولا يستطيع الإنسان أن يقوم بمفرده بتنفيذ أوامر
الله والعمل بشرع مولاه ولمثل هؤلاء كانت عظتنا في حادثة الهجرة النبوية
الشريفة فالرسول وصحبه الكرام ضربوا لنا المثل الأعلى في التمسك بالحق
والسير على منهج الصدق ولم يلفته أحد عن دعوة الله فقد عرضوا عليه المال
فأباه وعرضوا عليه الملك فلم يرضاه وجاءوا له بكل وسيلة من وسائل الرفعة في
الحياة فقال قولته المشهورة لعمه{والله يا عمي لو وضعوا الشمس في يميني
والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك
دونه}صمّم على تنفيذ أمر الله ولم يعبأ بكل ما جهزه له أعداء الله اعتماداً
على مولاه وتحصناً بحصون كتاب الله واعتزازاً بشرع الله فصدق فيه قول الله
عزَّ شأنه{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} وحسبه أى
كافيه ولذا كفاه الله كل هم وفرج عنه كل غم وأعلا شأنه على مدى دروب هذه
الحياة وجعله أعلى الخلق شأناً ومقاماً يوم نلقى الله تبارك وتعالى فكان
تأييد الله وإعزاز الله له ونصر الله له مثلاً لنا أجمعين أن من يتمسك بشرع
الله ويستمسك بهدي كتاب الله ويتحصن بسنة رسول الله ولا يبالي بمن يعارضه
ولا يهتم بمن يناوؤه فإن الله يؤيده ويعضده ويساعده وينصره كما فعل بحبيبه
فقد اجتمع حول بيته أربعون رجلاً معهم السيوف المدججة متأهبين لخروجه
لينزلوا عليه بضربة واحدة فخرج من بينهم وهم يقولون لبعضهم: إن محمداً يزعم
أنه ستفتح له جنان الأردن يعني (بساتين)وخزائن فارس وأن من يتبعه سيتمتع
بتلك الجنان ويأخذ نصيبه من هذه الخزائن فخرج عليهم وقال: نعم أنا أقول هذا
وأخذ حفنة من التراب ومرّ بها على جميعهم ووضعها على رؤوسهم ولم ينظروه
ولم يروه ولم يسمعوه لأن الله أخذ بأسماعهم وأبصارهم عن رؤيته وسماعهe وكان
السلاح الفعال في هذا المجال{فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ
}وجاء المرور بقيادة أبي جهل فقال لهم: ماذا تنتظرون؟قالوا: خروج محمد قال
خيّبكم الله لقد خرج وترككم وما ترك رجلاً منكم إلا ووضع التراب على رأسه
ثم ذهب إلى الغار فكانت عناية الواحد القهار بأن أمر النبات أن يخرج في
الحال نبتة على باب الغار تسده وأمر كتيبة من العنكبوت تنسج على هذه الشجرة
على باب الغار وأمر يمامتين وحشيتين أن تصنعا عشاً على رأس هذه الشجرة
وتبيضا فيه حتى لا يعلم الأعداء ما فيه لأن الله تعهد بذلك فقال{إِلاَّ
تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ} ومن ينصره الله لا يستطيع أحد أن يصل
إليه بأذى لأنه في وقاية الله وكفالة الله وعناية الله وحماه الله في
الطريق عندما لحق به سراقة وقال له ربه: الأرض طوع أمرك فمرها بما شئت.
فعندما اقترب منه وقال أبو بكر يا رسول الله إنا لمدركون لا محالة قال{لاَ
تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}ثم قال: يا أرض خذيه فانشقت الأرض وابتلعت
الفرس وأمسكت بنصفه الأسفل مع قدمي سراقة الفارس فاستغاث به وقال يا رسول
الله: ادعو الله لي أن ينقذني ولا أعود فقال يا أرض اتركيه فتركته فلما
أراد ثانية أن يأخذه قال: يا أرض خذيه فأخذته فكانت الأرض طوع أمره تأخذه
عندما يأمرها بالأخذ وتتركه عندما يطلب منها الترك لأنه كان يتحرك بأمر
الله فجعل له الله الأكوان والأملاك والأرض ومن عليها كلها مسخرة في خدمته
وسمع بعض العرب بالجائزة التي أعدها أهل مكة لمن يعثر عليه وهي مائة جمل
فخرجت قبيلة أسلم وكان عددها سبعين رجلاً يرأسهم بريدة بن الحصيب الأسلمي
معهم السلاح من سيوف ورماح ليقبضوا عليه فيفوزوا بالجائزة.
فلما اقترب منهم قال له بريدة: من الرجل؟ قال: أنا محمد رسول الله ولم ينكر
نفسه ولم يعمِّ شخصيته فما كان من أمر الله إلا أن قذف الإيمان في قلب
بريدة وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وإنك عبد الله ورسوله فأسلم ومن معه
من قومه وقال: يا رسول الله لا تدخل المدينة هكذا وحدك وقسم السبعين إلى
فريقين وصفهما صفين صف على اليمين وصف على اليسار يحملون سيوفهم ورماحهم في
عرض عسكري وتشريف رباني إلهي ثم فك عمامته وجاء برمحه وربط فيه هذه
العمامة فكانت راية بيضاء حملها في مقدم الصفوف وقال: يا رسول الله أمشي
أنا في المقدمة بهذه الراية وهؤلاء عن يمينك وهؤلاء عن يسارك وتمشي أنت في
المؤخرة وبينما هم يتحدثون إذا بعبد الرحمن بن عوف يأتي من بلاد الشام وكان
في تجارة فقال: يا رسول الله أتدخل المدينة هكذا؟ لا والله لقد اشتريت
ثوبين من أثواب الملوك ولا يليقان إلا بمثلك فخذهما وألبسهما لتدخل المدينة
دخول الفاتحين فلبس أثواب الملوك ودخل في هذا الجيش المحشود ليتم الله
عليه نعمته ويؤيده الله بنصرته لأن الله وعده أن ينصره نصراً عزيزاً ثم دخل
المدينة وكان الأنصار قد أعدوا لهذا اليوم عدته منهم من جهَّز طعاماً
لحبيب الله ومنهم من جهَّز شراباً طيباً لرسول الله ومنهم من جهز تمراً
ومنهم من جهز حلوى ومنهم من جهَّز فاكهة وكلهم يريد أن يمسك بناقته
فقال{دَعُوهَا فًّانَّهَا مٌّامُورَة}[2]فكانت إذا مرت ببيت يهودي تمر
مسرعة ولا تقف وإذا مرت ببيت أنصاري تقف بأمر الله حتى يقدم تحيته لرسول
الله ومن معه بأمر الله فلما كان الموضع الذي اختاره الله لبناء مسجده
وموضع إقامته أناخت بأمر الله فجاء أبو أيوب الأنصاري وحمل الرحل إلى بيته
وتنافس الأنصار في ضيافة رسول الله فقال{ المرء مع رحله } ودخل إلى دار أبي
أيوب فلما استقر قال: يا أبا أيوب أين الكتاب الذي تركه تبَّع؟فأسرع إلى
إحضاره ما هذا الكتاب وما قصته؟ غزا تبَّع ملك اليمن المدينة قبل هجرة
الرسول إليها بثلاثمائة سنة ولما همَّ بدخولها خرج إليه أحبار اليهود
وقالوا: اعلم بأنك لن تتمكن من دخولها لأنها مهاجر نبي يبعثه الله في آخر
الزمان فاستشار من معه من العلماء وكانوا أربعمائة عالم هم أجداد الأنصار
من الأوس والخزرج فأقروا بذلك فأعطاهم مالاً وزوجهم وبنى لكل عالم منهم
بيتاً وملَّكه له وبنى لكبيرهم بيتاً من دورين وسلمه له وسلمه رسالة وقال
إذا هاجر نبي آخر الزمان إلى هذا المكان فهذا بيته بنيته له وهذه رسالة
سلمها إليه وكتب في هذه الرسالة [3] قائلاً:

شهدت على أحمد أنه

رسولاً من الله باري النسم

فلو مُدّ عمري إلى عمره

لصرت نصيراً له وابن عم

وجالدت بالسيف أعداءه

وفرجت عن صدره كل هم

فمنا قبائل يؤونه

إذا حل فى الحل بعد الحرم

وروى أحمد عن بن سعد: { لاَ تَسُبُّوا تُبَّعاً فَإنَّهُ كَانَ قَدْ
أَسْلَمَ }وفى النهاية : {فأنه أوَّلُ من كسَا الكعْبة}وفى المستدرك عن
عائشة: {ألم تروا أنَّ الله ذمَّ قومّه ولم يذمْه }فانظر إلى من تمسك بهدى
الله واستمسك بدين الله كيف أعزه مولاه وبنى له بيتاً قبل هجرته بثلاثمائة
عام أو يزيد وهيأ له من يصحبه من الرجال بالسيوف ومن يكسوه بثياب الملوك
ومن يحميه من أعين الكافرين وقال في ذلك{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ
اللّهُ}وهكذا أمر كل مسلم وأمر كل مؤمن يتمسك بهدى الله ولا يغير شرع الله
بأهوائه أو بأهواء من حوله ولا يغير مبدأ أقره الله عليه ولا ديناً أنشأه
الله عليه لابد أن يعزه مولاه وينصره الله لقول الله{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ
وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}قال{ لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ولكِنْ
جِهَادٌ وَنِيَّةٌ}[4] إن نصر الله لن يتخلف عن عباده المؤمنين لأنه قال في
قرآنه{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}وقال في كتابه {كَتَبَ
اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} وقال لنا أجمعين{إِن تَنصُرُوا
اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}فليس نصر الله في الحرب فقط
كما يظن البعض ولكن نصر الله هو التمسك بالأخلاق والفضائل والآداب والمثل
والقيم التي أتى بها الله في أحلك ظلمات الحياة فمن تمسك بقيمة الإيمان ولم
يتخلى عنها مع شدة دواعي الزمان نصره الله في كل مكان فالدين أساسه هذه
القيم الإيمانية فمن زعم أن الله تخلى عنه مع إنه يحافظ على الصلوات في
وقتها ويتلو القرآن ويذكر الله ويحج بيت الله نسأله ونقول له سل نفسك هل
أنت أمين في الكلام مع الخلق؟ فإذا تكلم أحد أمامك بكلمة لا تنقلها إلى
غيرك؟ فتلك الكلمة أمانة هل أنت أمين على المجالس فإذا جلست
مجلساَو{المجالس بالأمانات}[5] كما قال النبى لا تنقل أسرار هذه المجالس
فتحدث فتناً بين الجالسين وغيرهم هل أنت أمين على معاشرتك لزوجتك فلا تبيح
ولا تتحدث عما يحدث بينك وبينها؟لقد قال الحبيب : {إِنَّ مِنْ أَشَرِّ
النَّاسِ عِنْدَ اللّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي
إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا وتَنْشُرُ
سِره}[6] فيصبح وقد نزل عليه ستر الله فيقول فعلت مع زوجتي كذا وفعلت معي
كذا وهذا ليس من أخلاق المؤمنين قال ًالنبى{ أَلاَ عَسَى أَحَدُكُمْ أَنْ
يَخْلُوَ اهْلِهِ يُغْلِقُ بَاباً ثُمَّ يُرْخِيَ سِتْراً ثُمَّ يَقْضِيَ
حَاجَتَهُ ثُمَّ إِذَا خَرَجَ حَدَّثَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ أَلاَ عَسَى
إِحْدَاكُنَّ أَنْ تُغْلِقَ بَابَهَا وَتُرْخِيَ سِتْرَهَا، فًّاذَا قَضَتْ
حَاجَتَهَا حَدَّثَتْ صَوَاحِبَهَا؟» فَقَالَتْ امرأة سَفْعَاء الخَدَّين:
والله يا رسول الله إنهنَّ ليفعلن وإنهم ليفعلون، قال: «فَلاَ تَفْعَلُوا
فًّانَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانٍ لَقِيَ شَيْطَانَةً عَلَى
قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا ثُمَّ انْصَرَفَ
وَتَرَكَهَا }[7]لأنه يكشف ستر الله الذي ستره عليه فلنكن أمناء في كيلنا،
أمناء في موازيننا أمناء في مواعيدنا لا نخلف ميعاداً ولا توقيتاً هل نحن
أمناء في كل حركاتنا وسكناتنا؟ إذا كان المرء كذلك أميناً في كلمته أميناً
في بيعه أميناً في شرائه، أميناً في وعده، أميناً في مجالسه فليستبشر
وليعلم أن الله معه يؤيده وينصره ويعضده لأنه تمسك بهدى الله وكان على خلق
رسول الله


[1] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لإبن القيم الجوزيه


[2] رواه الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن الزبير.


[3] وردت فى تفسير القرطبى، وخلاصة السير الجامعة لنشوان الحميرى، واللمع اللؤلؤية فى شرح العشر بينات النبوية للفارابى.


[4] متفق عليه.


[5] رواه البزار عن أبي سعيد والبيهقي وأبي داود عن أبي هريرة.


