المصافحة دبر الصلوات المكتوبة
المصافحة دبر الصلوات المكتوبة، بعد السلام ليست من السنة، بل من البدع والطوام
وخير أمور الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع
صح
عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( من أحدث في أمرنا هذا ما
ليس منه فهو رد))1 وفي رواية لمسلم: (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو
رد)) أي عمله هذا مردود عليه لا يقبل منه فرض ولا سنة.
وقال
- صلى الله عليه وسلم - في حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه -: ((
...فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عُضُّوا عليها
بالنواجذ2، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة))3.
فدل هذا الحديث أن كل البدع ضلالة، وأنه ليس هناك بدعة حسنة وأخرى سيئة.
وما
ذهب إليه بعض أهل العلم: ابن عبد السلام والقرافي - رحمهما الله - من أن
البدع تعتريها الأحكام الخمسة: الوجوب، والندم، والحرمة، والكراهية،
والجواز مردود بحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ ليس من مصادر
شرعنا المبارك التحسين والتقبيح العقليين.
أما بعد...
فهذا
بحث موجز عن بدعة المصافحة، بعد السلام دبر الصلوات المكتوبات، أو دبر
بعضها: الصبح، والعصر، والجمعة، التي أحدثها البعض وقلد فيها حيث يكون
عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً.
الأصل
في العبادات أنها توقيفية، ومعنى توقيفية أنها موقوفة على صاحب الشرع إذ
لا يحل أن يزاد على ما شرعه لنا أو ينقص منه. فالخير كل الخير في الإتباع
والشر كل الشر في الابتداع في دين الله ما لم يأذن به سلطاناً.
تنقسم البدع إلى ثلاثة أقسام:
1. بدعة شرعية أو حقيقية: وهي التي ليس لها أصل في كتاب الله ولا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا ما أجمع عليه المسلمون.
2.
بدعة إضافية: وهي أن يكون الشيء مشروعاً كالذكر باللسان ولكنه يفعل بطريقة
وكيفية مخالفة للكيفية التي تركنا عليها صاحب الشريعة نحو الإتيان بأوراد
محدثة، وبأعداد معينة، وبكيفيات خاصة كالذكر بالاسم المفرد (الله، الله،
يالطيف) أو (هو هو) والسماع الصوفي وغير ذلك.
وهذان القسمان هما المتعلقان بالعبادات وهما الممنوعان.
3.
البدعة اللغة: وهي كل أمر حادث نحو الساعة، مكبر الصوت، السيارة، ومن ذلك
ما سنه عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - من جمع الناس على إمام واحد في
صلاة القيام بعد أن أمن عدم فرضها على الأمة بعد وفاة رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -، حيث أن صلاة القيام جماعة سنة سنها رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - ولكنه لم يواظب عليها خشية أن تفرض ولهذا عندما قيل لعمر
هذه بدعة قال: (إن كانت هذه بدعة فنعم البدعة هي).
أما
قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( من سن سنة حسنة))... (( ومن سن سنة
سيئة...)) الحديث" المراد بذلك من أحيى سنة قد أميتت لا من اخترع عبادة من
عنده.
كذلك
يخلط البعض بين البدع والمصالح المرسلة، نحو جمع المصحف، وتدوين العلم
فهما من المصالح المرسلة ولذلك تولاها الخلفاء الراشدون الخمسة، وحاشاهم
أن يبتدعوا في دين الله ما ليس لهم به علم.
هذه المقدمة والتوطئة كان لا بد منها لإزالة الشبه العالقة بأذهان البعض.
أما
حكم المصافحة بعد السلام دبر الصلوات المكتوبة فهي من البدع المنكرة التي
ينبغي النهي عنها، والزجر منها نصحاً للأمة، وتبرئة للذمة.
يقول
الإمام ابن الحاج المالكي في كتابه القيم (مدخل الشرع)4 وهو يعدد البدع
التي استحدثت في المساجـد: " وينبغي له ـ أي الإمام ـ أن يمنع ما أحدثوه
من المصافحة بعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر، وبعد صلاة الجمعة، بل زاد
بعضهم في هذا الوقت فعل ذلك بعد الصلوات الخمس وذلك كله من البدع، وموضع
المصافحة في الشرع إنما هو عند لقاء المسلم لأخيه لا في إدبار الصلوات
الخمس، وذلك كله من البدع، فحيث وضعها الشرع نضعها، فينهى عن ذلك ويزجر
فاعله لما أتى من مخالفة السنة".
أما
ما ذكره الإمام النووي - رحمه الله - في المجموع من أنها مباحة استناداً
على ما قاله ابن عبد السلام فهو مردود حيث قال: " وأما هذه المصافحة
المعتادة بعد صلاتي الصبح والعصر فقد ذكر الشيخ الإمام أبو محمد ابن عبد
السلام - رحمه الله -، أنها من البدع المباحة5 ولا توصف بكراهة ولا
استحباب، وهذا الذي قاله حسن"6.
والمختار
أن يقال: إن صافح من كان معه قبل الصلاة فمباحة كما ذكرنا، وإن صافح من لم
يكن معه قبل الصلاة عند اللقاء فسنة بالإجماع للأحاديث الصحيحة في ذلك"7.
من
الأمور التي ينبغي التنبيه عليها والتحذير منها تتبع زلات وهفوات وسقطات
العلماء مهما كانت مكانتهم في الإسلام والعلم ولهذا قال سليمان التيمي -
رحمه الله -: "من تتبع رخص العلماء وزلاتهم تزندق أو كاد وتجمع فيه الشر
كله".
فالحمد لله الذي لم يتعبدنا بزلات العلماء ولا باختلافهم وإنما تعبدنا بشرع المنزل عليه القرآن الذي أوتي القرآن ومثله معه.
من
الأخطاء الجسيمة، والمخالفات العظيمة عدم إنكار كثير من أهل العلم لهذه
البدع إن خوفاً أو طمعاً بل البعض قد يجامل وينافق مقترفيها مما جعل البعض
يعتقد أن هذه البدع سنة وأن مخالفها هو المخالف للسنة، فأضحت السن بدعة
والبدعة سنة، والمعروف منكراً والمنكر معروفاً، وهذا من البلاء الذي ابتلي
به المسلمون في هذه العصور المتأخرة بسبب فشو الجهل وقلة العلم.
ولكن
من فضل الله على هذه الأمة أنها لا تجتمع على ضلالة إذ لا تزال طائفة منها
قائمة على الحق ظاهرة عليه لا يضرها من خالفها أو خذلها حتى يأتي أمر الله.
اللهم
أحيينا على السنة وأمتنا عليها، إذ السنة هي الإسلام وصلى الله وسلم على
المنزل عليه القرآن الناسخ شرعه لجميع الشرائع وعلى آله وصحبه والتابعين
لهم باحسان
[b][b][b]اللهم اغفر لكاتبها وناقلها,وقارئها واهلهم وذريتهم واحشرهم معا سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم[/b][/b][/b]