منتديات اهل الحق
مرحبا بكم في منتدياتنا منتديات اهل الحق و أرجو من زائرنا العزيز أن يجد كل ما يبحث عنه من مواضيع و برامج ......وشكراا...
منتديات اهل الحق
مرحبا بكم في منتدياتنا منتديات اهل الحق و أرجو من زائرنا العزيز أن يجد كل ما يبحث عنه من مواضيع و برامج ......وشكراا...
منتديات اهل الحق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  
آيـــــات الشفاء في القرآن الكريم إن هذه الآيات تجتمع في كل آية فيها كلمة شفاء و تقرأ بترتيب المصحف فقد قال العلماء أن في هذا استعانة بكلام الله على الشفاء و خصوصا بالنسبة للأمراض التي لا تقدر عليها أسباب البشر...وهـــم:- الآية 14 من سورة التوبة: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ... صدق الله العظيم الآية 57 في سورة يونس : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ... صدق الله العظيم الآية 69 من سورة النحل : وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ... صدق الله العظيم الآية 82 من سورة الإسراء : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا... صدق الله العظيم الآية 80 من سورة الشعراء : وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ... صدق الله العظيم الآية 44 من سورة فصلت : وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ...||

 

 نظرات في إحياء علوم الدين للإمام الغزالي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة





التقييم : 3
نقاط : 357480
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

نظرات في إحياء علوم الدين للإمام الغزالي Empty
مُساهمةموضوع: نظرات في إحياء علوم الدين للإمام الغزالي   نظرات في إحياء علوم الدين للإمام الغزالي I_icon_minitimeالإثنين أبريل 29, 2013 12:03 pm


نظرات في كتاب «إحياء علوم الدين» للإمام الغزالي رحمه الله تعالى

عمر بن عبد المجيد البيانوني

ذكر بعض الدعاة عن كتاب «إحياء علوم الدين» أنَّ فيه (سطوةً عارمةً على السَّعادة واليُسْرِ اللذيْنِ أتى بهما الشارعُ الحكيمُ)، وقال: (فكتابُ إحياء عِلوم الدينِ للغزاليِّ، دعوةٌ صارخةٌ للتجويعِ والآصار والأغلالِ التيِ أتى رسولُنا صلى الله عليه وسلم لوضْعِها عنِ العالمين. فهو يجمعُ من الأحاديثِ، المتردِّية والنطِيحة وما أكل السَّبُعُ، وغالبُها ضعيفةٌ أو موضوعةٌ، ثم يبني عليها أُصُولاً يظنُّها منْ أعظمِ ما يُوصِّلُ العبدُ إلى ربِّه. وقارنتُ بين إحياءِ علومِ الدين وبين الصحيحين للبخاري ومسلم، فبان البونُ وظهر الفرْقُ، فذاك عَنَتٌ ومشقَّةٌ وتكلُّفٌ، وهذه يُسْرُ وسماحةٌ وسهولةٌ، فأدركتُ قول الباري: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى}). اهـ.

وأقول في ذلك:

«إحياء علوم الدين» من أفضل الكتب وأعظمها في تزكية النفس وتصفيتها من الشوائب والآفات، وفي معرفة الإنسان خبايا نفسه ودخائلها، وكيف يعالجها، ومعرفة حقيقة العبادة وروحها، والكتاب كلُّه يقوم على قاعدة أساسيَّة، تتلخَّص بكلمتين، تقرأهما في كلِّ باب من أبوابه، أو فصل من فصوله: تصحيح المعاملة مع الله تعالى، ومع عباد الله على أساس من العلم والعمل، مع الاستهداء بفهم السلف وأحوالهم..

وهو اسم على مسمَّى، إذ كان إحياء لما خفت نوره من علوم الدين، وامَّحت آثاره من حياة النَّاس، فنهض هذا الإمام الجليل لإحيائها وتجديدها، ووضعها في مسارها الصحيح، وبؤرة التأثير والتغيير، فأحيا بعمله الأمّة، وجدّد انبعاثها..

وهو كتاب كتب الله له القبول بين النَّاس، وتلقَّته خيار الأُمَّة بالاعتناء والاهتمام، وانتفعت به جيلاً بعد جيل، ومؤلّفه الإمام الغزاليُّ حُجَّة الإسلام شهد له الأئمّة المعتبرون بذلك، وعدُّوه مجدِّد الإسلام في قرنه، وقد وصف الإمام الذهبي مؤلِّفه في السِّيَر: (الغزالي الشيخ الإمام البحر، حُجَّة الإسلام، أعجوبة الزمان)، ويكفي الكتاب ومؤلِّفه شهادة أنَّ كلَّ مَنْ أتى بعده، وكتب فيما كتب نسج على منواله، واقتفى آثاره، واستفاد منه، ودونكم التاريخ يشهد بما أقول، وهو شاهد صدق، وحكم عدل.

وليس في الكتاب (سطوة عارمة على السَّعادة واليسر اللذيْنِ أتى بهما الشارعُ الحكيمُ)، ومؤلِّفه من أسعد النَّاس بربِّه فكيف يسطو على السَّعادة وهو مَنْ يعلمها للناس؟

لقد اهتمَّ الإمام الغزالي في الإحياء بأمر السَّعادة في كثير من المواضع، وإنْ كان الكتابُ كلُّه يدعو إلى السَّعادة، منها قوله رحمه الله مبيِّناً أنَّ أصل السَّعادة في العلم: (وأعظم الأشياء رتبة في حقِّ الآدمي: السَّعادة الأبدية، وأفضل الأشياء ما هو وسيلة إليها، ولن يُتَوصَّل إليها إلا بالعلم والعمل، ولا يُتَوصَّل إلى العمل إلا بالعلم بكيفية العمل، فأصل السَّعادة في الدُّنيا والآخرة هو العلم فهو إذن أفضل الأعمال).

وقال في ذلك أيضاً: (وقد ظهر شرف العلم من قبل العقل، والعقل منبع العلم ومطلعه وأساسه، والعلم يجري منه مجرى الثمرة من الشجرة، والنور من الشمس، والرؤية من العين، فكيف لا يشرف ما هو وسيلة السَّعادة في الدُّنيا والآخرة).

وذكر رحمه الله أنَّ السَّعادة الحقيقية في التقرُّب إلى الله سبحانه وليس في إيثار الخلق على الخالق، قال: (وما أبعدَ عن السَّعادة مَنْ باع مهمَّ نفسِهِ اللازم بمهمِّ غيره النادر، إيثاراً للتقرُّب والقبول من الخلق على التقرُّب من الله سبحانه).

وذكر أنَّ من أسباب السَّعادة: الإحسان، فقال: (الباب الرابع في الإحسان في المعاملة، وقد أمر الله تعالى بالعدل والإحسان جميعاً، والعدل سبب النجاة فقط، وهو يجري من التجارة مجرى رأس المال، والإحسان سبب الفوز ونيل السَّعادة).

وذكر أنَّ السَّعادة لا تكون إلا بسلامة القلب فقال: (وقد أهمل النَّاس طبَّ القلوب، واشتغلوا بطبِّ الأجساد، مع أنَّ الأجساد قد كُتِبَ عليها الموتُ لا محالة، والقلوب لا تدرك السَّعادة إلا بسلامتها، إذ قال تعالى: {إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}).

وذكر من أسباب السَّعادة: السعي والجد مع عدم القنوط والإعجاب بالعمل، قال رحمه الله بعد أن ذكر قول ابن مسعود «الهالك في اثنتين القنوط والعجب»: (وإنما جمع بينهما؛ لأنَّ السَّعادة لا تنال إلا بالسعي والطلب والجد والتشمر، والقانط لا يسعى ولا يطلب، والمعجب يعتقد أنَّه قد سعد وقد ظفر بمراده فلا يسعى، فالموجود لا يطلب، والمحال لا يطلب، والسَّعادة موجودة في اعتقاد المعجب حاصلة له، ومستحيلة في اعتقاد القانط، فمن ههنا جمع بينهما).

وذكر أنَّ أعظم نعمة هي الإيمان الذي هو أساس السَّعادة، قال رحمه الله: (فمفتاح السَّعادة: التيقُّظ والفطنة، ومنبع الشقاوة: الغرور والغفلة، فلا نعمة لله على عباده أعظم من الإيمان والمعرفة، ولا وسيلة إليه سوى انشراح الصدر بنور البصيرة، ولا نقمة أعظم من الكفر والمعصية، ولا داعي إليهما سوى عمى القلب بظلمة الجهالة).

وليس الإحياء: (دعوة صارخة للتجويعِ والآصار والأغلالِ التي أتى رسولُنا صلى الله عليه وسلم لوضْعِها عنِ العالمين).