[6] صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدرى


[7] رواه البزار وأبي داوود عن أبي سعيد الخدرى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





التقييم : 3
نقاط : 357210
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

 الهجرة أسرار وأنوار Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة أسرار وأنوار    الهجرة أسرار وأنوار I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 26, 2012 9:47 pm

يوم عاشوراء

{اطْلُبُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ كُلَّهُ وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ
رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا
مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}[1]ومن هذه الأيام العظيمة أيام النفحات يوم
عاشوراء فهو يوم التوبة ويوم النجاة ويوم إجابة الدعاء لأنبياء الله ورسل
الله وأحباب الله فسيدنا نوح عندما عصاه قومه وكذبوه ومكث تسعمائة وخمسون
عاماً يدعوهم إلى عبادة الله فلم يستجيبوا له وكانت علامة الطوفان التي
أعطاها الله له بأن أمره أولاً أن يحمل في السفينة زوجين من أصناف الوحوش
والطيور وغيرها ذكر وأنثى وكان معه الذين آمنوا به، وكانوا تقريباً ثلاث
عشرة نفراً هم كل الذي آمن به من البداية للنهاية لمدة تسعمائة وخمسون
عاماً متى يدخلون ويركبون في السفينة؟عندما ترى النار وهي تخرج من الفرن ثم
تنطفئ ويخرج مكانها ماء تعرف بأن هذا هو الوقت المحدد للطوفان من أجل أن
تتحرك السفينة وكان قد صنع السفينة ولا يوجد بحر ولا ماء وكانوا يسخرون منه
في ذلك ويقولون لماذا تصنع السفينة ولا يوجد عندنا بحراً أو ماء؟وبعد
انتهاءه من السفينة وركوب الحيوانات، وكانت السفينة ثلاثة أدوار الدور
الأرضي للحيوانات المتوحشة، والدور الثاني للحيوانات المستأنسة، والدور
الثالث كان فيه الإنس الذين آمنوا به والطيور وكانت امرأة تجلس أمام الفرن
لإعداد الطعام فوجدت أن النار انطفأت وخرج الماء من الفرن فتعجبت وقالت ما
هذا؟ فعلم سيدنا نوح أن أمر الطوفان قد قرب فركب هو ومن معه وانفجرت الأرض
عيوناً من أسفل ومياه من السماء وبدأ الطوفان وجلس في السفينة هو ومن معه
لمدة ستة أشهر حتى جف الماء من الأرض وتوقف نزوله من السماء ووقفت السفينة
واليوم الذي وقفت فيه السفينة ونجى الله فيه سيدنا نوح ومن معه هو يوم
عاشوراء وأيضاً سيدنا موسى عندما أرسل إلى قوم فرعون في مصر ودعاه إلى
العدالة بأن يعدل بين بني إسرائيل والمصريين ورفض وفي النهاية أمره الله أن
يخرج من مصر فخرج وخلفه بني إسرائيل في ستمائة ألف وكان جيش فرعون في هذا
الوقت حوالي مليون جندى لأنه كان من الجيوش الكبيرة في هذا العصر وساروا
خلفهم إلى أن وصلوا إلى شاطئ البحر الأحمر مقابل خليج السويس وهناك لحق بهم
فرعون بجيشه فأمر الله موسى أن يضرب البحر فانشق اثنى عشر طريقاً وكان
الستمائة ألف اثنى عشرة قبيلة من أولاد سيدنا يعقوب الاثنى عشر ومشت كل
قبيلة في طريق إلى أن نجوا وكان هذا اليوم يوم عاشوراء الذي نجا الله فيه
سيدنا موسى ومن معه إذاً فهذا يوم التوبة ويوم النجاة ويوم استجابة الدعاء
ولذلك فإن سيدنا رسول الله عندما هاجر من مكة إلى المدينة وجد اليهود
يصومون هذا اليوم فسألهم: لماذا تصومون هذا اليوم؟ فقالوا: هذا يوم نجا
الله فيه موسى وبني إسرائيل من فرعون وقومه فقال { نحن أولى بموسى منكم
}[2] وصامه وأمر أصحابه بصيامه ولذلك فصيام هذا اليوم سنة مؤكدة لأن الذي
فعلها هو رسول الله ولما كان في آخر حياته وجد أن اليهود يصومون هذا اليوم
والمسلمون يصومونه فقال: لابد أن نخالفهم فقال لأصحابه{صُومُوا التَّاسِعَ
والعَاشِرَ وخَالِفُوا اليَهُودَ}[3] وقال{لَئِنْ بَقِيتُ إِلَىٰ قَابِلٍ
لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ والعاشر}[4] وتوفي فلم يصم إلا يوم العاشر فقط فمن
السنة أن نصوم يوم عاشوراء لأن هذه سنة مؤكدة عن رسول الله واليوم نفسه هو
يوم العاشر من محرم ولمخالفة اليهود يكون الصيام يوم التاسع ويوم العاشر
وعلى المسلم أن يكون له صيام ثلاثة أيام من كل شهر لقول رسول الله: {
صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُل شَهْرٍ صَوْمُ
الدَّهْرِ }[5]أيضاً هذا اليوم كان له واقعة في الإسلام كلنا نعرفها وهي
مقتل الإمام الحسين رضي الله عنه وقد روت كتب السنة:{ كَانَ النَّبِيُّ
نَائِمًا فِي بَيْتِي. فَجَاءَ حُسَيْنٌ يَدْرُجُ. قَالَتْ: فَقَعَدْتً
عَلَى الْبَاب فَامْسَكْتُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَدْخُلَ فَيُوقِظَهُ.
قَالَتْ: ثُمَّ غَفَلْتُ فِي شَيْءٍ فَدَبًّ فَدَخَلَ فَقَعَدَعَلَى
بَطْنِهِ. قَالَتْ: فَسَمِعْتُ نَحِيبَ رَسُولِ اللهِ فَجِئْتُ. فَقُلْتُ:
يَارَسُولَ اللهِ وَاللَّهِ مَاعَلِمْتُ بِهِ. فَقَالَ: إِنَّمَا جَاءَنِي
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ عَلَى بَطْنِي قَاعِدٌ. فَقَالَ لِي:
اتُحِبَّهَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قال: إِنَّ اُمَتَكَ سَتَقْتُلُهُ. الا
اُرِيَكَ التُّرْبَةَ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا؟ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى،
قال: فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ فَاتَانِي بِهَذِهِ التُّرْبَةِ. قَالَتْ:
فَإِذَا فِي يَدِهِ تُرْبَةٌ حَمْرَاءُ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ:
يَالَيْتَ شِعْرِي مَنْ يَقْتُلُكَ بَعْديِ". وفى رواية فكنا نقول أنها من
كربلاء } [6]وبعدما قتل سيدنا علي بايع أهل العراق سيدنا الحسن فمكث ستة
أشهر، ولكنه كان يميل للسلام ومن أجل أن تتحقق فيه دعوة سيدنا رسول الله {
إنَّ ابْنِي هذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ
بَـــــيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَظِيمَتَيْنِ }[7]فبعد ستة
أشهر من خلافته أرسل لمعاوية وقال له: نريد الصلح وانصلح مع معاوية وتنازل
له عن الحكم بشرط أن يتسلم الحكم من معاوية بعد وفاته ولكن معاوية لم يفِ
بهذا الشرط فأرسل لزوجة سيدنا الحسن وأغراها بأنه سوف يزوجها ليزيد ابنه
إذا وضعت السم للحسن فوضعت له السم وعندما ذهبت إليه لتنال الجائزة. قال
لها: إذا كنت لم تؤتمني على ابن رسول الله فكيف تؤتمني على يزيد؟
وبعدما مات الحسن بايع لابنه يزيد فلم يوافق سيدنا الحسين على ذلك، وأرسل
له أهل العراق وقالوا له: هنا ستون ألف سيف ينتظرونك من أجل أن تحضر وتتولى
الخلافة فأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل من أجل أن يتأكد من هذه الأخبار
وعندما وصل قابله عشرون ألف وذهب بهم لصلاة المغرب، فعلم جنود يزيد بذلك
فذهبوا إلى هناك وبعد انتهائه من صلاته وسلم لم يجد خلفه رجل واحد خوفاً من
جنود يزيد لأن كل الذي يراهم يجري مسرعاً فأمسكوا بمسلم بن عقيل وقتلوه
ولم يرسل لابن عمه بما رآه في هذه الواقعة مع أنه قد أرسل له في بداية
مقابلة العشرون ألفاً وقال له هذا الكلام صحيح وتعالَ إلينا ولم يخبره بما
حدث بعد ذلك لأنهم قتلوه ومن أجل أن ينفذ قضاء الله وقدر الله وقد حاول
سيدنا عبد الله بن عباس أن ينصح سيدنا الحسين بأن لا يذهب فرفض وأصر على
الذهاب وقابله الشاعر الفرزدق في طريقه وكان يحب آل البيت، فقال له: تركت
أهل العراق قلوبهم معك وسيوفهم عليك، وسوف يحاربونك فمشى سيدنا الحسين حتى
وصل إلى كربلاء وقابله هناك عبد الله بن زياد والي يزيد على العراق، وكان
مع سيدنا الحسين في هذا الوقت أولاده وأولاد أخيه الحسن ونساؤهم، أولاده
أربعة عشر ولد، وأولاد ابن أخيه ،والنساء كل هذا العدد كان حوالي تسعون
رجلاً وامرأة وطفل فعرض على عبد الله بن زياد أن يتركوه على واحدة من ثلاث:
إما يتركوه لمقابلة يزيد بنفسه وإما أن يرجع مرة اخرى إلى المدينة، وإما
أن يذهب إلى حدود بلاد الإسلام ويجاهد مع الجيش الإسلامي هناك ومع ذلك تعنت
ابن زياد ولم يقبل أي شرط من هذه الشروط وقال له: لا، لابد أن نقتلك ونأخذ
رأسك لنرسلها إلى يزيد مع أن يزيد عندما علم بعد ذلك قال: لو عرض علي أحد
هذه الشروط لقبلتها لأنه يقول: إما أن تتركني أعود مرة أخرى إلى المدينة
التي خرجت منها، وإما أن توصلني إلى يزيد نفسه وهو ابن عمي ونتفاهم مع
بعضنا، وإما أن توصلني للحدود وأحارب مع جيش الإسلام في بلاد الروم إلى أن
يأتي قدري فلم يقبل أي شرط من الشروط وكانت المعركة بالطبع غير متكافئة
بالمرة فجيش عبد الله بن زياد مكون من اثنى عشر ألفاً يحارب تسعون فرداً
منهم النساء والأطفال يعني لم يكن سوى ثلاثون رجلاً فماذا يفعلون مع هذا
الجيش، وبدأت المعركة واستمرت يومين مع هذا الفارق والأمر العجيب أنه كان
عندما يأتي وقت الصلاة يتوقفون عن القتال ويتوضؤن ويصلي سيدنا الحسين ويأتي
خلفه جيش العراق للصلاة خلفه وبعد الصلاة يحاربونه بسيوفهم كيف يكون
ذلك؟لكنهم كما وصفهم سيدنا علي(يا أهل العراق يا أهل النفاق)وفي اليوم
الثالث وكان يوم عاشوراء وأصبح الحسين صائماً ورأى في منامه سيدنا رسول
الله في هذا اليوم وقال له{ ستفطرعندنا اليوم } فعرف أنه سوف يموت في هذا
اليوم ، فتقدم أمامه أولاده وحاربوا أمامه إلى أن قتلوا جميعاً أمامه فيما
عدا الطفل علي زين العابدين وكان مريضاً فاحتملته السيدة زينب أخت سيدنا
الحسين والموجودة الآن في القاهرة وفي النهاية عطش سيدنا الحسين فتوجه لشرب
الماء فضربه الرجل الذي كتب عليه الشقاء بسهم في فمه فنزل الدم ولم يشرب
وتكاثروا عليه جميعاً وقتلوه وكان هذا في يوم عاشوراء وروى الزُّهْرِيُّ:
بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يُقْلَبْ حَجَرٌ إِلا وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ
عَبِيطٌ[8]، وذلك يوم مقتل الحسين بكاءاً على سيدنا الحسين وقيل وسمعوا إلى
شعر ولم يروا من الذي يتكلم:

أترجو أمة قتلت حسيناً شفاعة جده يوم الحساب

والتفت هؤلاء بعد ذلك لقتل علي زين العابدين لأنهم كانوا يريدون القضاء على
آل البيت فاحتضنته السيدة زينب وقالت لهم: اقتلوني قبل أن تقتلوه وحمته من
القتل وقد راجت الخرافات من الذين قتلوه بأنه يجب في هذا اليوم على كل
واحد منهم أن ينزل دماً من جسمه أو من رأسه من أجل أن يكفر عن الذنب الذي
فعل مع الحسين وإلى الآن يفعل ذلك أهل العراق ولذلك ذهب اثنان من أهل
العراق إلى سيدنا عبد الله بن عباس يسألونه عن دم البرغوث إذا قتل في الحرم
لأنه لا يصح أن يقتل أي شئ في الحرم، فقال لهما: من أي البلاد أنتما؟
فقالا من العراق، فقال: تسألون عن دم البرغوث وأين دم الحسين؟فكل هذه
خرافات ليست من الإسلام وكذلك يعملون له يوم حزن هناك أى يوم عاشوراء وهو
ليس بيوم حزن، وإنما هو يوم فرح لأنه يوم تاب الله فيه على سيدنا آدم، ويوم
نجى فيه سيدنا نوح، ويوم نجى الله فيه سيدنا موسى وكثير من الأنبياء نجاهم
الله في هذا اليوم فلا يصح أن نعمله يوم حزن، ولذلك نصوم في هذا اليوم
شكراً لله على أن نجى الأنبياء وتاب على الأنبياء، ونرجو من الله أن يتوب
علينا كما تاب عليهم فعلينا بإذن الله بصيام يوم التاسع ويوم العاشر لقوله{
صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيةَ }[9] كما
علينا التوجه إلى الله بالإلحاح في الدعاء.


[1] ابن أبي الدنيا عن أنس


[2] أخرجه البخاري في كتاب الصوم عن ابن عباس.


[3] رواه أحمد والبيهقي في سننه عن ابن عباس.


[4] رواه البيهقي في سننه وابن أبي الجعد عن ابن عباس.


[5] (حم هق) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ


[6] عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبي هِنْدٍ عن أم سَلَمَةَ ، المسند الجامع ورواه
أحمد في مسنده إلى أنس وورد بغيرها من كتب الحديث، وقد وردت زيادة فى فى
مرآة الجنان وعبرة اليقظان وغيرها من مصادر من كتب التاريخ أن السيدة أم
سلمة وضعتها التربة في قارورة فلما قرب وقت قتل الحسين نظرت في القارورة
فإذا الطين قد استحال دماً‏، وورد فى تاريخ دمشق أن رسول الله e شم التربة
وقال: ”ريح كرب وبلاء”. قالت: وقال لى ”يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة
دماً فاعلمي أنّ ابني قد قُتل” قال: فجعلتها في قارورة ثم جعلت تنظر إليها
كل يوم وتقول: إن يوماً تحوّلين دماً ليوم عظيم .


[7] رواه البخارى وأحمد عن أبى بكرة


[8] سير أعلام النبلاء ، ودلائل النبوة للبيهقى وتهذيب الكمال وغيرها.


[9] رواه البيهقي في السنن عن أبي قتادة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





التقييم : 3
نقاط : 357210
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

 الهجرة أسرار وأنوار Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة أسرار وأنوار    الهجرة أسرار وأنوار I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 26, 2012 9:48 pm

صور من هجرة الصادقين

إن الله وهو القادر ولا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء كان قادراً على أن
يعز نبيه في بلدته مكة ويهلك الكافرين ويمنع المؤمنين ويجعلهم وهم بين
ظهرانيهم أعزة لا سلطان عليهم إلا لربِّ العالمين وقد خير في ذلك رسول الله
فعندما وجدهم لا يؤمنون به إلا القليل وذهب إلى الطائف ليدعو أهلها من
ثقيف إلى الإسلام فأعرضوا عنه ولم يؤمنوا به فرجع من عندهم إلى مكة ونزل
عليه الأمين جبريل وهو في الطريق بعد أن رفع شكواه إلى الله وأنزل حاله
بمولاه ومعه ملك وقال: يا محمد هذا ملك الجبال وقد جعله الله طوع أمرك.
فقال له ملك الجبال: {يا محمد إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ
الأَخْشَبَيْنِ} (والأخشبين الجبلين المحيطان بمكة) يعني لا يبقى فيها أحد
ولكنه قال: {بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ
يَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً}[1]واشتد إيذاء أهل
مكة لأصحابه وذهب نفر منهم يشكو من شدة ما يجد من الايذاء لكنه أمرهم
بالصبر الجميل، وقال لهم: {اصبروا حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً} ومضى
حين من الزمن فأمرهم أن يخرجوا وقال: { إنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ
ذاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ وهُمَا الحَرَّتَانِ فَهاجَرَ مَنْ هاجَرَ
قِبَلَ المَدِينَةِ ورَجَعَ عامَّةُ مَنْ كانَ هاجَرَ بأرْضِ الحبَشَةِ إلى
المَدِينَةِ}[2]فمنهم من هاجر متخفياً ومنهم من أعلن بهجرته كعمر بن
الخطاب وقد طاف بالقوم وهم حول الكعبة وقال منذراً ومتوعداً {من أراد أن
تثكله أمه أو تتيم أولاده أو تترمل زوجته فليتبعني خلف هذا الوادي } وخرج
نهاراً جهاراً ولم يتعرض له أحد ومنهم من ترك كل ما يملك كصهيب وخرج بنفسه
وعندما لحق به أهل مكة أخذ كنانته وأخرج سهامه وقال:يا معشر قريش تعلمون
أنى من أحكمكم رمياً ووالله لو اقتربتم مني لأصوبن إليكم سهامي حتى إذا
انتهت كنانتي (يعني محفظة السهام) أمسكت بسيفي فجالدتكم ولكن أدلكم على خير
من ذلك أدلكم على مالي فتأخذوه وتتركوني أهاجر إلى الله فرضوا بذلك فنزل
في الحال تلغراف من ملك الملوك إلى الحبيب يقول فيه الله{وَمِنَ النَّاسِ
مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ
بِالْعِبَادِ } فقال وهو في مكانه: {رَبِحَ البَيْعُ أَبا يَحْيى} لصهيب
{رَبِحَ البَيْعُ أَبا يَحْيى }[3]لماذا أمرهم الله بالخروج مرتين إلى
الحبشة ومرة إلى المدينة وقد قال في قرآنه{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ
أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } تلك هي الضريبة واسمها
شبيه بها عندما يقابلون الأعداء لماذا لا يغلب الله الأعداء - وهو القادر -
بدون حرب؟ وقد قال لحبيبه وأتباع حبيبه منبهاً{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ
وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ
اللّهَ رَمَى}لأن هذه هي حكمة الإيمان فقد أعلنوا الإيمان ونحن جميعاً
والحمد لله أعلنا الإيمان وكل من يعلن الإيمان لابد له من امتحان واختبار
يجريه عليه الديان ليعلم صدق إيمانه فيكتبه من الصادقين إذا وفى بما عاهد
الله عليه أو يرى رقة إيمانه إذا لم يتحمل ما اختبرته به خبرة رب العالمين
فيعطيه ثوابه على قدر إيمانه وفي ذلك يقول الله في الأمر الجامع لجميع
الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين وعامة المسلمين والمؤمنين
من السابقين واللاحقين يقول الله{الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا
أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ
مِن قَبْلِهِمْ}[لماذا؟ ]{فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}إذاً لابد لأهل الإيمان من الاختبار
والامتحان على حسب زمانهم وعلى حسب قدراتهم واستعداداتهم وعلى حسب ما في
قلوبهم من نوايا وطوايا وصدق ويقين في عقيدتهم لله وكلما زاد الإيمان كلما
زاد الامتحان ليزيد الرقي عند حضرة الرحمن ولذلك قال الحبيب{ يُبْتلى المرء
على قدر إيمانه} وبين درجات الابتلاء فقال{ عن مُصْعَبِ بنِ سعد عن أبيه،
قالَ : يا رسولَ اللَّهِ، مَنْ أشدُّ الناسِ بَلاءً؟ قالَ: الأنبياءُ، ثم
الأَمْثَلُ فالأمثلُ، يُبْتَلَى العبدُ على حَسَبِ دينِهِ، فما يَبْرَحُ
البَلاءُ بالعبدِ حتى يَدَعَهُ يَمْشي على الْأَرْضِ وما عليهِ
خَطيئة}[4]فلو كان البلاء يقصد به العقاب أو الجزاء حاشا لله لحفظ منه
كمَّل عباده وهم الأنبياء والصالحون والصديقون وما شابههم وما ماثلهم لكن
الله وهو الحق والكل عنده سواء ولا يكرم الخلق بقدر عطائهم من الدنيا لأنه
هو الذي أعطاها لهم وهو الذي أعطى هذا وحرم هذا وهو الذي رفع هذا وخفض هذا،
وهو الذي أعز هذا وأذل هذا وهو الذي يعطي ويمنع وهو الذي يخفض ويرفع ولأن
هذه الأشياء تساوى فيها بل زاد فيها الكافرون على المؤمنين فلم يجعلها هي
معدن الابتلاء وإنما الابتلاء على قدر الإيمان وجعل ابتلاء أصحاب النبي في
امتحان صلابة الإيمان في نفوسهم فتعرضوا للكافرين تارة بالاستهزاء وتارة
بالتعذيب وتارة بالطرد وتارة بالضرب وتارة بأخذ أموالهم وتارة بأخذ أرواحهم
وإزهاق نفوسهم ينظر الله إلى قلوبهم عند تعرضهم لهذا البلاء فمنهم من هو
أشد صلابة في دين الله من كل جبال الدنيا وصخورها ولا تأخذه في الله هوادة
كأبي عبيدة بن الجراح الذي التقى في غزوة بدر مع أبيه وجهاً لوجه وكلما
ابتعد من أمام وجه أبيه براً به وهو كافر أسرع أبوه ليلحق به فخاف أن يقتله
مسلم فيكون في صدره شئ نحو هذا المسلم فأراد أن يثبت لله أنه لا يخشى إلا
الله ولا تأخذه رأفة في دين الله فقتل أباه بسيفه ومنهم مصعب بن عمير وكانت
أمه من أثرياء مكة وعندما آمن بالإسلام حرمته من كل مالها ومقتنياتها
وتركته يتكفف إخوانه المؤمنين لقلة ذات يده، وأرسلت رسلها يطلبون منه أن
يرجع إلى دينها وترد له الأموال التي عندها لكنه قال لهم قولوا لها: هيهات
هيهات لقد عرف القلب حب الله واستنشق عبير كتاب الله فلم يعد يجد لذة إلا
في مناجاة مولاه ويجيب على أخيه أبى اليسر في موقعة بدر وهو أسير في يد رجل
من المسلمين فيستنجد به أخوه، فليتفت إليه ثم يقول لأخيه المسلم: أشدد يدا
أسيرك فإن أمه غنية وستفديه بمال كثير، فقال: أهذه وصايتك بأخيك!؟ قال:
لست أخي وإنما هذا هو أخي والإسلام فرق بيننا{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ
اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ
مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } فنجحوا في الامتحان جميعاً وقال
لهم الله مع حبيبه في قرآنه{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ
مَعَهُ} فهم معه في الدنيا ومعه في الاخرة ومعه عند لقاء الله وبشرهم
بالجنة ووعدهم بمقعد صدق وهنأهم بما لهم عند الله من مقام كريم وأجر عظيم
لأنهم نجحوا في هذا الابتلاء فنصرهم الله وأعزهم الله وفتح لهم البلدان
وصاروا أمراء وقادة جيوش وفاتحين وجاءتهم خزائن الدنيا كلها تحت أرجلهم
فكان الإمتحان الأعظم فلم يلتفتوا عن الله طرفة عين ولم تشغلهم الدنيا عن
الله ولاعن طاعته وعبادته ولم يتخلوا بسبب طغيان المادة عن الأخلاق
الإسلامية من الصدق والأمانة والكرم والشجاعة وغيرها من أخلاق الإيمان وقد
ورد أنه لما فتحت خزائن كسرى أمر قائد الجيش جنده أن يحضروا ما وجدوه
فأحضروا كل ما التقطوه من ألوان النعيم ومن أصناف الأموال حتى من كان يجد
ولو إبرة يأتي بها إلى القائد، وجاء رجل منهم ومعه صندوق كبير ملئ
بالمجوهرات التي كان يتحلى بها نساء كسرى وهي مجوهرات لم يروا جميعاً مثلها
في حياتهم فليس في بيتهم ولو قليل من مثلها فقال له القائد ما اسمك؟ قال:
ولم؟ قال: لنرسل لعمر بن الخطاب نخبره عن شأنك قال: عجباً لك لو كنت أتيت
بهذا من أجلك أو من أجل ابن الخطاب ما أتيت به وكنت أخرته عندي وأخذته لي
ولكن جئت به من أجل خشية الله وحملت هذه الكنوز جمال كان أولها في المدينة
المنورة وآخرها في بلاد فارس وكانت أكواماً كثيرة في مسجد الحبيب وتجمع
المسلمون في المدينة المنورة ومن حولها ليشاهدوا غنائم المؤمنين من كنوز
كسرى وعجبوا وقال عمر رضي الله عنه قَالَ: { إِنَّ أَقْوَامَاً أَدُّوا
هٰذَا لَذَوُو أَمَانَةٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّكَ
عَفَفْتَ فَعَفَّت الرَّعِيَّةُ}[5]هذا رجل منهم وهو سلمان الفارسي يأتيه
صك بتعيينه أميناً على المدائن وبينما هو يمر ويتفقد أحوال رعيته إذا برجل
مسافر لا يلحظ عليه إلا مرة وأنه أمير المدينة ومعه أثقال يريد من يحملها
فأشار إليه وقال تعال احمل متاعي فحمله على كتفه وبينما هو يمشي خلفه إذا
رجل يقول له: السلام عليك أيها الأمير فتعجب الرجل وقال: أنت أمير المدائن؟
قال: نعم. قال: وتحمل لي أثقالي قال: وماذا في ذلك؟ ذهبت وأنا سلمان ورجعت
وأنا سلمان.
فلم تفتنهم الدنيا وزينتها وزخرفها عن الرحمن طرفة عين ولا أقل فكانوا بذلك
وعلى ذلك من الذين يعنيهم الله بقوله {فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ
أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ
وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً }ونحن كذلك
أعلنا الإيمان فابتلانا الله ليختبرنا بصدق الإيمان ابتلانا الله بفتن
الدنيا وزينتها وزخرفها وطغيان الأموال وابتلى بعضنا ببعض الأمراض وابتلى
بعضنا ببعض المناصب وابتلى بعضنا ببعض زواره وابتلى بعضنا بأمور في بيته أو
في عمله أو في نفسه أو في إخوانه لأن الله قال وهو أصدق
القائلين{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ}نمتحنكم جميعاً في أي أمر من هؤلاء{بِشَيْءٍ
مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ
وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }قال النبى يقول الله تعالى{ إني
والجن والإنس في نبإ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر سواي خيري إلى
العباد نازل وشرهم إلى صاعد أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ويتبغضون
إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي، من أقبل إلي تلقيته من بعيد ومن أعرض عني
ناديته من قريب ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد ومن أراد رضاي أردت ما
يريد ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد، أهل ذكري أهل مجالستي وأهل شكري
أهل زيادتي وأهل طاعتي أهل كرامتي وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي إن
تابوا إلي فأنا حبيبهم فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين لم يتوبوا إلي
فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب}[6]فمن فضل الله علينا
أنه جعل التوبة أقرب إلينا من أنفاسنا التي تتردد في أجسامنا فمهما فعل
المرء وارتكب من الخطايا إذا رجع في أي نفس وقال يا ربَّ تبت إليك يقول في
الحال وأنا قبلت لأنه كما قال في قرآنه: {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ
الْمُتَطَهِّرِينَ}بل قالَ الله تَبَارَكَ وتعَالى{يا ابنَ آدَمَ إِنَّكَ
مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى ما كانَ فِيكَ وَلاَ
أُبَالِي يا ابنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَت ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ
اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي يا ابنَ آدَمَ إنَّكَ لَوْ
أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بي
شَيْئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً}[7]وقد جعل الله من فضله
أياماً خصّصها للمغفرة ومن هذه الأيام يوم عاشوراء يوم العاشر من شهر الله
المحرم فقد قال فيه النبى{صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاء يُكَفِّرُ السَّنَةَ
الْمَاضِيةَ}[8]
إذا اهتم فيه الإنسان بالطاعات وصامه لله وقضى يومه في التوبة والإنابة
لحضرة الله ولذلك فالحبيب الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كان
يصوم هذا اليوم ويقول{صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاء يُكَفِّرُ السَّنَةَ
الْمَاضِيةَ}عمل سهل يسير وأجر كبير ولما وجد اليهود يصومون هذا اليوم لأنه
اليوم الذي تاب الله فيه على آدم واليوم الذي نجا الله فيه موسى ومن معه
من فرعون وملأه فنادى وقال لأصحابه: خالفوا اليهود وقال كما أخبر حبر الأمة
عبد الله بن عباس{لَئِنْ بَقِيتُ إِلَىٰ قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ
والعاشر }[9] فعليكم بصيام التاسع والعاشر واضرعوا فيه إلى الله وسلوا الله
فيه مطلوبكم بصدق وقولوا جميعاً: تبنا إلى الله ورجعنا إلى الله وندمنا
على ما فعلنا وعلى ما قلنا وعزمنا على أننا لا نعود إلى ذنب أبداً وبرئنا
من شرور أنفسنا وسيئات أقوالنا وقبائح أعمالنا وكل شئ يخالف دين الإسلام
والله على ما نقول وكيل والله على ما نقول شهيد ....


[1] رواه ابن حبان في صحيحه والبخاري ومسلم في صحيحيهما والسيوطي في الكبير والنسائي في سننه عن عائشة.


[2] رواه البخاري في صحيحه والبيهقي في سننه وأحمد في مسنده عن عائشة.


[3] رواه الحاكم والطبراني عن صهيب وقال الشيخان هذا حديث صحيح الإسناد.


[4] صحيح ابن حبان


[5] عن مخلد بن قيس الْعَجلي عن أَبيهِ، جامع المسانيد والمراسيل


[6] رواه البيهقي والحاكم عن معاذ والديلمي وابن عساكر عن أبي
الدرداءبإختلافات ونقصان أوزيادة ، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد
وإياك نستعين لإبن القيم الجوزية


[7] سنن الترمذي عن أنس بن مالك


[8] رواه البيهقي في سننه عن أبي قتادة ورواه مسلم في صحيحه عن يحيي بن يحيي.


[9] رواه البيهقي في سننه وابن أبي الجعد في سننه عن ابن عباس.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





التقييم : 3
نقاط : 357210
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

 الهجرة أسرار وأنوار Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة أسرار وأنوار    الهجرة أسرار وأنوار I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 26, 2012 9:49 pm

المهاجر من هجر ما نهى الله عنه

يتساءل كثير من الناس سؤالاً قد يكون معاداً ولكننا نلمح فيه معنى فريداً
وجديداً أما السؤال فهو لماذا هاجر رسول الله من مكة إلى المدينة؟والمعتاد
في دنيا الناس كما نرى الآن أن يهاجر الإنسان بحثاً عن المال إذا كان لا
يحصله في موطنه إلا بمشقة بالغة، أو يهاجر بحثاً عن منصب كريم إذا كانت
نفسه تتوق إلى أن يكون رجلاً عظيماً ولا يجد دواء لتلك العظمة في بلدته
وموطنه أو يهاجر للعلاج إذا كان به داء أعيا الأطباء في بلدته فيهاجر بحثاً
عن طبيب ماهر في بلد آخر ليعالجه من الداء الذي يشكو منه، وهذه الأشياء
كلها قد عرضها الكافرون على رسول الله فقد اجتمعوا فيما بينهم بعد أن
أعياهم أمره، ولم يستطيعوا أن يوقفوا زحفه المقدس على القلوب ليسوقها إلى
حضرة علام الغيوب فأجمعوا رأيهم أن يرسلوا رجلاً منهم يعرض عليه كل ما تتوق
إليه النفس البشرية من أهواء أو شهوات أو ملذات، فقد ذهب إليه { عُتْبَةَ
بْنَ رَبِيعَةَ وَكَانَ سَيداً حَلِيماً، قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ ـ وَهُوَ
جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ وَحْدَهُ فِي
الْمَسْجِدِ ـ: يَـٰا مَعْشَر قُرَيْشٍ أَلاَ أَقُومُ إِلىٰ هَـٰذَا
فَأُكَلمَهُ، فَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أُمُوراً لَعَلَّهُ أَنْ يَقْبَلَ
بَعْضَها، فَنُعْطِيَهُ أَيُّهَا شَاءَ، وَيَكُفَّ عَنَّا ؟ وَذَلِكَ حِينَ
أَسْلَمَ حَمْزَةُ ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضيَ اللَّهُ عنهُ، وَرَأَوْا
أَصْحَابَ رسولِ اللّهِ يَزِيدُونَ وَيَكْثُرُونَ، فَقَالُوا: بَلىٰ،
فَقُمْ يَـٰا أَبَا الْوَلِيدِ فَكَلمْهُ، فَقَامَ عُتْبَةُ حَتّىٰ جَلَسَ
إِلىٰ رسولِ اللّهِ فَقَالَ: يَـٰا ابْنَ أَخِي إِنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ
عَلِمْتَ مِنَ السَّعَةِ فِي الْعَشِيرَةِ، وَالْمَكَانِ فِي النَّسَبِ،
وَإِنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ قَوْمَكَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ: فَرَّقْتَ بِهِ
جَمَاعَتَهُمْ، وَسَفَّهْتَ بِهِ أَحْلاَمَهُمْ، وَعِبْتَ بِهِ آلِهَتَهُمْ
وَدِينَهُمْ، وَكَفَّرْتَ مَنْ مَضىٰ مِنْ آبَائِهِمْ، فَاسْمَعْ مِني
أَعْرِضُ عَلَيْكَ أُمُوراً تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلَّكَ أَنْ تَقْبَلَ
مِنْهَا بَعْضَهَا، فَقَالَ رسولُ اللَّهِ: قُلْ يَـٰا أَبَا الْوَلِيدِ
أَسْمَعُ، فَقَالَ: يَـٰا ابْنَ أَخِي إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ بِمَا
جِئْتَ مِنْ هَـٰذَا الْقَوْلِ مَالاً جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا
حَتّىٰ تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالاً، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ
شَرَفاً شَرَّفْنَاكَ عَلَيْنَا حَتّىٰ لاَ نَقْطَعَ أَمْراً دُونَكَ،
وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مُلْكاً مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ
هَـٰذَا الَّذِي يَأْتِيَكَ رَئِيٌّ، تَرَاهُ وَلاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ
تَرُدَّهُ عَنْ نَفْسِكَ، طَلَبْنَا لَكَ الطَّبِيبَ وَبَذَلْنَا فِيهِ
أَمْوَالَنَا حَتّىٰ نُبْرِئَكَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ
التَّابِعُ عَلىٰ الرَّجُلِ حَتّىٰ يُدَاوىٰ مِنْهُ، أَوْ لَعَلَّ هَـٰذَا
الَّذِي تَأْتِي بِهِ شِعْرٌ جَاشَ بِهِ صَدْرُكَ، حَتّىٰ إِذَا فَرَغَ
عَنْهُ وَرَسُولُ اللَّهِ يَسْتَمَعُ مِنْهُ، قَالَ رسولُ اللَّهِ:
أَفَرَغْتَ يَـٰا أَبَا الْوَلِيدِ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ : فَاسْمَعْ
مِني، قَالَ: أَفْعَلُ فَقَالَ رسولُ اللَّهِ: بسم الله الرحمن الرحيم{حم
تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ
وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} فَمَضىٰ رسولُ اللَّهِ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ،
فَلَمَّا سَمِعَهَا عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهُ، وَأَلْقىٰ بِيَدِهِ خَلْفَ
ظَهْرِهِ مُعْتَمِداً عَلَيْهَا يَسْمَعُ مِنْهُ، حَتّىٰ انْتَهىٰ رسولُ
اللَّهِ لِلسَّجْدَةِ فَسَجَدَ فِيهَا ثُمَّ قَالَ: قَدْ سَمِعْتُ يَـٰا
أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْتُ، فَأَنْتَ وَذَاكَ}[1]إذاً لماذا هاجر
الرسول الكريم؟إن هذا السر ندركه إذا عرفنا سر بعثته، لماذا بُعثت ياحبيب
الله؟ أجاب عن ذلك فقال{ إِنَّـمَا بُعِثْتُ لأُتَـمِّـمَ مَكَارِمَ
الأَخْلاَقِ }[2] فهو صاحب مبادئ ومثل وقيم وفضائل يريد أن يدعو الناس
إليها وأن يمشي الناس على هديها وفي الحقيقة لا صلاح لأحوالنا ولا صلاح
لأحوال مجتمعنا، ولا صلاح لأحوال البشرية كلها إلا إذا انتشرت هذه القيم
الإيمانية التي من أجلها بُعث المصطفى وإلا فبالله عليكم هذا رجل يحاربه
أعداءه بشتى الوسائل يعذبون أصحابه ويطردونهم ويستولون على دورهم وعلى
أموالهم، ويخرجونهم فقراء، ثم بعد ذلك كل من عندهم منهم وديعة ثمينة يخشى
عليها من السرقة فليس لديهم بيوت يحفظونها فيها، وليس فيهم رجل مأمون
يأتمنونه عليها إلا المأمون الذي أمنته السماء على وحي السماء فيجعلون عنده
أعز ما يملكون وأثمن ما يملكون ودائع عنده ثم تأتي الهجرة، ويستطيع أن
يهاجر ويأخذ هذه الأشياء كلها معه، وهي حقوق إخوانه من الفقراء والمساكين
الذين أخذهم الكفار عنوة واستولوا على أموالهم بقوة العتاد والسلاح ولكنه
علمنا المثل الأعلى أن الإيمان يعني المثل والمبادئ فقد قال في هذه المبادئ
{ لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَه }[3]فالذي ليس عنده أمانة في نقل
الكلمة أو في حفظ الودائع أو في المحافظة على الأسرار هذا يكون إيمانه فيه
نقص عند الواحد القهار فيترك ابن عمه علي بن أبي طالب ينام في فراشه،
وربما يعدو عليه القوم فيضربونه بسيوفهم، ولكنه مع ذلك تركه حتى يرد
الودائع إلى أهلها بعد هجرة النبي ويرد الأمانات إلى أهلها كلها لأنهم
كانوا يلقبونه بالصادق الأمين فهكذا كان نبيكم يعرض عن زينة الدنيا في سبيل
مبدئه ويزهد في المناصب والأموال في سبيل القيم التي يدعو إليها ويؤثر أن
يهاجر ويرد الأموال إلى أهلها، ليلقن البشرية كلها أن هذا دينٌ أنزله رب
العالمين وارتضى من أصحابه وطلب منهم أن يراعوا حق الله وأن ينفذوا أخلاق
الله ولو مع الكافرين والجاحدين من أعداء الله فليس معنى أنهم كافرون أن
يبيح لنا أموالهم أو أن يطلق الإسلام أيدينا في أعناقهم أو يترك لنا التعرض
لأعراضهم، لأن المؤمن دائماً وأبداً هو حارس المُثل الإلهية والخليفة عن
الله في إعلاء القيم الإيمانية والمبادئ الإسلامية التي دعا إليها الله في
قرآنه والنبي في سنته وقد وعى أصحابه هذا الدرس فعندما ضاقت عليهم هذه
البلدة، وفيها حرم الله لكنهم لا يستطيعون أن يعبدون الله فيها بحرية،
هاجروا وتركوا أموالهم ودورهم وأولادهم حتى لا يفتنون عن دين الله فهم كما
قال الله في شأنهم{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ
لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ}فهذا صهيب
يخرج وقد كان من أغنى أغنياء مكة في التجارة ويلحقه الكافرون فينثر كنانته
بما فيها من سهام ويقول لهم: (يا أهل مكة تعلمون إني من أرماكم ووالله الذي
نفسي بيده لن يصل إلى واحد منكم إلا ورميته بسهم من سهامي فإذا فنيت سهامي
سأمسك بسيفي ولن تصلوا إلا على أشلائي أو لا أدلكم على خير من هذا قالوا:
وماذا؟ قال: أدلكم على مالي فتذهبوا إليه وتأخذوه وتتركوني أهاجر إلى رسول
الله فدلهم على ماله وذهب بدينه ومبادئه ومثله، وإذا بالحق يرسل برقية
عاجلة إلى سيد الخلق يقول له فيها{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ
ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}وعندما وصل قال
له النبي{أبشر يَا أَبا يَحْيى رَبِحَ البَيْعُ رَبِحَ البَيْعُ }[4] أي
بيع؟ {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ
وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ}هكذا صاروا على هذا الحال فهذا
رجل منهم يأتي بعد غزوة أحد قائداً لتجارة كبيرة لقريش آتية من بلاد الشام
ويشرح الله صدره للإيمان فلا يصبر حتى يؤدي التجارة إلى أهلها ثم رجع إلى
المدينة ليعلن إيمانه لكنه ذهب مباشرة إلى المدينة وأعلن إيمانه بين يدي
رسول الله فقد فرح به فرحاً كبيراً لأنه كان زوج ابنته ولكن الإسلام قد فرق
بينهما فوسوس إليه أحد المنافقين المنشغلين بالدنيا عن الدين والذين
يريدون أن يسخروا الدين في سبيل الحصول على عرض الدنيا ولو كان في ذلك
مخالفة لأوامر رب العالمين فقال له: يا هذا ما دمت قد آمنت فإن الكفار كما
تعلم قد أخذوا أموال إخوانك المؤمنين فلا ترجع إليهم واغنم هذا المال فإنه
مال الكافرين فما كان من الرجل الذي شرح الله صدره للإسلام إلا أن صاح في
وجهه قائلاً: (أهذه نصيحتك لأخيك فوالله ما كنت لأبدأ عهدي بالإسلام
بالخيانة) فإن الإسلام دين الأمانة ثم ذهب إلى مكة ورد الأمانات إلى أهلها
وقال يا معشر قريش ماذا تعلمون عني؟ قالوا: خيراً قال: هل بقى لكم شئ عندي
قالوا: لا وجزاك الله خيراً، قال: فإني أشهدكم أني رضيت بالله رباً
وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً[5]ما أحوجنا في هذه الأيام إلى هذه
الهجرة أي هجرة؟ هي التي يقول فيها{ المهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ
عنه }[6] ما أحوجنا في هذه الأيام إلى هجرة الفواحش ما ظهر منها وما بطن،
وإلى أن نهجر الغش ولو كان فيه المكسب الكبير وأن نترك الرشوة ولو كان في
ذلك علو شأننا وارتفاع منصبنا لأن هذه مكاسب حرمها الله ويعاقب عليها
العقاب الشديد لن ينصلح حالنا أيها الأخوة المؤمنون إلا إذا هجرنا المثل
والمبادئ التي نشرها بيننا أهل الغرب من الخبث والدهاء والخداع والمكر
والغش والكذب تحت أسماء ومسميات يعتقدون ويقولون أنها حضارة ويشيرون إلى من
يتمسك بالأمانة أنه رجل جامد لايصلح لهذا الزمان والرجل الذي يتمسك
بالأمانة في التجارة ولايغش يعاتبونه بل يعيرونه بأنه إنسان لا يريد أن
يعيش بل يريد أن يكون فقيراً بين الناس نريد أن نقول كما قال القائل:

ليت الذى بيني وبينك عامـر وبيني وبين العالمين خــراب

إذا صح منك الود فالكل هيّن وكل الذي فوق التراب تراب

قال النبى{المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدهِ،
والمؤمن من آمن جاره بوائقه، والمهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه}[7]
كثرت الفتن في هذا الزمان يتعرض لها المؤمن في طريقه، ويتعرض لها في عمله
ويتعرض لها في بيته، ويتعرض لها في وظيفته وفي مجتمعه، والمؤمن الذي سيفوز
ويجوز يوم لقاء الله، هو الذي يقول فيه الله{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ
صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}المؤمن الذي يصدق مع عباد الله،
فقد عاهدنا الله على جملة الأوامر التي أتى بها رسول الله وعلى مكارم
الأخلاق التي تحلى بها رسول الله فالمؤمن مهما عرضت عليه أموال الدنيا أو
مناصب الدنيا أو أهواء وشهوات الدنيا لا يتغير مبدأه وتجعله يتخلى عن قيمه
ومثله بقى شئ أن شياطين المنافقين يوسوسون له ويقولون له إذا تمسكت فستكون
هذه المصلحة بالرشوة من غيرك فإذا لم تقبل الرشوة أنت فسيقبلها غيرك على
نفسه قال النبى منبها ومحذرا لمثل هذا الحال{كل رجل من المسلمين على ثغرة
من ثغر الإسلام، الله الله لا يؤتى الإسلام من قبلك }[8] وورد فى الأثر :
فإن تهاون إخوانك فاشدد أنت لئلا يؤتى الإسلام من قبلك يقولون له : إن هذا
سيعرضك إلى كذا وكذا ويقولون : لن تستطيع أن تعيش إلا إذا غششت أو خدعت أو
نصبت أو كذا أو كذا مما نسمعه بين كثير من بلهاء الناس لكن رب الناس
يقول{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}[هذا في الدنيا{وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ
أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}لابد لأفراد مجتمعنا من
الوحدة وهذه الوحدة يدفعها الإيمان الصادق لله فإن كل منا يقول لماذا أنا
فقط الذي أقف أمام التيار؟ ولماذا أنا فقط الذي أمتنع عن رشوة المسئولين
هنا وهناك؟ ولم أكون أنا مفردي المتمسك بالأمانة هنا وهناك؟وهذا الذي ضيَّع
مجتمعنا يا إخواني المؤمنين، وطوبى لعبد في هذا الزمان، يتمسك بقيم
الإيمان ويمشي على مكارم الأخلاق التي جاء بها النبي العدنان، وقال النبى {
اعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ
بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، وَإنِ
اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ
بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ }[9] فمن اعتز بالله أيها الناس فلن
يستطيع أحد من العبيد أن يذله لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ومن تمسك
بهدى الله فلن يستطيع النصابون أو المحتالون أن يضايقوه لأن الله قال في
قرآنه{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ
حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}نريد أن يهجر المؤمنون في كلامهم الكذب والسب
والغيبة والنميمة ... ونريد أن نسمع منهم الصدق والمروءة والأمانة، وهذه
الأخلاق التي جاء بها رسول الكريم الخلاق إذا قمنا بهذه الهجرة كنا كما قال
عمر بن الخطاب رضي الله عنه:{ نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نلتمس العز
بغيره }[10]


[1] جامع المسانيد والمراسيل عن محمد بن كعب القرظى


[2] رواه صاحب مسند الشهاب عن أبي هريرة والإمام مالك في الموطأ والطبراني من حديث جابر.


[3] ابن خزيمة وابن أبي شيبة عن أنس


[4] رواه الحاكم والطبراني عن صهيب وقال الشيخان هذا حديث صحيح الإسناد.


[5] وهناك رواية ثانية أورها صاحب المستدرك على الصحيحين عن عائشة رضى الله
عنها وغيرها من كتب السنة ( باختصار): { أن رسول الله بعث إلى السرية
الذين أصابوا مال أبي العاص، وقال لهم: إِنَّ هذا الرَّجُلَ مِنَّا حَيْثُ
قَدْ عَلِمْتُمْ وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مالاً فَإِنْ تُحْسِنوا تَرُدّوا
عَلَيْهِ الّذي لَهُ فَإِنّا نُحِبُّ ذلِكَ وَإِنْ أَبَيْتُمْ ذلِكَ فَهُوَ
فَيْءُ الله الّذي أَفاءَهُ عَلَيْكُمْ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِهِ، قالوا:
بل نرده عليه قال: فردوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئاً، ثم احتمل إلى
مكة فأدى إلى كل ذي مال من قريش ماله ممن كان أبضع منه، ثم قال: يا معشر
قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا فجزاك الله خيراً فقد
وجدناك وفيا كريماً قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً
عبده ورسوله وما منعني من الإسلام عنده إلا تخوفاً أن تظنوا أني إنما أردت
أخذ أموالكم، فلما أداها الله عزّ وجل إليكم وفرغت منها أسلمت ثم خرج حتى
قدم على رسول الله }


[6] رواه أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو.


[7] متفق عليه.


[8] السنة لمحمد بن ناصر المروزي عن يزيد بن مرثد


[9] رواه أحمد والترمذي وأبو يعلى في مسنده عن ابن عباس.


[10] مصنف ابن أبي شيبة، عن طارق بن شهاب قال: لما قدم عمر الشام أتته
الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة وهو آخذ برأس بعيره يخوض الماء فقالوا له:
يا أمير المؤمنين تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذا الحال، قال عمر {
الحديث }.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





التقييم : 3
نقاط : 357210
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

 الهجرة أسرار وأنوار Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة أسرار وأنوار    الهجرة أسرار وأنوار I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 26, 2012 9:50 pm

الهجرة وعلاجها لمشاكل المجتمع

إخواني جماعة المؤمنين.. يا من أغناكم الله بهذا الدين ووضع لكم وبين
أيديكم كنوز الغنى التي بها لا تحتاجون للأولين ولا للآخرين فما من شئ
يصيبكم في أنفسكم أو في مجتمعكم أو في بيوتكم أو في أزواجكم أو في أولادكم
أو في أرزاقكم أو شئ من أحوالكم إلا وتجدون الشفاء التام فيه جاهزاً إما في
كتاب الله وإما في سنة سيدنا ومولانا رسول الله وإني لأعجب كيف يتيه عبد
عن علاج نفسه؟ أو كيف يتعب في علاج زوجه؟ أو كيف ييأس من إصلاح ولده؟ أو
كيف يبحث عن سبيل لإصلاح مجتمعه؟ وبين يديه كتاب الله يقلبه وبين يديه سنة
سيدنا ومولانا رسول الله يستوضحها وهو القائل{أَيُّها النَّاسُ إنِّي
تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ
الله وسنتي}[1]إذن من ضل ومن ذل ومن هوى ومن بعد ومن تعب فإنما هو لأنه لم
يتمسك بما أمره به ونحن في العام الهجري الجديد هل من جديد يصلح حالنا؟ أو
هل من جديد يغير شأننا؟ هل من جديد يحول أحوالنا إلى أحوال ترضي ربنا
؟تعالوا جميعاً نفتح كنز الهجرة ونأخذ منه العبرة فإن هجرة سيدنا ومولانا
رسول الله فيها العبرة لمن اعتبر وفيها الحل لكل مشكلات البشر فمثلاً وهو
مثالٌ واحدٌ نسوقه كي لا نشق عليكم ما نعاني منه الآن من مشكلات اقتصادية
ونفسية واجتمعاية استشرت حتى وصلت إلينا جميعاً فلم ينجو منها أحد لأننا
نحتاج إلى بعضنا في أمور الحياة فمنا من يشكو من ماله ومنا من يشكو من رفيق
في العمل ومنا من يشكو من التجار ومنا من يشكو من الزراع ومنا من يشكو من
المرءوسين ومنا من يشكو من الحكام والمديرين ومنا من يشكو من أحوال المجتمع
بالمرة نشكو من ماذا؟ أصبحنا وكل واحد منا مشغولٌ بنفسه لا يفعل إلا عن
نفسه ولا يريد أن يجلب الخير إلا لنفسه ولا يريد أن يدفع المكروه إلا عن
نفسه ونسى جاره ونسى أخاه بل ربما أحياناً ينسى أباه وأمه حتى يضطرهما أن
يرفعا ضده شكاوي في المحاكم لأنه لا يهتم بأمرهما ولا يحس بمشاعرهما ولا
يشاركهما في مشاكلهما فالتاجر لايهتم إلا بالكسب السريع سواء احتكر على
المسلمين أو رفع السعر وغالى فيه على المؤمنين أو غشهم في بيعه أو في وزنه
أو سلعته وصنفها ونوعها أو في الجودة لا يهتم بذلك لأن همه كله هو المكسب
السريع ولا شأن له بذلك والموظف يريد أن يتسلق على أكتاف رفاقه وإخوانه
تارة بالكيد لهم وأخرى بالتجسس على أحوالهم وثانية بالقيل والقال لرؤسائه
ومديريه ليغير قلوبهم على إخوانهم ليأخذ مكانهم الذي جُعل لهم ولا يهتم إلا
بنفسه وهكذا هل لهذا الشأن من علاج فيما نحن فيه من أحكام وقوانين؟ لا
والله فلو سنت الدولة ألف قانون وقانون فإنهم يتعلمون كيف يتهربون منها؟
وكيف يجدون المخرج فيها؟ لأن الغالب عليهم هو حب الذات والأثرة والأنانية
التي أمتلأت بها النفوس وأصبحت تعيش وكأنها في يوم القيامة والكل يقول نفسي
نفسي لا أريد غيرها ما العلاج؟لا يوجد علاج إلا إذا نظرنا إلى كنز الهجرة
ونظرنا إلى ما فيه من علاج هؤلاء القوم تركوا دورهم وأموالهم وأهليهم
وزراعاتهم وتجاراتهم وهاجروا ولا يجدون حتى الكفاف بل لا يجد الواحد منهم
ما يستر عورته أو ما يلبسه في قدمه وذهبوا إلى الأنصار بالمدينة فأفاء الله
عليهم الخير ووجدوا عندهم الحدائق الغناء وعندهم التجارة وعندهم الزراعة
ماذا فعلوا؟ وماذا صنعوا؟ إن هذا ما يخبرنا عنه الله وهو العلاج الأوحد
لمجتمعنا يا أحباب الله ورسوله{يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا
يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى
أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}هذا هو العلاج أننا نصلح القلوب فنطهرها
من الذنوب ومن الأثرة ومن الأنانية ومن حب الذات ومن الغل والحقد ومن الحرص
على الدنيا الفانية ونملأها إيماناً بالله ونملأها ثقة في وعد الله حتى
تكون بما في يد الله أوثق منها بما في يد أنفسها ونملأها يقيناً أن ما قدر
لها يكون وأن الرزق لا يسوقه حرص الحريص ولا يناله طالب إلا بما كتب له
الواحد ولن ينال بسعيه وحرصه وكده وطلبه ما يناله غيره إلا ما قدره وكتبه
له ربه نملأها يقيناً بأن الآخرة خير وأبقى فيؤثرون الآخرة على الحياة
الدنيا ويقبلوا على أعمال الآخرة وأحوال الآخرة وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه
ويفرح إذا رأى الخير عند إخوانه ويسر إذا رأى السرور والطرب عند جيرانه
ويحزن لحزن إخوانه ويتألم لآلام جيرانه قال النبى{لَيْسَ بِالْمُؤْمِنِ
الّذي يَبيتُ شَبْعاناً وَجَارُهُ جائِعٌ إِلى جَنْبِهِ وهو لا يشعر به}[2]
أي لا يؤمن إيماناً صحيحاً عند الله ينال به الدرجة العالية من الله إلا
إذا كان يحس بإخوانه ويشعر بآلام جيرانه ويشارك أقاربه وخلانه هذا هو الذي
صنعه لكم ومعكم الله على يد سيدنا ومولانا رسول الله فأصبح الرجل منهم
يسارع فيما يرضي الله حتى كان الرجل المهاجر عندما ينزل المدينة المنورة
يحضر أهلها ويتنافسون ويتصارعون وكل يريد أن يأخذه إلى بيته ليحظى بالفضل
والرضوان من الله ومن شدة تهافتهم وصراعهم كان لا يذهب الرجل المهاجر إلى
أحدهم إلا إذا أجروا القرعة والمساهمة فيما بينهم فمن وقعت عليه القرعة فهو
الذي يفوز بهذا الغنم الأكبر وهذا الفوز الأعظم وهذا الأخ الذي يأخذه
ويواسيه ويطعمه ويجالسه ويقيمه في بيته لأنه يعلم أن هذا هو الفضل الأعظم
عند الله وهذا عكس ما نراه الآن - فيرى بعضنا أنه إذا أخذ شخصاً ضيفاً إلى
بيته يراه غرماً يراه سيغرمه كوب شاي وسيغرمه بضع أرغفة وسيغرمه مبلغاً من
النقود يراها غرامة وهم كانوا يرونها غنيمة لأنهم يرجون الفضل من الله حتى
أنه بلغ الأمر من أحدهم - لأنهم يتعاملون مع ربهم - أن أخذ أخاه وكان هذا
الرجل المهاجر هو عبد الرحمن بن عوف والرجل الأنصاري هو سعد بن الربيع
فأحضر ماله وقسمه نصفين وقال له: اختر أيهما شئت وقسم بيته قسمين، وقال له:
اختر أيهما شئت ثم قال له: هل تزوجت؟ قال: لا قال: إن لي زوجتين فانظر
إليهما فأيهما أعجبتك أطلقها فإذا انقضت عدتها تزوجتها حلالاً هم تربوا على
مائدة القرآن وكانوا كما وصفهم الحنان المنان {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ
أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ
يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم
بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً}هذا بالإيثار وهذا
بالعفة فزهدوا في الدنيا فسخرت لهم الدنيا وكانت لهم الدنيا فقال له عبد
الرحمن:بارك الله لك في زوجك، وبارك الله لك في بيتك وبارك الله لك في مالك
ولكن دلني على السوق بماذا كافأه الله على هذه العفّة؟ كان كما قال: لو
تاجرت في تراب لحوله الله إلى ذهب وعندما مات وقد هاجر لا يملك قليلاً ولا
كثيراً ووزعوا الذهب الذي خلفه على زوجاته من كثرة هذا الذهب أخذوا يضربونه
بالفئوس ليوزعوه على زوجاته وبنيه لماذا؟ لأنه فتح بالعفة كنز فضل الله
وكنز أخلاق الله وكنز خير الله له ولزوجه وولده فهؤلاء تعاملوا بالإيثار
وهؤلاء تعاملوا بالعفة والكل تربى على مائدة القرآن وتأسى بالنبي العدنان
فلم يكن لهم في مجتمعهم مشكلة ولم يكن لهم في مجتمعهم معضلة ولم ينتابهم في
جميع أمورهم أي شئ يعكر صفوهم أو يشغلهم عن ربهم أو عن عبادة الله أو عن
طاعة سيدنا ومولانا رسول الله لأنهم شغلوا أنفسهم بكتاب الله وبهدى سيدنا
ومولانا رسول الله فعلاج أمراضنا في هؤلاء الثلاث: أولاً الحب{يُحِبُّونَ
مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}إذا أحببنا بعضنا ويكفينا في هذا حديث واحد
لوطبقناه على أنفسنا وفي مجتمعنا ما وجدت مشكلة بيننا وهو قوله{لا يُؤْمِنُ
أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ }[3] فكما لا
أحب أن يوشي أخي عليّ وشاية فلا أوشي على أخي وكما لا أحب أن يستأثر أخي
عليّ فلا استأثر على أخي وكما لا أحب أن يسبّني أخي فلا أسبّ أخي، وكما لا
أحب أن تتطاول علي زوجة جاري فلا أسمح لزوجتي أن تتطاول على جاري وكما لا
أحب أن يؤذيني ابن أخي أو جاري أو قريبي فلا أسمح لابني أن يؤذي أخي أو
جاري أو قريبي، وكل شئ لا أرضاه لنفسي لا أرضاه لغيري إذا فعلنا ذلك لم يكن
هناك مشكلة ولا يصير بيننا مشكلة{وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً
مِّمَّا أُوتُوا}
العلاج الثاني: إذا وثقت أن المعطي هو الله ويعطي بحكمة لا يعلمها إلا الله
فلماذا تحزن إذا لم يعطي لك ولداً كفلان ولماذا أغتم إذا حلى زوجة هذا ولم
يحل زوجتي؟ ولماذا أحمل الهم فوق رأسي إذا جاء لزميلي في العمل ترقية ولم
أنالها، وقيل شعراً لأحدهم[4]:

أَلا قُلْ لِمَنْ كَانَ لِي حَاسِدًا

أَتَدْرِي عَلَى مَنْ أَسَأْت الأَدَبْ

أَسَأْت عَلَى اللَّهِ فِي حُكْمِهِ

لأَنَّك لَمْ تَرْضَ مَا قَدْ وَهَبْ

فَجَازَاك رَبِّي بِأَنْ زَادَنِي

وَسَدَّ عَلَيْك وُجُوهَ الطَّلَبْ

الحسود يعترض على المعطي لأنه هو الذي قسم الأرزاق وهو الذي قسم الأخلاق
وهو الذي قسم العطاء وهو الذي أيضاً قسم البلايا والعناء ولو نظرت على
التحقيق لوجدت أن الكل سواء فكما أن هذا عنده عطاء فلابد أنه عنده جانب من
البلاء وإن كنت لا أراه ولا أشعر به ولكن اعلم يقيناً أن الله{وَمَا
رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}فإذا رأيت على أخي نعمة أو رأيته في منة
فيجب عليّ أن أفرح وأن أشكر الله وأن أحمد الله وأن أدعو الله أن يزيده
نعماً على نعمه وخيراً وبراً على خيره وبره وفضلاً على فضله ولا تطلب من
الله أن يمحق هذا الفضل أو أن يذهب هذا البر لأن هذا ليس من خصال المؤمنين
وإنما من خصال الجاحدين والمنافقين والعياذ بالله فالمؤمن لا يحمل في قلبه
ضغينة لأحد ولا حقداً على احد ولا حسداً لأحد بل يتمنى الخير والبر لجميع
عباد الله حتى أنه يتمنى الهداية للكافرين ويتمنى العناية للجاحدين ويتمنى
أن يوفق الله المشركين ليهتدوا لهذا الدين ويحب الخير حتى للكافرين يحب لهم
أن يؤمنوا بالله وأن يهتدوا بهدى الله فما بالك بإخوانه المؤمنين إنه يحب
لهم الخير في الدنيا والسعادة في يوم الدين{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى
أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}يفضل إخوانه على نفسه لأنه يعلم
أن الدنيا فانية وأن النعم الحقيقية هي النعم الباقية في جوار
الله{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً
وَخَيْرٌ أَمَلاً}النعم الفانية تحتمل البلاء وتحتمل العطاء فهي
فتنة{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} حتى المال والولد
فتنة{لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} فإذا وفق لشكر الله على نعمة
الولد فقد فاز وجاز وإذا وفق لشكر الله على نعمة الزوجة فقد فاز وجاز
ولكنه إذا نسى الله ولم يشكره على نعمه وعطاياه فقد جحد ورسب في الاختبار
الذي أجراه له الله{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ}لماذا
{لِيَبْلُوَكُمْ}[أي يختبركم] {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}لكن النعم
الخالصة التي ليس فيها احتمال وإنما هي محض عطاء أن يوفقك للعبادات، وأن
يفتح لك باب القبول على الطاعات والقربات وأن يلهم لسانك ذكره وشكره وحُسن
عبادته وأن يحبب إليك تلاوة القرآن وأن يحبب إليك متابعة النبي العدنان،
وأن يحبب إليك فعل الخير في كل وقت وآن، وأن يذكرك بالدار الآخرة لتستعد
لها، وأن يذكرك بالموت لتتأهب له هذه هي النعم الحقيقية التي يفرح بها
المؤمنون وليس فيها ابتلاء وليس فيها فتن وليس فيها اختبار وإنما هي كما
ورد فى الأثر{إذا أكرم الله عبدا ألهمه ذكره وألزمه بابه وآنسه به يصرف
إليه بالبر والفوائد، ويمده من عند نفسه بالزوائد ويصرف عنه أشغال الدنيا
والبلايا فيصير من خالص عباد الله وأحبابه فطوبى له حيا وميتا لو علم
المغترون بالدنيا ما فاتهم من حظ المقربين وتلذذ الذاكرين، وسرور المحبين
لماتوا كمدا}[5]إذا أحب الله عبداً يلهمه بذكره وشكره وحسن عبادته فإذا
استطعنا أن نحيي في نفوسنا هذه المعاني الحب لعباد الله وأن نحمي نفوسنا من
البغضاء والشحناء والحقد والحسد لجميع عباد الله وأن نملأ قلوبنا بالرغبة
في العمل الدائم الذي ينفعنا بعد هذه الحياة من الإيثار ومن المعونة ومن
المساعدة ومن المواصلة ومن البر ومن كظم الغيظ ومن العفو عن الناس ومن
الإحسان إلى المظلومين ومن مساعدة المنكوبين ومن التفريج عن المكروبين إذا
أحببنا هذه الأعمال وقمنا بها فلن يكون في مجتمعنا مشكلة أبداً يا إخواني
جماعة المؤمنين ورد عن أصحاب نبيكم الكريم أن رجلاً ذبح شاة وتصدق برأسها
على رجل من الفقراء فجلس مع زوجته فنظر في أمر نفسه وأمر إخوانه ثم قال: يا
أم فلان إن أخي فلان أحوج إليها مني وذهب وأعطاها له فجلس الثاني مع زوجته
ونظر في أمر إخوانه المؤمنين وقال يا أم فلان إن أخي فلان أحوج إلى هذه
الرأس مني وذهب وأعطاها إليه فطافت الرأس على سبعة دور ثم رجعت إلى الأول
مرة ثانية لتثبت سلامة صدورهم ورقة شعورهم وإحساسهم واستحقاقهم للوسام الذي
نسبهم به ربهم{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ
خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ}قال النبى{ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء}[6]وقال{
المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدهِ، والمهاجِرُ
مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه }[7]اعلموا علم اليقين أن آخر هذه الأمة لن
يسعد إلا بما سعد به أولها وأولها لم ينالوا السعادة بالعمارات الشاهقة
والأرصدة الزائدة والمصانع الشامخة وإنما نالوا السعادة بما في نفوسهم من
حب وشوق وزهد وورع ونقى وغنى بالله وعفاف عما حرمه الله ولن ينصلح حال
مجتمعنا إلا إذا عدنا لهذه الأخلاق النورانية ولهذه الخصال الإلهية التي
أوصانا بها الله في كتابه وبينها لنا الرسول الكريم في هديه وفي سنته فإن
المجتمع الذي أسسوه أسس على هذه الأخلاق فكان الرجل منهم لو عرضت عليه كنوز
الدنيا لأتلفته عن خلق تخلق به لله وهداه إلى التمسك به سيدنا ومولانا
رسول الله انظروا إلى هؤلاء القوم وقد خرجوا من المدينة حفاة عراة لا
يملكون قليلاً ولا كثيراً وفتح الله لهم كنوز كسرى وكنوز قيصر وكانت شيئاً
يدهش العيون لم تفكر فيه عقولهم ولم يرواد خيالهم مما فيه من مجوهرات ومما
فيه من ذهب وفضة وما فيه من عسجد واستبرق وما فيه من أصناف المباهج والرياش
التي لم تخطر ببال واحد منهم قط في حياته كلها، ولكنهم عندما فتحت لهم
الكنوز لم تشغل بالهم وما سلبت عقولهم ولم تغير طباعهم وأخلاقهم وهذا هو
المهم فقد قال لهم القائد من وجد شيئاً فليؤده لنا فكانوا يحضرون كل شئ حتى
أن الرجل الذي وجد إبرة وليست بذات شأن كان يأتي ويسلمها إليه لا يدس
شيئاً في ثيابه ولا يخفي شيئاً في متاعه لأنه يراقب الله ويحرص على هذا
الخلق الكريم الذي خلقه به الله والذي وصاه به سيدنا ومولانا رسول الله وهو
الأمانة في كل شئ فحملت الكنوز على جمال كان أولها في المدينة المنورة
وآخرها في بلاد فارس كما يقول الرواة فى الأثر وعندما وضعت أمام عمر بن
الخطاب لم تطرف عينه ولم تشغل باله ولم يجد صراعاً لاكتسابها أو للحصول
عليها وإنما جلسوا متعجبين ولسان حالهم يقول كما قال القائد عندما رآها
{كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ
وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً
آخَرِينَ}علموا أن هؤلاء ضاعت منهم النعم لأنهم لم يشكروا واهب النعم
فرجعوا إلى الله شاكرين حتى لا يشغلهم بالنعم عنه لأنهم يريدون أن يكونوا
مع المنعم في جميع أحوالهم وفي جميع أوقاتهم فقال عمر بن الخطاب عندما رأى
هذه الكنوز الفارهة(إن قوماً أدوا هذا لأمناء)فقال علي بن أبي طالب(عففت
فعفت رعيتك يا أمير المؤمنين)هذا الذي نحتاجه نحتاج إلى بناء الأمانة في
أولادنا وفي أنفسنا وفي أزواجنا نحتاج إلى بناء الإخلاص في قلوبنا وفي قلوب
عمالنا ليكون خالصاً لله لأنهم لا يرجون سواه ولا يراقبون إلا إياه نحتاج
لبناء الصدق في قلوب أهل مجتمعنا حتى نطمئن في بيعنا وفي شرائنا لأننا صرنا
لا نثق في بعضنا حتى ضاعت الثقة في الأمين لأن الثقة أصبحت مفقودة بانتشار
الكذب بين جماعة المسلمين. حتى أنه لو جاء رجل منهم وقد قرأ عن دين الله
ويريد أن يرى العباد الذين يتبعون هذا الدين فيرى أحوال المسلمين هل يعتقد
أن هؤلاء اتباع سيد الأولين والآخرين؟هل يعرفهم بأوصافهم؟إنه ينظر إلى
وصفهم في القرآن أنهم لا يكذبون ويرى أمام عينيه كل تعاملاتهم مبنية على
الكذب يقرأ أنهم لا يخونون ويرى أن كل همهم الخيانة وليست للأمانة عندهم
صيانة يقرأ عن أمانتهم ويقرأ عن شهامتهم ويقرأ عن كرم ضيافتهم وينظر إلى
الموجودين فيرى مسلمين بغير إسلام يرى مسلمين بالاسم وبشهادة الميلاد
وبالبطاقات لكن أخلاقهم أخلاق الكافرين أو أخلاقهم أخلاق المنافقين أو
أخلاقهم أخلاق غير المسلمين فأخوك فى الدين هو كما قال سيد الأولين
والاخرين{من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم
فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته}[8] وكما ورد
فى الأثر الشهير : الدين المعاملة ... الدين المعاملة ... الدين المعاملة


[1] رواه ألإمام مالك في الموطأ عن أنس، ورواه الترمذي والطبراني في الفتح الكبير عن زيد بن أرقم.


[2] رواه الطبراني والبزار عن أنس بن مالك.


[3] أخرجه البخاري في كتاب الإيمان وأبو يعلى في مسنده وأحمد في مسنده والدارمي في سننه عن أنس.


[4] : غذاء الألباب شرح منظومة الأداب لمحمد بن أحمد السفارينى


[5] الزهد الكبير للبيهقي رواية عن ذى النون


[6] رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عمر.


[7] رواه ابن حبان والطبراني في الكبير والحاكم عن فضالة ابن عبيد رضي الله عنه.


[8] مسند الشهاب عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





التقييم : 3
نقاط : 357210
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

 الهجرة أسرار وأنوار Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة أسرار وأنوار    الهجرة أسرار وأنوار I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 26, 2012 9:51 pm

دروس الهجرة


إن أحداث الهجرة في ذاتها والحمد لله معظمنا بل أغلبنا يعلمها ويحفظها
جيداً لكن الله أمرنا أن نستلهم العبر ونأخذ المثل والقدوة من سير الأنبياء
والمرسلين وذلك حين يقول عز شأنه{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ
لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ}وسنأخذ ثلة صغيرة من الدروس التي ينبغي على شبابنا
وفتياتنا أن يتعلموها ويتعلمنها من هجرة النبي أولاً وقبل كل شيء قبل
الهجرة بوقت قصير أخذ الله رسوله بصحبة الأمين جبريل من مكة المكرمة إلى
بيت المقدس ثم صعد به سماءاً تلو سماء حتى وصل إلى سدرة المنتهى ولنعلم مدى
عظمة هذه الرحلة فقد قال{كِثَفُ الأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ
وَبَيْنَ الأَرْضِ الْعُلْيَا وَالسَّمَاءِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ
بَيْنَ كُل سَمَاءٍ وَالسَّمَاءِ الدُّنْيَا خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَكِثَفُ
السَّمَاءِ سِتُّمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ كُلُّ سَمَاءٍ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ،
ثُمَّ بَيْنَ كُل سَمَاءٍ مِثْلُ ذٰلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ إِلى السَّمَاءِ
السَّابِعَةِ، ثُم مَا بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلى الْعَرْشِ
مَسِيرَةُ مَا بَيْنَ ذٰلِكَ كُلهِ}[1]فكم من الأعوام يقطعها المسافر في
هذه السماوات والأقطار وبعد سدرة المنتهى زار الجنة ونزل إلى النار ثم بعد
ذلك ذهب إلى قاب قوسين أو أدنى ورجع وفراشه الذي ينام عليه لم يبرد بعد
يعني في أقل من لمح البصر الذي فعل معه ذلك ألم يكن في استطاعته جل شأنه أن
يأخذه من مكة إلى المدينة في طرفة عين؟ كان ذلك سهلاً ويسيراً والله على
كل شئ قدير لكن الله لو فعل ذلك معه كانت هذه ستكون حجة نتعلق بها جميعاً
فنقول: هذا نبي الله ورسول الله ولا طاقة لنا بما فعل ولا نستطيع أن نصنع
كما صنع فضرب الله المثل والقدوة لنا أجمعين رجالاً ونساء شيوخاً وشباباً
بأنبياء الله ورسله فمثلاً نبي الله موسى كيف دفع مهره ليتزوج امرأة مؤمنة
كان صداقه أن يشتغل برعي الأغنام في الصحراء لمدة عشر سنوات حتى لا يظن
شبابنا أن الطريق مفروش بالورود ولكن يسعوا ويجدوا ويجتهدوا{وَمَا
يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ
عَظِيمٍ }فجعل الله هجرة المصطفى عن طريق الأسباب التي هيأها الله
للعالمين لأن الأسباب مهيئة للكل والكل يستطيع أن يستخدمها أو ينتفع بها
لأنها صنع الله الذي سخره لجميع الخلق لم يكن رسول الله يخاف فهو الذي لا
يخاف إلا من الله، لكنه خطط التخطيط السليم ليعلم كل مؤمن أن أي عمل ينوي
فعله لابد له من خطة سواءاً كان ذلك في استذكار دروس أو كان ينوي زواجاً أو
كان ينوي بناء بيت أو كان ينوي تحقيق اختراع أو كان ينوي إحداث اكتشاف أي
أمر لابد أن يبنيه المرء على خطة والخطة لابد أن تكون محكمة ومدبرة تدبيراً
جيداً ولا بأس أن يجعل في خطته نصيباً لأهل الخبرة حتى ولو كانوا غير
مسلمين مادام هذا هو التخطيط المكين إن الرسول لما وضع الخطة الدقيقة بأن
يتوارى عن القوم هو وصاحبه في الغار لمدة ثلاثة أيام كيف يعرف أخبار القوم؟
تستطيع أن تقول أنت عن طريق الوحي لأن الله ينزله عليه لكنه يريد أن يجند
الشباب ويعلمهم المنهج السديدالذي يرضي الله فجند فتى وفتاة وهيأهما
وعلمهما الفتى يجلس طوال النهار بجوار نادي القوم قرب الكعبة يتسمع الأخبار
والفتاة تصنع الطعام وثالثاً يمشي خلفهما إذا مشيا في الذهاب أو في الرجوع
ومعه غنمه ليعفي على آثار القدمين فلا يكتشف أقدامهما الكفار وقد كانوا
يجيدون ذلك فكان في كل ليلة يأتيه الفتى بالأخبار التي يتسمعها من قريش
وتأتيه الفتاة بالطعام، وبعد الثلاثة أيام كان قد جهز الراحلتين ولما لم
يكن في وسط المسلمين خبيراً بالطريق استدعى خبيراً كافراً هو عبد الله بن
أريقط حتى أن أئمة السيرة الأعلام قالوا: لم يصل إلينا خبر هل أسلم بعد ذلك
أم لا؟ لكنه تخيره أميناً حتى لا يكشف سره لأعدائه فجاء الخبير الذي
يستطيع أن يجتاز بهم طريقاً غير معروف بعد الثلاثة أيام والحمد لله هو هذا
الطريق المعروف الآن الذي يسافر عليه الحجيج والمعتمرون من مكة إلى المدينة
وهو طريق الهجرة ولم ينس وهو في هذا العمل كله يرجو تحصين الله وحفظ الله
وعناية الله أن يتمسك بأهداب الفضيلة التي جاء بها لنا من عند الله
فالكافرون من أهل مكة أخرجوا المسلمين من بينهم بدون شئ من أموالهم أو
متعلقاتهم فقد استولوا على بيوتهم واستولوا على أموالهم وأستولوا على كل
أشياء يتملكونها والعجب أن هؤلاء القوم مع كفرهم إلا إنهم كانوا يقرون
للداعي إلى الله بالصدق والأمانة فلو نطق بكلمة قيل لهم قال محمد كذا.
قالوا: إن كان قال فقد صدق لأنهم ما جربوا عليه كذباً فكانوا يحفظون عنده
أماناتهم التي يخشون عليها لعدم وجود البنوك في هذا الزمن، ولما جاءه الأمر
من الله بالهجرة لقن فتيان المسلمين درس عملياً عظيماً في الأمانة فجاء
بابن عمه علياً بن أبي طالب وكان سنه لا يزيد عن ثلاثة عشرة عاماً وأمره أن
يبيت في مكانه مع أن أربعين رجلاً مُدججين بالسيوف يحيطون بالمنزل
وينتهزون فرصة للدخول عليه في أي ساعة من الليل ويقضون عليه عرضه للموت في
سبيل أن يتمسك بالأمانة وأن يكون مثلاً فذاً في خُلق الأمانة، وأمره أن
يمكث ثلاثة أيام بعده حتى يؤدي لكل رجل أو امرأة أمانته أو أمانتها استوعب
هؤلاء القوم هذا الدرس فتربوا على فضيلة الأمانة فكانت هي الصفة الأولى في
نشر الإسلام في كافة ربوع العالم وأسوق لكم مثلا آخر يروى أن رجلاً كان في
عداد الكافرين اسمه العاص بن الربيع وكان تزوج ابنة النبي زينب وبعد الهجرة
بعامين كان آتياً على رأس تجارة لقريش من بلاد الشام وشرح الله صدره
للإسلام على مقربة من المدينة ولكن سرية فذهب إليه بعض المنافقين. وقالوا:
ما دمت قد أسلمت أنت تعلم أن هؤلاء القوم قد أخذوا أموال إخواننا ودورهم
فلا عليك أن لا تذهب إلأى مكة مرة ثانية ووزع هذه الأموال على من أخذ ماله
عنوة من المسلمين لكن الرجل قال له بصرامة وشدة: ما كنت لأبدأ عهدي في
الإسلام بالخيانة وواصل مسيرته حتى وصل إلى مكة ودعا أشراف أهلها وقال: يا
أهل مكة هل بقى لأحدكم شئ عندي؟ قالوا: لا وجزاك الله خيراً قال: أشهدكم
إني آمنت بدين محمد فالدرس الأول الذي نستوعبه من الهجرة النبوية وما أحوج
شبابنا جميعاً إليه الآن بل إننا للأسف نستمع هنا وهناك أن هذا هو الخلق
القويم لدى الأمم المتمدينة وهو أولاً وقبل كل شئ خلق نبي الإسلام وخلق
الإسلام في كل زمان ومكان هو التخطيط السليم بالأسباب التي في استطاعتنا
وما دام الإنسان يخطط على حسب استطاعته فإن الله يعينه بقدرته كما أعان
حبيبه ومصطفاه في رحلة الهجرة على أن أخطط على حسب وسعي وطاقتي وإمكاني
وجهدي واستخدم كل ما هو متاح لي من طريق حلال وبعد ذلك يقول لي رب
العزة{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ
حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} لكن أكف عن التخطيط وامتنع عن المذاكرة وأقول ما
قدره الله يكون، وما اختاره لي سيتحقق هذا ليس توكلاً على الله لكنه
تواكلاً وسلبية حاربها الله، ونهى عنها رسول الله
الدرس الثاني: أن المؤمن لابد ألا يفرق بين العادات والأخلاق والمعاملات في
ظلال الإسلام فإن كل ما أصاب مجتمعنا من تدهور في الأخلاق ومن سوء
المعاملات في الأسواق ولدى التجار ومن انتشار النفاق وصفاته وأمراضه سبب
ذلك كله هو ضعف اليقين وعدم الاستمساك بكلية هذا الدين يظن الإنسان أنه أدى
ما عليه لله إذا حافظ على الفرائض في وقتها وصام شهر مضان وتلا القرآن أو
تمسك بالأشياء والسنن الظاهرة ربى لحيته وجعل له عدبة طويلة واستخدام
السواك كل هذا خير لكن لابد مع ذلك كله من مكارم الأخلاق ومن حسن المعاملات
الإسلامية وإلا خبروني لو أن تاجراً يغش في وزنه أو في كيله أو في سعره أو
في بضاعته ويؤدي العمرة في شهر رمضان كل عام ويحج بيت الله الحرام كل عام
هل ينفع حجه وعمرته؟كلا لقول النبى{لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ
لَه}[2]وفى الأثر المشهور{الدين المعاملة} فلا يقبل الله من يصلي في الليل
ولو ألف ركعة ثم في الصباح لا يتورع عن الكذب ولو في مباح لأن ديننا لا
يعرف كذبة بيضاء وأخرى حمراء أو سوداء فقد قال النبى{إِني لأَمْزَحُ وَلاَ
أَقُولُ إِلاَّ حَقّاً }[3] حتى المزاح لا يكون إلا في الحق وبالحق
عن عبدِ الله بنِ عامرٍ قالَ{جاءَ رسولُ الله بَـيْتَنَا وأَنَا صَبِـيٌّ
صغيرٌ، فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ فقالتْ لِـي أُمِّي: يا عبدَ الله تعالَ
أُعْطِيكَ، فقالَ رسولُ الله: مَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ قالتْ: أَرَدْتُ
أَنْ أُعْطِيَهُ تـمراً قالَ: أَمَا إِنَّكِ لو لَـمْ تَفْعِلـي
لَكُتِبَتْ علـيكِ كِذْبةً}[4] إن من يستاك بالسواك يفعل فعلاً طيباً لكن
الأطيب منه من يطهر فمه عن الغيبة والنميمة والسب والشتم والقذف واللعن
وهذه الأقوال الخبيثة التي تخرج من فيه، لكن الذي يستاك ثم يسب أو يشتم أو
يلعن أو يغضب فإنه لم يدرِ الحكمة النبوية من استخدام السواك عند رسول الله
ديننا لا يفرق بين ثلاثة أمور: العبادات، والأخلاق والمعاملات. فمن قال
أنا على خلق طيب؟ والمهم طهارة القلب وتكاسل عن الصلاة نقول له هذا لا ينفع
إذا كان خلقك طيباً وقلبك طاهراً فلماذا تتباطئ عن نداء الله؟ولماذا لا
تؤدي الصلاة لتفوز بحق الله ولا تندم على ذلك يوم القيامة؟ومن حافظ على
الصلاة وارتكب ما لا يحله الله في أخلاقه ومعاملاته مع عباد الله نقول له
قال النبى{مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاتُهُ عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ لَمْ
يَزْدَدْ مِنَ الله إِلاَّ بُعْداً }[5]فالذي يستبيح الرشوة بحجة أنه يحتاج
وأن دخله لا يكفيه نقول له: هذه حجة واهية والذي يستبيح استغلال الناس
بحجة أنه ينفق هذه الأموال على الدعوة الإسلامية أو طباعة الكتب الدينية أو
نشر الشرائط الإسلامية نقول له قال الحبيب{إِنَّ الله طَيِّبٌ لاَ
يَقْبَلُ إلاَّ طَيِّباً}[6] والرسول كان هو المثل الأعلى في الأمانة في
بعثته وفي هجرته قد يقول له البعض:كيف تصل إلى منصب مرموق بدون التزلف
والتقرب لكبار المسئولين كان هذا هو الدرس الرابع فإن الرسول لما تمسك بهذه
الفضائل حماه الله بأشياء قد لا نعيرها بالاً حماه في الغار بشجرة نبتت
فوراً على باب الغار فسدته وأمر العنكبوت الضعيف{وَإِنَّ أَوْهَنَ
الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ}أن تنسج على هذه الشجرة بيتاً لها وكلف
حمامتين أو يمامتين وحشيتين غير مستأنستين أن تصنعا عشاً في الحال وتبيضا
فيه فستره عن الكفار بأشياء لا تخطر على البال وعندما لحق به فارس منهم
والتفت سيدنا أبو بكر وقال: يا رسول الله أدركنا الطلب فقال{لاَ تَحْزَنْ
إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} سخر الله له الأرض ونزل الأمين جبريل وقال: يا محمد
الله يقرئك السلام ويقول لك الأرض طوع أمرك فمرها بما شئت فالتفت إلى
الفارس وفرسه وقال: يا أرض خذيه فانشقت الأرض وأمسكت بالفرس وبقدميه أكثر
من مرة والأرض تتلقى الأمر منه لأن الله أعزه وأمر الكل أن يكون طوع أمره
لأنه تمسك بدين الله وبأخلاق الله ولم يتنازل قدر أنملة ولم يتزحزح عن
مبدأه طرفة عين ولا أقل ثم زاد الله في إكرامه وزاد الله في إعزازه لأن من
يتمسك بهدى الله يعزه الله{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ}فدخل المدينة مُعززاً مُكرماً{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ
مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}لنعلم علم اليقين أن الذي
يتمسك بهدى الله مهما واجهته الفتن ومهما تعرض للمحن ومهما أحاطت به الظروف
لابد أن يؤيده الله ويعزه الله وينصره الله فتلك سنة الله ولن تجد لسنة
الله تبديلاً قال النبى{لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ولكِنْ جِهَادٌ
وَنِيَّةٌ}لماذا خرج رسول الله في الليل؟ ولماذا اختبأ ولم يتوجه مباشرة
إلى المدينة ويأخذها في لحظة؟ أو في لمح البصر؟لماذا ؟من أجل أن يعطي
الفرصة للضعفاء وهذه هي السنة التي علمها الله للهداة المهديين والعلماء
العاملين في كل زمان ومكان وهي:
{ أقدر القوم بأضعفهم فإن فيهم الكبير والسقيم والبعيد وذا الحاجة }[7]وليس
في التقدير عند المشى فقط أو الحركة فقط بل يتجاوز ذلك بل الذي يصلي قال
له{ إِذَا صَلَّىٰ أَحَدُكُمْ بالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ
الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّىٰ أَحَدُكُمْ
لِنَفْسِهِ، فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ}[8]هذه هي السنة أن نأخذ الناس باليسر
فكان يأخذ نفسه بالعزيمة والقوة ويأمر غيره باليسر اسمعوا له إذ يخاطب
سيدنا أبا هريرة قائلاً{يا أبا هريرة إذا كنت إماما فقس الناس بأضعفهم} وفي
لفظ { فاقتد بأضعفهم }[9]وعلَّم أصحابه على هذه الطريقة الإلهية وعلى هذه
الهداية الربانية حتى يكونوا صورة من رحمة رسول الله للخلق أجمعين وخذوا
مثالً آخرا فى أمر أذق كيف يتعامل أححدنا مع زوجته ؟ قد كان عندما يريد أن
يخلد للنوم عند السيدة عائشة ينام على سريرها ويتغطيا بغطاء واحد ثم يقول
لها{ " يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي }[10]وفى رواية :{ أئذنى لى
ياعائشة أن أتعبد لربى الليلة؟}يستأذنها لا ينهرها ولا يقول لها سوف أقوم
الليل فلماذا تنامي؟ سوف تذهبن إلى جهنم تعالِ معي أويضربها وإنما يأخذ
نفسه بالأشد ويتركها على راحتها لأنها أدت فرض الله أما السنن فالأمر فيها
على السعة فمن قدم فيها فإنما يقدم لنفسه ومن أخر فربما لعذر لا أعلمه أنا
وتلك هى السنة وليس كل إنسان يستطيع أن يتحدث بعذره فإن الإمام مالك بن أنس
إمام دار الهجرة كان يخرج ليصلي الجُمع والجماعات وكان يشيع الجنازات
ويعزي المصابين وبعد فترة ترك الجماعة وكان يصلي في منزله ولا يخرج إلا
للجمعة وترك تشييع الجنازات وطبعاً أشبع من المريدين القيل والقال ولما
اقترب خروج روحه وبجواره أعز تلامذيه قال لهم: لو لا أن هذه الساعة هي التي
أقابل فيها الله ما حدثتكم عن عذري وكان تلاميذه عندما يسألونه قبل ذلك
يقول لهم: (ليس كل عذر يستطيع الإنسان أن يتحدث عنه) والمؤمن كما ورد فى
الأثر: { المؤمن عذري}يعني يلتمس العذر لإخوانه المسلمين قالوا له: ما الذي
منعك؟ قال: أنا مصاب بسلس البول منذ كذا وكذا سنة وإذا حضرت إلى المسجد
فإن الناس لا يتركوني أتخلف عن الإمامة، والإمامة لا تجب في حقي ماذا
يفعل؟إذا قال عندي سلس البول لا يصدقونه سيقولون إنه تواضع أو إنه متكبر
لكنه أباح بهذا العذر عند خروج روحه لإخوانه حتى تنشرح صدورهم ويعلمون أن
الأئمة الهداة لا يتحركون ولا يعملون عملاً صغيراً أو كبيراً إلا على نور
من الله



[1] رواه البزار عن أَبي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.


[2] رواه البيهقي في سننه وابن حبان في صحيحه عن أنس ورواه الطبراني في الكبير وصاحب مسند الشامين عن أبي أمامة.


[3] رواه الطبراني في الكبير والأوسط عن ابن عمر والخطيب عن أنس.


[4] سنن البيهقى الكبرى .


[5] رواه السيوطي في الفتح الكبير عن ابن عباس.


[6] رواه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده والدارمي في سننه والترمذي والسيوطي في الفتح الكبير عن أبي هريرة.


[7] رواه الشافعي في مسنده وكذا الترمذي وحسنه، وابن ماجه والحاكم


[8] أخرجه أحمد والشيخان والترمذي عن أبي هريرة بألفاظ متقاربة.


[9] المقاصد الحسنة للسخاوي، عن أبي هريرة


[10] صحيح بن حبان عن عطاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الهجرة أسرار وأنوار
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أعظم أنواع الهجرة
»  اسطوانة وقفات مع الهجرة النبوية
» صور من حياة الرسول - الهجرة الى المدينة - أمين دويدار
» >> >> >>من أسرار لا اله إلا الله
»  أسرار Windows XP

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اهل الحق :: منتديات إسلامية :: إسلاميات عامة-
انتقل الى: