عودة إلى الأصل يا جند الله
من يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله؟
كلما
تفكرت فيما آل إليه حال الإسلاميين من خصومات حزبية، وتجاذبات سياسية،
وكلما استمعت إلى المصطلحات الجديدة التي أضحت مسترسلة على ألسنتهم بوعي أو
بدون وعي؛ كلما تخيلت شياطين الإنس والجن وهم غارقون في ضحكاتهم الساخرة علينا؛ بعدما نجحوا بالفعل في استدراجنا إلى الوقوع فيما يخالف قناعاتنا وينافي معتقداتنا للأسف الشديد!!
فمبادئ الديمقراطية تلك التي كنا نتعبد الله بالكفر بها
قبل الثورة، أضحت تمثل خطاب معظم المتحدثين منَّا على الفضائيات، فتجد
أحدهم وللأسف الشديد يحاجج بها خصومه من العلمانيين أو الليبراليين، وكأنها
دين جديد قد توافقنا معهم على مرجعيته لنا جميعاً والعياذ بالله!!
وتبلغ المهزلة ذروتها حين يدافع البعض عن قضية الدفاع عن حرية الرأي (مطلقاً ودون أدنى ضوابط شرعية)
باعتبار أن تلك القضية قد أضحت من ضروريات اللعبة السياسية التي لا يجرأ
أحد على الاعتراض عليها أو وضع قيود تحدد إطلاقها، وإلا أصبح حسب (دينهم الجديد) دكتاتورياً أو يدعو إلى الحكر على الأفكار والآراء!!
وعليه رأينا من العلمانيين والليبراليين السفلة من يقدح في الشريعة،
ويصفها بالظلامية تحت مظلة تلك الحرية المشؤومة، والمتحدث الإسلامي يجلس
بجواره لا يحرك ساكناً (واحسرتاه)!!
إنني
وأنا الموقن أني ملاقٍ حسابيَ أمام الله عز وجل، ادعوكم وأدعو نفسي قبلكم
لمراجعة كافة حساباتنا من جديد، لاسيما فيما يتعلق بالجانب العقائدي الذي
لو شابته أدنى شائبة، لكان فيه هلاك الدنيا والآخرة عياذاً بالله تعالى!!
فلا يزال المعيار الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لتطهير الجنان والأركان من درن الشرك والكفران
معروفاً لدينا بشدة حساسيته فيما يتعلق بأمور العقيدة، وهو ما حافظ عليه
سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، حيث مثلت العقيدة لديهم خطاً أحمراً لا
يمكن تجاوزه بحال، وصارت كياناً مصوناً دونه الدماء والأعراض!!
من أجل ذلك، يمكننا تصور حدوث الخلاف الفقهي في العبادات أو المعاملات، لكن لا يمكننا بحال تصور الخلاف في الأمور العقائدية!! وإلا فأين نذهب بجل آيات القرآن والأحاديث الداعية إلى التوحيد، وتطهير العقول والقلوب من روث الكفر والشرك؟!
فالدولة الإسلامية التي ننشدها ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي أحد أسباب صيانة تلك العقيدة، فكيف يمكننا تصور التضحية بالأصل والاكتفاء بالأسباب الموصلة إليه فقط؟! وعليه فالوصول إلى الدولة التي تصون العقيدة الإسلامية من خلال مفاهيم ومبادئ تصطدم مع تلك العقيدة منذ الوهلة الأولى يعد أمراً شديد الاستنكار والغرابة!!
إن مقتضيات القبول بالديمقراطية يا سادة يحتم على من يمارسها السير في دروبها التي ضمنوا تلغيمها للإسلاميين بملايين الألغام، وأخطر تلك الألغام سماً وأشدها فتكاً، هو ما يخالف العقيدة من جعل حكم الله، موضع استفتاء من المخلوقين، وكفى به إثماً مبيناً!!
فالذي يتصور رضا الكفر بهيمنة الإسلام واهمٌ شديد البلاهة والحمق!!
والتجارب في البلدان الإسلامية من حولنا تشهد على ذلك، فالكفر كله ملة
واحدة، ويكفي أن خالق هذا الكون وعالم الغيب والشهادة قد أخبرنا بذلك!! ومن أحسن من الله قيلاً؟!
والذي يحدث الآن لا يتعدى كونه إدخال لنا في دهاليز وكهوف غامضة، لا يعرف مداخلها ومخارجها
بعد الله إلا هم، وذلك بقصد إحراقنا بداخلها، ومن ثم إسقاط تجربتنا
الإسلامية أمام الناس، إن لم يكن بالانتخابات، فبالإعلام الفاسد، فإن فشلوا
فبالقضاء الخائن، فإن عجزوا فبالإنقلاب العسكري الذي سوف يعلنون في
البداية عن عدم تأييده في الظاهر، في حين أنهم سيكونون أول من خطط له وأمر
به من وراء الكواليس!!
إن
ثوابت عقيدتنا تأبى علينا التلون، فضلاً عن قبول حلول الوسط من الأساس،
وعليه فيجب علينا تجديد الإيمان في قلوبنا، وتطهيرها من كل ما علق بها من
شوائب تلك التجربة القاسية التي صدرت فيها الفتاوى المتباينة عن كل ما احتوته من إشكالات شرعية،
بداية بدخول الإسلاميين إلى البرلمان الذي يتولى التشريع، ومروراً
بالانتخابات البرلمانية والرئاسية، ونهاية بالاستفتاء على الدستور!!
وعليه فإنني أتوجه بالنصيحة إلى جند التوحيد أن يتجهزوا لسيناريوا قلب ظهر المجن من قبل قوى الكفر والفسوق والعصيان، التي استشعرت أن جهودها قد دخلت بالفعل نفقاً مظلماً؛ بعدما فشلت جل محاولاتها لإسقاط الحكومة، وأضحى متوقعاً قيامهم بارتكاب سفاهة فرض الأمر الواقع بالقوة العسكرية،
وهو ما سيجد ترحيباً كبيراً من قوى الكفر العالمية، وتبريراً واسعاً في
الداخل من القوى العلمانية والليبرالية؛ طالما سيقضي لهم على التجربة
الإسلامية!!
وباستطاعة
أهل الحق الراسخين عليه في هذه الحالة، الاستفادة من خلاصة تلك التجربة؛
لكي يثبتوا لمن خالفهم من إخوانهم على درب الدعوة، صحة ما رددوه مراراً
وتكراراً من أن الكفر كله ملة واحدة، وأن الطريق إلى التمكين، لا يكون إلا
عبر السبيل الذي قضاه رب العالمين، وسار عليه كافة المرسلين، من دعوة وصبر
ثم نصر وتمكين!! فتوبة لك اللهم من الجهل والقصور واللبس في أمر الدين، وكفراً بك أيتها الديمقراطية الحمقاء، المحملة بالشر المبين، وإيماناً طاهراً نقياً وراسخاً بكل هذا الدين.
فيا جند الله عودة إلى الأصل (كفراُ بالطاغوت وإيماناً بالله رب العالمين)