فالإمام الغزالي رحمه الله يوازن بين الاهتمام في الدُّنيا والآخرة، وأنَّ حبَّ السَّلامة والعافية والكرامة في الدُّنيا لا يتنافى مع حبِّ الله والعمل للآخرة، فهو لا يغفل جانب الدُّنيا على حساب الآخرة، فقد قال: (وليس من شرط حبِّ الله أن لا يحب في العاجل حظَّاً ألبتة، إذ الدعاء الذي أمر به الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه فيه جمع بين الدُّنيا والآخرة، ومن ذلك قولهم: (ربنا آتنا في الدُّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) وقال عيسى عليه السلام في دعائه: (اللهم لا تشمت بي عدوي، ولا تَسُؤْ بي صديقي، ولا تجعل مصيبتي في ديني، ولا تجعل الدُّنيا أكبر همي)، فدفع شماتة الأعداء من حظوظ الدُّنيا، ولم يقل: (ولا تجعل الدُّنيا أصلاً من همي)، بل قال: (لا تجعلها أكبر همي) وقال نبينا صلى الله عليه وسلم في دعائه: (اللهم إني أسألك رحمة أنال بها شرف كرامتك في الدُّنيا والآخرة)، وقال: (اللهم عافني من بلاء الدُّنيا وبلاء الآخرة)، وعلى الجملة فإذا لم يكن حبُّ السَّعادة في الآخرة مناقضاً لحبِّ الله تعالى فحبُّ السلامة والصحة والكفاية والكرامة في الدُّنيا كيف يكون مناقضاً لحبِّ الله، والدُّنيا والآخرة عبارة عن حالتين، إحداهما أقرب من الأخرى، فكيف يُتَصوَّر أنْ يحب الإنسان حظوظ نفسه غداً ولا يحبها اليوم، وإنما يحبها غداً لأنَّ الغد سيصير حالاً راهنة، فالحالة الراهنة لا بدَّ إلا أن تكون مطلوبة أيضاً إلا أنَّ الحظوظ العاجلة منقسمة إلى ما يضاد حظوظ الآخرة ويمنع منها، وهي التي احترز عنها الأنبياء والأولياء، وأمروا بالاحتراز عنها، وإلى ما لا يضاد وهي التي لم يمتنعوا منها، كالنكاح الصحيح وأكل الحلال وغير ذلك، فما يضاد حظوظ الآخرة فحق العاقل أن يكرهه ولا يحبه، أعني أن يكرهه بعقله لا بطبعه، كما يكره التناول من طعام لذيذ لملك من الملوك يعلم أنه لو أقدم عليه لقطعت يده أو حزت رقبته، لا بمعنى أنَّ الطعام اللذيذ يصير بحيث لا يشتهيه بطبعه ولا يستلذه لو أكله، فإنَّ ذلك محال ولكن على معنى أنَّه يزجره عقله عن الإقدام عليه، وتحصل فيه كراهة الضرر المتعلق به، والمقصود من هذا: أنَّه لو أحب أستاذه لأنَّه يواسيه ويعلمه، أو تلميذه لأنَّه يتعلم منه ويخدمه، وأحدهما حظٌّ عاجل والآخر آجل، لكان في زمرة المتحابِّين في الله، ولكن بشرط واحد، وهو أن يكون بحيث لو منعه العلم مثلاً، أو تعذَّر عليه تحصيله منه، لنقص حبُّه بسببه فالقدر الذي ينقص بسبب فَقْدِهِ هو لله تعالى، وله على ذلك القدر ثواب الحب في الله، وليس بمستنكر أن يشتد حبُّك لإنسان لجملة أغراض ترتبط لك به، فإن امتنع بعضها نقص حبُّك، وإن زاد زاد الحبُّ، فليس حبُّك الذهب كحبِّك للفضة إذا تساوى مقدارهما، لأنَّ الذهب يوصل إلى أغراض هي أكثر مما توصل إليه الفضة، فإذن يزيد الحبُّ بزيادة الغرض، ولا يستحيل اجتماع الأغراض الدنيوية والأخروية، فهو داخل في جملة الحبِّ لله وحده وهو أنَّ كلَّ حبٍّ لولا الإيمان بالله واليوم الآخر لم يُتَصَوَّر وجوده فهو حبٌّ في الله).

نعم في الكتاب دعوة إلى الزُّهد الذي قد يكون فيه مبالغة في الامتناع عن متاع الدُّنيا مثل قوله رحمه الله: (وقد اشتدَّ خوف السلف من تناول لذيذ الأطعمة وتمرين النفس عليها، ورأوا أنَّ ذلك علامة الشقاوة، ورأوا منع الله تعالى منه غاية السَّعادة، حتى روي أنَّ وهب بن منبه قال: التقى ملكان في السماء الرابعة فقال أحدهما للآخر: من أين؟ قال: أُمِرْتُ بسوق حوت من البحر اشتهاه فلان اليهودي لعنه الله، وقال الآخر: أُمِرْتُ بإهراق زيت اشتهاه فلان العابد، فهذا تنبيه على أنَّ تيسير أسباب الشهوات ليس من علامات الخير، ولهذا امتنع عمر رضي الله عنه عن شربة ماء بارد بعسل، وقال: اعزلوا عني حسابها، فلا عبادة لله تعالى أعظم من مخالفة النفس في الشهوات بالشهوات وترك اللذات).

ومن ذلك قوله: (أما علمت أنَّ ترك الاشتغال بالمال وفراغ القلب للذكر والتذكر والتذكار والفكر والاعتبار أسلم للدين، وأيسر للحساب، وأخف للمسألة، وآمن من روعات القيامة، وأجزل للثواب، وأعلى لقدرك عند الله أضعافاً، بلغنا عن بعض الصحابة أنه قال: لو أنَّ رجلاً في حجره دنانير يعطيها، والآخر يذكر الله، لكان الذاكر أفضل، وسئل بعض أهل العلم عن الرجل يجمع المال لأعمال البر، قال: تركه أبرُّ به، وبلغنا أنَّ بعض خيار التابعين سئل عن رجلين، أحدهما طلب الدُّنيا حلالاً فأصابها، فوصل بها رحمه وقدم لنفسه، وأما الآخر فإنه جانبها فلم يطلبها ولم يتناولها، فأيهما أفضل؟ قال: بعيد والله ما بينهما، الذي جانبها أفضل كما بين مشارق الأرض ومغاربها، ويحك فهذا الفضل لك بترك الدُّنيا على من طلبها، ولك في العاجل إن تركت الاشتغال بالمال، وإن ذلك أروح لبدنك وأقل لتعبك، وأنعم لعيشك وأرضى لبالك، وأقل لهمومك، فما عذرك في جمع المال وأنت بترك المال أفضل ممن طلب المال لأعمال البر، نعم وشغلُك بذكر الله أفضل من بذل المال في سبيل الله، فاجتمع لك راحة العاجل مع السلامة والفضل في الآجل، وبعد فلو كان في جمع المال فضل عظيم لوجب عليك في مكارم الأخلاق أن تتأسى بنبيك إذ هداك الله به، وترضى ما اختاره لنفسه من مجانبة الدُّنيا، ويحك تدبر ما سمعت وكن على يقين أن السَّعادة والفوز في مجانبة الدُّنيا).

لكن هذه مقامات وأحوال لا يلزم النَّاس كلهم الأخذ بها، فإنَّ مِنَ النَّاس مَنْ لا تقوى نفسُه على العبادة إذا كان في شدة، أو كان جائعاً أو غير مروِّح عن نفسه ببعض المباحات التي تجدد نشاطه، كما قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: (ما زال جماعة من المتزهدين يزرون على كثير من العلماء إذا انبسطوا في مباحات، والذي يحملهم على هذا: الجهل، فلو كان عندهم فضل علم ما عابوهم، وهذا لأنَّ الطباع لا تتساوى، فرب شخص يصلح على خشونة العيش، وآخر لا يصلح على ذلك، ولا يجوز لأحد أن يحمل غيره على ما يطيقه هو، غير أن لنا ضابطاً هو الشرع، فيه الرخصة وفيه العزيمة. فلا ينبغي أن يلام من حصر نفسه في ذلك الضابط.

ورب رخصة كانت أفضل من عزائم لتأثير نفعها.

ولو علم المتزهدون أنَّ العلم يوجب المعرفة بالله تعالى، فتنبت القلوب من خوفه، وتنحل الأجسام للحذر منه فوجب التلطف حفظاً لقوة الراحلة، ولأن آلة العلم والحفظ: القلب والفكر، فإذا رفهت الآلة جاد العمل، وهذا أمر لا يعلم إلا بالعلم.

فلجهل المتزهدين بالعلم أنكروا ما لم يعلموا، وظنوا أن المراد إتعاب الأبدان، وإنضاء الرواحل، وما علموا أن الخوف المضني يحتاج إلى راحة مقاومة، كما قال القائل: روحوا القلوب تعي الذكر)([1]).

وعلى القارئ لإحياء علوم الدين أن يقارن كلام الإمام الغزالي رحمه الله بعضه ببعض، فكما حذَّر من الدُّنيا وزهَّد فيها، فقد حثَّ على الاعتدال في أمر الدُّنيا، وأن لا يتركها العبد بالكلية، فقد قال بعد أن ذكر طوائف النَّاس ومذاهبهم الفاسدة في الدُّنيا: (وإنما النَّاجي منها فرقة واحدة وهي السالكة ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو أن لا يترك الدُّنيا بالكلية، ولا يقمع الشهوات بالكلية. أما الدُّنيا فيأخذ منها قدر الزاد، وأما الشهوات فيقمع منها ما يخرج عن طاعة الشرع والعقل. ولا يتبع كلَّ شهوة، ولا يترك كلَّ شهوة، بل يتبع العدل. ولا يترك كلَّ شيء من الدُّنيا، ولا يطلب كلَّ شيء من الدُّنيا، بل يعلم مقصود كل ما خلق من الدُّنيا ويحفظه على حدِّ مقصوده. فيأخذ من القوت ما يقوي به البدن على العبادة، ومن المسكن ما يحفظ عن اللصوص والحر والبرد، ومن الكسوة كذلك، حتى إذا فرغ القلب من شغل البدن أقبل على الله تعالى بكنه همته، واشتغل بالذكر، والفكر، طول العمر، وبقي ملازماً لسياسة الشهوات، ومراقبا لها، حتى لا يجاوز حدود الورع والتقوى. ولا يعلم تفصيل ذلك إلا بالاقتداء بالفرقة الناجية وهم الصحابة، فإنه عليه السلام لما قال: (الناجي منها واحدة) قالوا يا رسول الله (ومن هم) قال: (أهل السُّنَّة والجماعة) فقيل (ومن أهل السُّنَّة والجماعة) قال: (ما أنا عليه وأصحابي). وقد كانوا على النهج القصد، وعلى السبيل الواضح الذي فصلناه من قبل، فإنهم ما كانوا يأخذون الدُّنيا للدنيا بل للدين، وما كانوا يترهبون ويهجرون الدُّنيا بالكلية، وما كان لهم في الأمور تفريط ولا إفراط، بل كان أمرهم بين ذلك قواما، وذلك هو العدل والوسط بين الطرفين، وهو أحب الأمور إلى الله تعالى).

والمقارنة بين الإحياء وصحيح البخاري ومسلم مقارنة غير صحيحة، فالإحياء من كتب إصلاح النفوس وتزكيتها، وأما صحيح البخاري ومسلم فمن متون السُّنَّة النبويَّة، ويمكن المقارنة مثلاً بين الإحياء ومدارج السالكين.

الإطار الذي تقرأ فيه كتب التراث، «إحياء علوم الدين» نموذجاً:
إنَّ كتب التراث على تنوُّعها واختلاف موضوعاتها، وما يثور حولها من جدل واختلاف ينبغي أن تقرأ في إطار الحقائق التالية:

1ـ أن تكون محكومةً بالمنهج الشرعيِّ الوسطيِّ،وأن نحتكم معها إليه، وهو المنهج الذي تؤيِّده نصوص الكتاب والسُّنَّة، بلا غلوٍّ ولا انحراف.

2ـ ما غلب منها خيره، وعظم نفعه، وقلَّ خطؤه، يُقبل ويُعتدُّ به، ويُحذر خطؤه ويجتنب، ويُنبَّه عليه بما يناسب من آداب الشريعة وإرشادها، ويدخل ذلك تحت القاعدة الحكيمة: «خذ ما صفا، ودع ما كدر»، ولو أنَّ النَّاس احتكموا إلى هذه القاعدة اليوم وحكَّموها، لوفَّروا كثيراً من الجهود والطاقات، والأموال والأوقات.

ولهذا لم يهدر علماء أهل السُّنَّة تفسير الإمام الزمخشريِّ المعتزليِّ وتراثه وتراث أمثاله، وإنَّما تعقَّبوا أخطاءه ونبَّهوا عليها، نصحاً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكتابه ودينه.

3ـ ليس من منهج أهل السُّنَّة وخيار هذه الأمّة التشهير بما قلَّ خطؤه، وكثر خيره، مع إغفال حسناته ومزاياه، فليس ذلك من العدل والإنصاف، بل هو من الشطط، وبخس النَّاس أشياءهم. ولو اتُّبع هذا المنهج المجانف للحقِّ لأُهدرت أكثر كتب التراث، وخسرنا الاستفادة منها.

4ـ ما وقع من أخطاء علميَّة أو اجتهاديَّة في كثير من كتب التراث إنَّما سببه تأثير البيئة الجانحة عن الحقِّ، المجانبة لمنهج الاعتدال، فرُبَّما لجأ بعض الدعاة الربَّانييّن إلى اتِّخاذ منهج مبالغ فيه في الاتّجاه الآخر في ظاهر الأمر، لردّ النَّاس إلى منهج الاعتدال المطلوب، وهم أعلم النَّاس به، ولا يجهلونه، ولا يرتضون عنه بدلاً.

ومن هذا المنطلق فقد حوى الكتاب حشداً من النصوص الشرعيّة، وبخاصَّة من الأحاديث النبويَّة، وإذ كان المؤلّف لم تكن له عناية خاصّة بعلم الحديث، وتخصُّص فيه، فقد كثرت في كتابه الأحاديث الضعيفة، وما لا أصل له معتبر، ممّا أضعف قيمته العلميَّة، فنهض الإمام المحدِّث العراقيُّ بتخريج أحاديثه لتلافي هذا الخلل، وسدّ هذا النقص، فأصبح كلُّ قارئ للإحياء على بيّنة من أحاديثه فيترك ما لا يصح الاحتجاج به، وكلٌّ يُؤخَذُ مِنْ قوله ويُرَدُّ إلا مَنْ عصمه الله تعالى.

وهكذا كان أدب علمائنا، أن يستدرك اللاحق على السابق، ويكمِّل عمله النافع، ولا يلغيه ولا ينتقصه، وهذا من علامات إخلاصهم لدين الله، ونصحهم لعباد الله، وتجرُّدهم عن حظوظ النفس وأهوائها، وهو أدب فقدناه في أيّامنا فأسأنا لأنفسنا وتراثنا، وأصبح بأسنا بيننا، وأشمتنا بنا عدوّنا،ولا حول ولا قوّة إلا بالله.

ومن الأمور التي تنتقد في الكتاب قوله: (فإن التوكُّل من مقامات الدِّين يُستعان به على التفرُّغ لله تعالى فما للبطال والتوكُّل، وإن كان مشتغلاً بالله ملازماً لمسجد أو بيت وهو مواظب على العلم والعبادة فالنَّاس لا يلومونه في ترك الكسب ولا يكلِّفونه ذلك، بل اشتغاله بالله تعالى يقرِّر حُبَّه في قلوب النَّاس حتى يحملون إليه فوق كفايته، وإنما عليه أن لا يغلق الباب ولا يهرب إلى جبل من بين النَّاس وما رؤي إلى الآن عالم أو عابد استغرق الأوقات بالله تعالى وهو في الأمصار فمات جوعاً ولا يرى قط، بل لو أراد أن يطعم جماعة من النَّاس بقوله لقدر عليه، فإنَّ مَنْ كان لله تعالى كان الله عز وجل له، ومن اشتغل بالله عز وجل ألقى الله حُبَّه في قلوب النَّاس، وسخَّر له القلوب كما سخَّر قلبَ الأم لولدها، فقد دبَّر الله تعالى الملك والملكوت تدبيراً كافياً لأهل الملك والملكوت، فمن شاهد هذا التدبير وثق بالمدبِّر واشتغل به، وآمن ونظر إلى مدبِّر الأسباب لا إلى الأسباب).

ثم قال: (فتركه التوكُّل واهتمامه بالرزق غاية الضعف والقصور) وقال: (فالاهتمام بالرزق قبيح بذوى الدين وهو بالعلماء أقبح لأنَّ شرطهم القناعة والعالم القانع يأتيه رزقه ورزق جماعة كثيرة إن كانوا معه إلا إذا أراد أن لا يأخذ من أيدى النَّاس ويأكل من كسبه فذلك له وجه لائق بالعالم العامل الذي سلوكه بظاهر العلم والعمل، ولم يكن له سير بالباطن فإن الكسب يمنع عن السير بالفكر الباطن فاشتغاله بالسلوك مع الأخذ من يد من يتقرَّب إلى الله تعالى بما يعطيه أولى لأنه تفرُّغٌ لله عز وجل وإعانةٌ للمعطي على نيل الثواب).

أقول: - وليس لمثلي أنْ يَرُدَّ على الإمام الغزالي ولكنَّها طبيعة المتطفلين على أهل العلم - التوكُّل حقيقته في القلب، فلا تعارض بين عمل الجوارح والأخذ بالأسباب وبين التوكُّل على الله، فقول الإمام الغزالي رحمه الله: (فالنَّاس لا يلومونه في ترك الكسب، ولا يكلِّفونه ذلك، بل اشتغاله بالله تعالى يقرِّر حُبَّه في قلوب النَّاس حتى يحملون إليه فوق كفايته)، وقوله: (فالاهتمام بالرزق قبيح بذوى الدِّين وهو بالعلماء أقبح)، وقوله: (فاشتغاله بالسلوك مع الأخذ مِنْ يد مَنْ يتقرب إلى الله تعالى بما يعطيه أولى، لأنه تفرغ لله عز وجل وإعانة للمعطي على نيل الثواب).

هذا غير صحيح وهو مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى) ([2])، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاس) ([3])، وقوله: (نعم المال الصالح، للرجل الصالح) ([4]). وقال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) ([5])، ومن القوة: القوة الاقتصادية، وقد أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه على قوم فقال: مَا أَنْتُمْ؟ فقَالُوا: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ، فقَالَ: «بَلْ أَنْتُمُ الْمُتَّكِلُونَ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُتَوَكِّلِينَ؟ رَجُلٌ أَلْقَى حَبَّهُ فِي بَطْنِ الْأَرْضِ، ثُمَّ تَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ»، وَقَوْلُهُ: (الْمُتَّكِلُونَ) يَعْنِي عَلَى أَمْوَالِ النَّاس ([6])،

وقال سعيد بن المسيب: «لا خَيْرَ فِيمَنْ لا يُحِبُّ المالَ لِيَصِلَ بِهِ رَحِمَهُ، وَيُؤَدِّيَ بِهِ أَمَانَتَهُ، وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنْ خَلْقِ رَبِّهِ»([7])، وعن سعيد بن المسيب أنه لما حضره الموت ترك دنانير وقال: «اللهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَجْمَعْهَا إِلَّا لِأَصُونَ بِهَا حَسَبِي وَدِينِي»([8])،

وسأل رجل الحسن فقال: يا أبا سعيد أفتح مصحفي فأقرأه حتى أمسي؟ قال الحسن: «اقْرَأْهُ بِالْغَدَاةِ، وَاقْرَأْهُ بِالْعَشِيِّ، وَكُنْ سَائِرَ نَهَارِكَ فِي صَنْعَتِكَ وَمَا يُصْلِحُكَ»([9])،

وقال الجنيد: «لَيسَ التوكُّل الكَسبَ، وَلا تَركَ الْكَسْبِ، التوكُّل شَيْءٌ فِي الْقُلُوبِ»، وقال أيضاً: «إِنَّمَا هُوَ سُكُون الْقَلْب إِلَى مَوْعُودِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»([10]). قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لا يَكُونَ تَجْرِيدُ هَذَا السُّكُونِ عَنِ الْكَسْبِ شَرْطاً فِي صِحَّةِ التوكُّل بَلْ يَكْتَسِبُ بِظَاهِرِ الْعِلْمِ مُعتَمِدَاً بِقَلْبِهِ عَلَى اللهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ بَعْضُهُمُ: اكْتَسِبْ ظَاهِراً وَتَوَكَّلْ بَاطِناً، فَهُوَ مَعَ كَسْبِهِ لَا يَكُونُ مُعتَمِدَاً عَلَى كَسْبِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ اعْتِمَادُهُ فِي كِفَايَةِ أَمْرِهِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ).

والمواظب على طلب العلم والعبادة لا ينبغي له أبداً أن يكون عالة على النَّاس، فإنه يصغر في عينهم، وتذهب هيبته من نفوسهم، ويضطر بعضهم إلى مداهنة الأغنياء بالباطل، وإذلال نفسه للناس، وقد يضيع شيئاً من دينه، عن سفيان قال: ما وضع رجل يده في قصعة رجل إلا ذلَّ له ([11])، أما إذا كان غنياً مادياً ومعنوياً، مكتفياً بما يكسبه لنفسه من أسباب مشروعة، فلا يذل نفسه بالأخذ من صدقات النَّاس، ولا يداهن أحداً، وهذا هو منهج الإسلام.

قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: رأيت من أعظم حيل الشيطان ومكره، أن يحيط أرباب الأموال بالآمال، والتشاغل باللذات القاطعة عن الآخرة وأعمالها، فإذا علقهم بالمال - تحريضاً على جمعه، وحثاً على تحصيله - أمرهم بحراسته بخلاً به، فذلك من متين حيله، وقوي مكره، ثم دفن في هذا الأمر من دقائق الحيل الخفية، أنْ خوَّف من جمعه المؤمنين، فنفر طالب الآخرة منه، وبادر التائب يخرج ما في يده، ولا يزال الشيطان، يحرضه على الزهد، ويأمره بالترك، ويخوفه من طرقات الكسب، إظهاراً لنصحه وحفظ دينه. وفي خفايا ذلك عجائب من مكره، ورُبَّما تكلم الشيطان على لسان بعض المشايخ الذين يقتدي بهم التائب، فيقول له: اخرج من مالك وادخل في زمرة الزهاد، ومتى كان لك غداء أو عشاء، فلست من أهل الزهد، ولا تنال مراتب العزم، ورُبَّما كرَّر عليه الأحاديث البعيدة عن الصحة والواردة على سبب ولمعنى، فإذا أخرج ما في يده، وتعطل عن مكاسبه، عاد يعلق طموحه بصلة الإخوان، أو يحسن عنده صحبة السلطان، لأنه لا يقوى على طريق الزهد والترك إلا أياماً، ثم يعود الطبع فيتقاضى مطلوباته، فيقع في أقبح مما فر منه، ويبذل أول السلع في التحصيل دينه وعرضه، ويصير متمندلاً به، ويقف في مقام اليد السفلى.

ولو أنه نظر في سير الرجال نبلائهم، وتأمل صحاح الأحاديث، عن رؤسائهم، لعلم أن الخليل عليه الصلاة والسلام كان كثير المال، حتى ضاقت بلدته بمواشيه، وكذلك لوط عليه الصلاة والسلام، وكثير من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والجمع الغفير من الصحابة.

وإنما صبروا عند العدم، ولم يمتنعوا من كسب ما يصلحهم، ولا من تناول المباح عند الوجود.

وكان أبو بكر رضي الله عنه يخرج للتجارة والرسول صلى الله عليه وسلم حي، وكان أكثرهم يخرج فاضل مما يأخذ من بيت المال، ويسلم من ذل الحاجة إلى الإخوان، وقد كان ابن عمر لا يرد شيئاً، ولا يسأل، وإني تأملت أكثر أهل الدين والعلم على هذه الحال، فوجدت العلم شغلهم عن المكاسب في بداياتهم، فلما احتاجوا إلى قوام نفوسهم ذلوا، وهم أحق بالعز.

وقد كانوا قديماً يكفيهم بيت المال فضلات الإخوان، فلما عدمت في هذا الأوان، لم يقدر متدين على شيء إلا يبذل شيء من دينه، وليته قدر فرُبَّما تلف الدين لم يحصل له شيء.

فالواجب على العاقل أن يحفظ ما معه، وأن يجتهد في الكسب ليربح مداراة ظالم، أو مداهنة جاهل، ولا يلتفت إلى ترهات المتصوفة، الذي يدعون في الفقر ما يدعون، فما الفقرُ إلا مرض العجزة، وللصابر على الفقر ثواب الصابر على المرض، اللهم إلا أنْ يكون جباناً عن التصرف، مقتنعاً بالكفاف، فليس ذلك من مراتب الأبطال، بل هو من مقامات الجبناء الزهاد، وأما الكاسب ليكون المعطي لا المعطى، والمتصدِّق لا المُتَصدَّق عليه، فهي مِنْ مراتب الشجعان الفضلاء، ومن تأمَّل هذا علم شرف الغنى ومخاطرة الفقر ([12]).

وقال أيضاً: فإنه إذا اقتنى المال المباح، وأدى زكاته، لم يلم، فقد علم ما خلف الزبير، وابن عوف وغيرهما، وبلغت صدقة علي رضي الله عنه أربعين ألفاً، وخلف ابن مسعود: تسعين ألفاً، وكان الليث بن سعد يستغل كل سنة عشرين ألفاً، وكان سفيان، يتجر بمال، وكان ابن مهدي يستغل كل سنة ألفي دينار ([13]).

فالذي يترفع عن مال النَّاس ودنياهم، يكون محترماً عزيزاً، قال الشيخ علي القرني: ينبغي أن تكون كأحد علماء الشام وهو الشيخ سعيد الحلبي في يوم من الأيام وكان يلقي دروساً في مسجد من المساجد، وجاء إبراهيم بن محمد علي باشا والي مصر ودخل المسجد، فقام النَّاس كلهم له إلا هذا الرجل، فتأثر في نفسه، فهو يريد أن يقوم له، وعندما تأثر من نفسه قال: لآتينه من باب لطالما أتي طلبة العلم من هذا الباب، باب الدُّنيا، ذهب إلى بيته وأعطى أحد جنوده مبلغاً من المال، وقال: اذهب وأعطه فلاناً، وكان المبلغ ألف ليرة ذهبية، فجاء به إليه.

وكان الشيخ في جلسته يلقي الدرس وهو مادٌّ رجله، ولم يتغير عن ذلك عندما دخل ذلك الطاغية، فجاء إليه رسول الطاغية وقال: إن إبراهيم باشا يقول: هذه لك -وهي ألف ليرة ذهبية- فتبسَّم، وقال: ردها له وقل له: إنَّ الذي يمدُّ رجلَهُ لا يمدُّ يدَهُ.

وذكر الشيخ محمد المنجد أنَّ أحد العلماء الصالحين ذهب ليشتري حاجة من دكان، فلما جاء إلى الدكان وسام السِّلعة، لم يكن البائع يعرفه، فقام أحد الموجودين بتعريف الشيخ وقال: هذا فلان العالم العامل، فعندما سمع العالم بذلك ولَّى هارباً، فناداه البائع إلى أين يا سيدي؟ فقال: أريد يا أخي أن أشتري بمالي لا بديني.

وأخيراً أنصح كلَّ مَنْ يريد معرفةَ ربِّه، وتزكية نفسه، ومراقبة حاله، وإصلاح سريرته قبل علانيته، أن يقرأ «إحياء علوم الدين» متجاوزاً ما لا يصح فيه من الأحاديث.

وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.

([1]) ـ صيد الخاطر: 30.

([2]) ـ رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى (1361)، ومسلم في كتاب الزكاة، باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى (2432).

([3]) ـ رواه البخاري في كتاب الوصايا، باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا النَّاس (2591)، ومسلم في كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث (4296).

([4]) ـ رواه أحمد في المسند (17763)، وابن حبان في صحيحه (3210).

([5]) ـ رواه مسلم في كتاب القدر، باب فى الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله (6945).

([6]) ـ رواه البيهقي في شعب الإيمان (1162).

([7]) ـ رواه البيهقي في شعب الإيمان (1192).

([8]) ـ رواه البيهقي في شعب الإيمان (1195).

([9]) ـ رواه البيهقي في شعب الإيمان (1201).

([10]) ـ رواه البيهقي في شعب الإيمان (1213).

([11]) ـ رواه أبو نعيم في الحلية 6: 293.

([12]) ـ صيد الخاطر: 4.

([13]) ـ صيد الخاطر: 9.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





التقييم : 3
نقاط : 357480
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

نظرات في إحياء علوم الدين للإمام الغزالي Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرات في إحياء علوم الدين للإمام الغزالي   نظرات في إحياء علوم الدين للإمام الغزالي I_icon_minitimeالإثنين أبريل 29, 2013 12:04 pm

يااخي الكريم هذا كتاب مليء بالاباطيل
وينبغي ان يسمي هدم علوم الدين لمايحويه من ضلالات
********************
وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه في عدة مواضع عن الأخطاء التي وقع فيها الغزالي رحمهم الله
ومن تلك الكتب كتاب شرح الأصفهانية ، فقد أسهب في ذلك .

شرح الأصفهانية لابن تيمية رحمه الله / تحقيق الشيخ السعوي . مطبوع .


وهذه :رسالة ماجستير بعنوان : ( المآخذ العقدية على كتاب احياء علوم الدين للغزالي - ربع المهلكات ) :
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attach...8&d=1236697937

وكنتُ قد جمعت أقوال العلماء في الإمام الغزالي رحمه الله ، مع أنه قد تاب في آخر حياته ، إلا أن الكتب التي ألفها قبل توبته ما زال لها تأثير قوي في عدد من العلماء وطلبة العلم ، ومن تلك النقولات :

الإمام الغزالي رحمه الله تكلم عن نفسه في كتابه [ المنقذ من الضلال ] فبين أنه درس أولاً علم الكلام وثنى بالفلسفة وثلَّث بتعاليم الباطنية وربَّع بطريق الصوفية وأما طريقة السلف في تعلم آثار النبي وأصحابه من بعده فلم يذكرها في كتابه ، ولذلك تكلم فيه خَلقٌ من العلماء حتى أخص الناس به تكلموا فيه وحذروا منه ومن كُتبه ، ونذكر منهم مايلي :

أ - [ الإمام محمد بن الوليد الطرطوشي المالكي ] فقد كان من رُفقاء الغزالى واجتمع به وعرفه حق المعرفة ، فقال في جواب لسائل يسأله عنه : ( سلامٌ عليك فإني رأيت أبا حامد وكلمته فوجدته امرءاً وافر الفهم والعقل وممارسةٍ للعلوم ، وكان ذلك معظم زمانه ، ثم خالف عن طريقِ العلماء ودخلَ في غِمار العمال ، ثم تصوف فهجر العلوم وأهلها ودخل في علوم الخواطر وأرباب القلوب ووساوس الشيطان ، ثم سابها وجعل يطعن على الفقهاء بمذاهبِ الفلاسفة ورموز الحلاج ، وجعل ينتحي عن الفقهاء والمتكلمين ، ولقد كاد أن ينسلخ من الدين … )
وقال عن كتابه [ إحياء علوم الدين ] : ( وهو لعمر الله أشبه بإماتة علوم الدين … )
ثم قال عنه : ( فلما عمل كتابه الإحياء عَمَدَ فتكلم في علوم الأحوال ومرامز الصوفية ، وكان غير أنيسٍ بها ولا خبيرٍ بمعرفتها فسقط على أُم رأسه فلا في علماء المسلمين قَرَّ ، ولا في أحوال الزاهدين استقرَّ ، ثم شحن كتابه بالكذب على رسول الله eفلا أعلم كتاباً على وجه الأرض أكثرُ كذباً على الرسول منه ، ثم شبَّكهُ بمذاهب الفلاسفة ورموز الحلاج ومعاني رسائل إخوان الصفا … وما مثلُ من نصر الإسلام بمذاهب الفلاسفة والآراء المنطقية إلاَّ كمن يغسل الثوب بالبول ، ثم يسوق الكلام سوقاً يُرعد فيه ويبرق ، ويُمنِّي ويُشوِّقُ ، حتى إذا تشوفت له النفوس قال: هذا من علم المعاملة وما وراءه من علم المكاشفة لا يجوز تسطيره في الكتب ، ويقول : هذا من سر الصدر الذي نُهينا عن إفشائه ، وهذا فعل الباطنية وأهل الدَّغل والدَّخل في الدين ، يستقل الموجود ، ويُعلق النفوس بالمفقود ، وهو تشويش لعقائد القلوب ، وتوهين لما عليه الجماعة ، فلئن كان الرجل يعتقدُ ما سطَّرهُ لم يَبعد تكفيرُهُ ، وإن كان لا يعتقده فما أقربَ تضليلُه ، وأما ما ذكرت من إحراق الكتاب فلعمري إذا انتشر بين من لا معرفة له بسمومه القاتلة خِيفَ عليهم أن يعتقدوا إذاً صحتَ ما فيه )
مقدمة كتاب الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي المالكي ( ص 17 –18 )

ب - [ الإمام العلامة أبو عمرو بن الصلاح ]
فقد ذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح – فيما جمعهُ من طبقات أصحاب الشافعي وقرَّرهُ الشيخ أبو زكريا النووي – قال في هذا الكتاب: ( فصلٌ في بيان أشياء مهمةٍ أُنكرت على الإمام الغزالي في مصنفاته ، ولم يرتضيها أهل مذهبهِ من الشذوذ في مصنفاته ) ثم ذكر ما يُنتقد عليه حتى قال :
( فكيف غَفَلَ الغزالي عن شيخه إمام الحرمين ومِن قبلهِ مِن كلِّ إمام هو لهُ مُقدِّم ، ولمحله في تحقيق الحقائقِ رافعٌ ومُعظِّم ، ثم لم يرفع أحدٌ منهم بالمنطقِ رأساً ، ولا بنى عليه أُسَّاً ، ولقد أتى بخلطة المنطق بأصول الفقه بدعةً عظُمَ شؤمها على المتفقهة ، حتى كثُرَ فيهم بعد ذلك المتفلسفة والله المستعان ) .
[ شرح الأصفهانية لابن تيمية ص 132]

ج – [ الإمام أبو عبدالله المازري المالكي ]
فقد قال عن الغزالي: (وأما أصول الدين فليس بالمستبحر فيها شغله عن ذلك قراءته علوم الفلسفة ، وأكسبته قراءة الفلسفة جُرأةً على المعاني ،
وتسهيلاً للهجوم على الحقائق … )
[ شرح الأصفهانية ص 133 – 134 ]

وقال عنه أيضاً : ( وقد عرفني بعض أصحابه أنه كان لهُ عكوف على قراءة رسائل إخوان الصفا ، وذكر المازري أن الغزالى كان يُعوِّل على ابن سينا الفيلسوف في أكثر ما يشير إليه في علم الفلسفة ) ثم تكلم المازري في محاسن الإحياء ومذامه ومنافعه ومضاره بكلام طويل ختمه: ( بأن من لم يكن عنده من البسطة في العلم ما يعتصم به من غوائل هذا الكتاب فإن قراءته لا تجوز له … )
[ نفس المصدر السابق ]


د – [ الإمام ابن العربي المالكي ]
قال عن شيخه وصاحبه الغزالي: ( شيخنا أبو حامد دخل في بطون الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر ) وقد حكى ابن العربي عنه من القول بمذاهب الباطنية ما يوجد تصديق ذلك في كُتبه ، ورد عليه العُلماء ) .
[ مجموع الفتاوى ( 4 / 164 ) ]

ه – [ ابن تيمية ]
قال عنه : ( والغزالي في كلامه مادة فلسفية كبيرة بسبب كلام ابن سينا في الشفاء وغيره ، ورسائل إخوان الصفا ، وكلام أبي حيان التوحيدي ، وأما المادة المعتزلية في كلامه فقليلة أو معدومة ، وكلامه في الإحياء غالبه جيد ، لكن فيه مواد فاسدة : مادة فلسفية ، ومادة كلامية ، ومادة من تُرَّهات الصوفية ، ومادة من الأحاديث الموضوعة …)
مجموع الفتاوى ( 6 / 54 – 55 )


وقال عن [ كتاب الإحياء ] : ( والإحياء فيه فوائد كثيرة ، لكن فيه مواد مذمومة ، فإن فيه مواد فاسدة من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد ، فإذا ذكر معارف الصوفية كان بمنـزلة من أخذ عدواً للمسلين وألبسه ثياب المسلمين ، وقد أنكر أئمةُ الدين على أبي حامد هذا في كُتبه ، وقالوا : مرَّضه الشفاء يعني شفاء ابن سينا في الفلسفة ، وفيه أحاديث وآثار ضعيفة بل موضوعة كثيرة ، وفيه أشياء من أغاليط الصوفية وتُرَّهاتهم …) .
مجموع الفتاوى ( 10 / 551- 552 )

وقال عنه أيضاً : ( في كلامه مادة فلسفية وأمور أُضيفت إليه توافق أصول الفلاسفة الفاسدة المُخالفة للنبوة ، بل الـمُخالفة لصريح العقل ، حتى تكلم فيه جماعات من عُلماء خُراسان والعراق والمغرب : كرفيقه أبي إسحاق المرغيناني ، وأبي الوفاء بن عقيل ، والقشيري ، والطرطوشي ، وابن رشد ، والمازري ، وجماعات من الأولين … وذكر منهم الإمام ابن الصلاح والإمام النووي )
[ شرح الأصفهانية ص 132 ]
وانظر مجموع الفتاوى ( 4 / 66 )

وقال عنه في موضع آخر : ( يوجد في كلام أبي حامد ونحوه من أصول هؤلاء الفلاسفة الملاحدة الذين يُحرفون كلام الله ورسوله صلىالله عليه وسلم عن مواضعه كما فعلت طائفة القرامطة والباطنية … )
مجموع الفتاوى ( 10 / 403 )

وسبب كلام هؤلاء العلماء في الغزالي وغيره هو : عدم سلوكهم طريقة السلف أهل السنة والجماعة في الإحاطة بسنة النبي وآثار الصحابة رضي الله عنهم ، ولذلك قال عنه ابن تيمية : ( وأبو حامد لم ينشأ بين من كان يعرف طريقة هؤلاء ، ولا تلقَّى عن هذه الطبقة ، ولا كان خبيراً بطريقة الصحابة والتابعين ، بل كان يقول عن نفسه : ( أنا مُزجى البضاعة في الحديث ) ولهذا يوجد في كُتبه من الأحاديث الموضوعة والحكايات الموضوعة مالا يَعتمد عليه من لهُ علمٌ بالآثار…)
[ شرح الأصفهانية ص 128 ]

والغزالي في آخر حياته تاب مما كان قد صدر منه مما يُخالف دين الإسلام ،كما أشار إلى ذلك ابن تيمية حينما تكلم عنه فقال : ) وأجود مالهُ من المواد المادة الصوفية ولو سلك فيها مسلك الصوفية وأهل العلم بالآثار النبوية واحترز عن تصوف المتفلسفة الصابئين لحصلَ مطلوبه ، ونالَ مقصوده ، ولكنه في آخر عُمره سلك هذا السبيل … )
[ شرح الأصفهانية ص 146 ]

ولذلك قال عنه تلميذه أبو الحسن عبدالغافر الفارسي : ( وكانت خاتمة أمره إقباله على حديث المصطفى ومجالسة أهله ، ومطالعة الصحيحين البخاري ومسلم اللذين هما حجة الإسلام … )
طبقات الشافعية للسبكي ( 4 / 111 )
وسير أعلام النبلاء للذهبي ( 19 / 325 – 326 )

وذكر ابن تيمية أن الغزالي مات وعلى صدره صحيح البخاري
درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ( 1 / 162 )

وذكر عنه أنه كان يقول : ( أكثر الناس شكاً عند الموت أهل الكلام )
مجموع الفتاوى ( 4 / 28 )

ولذلك قال الإمام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح : ( أبو حامد كثُر القول فيه ومنه ، فأما هذه الكُتب – يعني المخالفة للحق – فلا يُلتفتُ إليها ، وأما الرجل فَـيُسكت عنه ويفوض أمره إلى الله )
مجموع الفتاوى ( 4 / 65 )


وكان الغزالي من الأذكياء رحمه الله لكن الذكاء وحده ليس كفيلا بإصابة الحق دون توفيق الله تعالى وإعانته .

وبسبب قلة بضاعته في الحديث والآثار ، وعدم سلوكه طريق أهل السنة من أئمة المحدثين ، وقع فيما وقع فيه من أخطاء ، حتى إنه لم يعتبر طريق أولئك الأئمة - أئمة السنة - من طرق الحق الأربعة التي ذكرها في كتابه "المنقذ من الضلال" .

ولذلك قال الغزالي رحمه الله عنه نفسه في كتابه المنقذ من الضلال : " انحصرت أصناف الطالبين عندي في أربع فِرق : المتكلمون وهم يدَّعون أنهم أهل الرأي والنظر ، والباطنية وهو يدَّعون أنهم أصحاب التعليم والمخصصون بالاقتباس من الإمام المعصوم ، والفلاسفة وهم يزعمون أنهم أهل المنطق والبرهان ، والصوفية وهم يدَّعون أنهم خواص أهل الحضرة وأهل المشاهدة والمكاشفة . فقلتُ في نفسي : الحق لا يعدوا هذه الأصناف الأربعة فهؤلاء هم السالكون سبيل طلب الحق ، فإن شذ َّ الحق عنهم فلا يبقى في دَرَكِ الحق مطمع " .
إلى أن قال : " فابتدأت لسلوك هذه الطريق واستقصاء ما عند هؤلاء الفرق مُبتدئاً بعلم الكلام ، ومثنياً بطريق الفلسفة ، ومثلثاً بتعليمات الباطنية ، ومربعاً بطريق الصوفية " .
المنقذ من الضلال ص 89 - 92

أين طريق أئمة السنة ، لماذا لم يذكرها في كتابه الآنف ؟
أليس طريق أئمة السنة الإمام مالك والشافعي وأحمد والبخاري وسفيان وإسحاق وغيرهم خير من تلك الطرق التي ظن الغزالي أن الحق لا يعدوها ؟

هذا يدل على أنه لم يكن خبيرا وبها ، ولا أخذ عن أهلها ، ولذلك لم يعدها من طرق الحق في كتابه ؟

ولهذا تكلم فيه كثير من العلماء نتيجة لما وقع فيه من أخطاء .

قال القاضي عياض اليحصبي : " والشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة ، والتصانيف الفظيعة ، غلا في طريقة التصوف ، وتجرد لنصر مذاهبهم ، وصار داعيةً في ذلك ، وألف فيه تواليفه المشهورة ، أُخذ عليه فيها مواضع، وساءت به ظنون أمه ، والله أعلم بسره، ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها، فامتُثل ذلك " .
سير أعلام النبلاء للذهبي ( 19 / 327 )

وقال ابن الجوزي : " اعلم أن في كتاب الإحياء آفات لا يعلمها إلا العلماء ، وأقلها الأحاديث الباطلة الموضوعة ، وإنما نقلها كما اقـتراها لا أنه افتراها ، ولا ينبغي التعبد بحديث موضوع والاغترار بلفظ مصنوع ، وكيف أرتضي لك أن تصلي صلوات الأيام والليالي ، وليس فيها كلمة قالها رسول الله ، وكيف أوثر أن يطرق سمعك من كلام المتصوفة الذي جمعه وندب إلى العمل به ما لا حاصل له من الكلام في الفناء والبقاء ، والأمر بشدة الجوع ، والخروج إلى السياحة في غير حاجة ، والدخول في الفلاة بغير زاد ، إلى غير ذلك مما قد كشفت عن عواره في كتابي تلبيس إبليس "
مختصر منهاج القاصدين ( ص 16 - 17 ) .

وقال أيضاً : " وجاء أبو حامد الغزالي فصنف لهم - أي للصوفية - كتاب الإحياء على طريقة القوم ، وملأه بالأحاديث الباطلة وهو لا يعلم بطلانها، وتكلم في علم المكاشفة، وخرج عن قانون الفقه، وجاء بأشياء من جنس كلام الباطنية "
تلبيس إبليس ( ص 217 ) باختصار .

وقال أيضاً : " سبحان الله من أخرج أبا حامد من دائرة الفقه بتصنيفه كتاب الإحياء فليته لم يقل فيه مثل هذا الذي لا يحل ، والعجب منه أنه يحكيه ويستحسنه ويسمي أصحابه أرباب أحوال " .
وقال أيضا : " فما أرخص ما باع أبو حامد الغزالي الفقه بالتصوف... "

وقال الإمام الذهبي المتوفى : " أما الإحياء ففيه من الأحاديث الباطلة جملة ، وفيه خير كثير لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء، ومنحرفي الصوفية، نسأل الله علماً نافعاً ، تدري ما العلم النافع؟ هو ما نزل به القرآن، وفسره الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً ، فعليك يا أخي بتدبر كتاب الله ، وبإدمان النظر في الصحيحين ، وسنن النسائي ، ورياض النووي ، وأذكاره تفلح وتـنجح ، وإياك وآراء عباد الفلاسفة ، ووظائف أهل الرياضات، وجوع الرهبان، وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات، فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة ، فواغوثاه بالله، اللهم اهدنا صراطك المستقيم " .
سير أعلام النبلاء ( 19 / 339 - 340 ) .

وقال الذهبي أيضاً : " وقد ألّف الرجل في ذمِّ الفلاسفةِ كتابَ "التهافت"، وكَشَفَ عوارَهم، ووافقهم في مواضعَ ظنًّا منه أن ذلك حقٌّ أو موافقٌ للملَّةِ، ولم يكن له علمٌ بالآثار، ولا خبرةٌ بالسنَّةِ النبويَّةِ القاضيةِ على العقلِ، وحُبِّبَ إليه إدمانُ النظرِ في كتابِ "رسائل إخوان الصفا" ، وهو داءٌ عضالٌ، وجَربٌ مُرْدٍ ، وسمٌّ قـتـَّال ، ولولا أنَّ أبا حامد مِن كبار الأذكياء، وخيار المخلصين لتلِف ، فالحذار الحذار مِن هذه الكتب، واهربوا بدينكم من شُبَه الأوائل وإلا وقعتم في الحيرة..."
سير أعلام النبلاء ( 19 / 328 ) .

وقال الإمام أبو بكر بن العربي رحمه الله : " شيخُنا أبو حامد: بَلَعَ الفلاسفةَ ، وأراد أن يتقيَّأهم فما استطاع " .
سير أعلام النبلاء ( 19 / 327 ) .

وقام الملك علي بن يوسف بن تاشفين ملِك المرابطين، بإحراق كتاب الإحياء ، قال الذهبي: " وكان شجاعاً مجاهداً عادلاً ديِّناً ورعاً صالحاً، معظماً للعلماء مشاوراً لهم " . اهـ (سير أعلام النبلاء:20/124)

وقال الونشريسي : " وقد حرقه ـ أي كتاب الإحياء ـ علي بن يوسف بن تاشفين ، وكان ذلك بإجماع الفقهاء الذين كانو عنده " .
المعيار المعرب ( 12 / 185 ) .

وقال الإمام المازري : " ثم يستحسنون ـ أي: بعض المالكيَّة ـ مِن رجلٍ ـ أي: الغزالي رحمه الله ـ فتاوى مبناها على ما لا حقيقةَ له، وفيه كثيرٌ مِن الآثار عن النَّبيِّ لفَّق فيه الثابت بغير الثابت ، وكذا ما أورد عن السلف لا يمكن ثبوته كله، وأورد مِن نزعاتِ الأولياءِ، ونفثاتِ الأصفياء ما يجلُّ موقعه، لكن مزج فيه النافع بالضار؛ كإطلاقاتٍ يحكيها عن بعضهم لا يجوز إطلاقها لشناعتها، وإِنْ أُخذتْ معانيها على ظواهرها: كانت كالرموز إلى قدح الملحدين.. " .

قال الذهبي رحمه الله في ترجمة المازري : " ولصاحب الترجمة تأليف في الرد على "الإحياء" وتبيين ما فيه مِن الواهي والتفلسف أنصف فيه ، رحمه الله " .
سير أعلام النبلاء ( 20 / 107 ) .

وقال محمد بن علي بن محمد بن حَمْدِين القرطبي : " إنَّ بعضَ من يعظ ممن كان ينتحل رسمَ الفقهِ ثم تبرأ منه شغفاً بالشِّرعةِ الغزّالية والنحلةِ الصوفيَّةِ أنشأ كرَّاسةً تشتمل على معنى التعصب لكتاب "أبي حامد" إمام بدعتهم ، فأين هو مِن شُنَع مناكيرِه ، ومضاليلِ أساطيِره المباينةِ للدين ؟ وزعم أنَّ هذا مِن علم المعاملة المفضي إلى علم المكاشفةِ الواقعِ بهم على سرِّ الربوبيَّةِ الذي لا يسفر عن قناعه ، ولا يفوز بإطلاعه إلا مَن تمطَّى إليه ثبج ضلالته التي رفع لها أعلامها ، وشرع أحكامها " .
سير أعلام النبلاء ( 19 / 332 ) .

وقال الحافظ ابن كثير المتوفى سنة : " وأراد المازري أن يحرق كتابه إحياء علوم الدين ، وكذلك غيره من المغاربة ، وقالوا: هذا كتاب إحياء علوم دينه ، وأما ديننا فإحياء علومه كتاب الله وسنة رسوله ، كما قد حكيت ذلك في ترجمته في الطبقات ، وقد زيف ابن سكرة مواضع إحياء علوم الدين ، وبين زيفها في مصنف مفيد " . البداية والنهاية ( 12 / 174 ) .

وقال الذهبي : " ولأبي الحسن ابن سكرة رد على الغزالي في مجلد سماه: إحياء ميت الأحياء في الرد على كتاب الإحياء " .
سير أعلام النبلاء ( 19 / 327 ) .

وروى راشد بن أبي راشد الوليدي المالكي ، المتوفي سنة 675 هـ ، في كتابه " الحلال والحرام " أنه سمع الإمام عبد الله بن موسى المالكي يقول: " لو وجدت تآليف القشيري لجمعتها وألقيتها بالبحر ، قال: وكذلك كتب الغزالي قال: وسمعته يقول: إني لأتمنى على الله أن أكون يوم الحشر مع أبي محمد بن أبي زيد ـ أي القيرواني ـ لا مع الغزالي " .
نيل الابتهاج بتطريز الديباج ( ص 117 ) .

وقال الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي المالكي في رسالة له إلى ابن المظفر ، يتكلم فيها عن الغزالي رحمه الله: "... ثم تصوَّف فهجر العلوم وأهلها، ودخل في علوم الخواطر، وأرباب القلوب، ووساوس الشيطان، ثم شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاَّج، وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين، ولقد كاد ينسلخ من الدين، فلما عَمِل ( الإحياء ) عمد يتكلم في علوم الأحوال، ومرامز الصوفية، وكان غير دري بها ولا خبير بمعرفتها !! فسقط على أم رأسه، فلا في علماء المسلمين قر، ولا في أحوال الزاهدين استقر ، ثم شحن كتابه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أعلم كتاباً على وجه البسيطة - في مبلغ علمي - أكثر كذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، سبكه بمذاهب الفلاسفة، ومعاني رسائل أخوان الصفا، وما مثل من قام لينصر دين الإسلام بمذاهب الفلاسفة، وآرائهم المنطقية، إلا كمن يغسل الماء بالبول، ثم يسوق الكلام سوقاً، يرعد فيه ويبرق، يُمَنّي ويشوق حتى إذا تشوفت له النفوس، قال: "هذا من علم المعاملة، وما وراءه من علم المكاشفة، ولا يجوز تسطيره في كتاب"، أو يقول: "هذا من سر القدر الذي نهينا عن إفشائه" ، وهذا فعل الباطنية، وأهل الدغل والدخل، وفيه تشويش للعقائد، وتوهين لما عليه كلمة الجماعة ، فإن كان الرجل يعتقد ما سطره في كتابه لم يبعد تكفيره، وإن كان لا يعتقده فما أقرب تضليله " .
المعيار المعرب ( 12 / 186 )
طبقات الشافعية الكبرى ( 6 / 243 )

أمثلة على بعض ما في كتاب الإحياء من الطوام :
قال الغزَّالي غفر الله له : " قال أبو تراب النخشبي يوماً لبعض مريديه: لو رأيتَ أبا يزيدٍ -أي: البسطامي- فقال: إني عنه مشغولٌ، فلمَّا أكثر عليه "أبو تراب" مِن قوله "لو رأيتَ أبا يزيد" هاج وجد المريد، فقال: ويحك، ما أصنع بأبي يزيد؟ قد رأيتُ الله فأغناني عن أبي يزيد !! قال أبو تراب: فهاج طبعي ولم أملك نفسي فقلتُ : ويلك تغترُّ بالله ، لو رأيتَ أبا يزيد مرةً واحدةً كان أنفعَ لك مِن أن ترى الله سبعين مرَّةً ! قال: فبُهتَ الفتى من قوله وأنكره، فقال: وكيف ذلك؟ قال له: ويلك أما ترى الله عندك فيظهر لك على مقدارك، وترى أبا يزيد عند الله قد ظهر له على مقداره "
الإحياء ( 4 / 305 ) .

وقال أيضا : " فاعلم أن الغناء أشد تهييجاً للوجد من القرآن من سبعة أوجه : الوجه الأول : أن جميع آيات القرآن لا تناسب حال المستمع ولا تصلح لفهمه ... " .
الإحياء ( 2 / 298 ) .

وقال أيضا ً: " فإذا القلوب وإن كانت محترقة في حب الله تعالى ، فإن البيت ـ يعني من الشعر ـ الغريب يهيج منها ما لا تهيج تلاوة القرآن ، وذلك لوزن الشعر ومشاكلته للطباع " .
الإحياء ( 2 / 301 ) .

وقال أيضا : " قال "سهل التستري": إن لله عباداً في هذه البلدةِ لو دَعَوْا على الظالمين لم يُصبحْ على وجهِ الأرضِ ظالم إلا مات في ليلةٍ واحدةٍ... حتى قال: ولو سألوه أن لا يقيم الساعة لم يقمْها ! " .
وعلَّق الغزالي على هذا فقال : " وهذه أمورٌ ممكنةٌ في نفسِها ، فمَن لم يحظَ بشيءٍ منها فلا ينبغي أنْ يخلو عن التصديق والإيمان بإمكانها ، فإنَّ القدرةَ واسعةٌ ، والفضلَ عميمٌ ، وعجائبَ الملك والملكوت كثيرةٌ ، ومقدورات الله تعالى لا نهاية لها، وفضله على عباده الذين اصطفى لا غاية له ! " .
الإحياء ( 4 / 305 ) .

وأورد الغزالي أيضاً في الإحياء في المجلد الثالث : كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : قصة " مراسلات بين الخليفة هارون الرشيد وسفيان الثوري " وما فيها من مواعظ وقصص وكذب، وخفي عليه وهو القريب من زمانهما ، أن الثوري مات قبل خلافة هارون الرشيد بعشر سنوات ، مما يظهر بعده أيضاً عن التحقق ، وقبوله لأي شيء يرد .

وقال الغزالي أيضا : " قال سهل بن عبد الله التستري - وسُئل عن سرِّ النفسِ؟ - فقال : النفسُ سرُّ الله، ما ظهر ذلك السرُّ على أحدٍ مِن خلقِهِ إلا على فرعون ! فقال: أنا ربُّكم الأعلى ! " .
الإحياء ( 4 / 61 ) .

وقال الغزالي أيضا : " قال الجنيد: أُحبُّ للمريدِ المبتدئ" أنْ لا يَشغلَ قلبَه بثلاثٍ، وإلا تغيَّر حاله! التكسُّب وطلب الحديث والتزوج. وقال -(أي: الجنيد)-: أُحبُّ للصوفي أن لا يكتبَ ولا يقرأَ، لأنه أجمع لهمِّه " .
الإحياء ( 4 / 206 ) .

وقال الغزالي أيضا : "… وعن بعضهم أنه قال: أقلقني الشوقُ إلى "الخضر" عليه السلام، فسألتُ الله تعالى أن يريَني إياه ليعلِّمَني شيئاً كان أهمَّ الأشياءِ عليَّ، قال: فرأيتُه فما غلبَ على همي ولا همتي إلا أنْ قلتُ له: يا أبا العباس! علِّمْني شيئاً إذا قلتُه حُجبْتُ عن قلوبِ الخليقةِ فلم يكن لي فيها قدْرٌ، ولا يعرفني أحدٌ بصلاحٍ ولا ديانةٍ ، فقال: قل " اللهمَّ أَسبِل عليَّ كثيف سترك، وحطَّ عليَّ سرادقات حجبك، واجعلني في مكنون غيبك ، واحجبني عن قلوب خلقك " قال: ثم غاب فلم أره، ولم أشتقْ إليه بعد ذلك، فما زلتُ أقول هذه الكلمات في كلِّ يومٍ، فحكى أنَّه صار بحيث يُستذلُ ويُمتهنُ، حتى كان أهلُ الذمَّةِ يسخرون به، ويستسخرونه في الطرق يحمل الأشياء لهم لسقوطه عندهم، وكان الصبيانُ يلعبون به، فكانت راحته وركود قلبه واستقامة حاله في ذلك وخموله " .
الإحياء ( 4 / 306 ) .
وعلَّق الغزالي على هذا فقال : " وهكذا حال أولياء الله تعالى ففي أمثال هؤلاء ينبغي أن يطلبوا " .
وقال أيضاً : " ومنهم من تأتي الكعبة إليه وتطوف هي به وتزوره " .
الإحياء ( 1 / 269 ) .

وقال الغزالي أيضا : " وكان أبو يزيد وغيره يقول: ليس العالِم الذي يحفظ من كتاب، فإذا نسي ما حفظه صار جاهلاً، إنما العالِم الذي يأخذ علمَهُ من ربِّه أيّ وقتٍ شاء بلا حفظٍ ولا درسٍ " . !!!!
الإحياء ( 3 / 24 ) .

وقال الغزالي أيضا عن الله تعالى - تعالى الله عن ذلك - : " قرَّبَ الملائكةَ مِن غيرِ وسيلةٍ سابقةٍ، وأبعدَ إبليسَ مِن غيرِ جريمةٍ سالفةٍ " . !!!!!
الإحياء ( 4 / 168 ) .


كشف عن حقيقة كتاب « إحياء علوم الدين »وعلاقته بالتصوف
دراسة نقدية
(عقدية - فقهية - حديثية)
جمع وتعليق
صلاح الدين كرماني الطوخي
أبو معاذ محمد سيد عبد الفتاح
هاني محمد علي طنطاوي

في مجلدين

وهذا الكتاب ايضاً


منقول
و الله اعلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نظرات في إحياء علوم الدين للإمام الغزالي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أحكام الجنائز وبدعها للإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله -
» كتاب احياء علوم الدين
»  نظرات جديده نحو القرآن
» حمل: محاضرات صوتية في علوم القرآن. للعلامة بدر الدين الكتاني
» القول المأثور.. في إحياء الصواب المهجور

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اهل الحق :: منتديات إسلامية :: إسلاميات عامة-
انتقل الى: