منتديات اهل الحق
مرحبا بكم في منتدياتنا منتديات اهل الحق و أرجو من زائرنا العزيز أن يجد كل ما يبحث عنه من مواضيع و برامج ......وشكراا...
منتديات اهل الحق
مرحبا بكم في منتدياتنا منتديات اهل الحق و أرجو من زائرنا العزيز أن يجد كل ما يبحث عنه من مواضيع و برامج ......وشكراا...
منتديات اهل الحق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  
آيـــــات الشفاء في القرآن الكريم إن هذه الآيات تجتمع في كل آية فيها كلمة شفاء و تقرأ بترتيب المصحف فقد قال العلماء أن في هذا استعانة بكلام الله على الشفاء و خصوصا بالنسبة للأمراض التي لا تقدر عليها أسباب البشر...وهـــم:- الآية 14 من سورة التوبة: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ... صدق الله العظيم الآية 57 في سورة يونس : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ... صدق الله العظيم الآية 69 من سورة النحل : وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ... صدق الله العظيم الآية 82 من سورة الإسراء : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا... صدق الله العظيم الآية 80 من سورة الشعراء : وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ... صدق الله العظيم الآية 44 من سورة فصلت : وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ...||

 

 القصور في طلب العلم: أسبابه وعلاجه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة





التقييم : 3
نقاط : 360576
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

القصور في طلب العلم: أسبابه وعلاجه Empty
مُساهمةموضوع: القصور في طلب العلم: أسبابه وعلاجه   القصور في طلب العلم: أسبابه وعلاجه I_icon_minitimeالإثنين مايو 06, 2013 11:35 am



إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70 - 71].
أما بعدُ:
فهذه - إخواني في الله - كلماتٌ لسلفِنا الصالح، كنتُ قد جمعتُها منذ فترةٍ مِن مصادرَ عدَّة، رأيتُ فيها علاجًا لداءٍ عُضالٍ، انتشر بين أبناء الأمة الإسلامية انتشارًا واسعًا، فأوْرَدَها المهالِك؛ إنه داء ترْك تعلُّم العِلْم الشرعي.
ولقد أخبر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ ذلك سيقع، وأنه مِنْ أشراط الساعة؛ فقال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري ومسلم - رحمهما الله - من حديث أنس - رضي الله عنه -: ((إنَّ مِن أشراط الساعة أن يُرْفَع العلْمُ، ويظهر الجهْلُ)).
إخواني في الله، لقد باتتِ العلومُ الشرعية تشكو إلى ربِّها من قلة طالبيها، تشكو إليه - سبحانه - مِنَ انصراف عامَّة الناس عنها، وعن تعلُّمِها، وكأن الله - سبحانه - قد نهى عنْ طلَبِها، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
اعتبِروا - إخواني في الله - هذه الكلمات صيْحات تحْذير وإنذار، وترْغيب وترهيب، ترغيب في تحصيل العلْم النافِع، وترْهيب مِنْ ترْك تعلُّم العلْمِ الشرعي.
والله، إنِّي لأَحْزَن أشد الحُزن عندما أجِدُ أبًا لي، أو أخًا، أو ابنًا، يجهل أبسَط الأمور الشرعيَّة، وإنَّ الحُزْن لَيَزْداد عندما أجِد عالمًا مُفسدًا مُضِلاًّ، يَخْرج إلى الناس، ويلعَب بعُقُولهم وبدينهم، وكأنه يخاطب أنعامًا، لا أُناسًا، فتجده يقول فيما أجْمعت الأمة على تحريمه: هذا حلال، ويقول فيما أجمعتِ الأمة على حلِّه: هذا حرام!.
والسبب - بلا شك - هو: أنَّ أكثر الناس ليس عندهم شيءٌ من العلم يدفعون به قولَه؛ بل هم في غفلةٍ من هذا.
والله، لولا ما انتشر مِن الجهل بين الناس، لَمَا استطاع أحدٌ مِن هؤلاء المفسدين أن يبثُّوا سُمُومهم بين أفراد الأمة؛ ولكنَّهم لَمَّا رأَوُا الأرْضَ خصبة لاستقبال أفكارهم الشيطانية بثُّوها.
أخي في الله، اقرأ هذه الكلمات بتدبُّر، ثم عاهِد الله - سبحانه - بعدها على أن تكونَ طالبًا للعلم الشرعي حق طالِب؛ حتى تكونَ منَ المنافحين عن دين الإسلام.
وأخيرًا، فإنِّي أتَقَدَّم بالشُّكر والثناء إلى رفيقة عمري، زوجي الحنون أم أنس؛ على ما تبذله معي من مجهودٍ في إيصال العلم النافع إلى إخواني طلَبة العلْم، فجزاها اللهُ خيرًا كثيرًا، وجعل ذلك في ميزان حسناتها.
واللهَ أسألُ أن يجعلَ عملي هذا لوَجْهه خالصًا، وأن ينفَعني به وإخواني، إنه جَوَادٌ سميع الدعاء.
العلم الشرعي هو أشرف مطلوب:
أخي طالب العلم، أخي المقَصِّر في طلب العلم، اعلموا جميعًا أنَّ أشرف مطلوب هو عِلم الشرع، ولَم يطلبِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِن ربِّه أن يزيدَه من شيء سِوَى العلم؛ قال الله - تعالى -على لسان نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[طه: 114].
إنَّ العلم هو أشرف ما رغب فيه الراغبُ، وأفضل ما طلب وجدَّ فيه الطالِب، وأنفع ما كسبه واقتناه الكاسب.
إنِّي لَمَّا رأيتُ كثيرًا من إخواني تكاسَلوا عن طلب العلم الشرعي، وتركوه جانبًا، وانصرفوا إلى طلب أمور فانية، لا تنفعهم شيئًا، ولا تُجدي عنهم، كتبتُ هذه الوريقات القليلة؛ ليستيقظَ بها مَن أراد الله به خيرًا.
اعلم أولاً أخي - رحمك الله - أنَّ علْمَ الشريعة ليس منَ الأمور التي هي خاضعة لمشيئة العبد، إن شاء طلبَه، وإن شاء ترَكَه؛ بل إنَّ مِن علوم الشرع ما هو فرْض عيْن على كلِّ مُسلم ومسلمة، ولا يحلُّ لمسلم أبدًا ترْكه، ولا التفريط فيه؛ فإنَّ فرَّط فيه فهو آثِم - ولا شك؛ ففي الحديث أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((طلَبُ العلم فريضةٌ على كل مسلم)).
ونقل ابن عبدالبر - رحمه الله - في كتابه "جامع بيان العلم وفضله": إجماع أهلِ العلم على أن من علوم الشريعة ما هو فرْض عين، فلا يحلُّ التفريط في تعلُّمِه، فمَن فرَّط في تعلُّمه فهو آثمٌ، ولا شك، وهو مُعَرَّضٌ لعقوبة الله، ولا شك.
ومن ذلك: العلم بأركان الصلاة وشروطها ومُستحباتها وواجباتها، والعلم بما يفسد الصيام، وبما لا يتم الصيام إلا به، ناهيك عنْ وُجُوب تعلُّم كل مسلم ومسلمة عينًا ما يتعلَّق بتوحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، إلى غير ذلك منَ الأُمُور التي لا يحلُّ التفريط فيها أبدًا بحالٍ.
ولهذا كان سفيان الثوري - رحمه الله - إذا لقيَ شيخًا سألَهُ: هل سمعتَ مِن العلم شيئًا؟ فإن قال: لا، قال: لا جَزاك اللهُ عن الإسلام خيرًا.
أخي طالب العلم: ما الذي يشغلك عن طلب العلم؟
لا شك أن أكثر ما يصدُّ الطلَبة في هذه الأيام عن طلب العلم الشرعي، والاستمرار في تحصيله هو ثلاثة أشياء، وهذا فيما رأيتُ وعاصرْتُ من إخواني الذين رأيتُهم يطلبون العلم، وهذه الأشياء الثلاثة هي:
1 - الكَسَل وضعف الهمَّة:
نعم إنَّ الكسل وضعف الهمة داءٌ انتشر في شباب الأمة الإسلامية أيما انتشار؛ بل هو مِن أكبر الآفات المعطِّلة عنْ طلب العلم، ولقد تنبَّه إلى هذا الداء سلفُنا الصالح؛ فهذا ابن الجوزي - رحمه الله - يقول: إنما البكاء على خَساسة الهِمَم.
وهذا الداءُ هو الذي دفع الحجّاوي الحنبلي - رحمه الله - إلى أنْ يُؤلِّفَ مختَصرًا في الفقه؛ فقال - رحمه الله - في بداية هذا المختصر مُعللاً ذلك: إذِ الهِمَمُ قد قصرتْ، والأسباب المثبِّطة عن نيل المراد قد كثرتْ. ا. هـ.
ويقول الشاعر - رحمه الله -:
كُلُّ دَاءٍ فِي سُقُوطِ الهِمَمِ *** يَجْعَلُ الأَحْيَاءَ مِثْلَ الرِّمَمِ
فإنْ كنتَ أخي تُريد أن تعالج هذا الداء فاعلم:
أولاً: أنَّ سقوط الهمة موتٌ لصاحبه:
قال الشاعر:
وَفِي الجَهْلِ قَبْلَ المَوْتِ مَوْتٌ لِأَهْلِهِ *** وَأَجْسَامُهُمْ قَبْلَ القُبُورِ قُبُورُ
وَأَرْوَاحُهُمْ فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِهِمْ *** وَلَيْسَ لَهُمْ حَتَّى النُّشُورِ نُشُورُ
وقال الآخر:
قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَمَا *** مَاتَتْ مَكَارِمُهُمْ
وَعَاشَ قَوْمٌ وَهُمْ *** فِي النَّاسِ أَمْوَاتُ
وقال الآخر:
وَمَنْ فَاتَهُ التَّعْلِيمُ وَقْتَ شَبَابِهِ *** فَكَبِّرْ عَلَيْهِ أَرْبَعًا لِوَفَاتِهِ
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: مات خُزَّانُ المالِ وهم أحياءٌ، والعلماءُ باقون ما بقي الدهرُ.
ثانيًا: أنصحُك أن تنظرَ في سيَر سلفِنا الصالح، وكيف كانتْ هِمتهم هِمة علياء:
عن أبي عبيد، أنه كان يقول: كنتُ في تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة، وربما كنتُ أستفيد الفائدة مِن أفواه الرجال، فأضعها في الكتاب، فأبيتُ ساهرًا؛ فرحًا منِّي بتلك الفائدة، وأحدكم يجيئني، فيقيم عندي أربعة أشهر، خمسة أشهر، فيقول: قد أقمتُ الكثير.
وقال ابن القاسم - رحمه الله -: أفضَى بِمَالِكٍ طلَبُ الحديث إلى أن نقضَ سقفَ بيتِه، فباع خشبَهُ.
وهذا يحيى بن مَعين - رحمه الله - خلَّف له أبوه ألف ألف دِرْهم، فأنفقها كلَّها في تحصيل الحديث، حتى لَم يبقَ له نَعْلٌ يلبَسُه.
وقال سليمان العامري - رحمه الله -:
وَقَائِلَةٍ أَنْفَقْتَ فِي الكُتْبِ مَا حَوْتْ *** يَمِينُكَ مِنْ مَالٍ، فَقُلْتُ: دَعِينِي
لَعَلِّي أَرَى فِيهَا كِتَابًا يَدُلُّنِي *** لِأَخْذِ كِتَابِي آمِنًا بِيَمِينِي
وقال النووي - رحمه الله - حاكيًا عن أوائل طلَبِه للعلم: وبقيتُ سنتين لَم أضعْ جنبي إلى الأرض.
وحكى البدرُ بن جماعة أنه سأل النووي - رحمه الله - عن نومه، فقال: إذا غلبَنِي النوم استندتُ إلى الكتب لحظة، وأنتبه.
وقال البدرُ: وكنت إذا أتيته أزُوره يضع بعض الكتب على بعض؛ ليوسعَ لي مكانًا أجْلِس فيه.
وقالتْ زوجة الإمام الزُّهْري - رحمه الله -: واللهِ، إنَّ هذه الكتب أشدُّ عليَّ مِن ثلاث ضرائر.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: وجدتُ عامة علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند هذا الحي من الأنصار، إن كنتُ لأَقيلُ بباب أحَدِهم، ولو شئتُ أن يؤذنَ لي عليه لأُذِن لي عليه، ولكن أبتغي بذلك طيب نفسه.
وعن أبي عبيد القاسم بن سلام أنه قال: ما دقَقْتُ على مُحَدِّثٍ بابه قط.
وفي رواية: ما أتيتُ عالمًا قط فاستأذنتُ عليه، ولكن صبرْتُ حتى يخرجَ إليَّ، وتأوَّلْتُ قول الله - تعالى -: (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)[الحجرات: 5].
وقال سفيان الثوري: لا نزالُ نتعَلَّم العلم ما وجدنا مَنْ يُعلِّمَنا.
وقال ثعلبة: ما فقدتُ إبراهيم الحربي مِن مجلس لغةٍ، ولا نحوٍ، خمسين سنة.
وعن أبي زرعة الرازي أنه ربما كان يأكل ويُقْرَأ عليه، ويمشي ويُقْرأ عليه، ويدخُل الخلاء ويُقْرَأ عليه، ويدخُل البيت في طلبِ شيءٍ ويُقْرأ عليه.
وقال ابن أبي حاتم: كنا بِمصرَ سبعة أشهر، لَم نأكلْ فيها مرَقةً، نهارُنا ندور على الشيوخ، وبالليل ننسخ ونُقابل، فأتينا يومًا أنا ورفيقٌ لي شيخًا، فقالوا: هو عليلٌ، فرأيتُ سمكةً أعْجبَتْنا، فاشتريناها، فلمَّا صرْنا إلى البيت حضَر وقت مجلس بعض الشيوخ، فمضينا، فلم تزل السمكة ثلاثة أيام، وكادتْ أن تُنْتن، فأكلناها نيئة لَم نتفرغْ نشْويها، ثم قال: لا يُستطاعُ العلمُ بِرَاحةِ الجسَدِ.
ووصف ابنُ ناصر الحافظَ أبا الطاهر السِّلَفِي، فقال: كأنه شعلةُ نارٍ في التحْصِيل.
وكان الخليل بن أحمد الفراهيدي - رحمه الله - يقولُ: أثقلُ الساعات عليَّ ساعةٌ آكُل فيها.
وقال عمارُ بن رجاء: سمعتُ عبيد بن يعيش يقول: أقمتُ ثلاثين سنة ما أكلْتُ بيدي بالليل، كانتْ أُختي تُلقمُني وأنا أكتُب الحديث.
وقال الشاعر:
عَلَى قَدْرِ أَهْلِ العَزْمِ *** تَأْتِي العَزَائِمُ
وَتَأْتِي عَلَى قَدْرِ *** الكِرَامِ المَكَارِمُ
وقيل للشعبي: مِن أين لكَ هذا العلمُ كله؟ قال: بنفْي الاعتماد، والسَّيْر في البلاد، وصبْرٍ كصبر الحمارِ، وبُكُورٍ كبُكُور الغرابِ.
وقال بعض السلف: إذا أتى عليَّ يومٌ لا أزداد فيه علمًا يُقربُني إلى الله - تعالى -، فلا بُوركَ لي في طلوع شَمْس ذلك اليوم.
وفي مِثْل هذا يقول القائل:
إِذَا مَرَّ بِي يَوْمٌ *** وَلَمْ أَسْتَفِدْ هُدًى
وَلَمْ أَكْتَسِبْ عِلْمًا *** فَمَا ذَاكَ مِنْ عُمْرِي
وقيل لبعض السلفِ: بِمَ أدْركْت العلم؟
فقال: بالمصْباح والجلوس إلى الصَّباح.
وقال الخطيب البغدادي: وأفضلُ المذاكرة مذاكرةُ الليل، وكان جماعةٌ من السلف يفعلون ذلك، وكان جماعةٌ منهم يبدَؤُون من العشاء، فربما لم يقوموا حتى يسمعوا أَذَان الصُّبْح.
ثالثًا: مِن علاج قُصُور الهِمَّة:
أن تعلمَ أنك بحاجةٍ شديدةٍ وماسةٍ إلى العلم؛ حاجة تزيد على حاجتك إلى الطعام والشراب.
قال الإمام أحمد - رحمه الله -: الناسُ إلى العلم أحوجُ منهم إلى الطعام والشراب؛ فإنَّ الناس يحتاجون إلى الطعام والشراب في اليوم مرَّة أو مرتين، ويحتاجون إلى العلم بعدد الأنفاس.
رابعًا: مِن علاج قُصُور الهمَّة:
أن تعلمَ أن العلْم حمايةٌ لك من الزلَل والعقائد الفاسدة.
قال الإمامُ مالكٌ - رحمه الله -: إنَّ أقوامًا ابتَغَوُا العبادة، وأضاعوا العلْم، فخرجوا على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بأسيافهم، ولو ابتغوا العلْمَ لَحَجَزَهُم عن ذلك.
خامسًا: أن تعلمَ أن العلم لن ينتظركَ، وأن ما فاتك من العلم اليوم فإنك لن تستطيعَ تحصيله غدًا، وانظر معي - رحمك الله - إلى هدْيِ السلفِ الصالح في الحِرْص على السماعِ مِنْ علماء زمانهم:
قال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: عليكم بالعلم قبل أن يُرْفَع، ورفْعُه هلاك العلماء، فوالذي نفسي بيده، ليودَّنَّ رجال قُتِلوا في سبيل الله شُهداء أن يبْعثَهم الله علماء؛ لِمَا يرَوْن من كرامتهم، وإنَّ أحدًا لَم يولَد عالمًا، وإنما العِلْم بالتعلُّم.
وقال الحسن البصري: كانوا يقولون: موتُ العالم ثُلْمة في الإسلام، لا يسدُّها شيء، ما اختلف الليل والنَّهارُ.
ولَمَّا مات زيدُ بن ثابت - رضي الله عنه - قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: يا هؤلاءِ، مَن سرَّه أن يتعلمَ كيف ذَهاب العلم فهكذا ذهابُ العلم، وايْمُ الله، لقد ذَهَبَ اليوم عِلْمٌ كثير، يموت الرجل الذي يعلم الشَّيء، لا يعلمه غيره، فيذهب ما كان معه - ويُشير إلى قبر زيد - ويقول: لقد دُفِن اليوم عِلْمٌ كثيرٌ.
وكان يحيى بن معين شديدَ الحرْص على لقاء الشيوخ، والسماع منهم؛ خشية أن يَفُوتوه.
وعن أبي أُمامة - رضي الله عنه - أنه قال: عليكم بهذا العلم قبل أن يُقبض، وقبل أن يُرْفع.
وكان أحدهم يحزن، ويصيبه المرض إذا فاتَه شيءٌ من العلم، ومِن ذلك أن شُعبة ذكروا له حديثًا لم يسمعه، فجعل يقول: واحُزْناه.
وكان يقول: إنِّي لَأُذَكَّر الحديث، فيفوتني، فأمرض.
وقال مالك بن يَخَامر: لما حضرتْ معاذًا الوفاةُ بكيتُ فقال: ما يبكيك؟ قلت: والله ما أبكي على دنيا كنتُ أصيبها منك، ولكن أبكي على العِلْم والإيمان اللذين كنتُ أتعلمهما منك.
سادسًا: أن تعلمَ أنَّك أيها المُنْصَرِف عنْ طلَب العلم الشرعي من حُمْق الناس وأغبيائهم - عافاني الله وإياك من ذلك:
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: الناسُ ثلاثة: عالِم ربَّانِي، ومتعَلِّم على سبيل نجاة، وهَمَج رِعاع، أتْباع كل ناعِق، يَمِيلون مع كلِّ ريحٍ، لَم يسْتضيئوا بنور العِلْم، ولم يلْجَؤُوا إلى رُكْنٍ وثيق.
فقسَّم - رضي الله عنه - الناس إلى ثلاثة أقسام: عالم رباني، ومتعَلِّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، والهمَجُ من الناس - عافاني الله وإياكم أن نكونَ منهم - هم حمقاؤُهم وجهَلَتُهم، الذين لا يُعتَدُّ بهم.
وَوَصَفَهُم - رضي الله عنه - بأنهم: أتْباع كل ناعق؛ أي: مَن صاح بهم ودعاهم تبِعُوه، سواء دعاهم إلى هُدى، أو إلى ضَلال، فإنهم لا عِلْم لهم بالذي يُدْعَوْن إليه: أحق هو أم باطل؟
وقال أبو الدَّرداء - رضي الله عنه -: العالِمُ والمتعَلِّم في الخير شريكان، وسائر الناس هَمَج، لا خير فيهم.
وقال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: اغْدُ عالمًا أو متعلِّمًا، ولا تغْدُ بين ذلك، فإنما بين ذلك جاهل أو جهلٌ، وإنَّ الملائكة تبسُط أجنحتها لرجلٍ غدا يطلُب العلم؛ منَ الرِّضا بما يصنع.
وقال الإمام الأوزاعي - رحمه الله -: الناسُ عندنا أهلُ العلم، ومَن سواهم فلا شيء.
وقال معاذ - رضي الله عنه - في العلم: يلهَمُه السُّعداء، ويُحرمه الأشقياء.
وقال عمر - رضي الله عنه -: موتُ ألف عابدٍ أهْونُ مِن موت عالِمٍ بصير بحلال الله وحرامِه.
ووَجْه قول عمر - رضي الله عنه - أنَّ هذا العالِم يهْدِم على إبليسَ كل ما يبنيه بعلْمِه وإرشاده، وأمَّا العابدُ فنفعُه مقْصُور على نفسِه.
ومِصْداق ذلك كله الذي ورَد عن السلَف في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الدُّنيا ملْعونة، ملعون ما فيها، إلا ذِكْرَ الله وما والاه، وعالمًا أو متَعَلِّمًا)).
سابعًا: مِن علاج قصور الهمة في طلب العلم: أنْ تعلمَ عُلُوَّ منْزلة ما تطلُب:
فلقد حثَّ الله - سبحانه - في آياتٍ كثيرة، ورسولُه - صلى الله عليه وسلم - فيما لا يُحصى كثْرةً من الأحاديث، وكذا السلف الصالِح، على طلَبِ العلم، ومن ذلك:
أولاً: من كتاب الله - تعالى -:
1 - قال - تعالى -: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[المجادلة: 11].
2 - وقال - تعالى -: (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً)[البقرة: 201]، قال الحسن البصري: هي العلم.
قال ابن القَيِّم - رحمه الله -: وهذا مِن أحسن التفسير؛ فإنَّ أجَلَّ حسنات الدُّنيا العلْمُ النافع والعمل الصالح. ا. هـ.
3- وقال - تعالى -: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ)[آل عمران: 18].
قال سماحه الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في شرح العقيدة الواسطية: لو لَم يكنْ مِن فضْل العلم إلا هذه المنْقبة لكفَتْ؛ حيث إنَّ الله ما أخبر أنَّ أحدًا شهِد بألُوهيته إلا أولو العلْم؛ ا. هـ.
4 - وقال - تعالى -: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر: 28].
قال ابن القيِّم - رحمه الله -: وهذا حصْرٌ لِخَشْيته - سبحانه - فِي أُولِي العِلْم.
5 - وقال - تعالى -: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)[البقرة: 269].
قال ابن قُتيبة والجمهور: الحكمةُ إصابة الحق والعمل به، وهي العلْم النافِعُ، والعمَل الصالح.
إلى غير ذلك من الآيات الواردة في فضْلِ العلم وأهْلِه.
وأمَّا السِّنُّة فحدِّث ولا حرَج، فما أكثر الأحاديث الواردة في سُنَّة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في فضل العلم! ومنها:
1 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الدُّنيا ملعونةٌ، ملعون ما فيها، إلا ذِكْرَ الله وما والاه، وعالمًا أو متَعَلِّمًا)).
2- وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مثَل ما بعَثَني الله به من الهُدَى والعلم؛ كمَثَل الغيْثِ الكثير، أصاب أرضًا، فكان منها طائفةٌ طيِّبةٌ، قبِلَتِ الماء؛ فأنبتتِ الكلأ والعُشْب الكثير، وكان منها أجادب أمْسكت الماء؛ فنفع الله بها الناس، فشربوا منها، وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قِيعَان، لا تُمسك ماء، ولا تُنبت كلأ، فذلك مثل مَن فقُه في دين الله، ونفَعه ما بعَثَني الله به، فعَلِم وعَلَّم، ومثل مَن لَم يرفعْ بذلك رأسًا، ولَم يقْبَلْ هُدى الله الذي أُرسلْتُ به)).
قال سماحة الشيخ الفوزان - حفظه الله - في شرحه على "البلوغ" 1/9 بعد أن ذكر هذا الحديث: وأمَّا الصِّنف الثالث، فهؤلاء لا خيْرَ فيهم، ولا نفْعَ فيهم للمسلمين، فإنهم لَم يحفظوا الأحاديث، ولم يتفَقَّهوا في دين الله. ا. هـ.
3 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سلَك طريقًا يطلب فيه علْمًا، سلك الله - عز وجل - به طريقًا مِن طرُق الجنَّة، وإن الملائكة لَتَضَعُ أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن العالِم ليستغفر له مَن في السموات، ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإنَّ فضْلَ العالِم على العابد كفَضْل القمر ليلة البدْر على سائر الكواكب، وإنَّ العُلماء ورثة الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لَم يُوَرِّثوا دينارًا، ولا درهمًا، وَرَّثُوا العلم، فمَنْ أخذَهُ أخَذَ بحظٍّ وافِر)).
وفي هذا فضيلة علماء هذه الأمة؛ فإنهم إذا قاموا مقام نبيِّهم - عليه الصلاة والسلام - في الدعوة إلى الله، وفي العبادة، وفي كلِّ الخِصال، يكونون حينئذٍ وارثي محمد - صلى الله عليه وسلم - ولو لَم يكُن من العلم إلا هذا لَكَفَى به فخْرًا، ولكان الإنسانُ يبذل فيه عقْله وفِكْره وماله وحياته، فخيْرٌ لك مِن كُلِّ الدنيا وما فيها أن تكونَ وارثًا لسيد المرْسلين في هذه الأمة العظيمة.
4- وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن يُرِدِ الله به خيرًا يُفقِّهْه في الدين)).
قال ابن حجَر - رحمه الله - في "الفتح" 1/165: ومفهوم الحديث أنَّ مَن لَم يَتَفَقَّه في الدِّين - أي: يتعلم قواعد الإسلام، وما يتَّصل بها من الفروع - فقد حُرِم الخيْرَ، وقد أخرج أبو يعلى حديث معاوية من وجْهٍ آخر ضعيف، وزاد في آخره: ((ومن لَم يتفقه في الدين لَم يبالِ الله به))، المعنى صحيح؛ لأنَّ مَن لَم يعرف أمور دينه لا يكون فقيهًا، ولا طالب فقْه، فيصح أن يوصفَ بأنه ما أريد به الخير، وفي ذلك بيان ظاهِر لِفَضْل العلماء على سائر الناس، ولِفَضْل التفَقُّه في الدين على سائر العلوم. ا. هـ.
وقال سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - في "مجموع فتاويه" 10/7، 8: مَن حُرِم الفقه في الدين، وصار مع الجهَلة والضالِّين عن السبيل، المعْرِضين عن الفقه في الدِّين، وعن تعلُّم ما أوْجَبَ الله عليه، وعن البصيرة فيما حرَّم الله عليه، فذلك منَ الدلائل على أن الله لَم يُرِدْ به خيرًا، وقد وصَف الله الكفَّار بالإعراض عما خُلِقوا له، وعما أُنذروا به، تنْبيهًا لنا على أن الواجب على المسلم أن يُقْبِلَ على دين الله، وأنْ يتفقَّه في دين الله، وأن يسألَ عما أشكل عليه، وأن يتبَصَّر؛ قال - عز وجل -: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ)[الأحقاف: 3]، وقال - سبحانه -: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ)[الكهف: 57].
فمِن شأن المؤمن طلبُ العلم والتفقُّه في الدين، والتبصُّر، والعناية بكتاب الله، والإقبال عليه، وتدبُّره، والاستفادة منه، والعناية بسنة رسول الله، والتفقُّه فيها، والعمل بها، وحفظ ما تيسَّر منها، فمَن أعرض عن هذَيْن الأصلَيْن، وغفل عنهما، فذلك دليلٌ وعلامة على أن الله - سبحانه - لَم يُرِد به خيرًا، وذلك علامة الهَلاك والدَّمار، وعلامة فساد القلب، وانحرافه عن الهدى، نسأل الله السلامة والعافية مِن كلِّ ما يُغضبه. ا. هـ.
وأمَّا الآثار الواردة عن السلف في فضْلِ العلم، وفي تفْضيلهم له على سائر العبادات والنوافل فمنها:
1 - قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: الناس ثلاثة: عالِم رباني، ومتعَلِّم على سبيل نجاة، وهَمَج رعاع، أتْباع كل ناعق، يميلون مع كلِّ ريح، لَم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركنٍ وثيقٍ، العلم خيْرٌ من المال، العلم يحرُسك، وأنت تحرُس المال، العلم يزْكُو على الإنفاق، والمال تنقصه النفقةُ، العلمُ حاكم، والمال مَحْكوم عليه، ومحبة العلم دِين يُدان بها، العلمُ يُكْسِب العالِم طاعةً في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، وصنيعة المال تزول بزوالِه، مات خُزَّان المال، وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقيَ الدَّهْر، أعيانُهم مفْقودة، وأمثالهم في القلوب موْجُودة.
وقال أيضًا - رضي الله عنه -: كفى بالعلم شرفًا أنْ يَدَّعيه مَن لا يُحسنه، ويفرح به إذا نُسب إليه، وكفى بالجهل ذمًّا أن يَتَبَرَّأ منه مَن هو فيه.
وكان عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول إذا رأى الشباب يطلبون العلم: مرْحبًا بِيَنابيع الحكمة، ومصابيح الظلَم، جدد القلوب، حلس البيوت، ريحان كلِّ قبيلة.
وقال معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: تعلَّموا العلم؛ فإنَّ تعلُّمَه لله خشية، وطلَبَه عبادة، ومُدارسته تسْبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لِمن لا يحسنه صدَقة، وبذْله لأهله قُربة، به يُعرَف الله ويُعبَد، وبه يُوَحَّد، وبه يُعرف الحلال من الحرام، وتُوصل الأرحام، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلْوة، والدليل على السراء، والمُعين على الضرَّاء، والوزير عند الأخِلاَّء، والقريب عند الغُرباء، ومنار سبيل الجنة، يرفع اللهُ به أقوامًا، فيجعلهم في الخير قادةً وسادة، يُقتدى بهم، أدلَّة في الخير تُقْتَصّ آثارُهم، وتُرْمَق أفعالهم، وتَرْغَب الملائكة في خلَّتِهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس، حتى حيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، والسماء ونجومها، والعلمُ حياة القلوب من العمَى، ونور للأبصار من الظلَم، وقوة للأبدان من الضعف، يبلغ به العبدُ منازل الأبرار والدرجات العُلى، والتفَكُّر فيه يعدل بالصيام، ومدارسته بالقيام، وهو إمام للعمل، والعمل تابعه، يُلهَمه السعداء، ويُحْرمُه الأشقياء.
وقال الشافعي وأبو حنيفة - رحمهما الله -: إن لَم يكن الفقهاء العاملون أولياء الله، فليس لله وليّ.
وقال عمر - رضي الله عنه -: أيها الناس، عليكم بالعلم؛ فإنَّ لله - سبحانه - رداءً يحبه، فمَن طلبَ بابًا من العلم ردَّأه الله برِدائه، فإن أذنب ذنبًا استعتبه؛ لئلا يسلُبه رداءه ذلك حتى يموت به.
وجاء في الحديث: ((مَن جاءه الموتُ، وهو يطلب العلمَ؛ ليُحيي به الإسلام، فبيْنَهُ وبين الأنبياء في الجنة درجة النبُوة)).
قال ابن القيم - رحمه الله - في "مفتاح دار السعادة" 1/396: وهذا - وإن كان لا يثبت إسناده - فلا يبعد معناه من الصِّحَّة....فمَن طلب العلم؛ ليُحيي به الإسلام، فهو من الصِّدِّيقين، ودرجته بعد درجة النبُوَّة؛ ا. هـ.
وقال ابن عباس وأبو هريرة، وبعدهما أحمد بن حنبل: تذاكُرُ العلم بعض ليلة أحبُّ إلينا من إحيائها.
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: العالِم أعظمُ أجْرًا من الصائم القائم الغازِي في سبيل الله.
وقال أبو هريرة وأبو ذر - رضي الله عنهما -: بابٌ منَ العلم نتعلّمُه أحبُّ إلينا من ألْف ركعة تطوُّعًا، وباب من العلم نُعَلِّمُه - عُمل به، أو لَم يُعملْ به - أحبُّ إلينا من مائة ركعة تطوُّعًا.
وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: لأنْ أعلم بابًا منَ العلم في أمْرٍ أو نَهْي أحبُّ إليَّ مِن سبعين غزوة في سبيل الله.
وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: مُذاكرة العلم ساعة خيْرٌ من قيام ليلة.
وقال الحسَن - رضي الله عنه -: لأن أتعلَّم بابًا من العلم فأُعلِّمه مسلمًا، أحبُّ إليَّ مِن أن يكونَ لي الدُّنيا كلها، فأُنفقها في سبيل الله.
وقال سعيد بن المسيب - رحمه الله -: ليستْ عبادة الله بالصَّوم والصلاة، ولكن بالفِقْه في دينه.
وقال وهب بن منَبِّه: يتشَعَّب من العلمِ الشرَفُ، وإن كان صاحبه دنيًّا، والعز وإن كان مهِينًا، والقرْب وإن كان قصيًّا، والغِنَى وإنْ كان فقيرًا، والمهابة وإن كان وضِيعًا.
وقال سفيان بن عيينة: أرْفعُ الناس عند الله منْزلة مَن كان بين الله وبين عباده، وهم الأنبياءُ والعلماء.
وقال أيضًا: لَم يُعطَ أحَدٌ في الدنيا شيئًا أفضل منَ النبوة، وما بعد النبوة شيء أفْضل من العلم والفقه، فقيل: عمَّن هذا؟ قال: عن الفُقهاء كلهم.
وعن سفيان الثَّوْري والشافعي - رحمهما الله - قالا: ليس بعد الفرائض أفضل مِن طلَب العِلْم.
وقال رجلٌ لابنه: يا بني، عليك بمُجالسة العلماء، واسْمع كلام الحُكماء؛ فإنَّ الله ليُحيي القلبَ الميت بنور الحكمة، كما يُحيي الأرض الميتة بوابل المطر.
والسبب الثاني مِنْ أسباب عُزُوف أكثر الطلَبة عن طلب العلم هو: انشغالُهم بتحْصِيل الرزق والكَدِّ فيه.
فهذه هي الآفة الثانية، والمرَض الفتَّاك والعازف الثاني عن طلَبِ العلْم الشرعي، فتجدُ كثيرًا من الناس يكون - والعياذ بالله - حمارًا بالنهار، جيفة بالليل، مِن شدة طلبِه للرِّزق، فتجد مثل هؤلاء متى وجدوا إلى المالِ سبيلاً بذَلُوا إليه قلوبهم وأفكارهم وحياتهم، كل حياتِهم.
وهذه - والله - آفةٌ عظيمة، ولقد رأيتُ - والله - الكثيرينَ بسببها يترُكُون أشْرف مطلوب، يتركون طلَب العلم الشرعي؛ جرْيًا وراء أخسِّ مطلوب؛ الدُّنيا!.
فتجد مثْل هؤلاءِ - وقد يكونون في بداية أمْرِهم من طلَبة العلم - إذا وقعوا في أدنى وأقل مقارنة بين أمرٍ من أمور الدنيا - قد يكون منَ التفاهة بمكان - وبين درس يحضُرونه، وينفعهم في آخرتهم، انْصرفوا إلى الدنيا، فيهربون من الدَّرس، وكأنهم قد فُكُّوا مِن عقال، وكأنهم كانوا في انتظار هذا الأمر ليُفَكُّوا من رقِّ التعلُّم.
إخواني، لماذا دائمًا نُعطِي الدَّنيَّة في ديننا؟ لماذا دائمًا إذا وقعْنا في مقارنة بين الدُّنيا والآخرة اخترْنا الدنيا؟ لماذا لا نختار الدِّين مرةً واحدة في حياتنا، حتى نُحَصِّل سعادة الدارَيْن؛ الدنيا والآخرة؟
نعم، ففي تحصيل العلم النافع والعمل به تحقيقُ السعادة الحقيقية؛ يقول ابن القيِّم - رحمه الله -: السعادة الحقيقية هي سعادة العلم النافع ثمرته؛ فإنَّها هي الباقية على تقلُّب الأحوال، والمصاحبة للعبد في جميع أسفاره، وفي دوره الثلاثة - أعني: دار الدُّنيا، ودار البرزخ، ودار القرار - وبها يرتَقي معارج الفضْل ودرجات الكمال؛ ا. هـ.
ولعلاج هذه الآفة الخطيرة - أخي طالب العلم - عليك أن تعلَمَ:
أولاً: أن مَن يَسَّر الله له طريق العلم، فأعرَض عنه، ولَم يُلقِ له بالاً، فهو مُعَرَّض لِعُقوبة الله - سبحانه - وسخَطه وعذابه.
قال بعض السلَف: مَن حجب اللهُ عنه العلم عذَّبه على الجهل، وأشد منْه عذابًا مَن أقبل عليه العلمُ فأدْبر عنه، ومَن أهدى الله إليه عِلْمًا، فلمْ يعمَلْ به.
ثانيًا: واعلَموا أيضًا أنَّ هذا مِن الفتنة والاختِبار، والذكي الفَطِن هو الذي يختار دينَه، ويقدمه على دُنياه، وإن كانتْ هذه الدنيا قد أَتَتْه بأجمل زينتها، وانظروا إلى ما ورَد عن سلفنا الصالح في تفْضيلهم للعلم الشرعي على سائر الملَذَّات والشهَوات:
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: لما فُتِحَت المدائن أقْبل الناس على الدنيا، وأقبلْتُ على عمر - رضي الله عنه -.
لما فُتحت البلادُ بسبب الغزو في سبيل الله، أقْبَل كثيرٌ من الناس على الدُّنيا، إلا أنَّ ابن عباس كان كيِّسًا فطِنًا، فأقبَل على عُمر؛ يَتَعَلَّم منه دينه.
قال الشاعر:
لِكُلِّ بَنِي الدُّنْيَا مُرَادٌ وَمَقْصِدٌ *** وَإِنَّ مُرَادِي صِحَّةٌ وَفَرَاغُ
لِأَبْلُغَ فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ مَبْلَغًا *** يَكُونُ بِهِ لِي لِلْجِنَانِ بَلاَغُ
وَفِي مِثْلِ هَذَا فَلْيُنَافِسْ أُولُو النُّهَى *** وَحَسْبِي مِنَ الدُّنْيَا الغَرُورِ بَلاَغُ
فَمَا الْفَوْزُ إِلاَّ فِي نَعِيمٍ مُؤَبَّدٍ *** بِهِ العَيْشُ رَغْدٌ وَالشَّرَابُ يُسَاغُ
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مُقارنًا بين المال والعلم: العِلْمُ خير منَ المال؛ العلْمُ يحرُسك وأنت تحرُس المال، العلم يزكو على الإنفاق والمال تنقصه النفَقة، العلم حاكم والمال محكوم عليه، ومحبة العلم دِينٌ يُدان بها، العلم يكسب العالِم طاعةً في حياته، وجميل الأُحْدُوثة بعد وفاتِه، وصنيعة المال تزول بزواله، مات خُزَّان المال، وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقِي الدهرُ، أعيانُهم مفقودة، وأمثالُهم في القلوب موْجُودة.
وقال رجل للحسن: يا أبو سعيد، فقال له: كَسْب الدوانيق شغَلك عن أن تقول: يا أبا سعيد.
ثالثًا: أن تنظرَ إلى ما بذله السلف الصالح في سبيل تحصيل هذا العلم:
قال ابن القاسم - رحمه الله -: أفضى بِمالِكٍ طلبُ الحديث إلى أن نقضَ سقف بيته، فباع خشبَه.
وهذا يحيى بن معين - رحمه الله - خلف له أبوه ألف ألف دِرْهم، فأنفقها كلها على تحصيل الحديث، حتى لَم يبقَ له نعْل يلبسه.
وقال سليمان العامري:
وَقَائِلَةٍ: أَنْفَقْتَ فِي الكُتْبِ مَا حَوَتْ *** يَمِينُكَ مِنْ مَالٍ، فَقُلْتُ: دَعِينِي
لَعَلِّي أَرَى فِيهَا كِتَابًا يَدُلُّنِي *** لِأَخْذِ كِتَابِي آمِنًا بِيَمِينِي
رابعًا: أن تعلمَ أن العلم الشرعي يفتح لك باب الرِّزق:
ففي الأثر: أن رجلاً دخل على عبدالعزيز بن مروان يشكو صهرًا، فقال: إن ختَني فعل كذا وكذا، فقال له عبدالعزيز: ومن خَتَنَك؟ قال: الختان الذي يختن الناس، فقال عبدالعزيز لكاتبه: ويحك، بِمَ أجابني؟ فقال: أيها الأمير، إنك لحنتَ، وهو لا يعرف اللحن، كان ينبغي أن تقول: من خَتَنُك؟
فاشتغل عبدالعزيز حتى صار مِنْ أفصح الناس، وكان يعطي على العربية، ويحرم على اللحن، فكان الرجل يأتيه، فيقول له: ممن أنت؟ فيقول: من بني فلان، فيقول لكاتبه: أعطه مائتي دينار.
ودخل عليه رجل من بني عبدالدار، فقال له: ممن أنت؟ فقال: من بنو عبدالدار، فقال: تجدها في جائزتك، فأمر له بمائة درهم.
ويقول أبو يوسف تلميذ الإمام أبي حنيفة - رحمهما الله -: توفِّي أبي إبراهيم بن حبيب، وخلفني صغيرًا في حجر أمي، فأسلمتني إلى قصَّار أخدمه، فكنت أدع القصار، وأمُرُّ إلى حلقة أبي حنيفة، فأجلس أستمع، فكانتْ أُمِّي تجيء خلْفي إلى الحلقة، فتأخذ بيدي، وتذهب بي إلى القصار، وكان أبو حنيفة يُعنَى بي؛ لِمَا يرى مِن حضوري، وحِرْصي على التعلُّم، فلما كثُر ذلك على أمي، وطال عليها هربي قالتْ لأبي حنيفة: ما لهذا الصبي فساد غيرك، هذا صبي يتيم لا شيء له، وإنما أطعمه من مغزلي، وآمل أن يكسبَ دانقًا يعود به على نفسه، فقال لها أبو حنيفة: مُرِّي يا رعناء، هذا هو ذا يتعَلَّم أكل الفالُوذَج بدُهْن الفُسْتق، فانصرفتْ عنه، وقالت له: أنت شيخ قد خرِفتْ، وذهبَ عقلُك.
ثم لزمتُه، فنفعني الله بالعلم، ورفعنِي حتى تقلدتُ القضاء وكنتُ أُجالس الرشيد، وآكل معه على مائدته، فلمَّا كانتْ في بعض الأيام قدَّم إليَّ هارون فالوذَجة، فقال لي هارون: يا يعقوب، كُل منه، فليس كل يوم يُعمل لنا مثلُه، فقلت: وما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذه فالوذَجة بدُهن الفُسْتق، فضحِكْت، فقال لي: ممَّ ضحكْت؟ فقلت: خيرًا، أبقى الله أمير المؤمنين.
قال: لتخبرني، وألَحَّ عليَ، فخبَّرتُه بالقصة من أولها إلى آخرها، فعجب من ذلك، وقال: لعمري، إنَّ العلم ليَرْفع، وينفع دينًا ودُنْيا، وترحَّم على أبي حنيفة، وقال: كان ينظر بعين عقله ما لا يراه بعين رأسه.
خامسًا: أن تعلمَ أنك بحرصك على طلب العلم الشرعي سيكْفيك الله - سبحانه وتعالى -، ويبارِك لك في رزقك:
وهذا سفيان الثوري - رحمه الله - يقول: لَمَّا أردتُ أن أطلبَ العلم قلتُ: يا رب، إنه لا بد لي من معيشة، ورأيتُ العلم يدرس، فقلتُ: أفَرِّغ نفسي لطلبه، قال: وسألت ربي الكفاية.
وعزم على طلب العلم، حتى كفلتْ له والدتُه الإنفاق عليه، فقالتْ: يا بني، اطْلُبِ العلم، وأنا أكفيك بمغْزَلِي.
فلما صدقتْ نيته - رحمه الله - وعزم بجدٍّ على التحصيل، يسَّرَ الله له أمْر الطلب، حتى أصبح أمير المؤمنين في الحديثِ.
سادسًا: أن تعلمَ مقدار مجلس العلم الذي تتركه، وتُفرط فيه، مِن أجل هذه الدُّنيا الفانية الزائلة عنك، ولا محالة:
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا مررتم برياض الجنة، فارْتعوا))، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: ((حِلَق الذكر)).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ لله - تبارك وتعالى - ملائكةً سيَّارة فُضُلاً، يتبعون مجالس الذِّكر، فإذا وجَدوا مجلسًا فيه ذِكْر قعَدُوا معهم، وحفَّ بعضُهم بعضًا بأجنحتهم حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدُّنيا، فإذا تفرَّقُوا عرجوا، وصعدوا إلى السماء، قال: فيسألهم الله - عز وجل - وهو أعلم بهم - من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادٍ لك في الأرض، يسبِّحونك، ويكبِّرونك، ويُهلِّلونك، ويحمدونك، ويسألونك، قال: وماذا يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك، قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا، أي رب، قال: فكيف لو رأوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك، قال: وممَّ يستجيرونني؟ قالوا: مِن نارك يا رب، قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويستغفرونك، قال: فيقول: قد غفرتُ لهم، فأعطيتهم ما سألوا، وأجرْتُهم مما استجاروا، قال: فيقولون: رب، فيهم فلانٌ عبد خطَّاء، وإنما مرَّ فجلس معهم، قال: فيقول: وله غفرتُ، هم القوم لا يشقَى بهم جليسُهم)).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من قوم يجتمعون في بيت من بيوت الله، يتعلَّمون القرآن، ويتدارسونه بينهم، إلا حفَّتهم الملائكة، وغشِيتهم الرحمة، وتنَزَّلت عليهم السَّكينة، وذَكَرَهُمُ الله فيمَن عنده)).
وقال سهل بن عبدالله التُّسْتري: مَن أراد النظر إلى مجالس الأنبياء، فلْينظُر إلى مجالس العلماء.
قال ابن القيِّم - رحمه الله - في "مفتاح دار السعادة" 1/391: وهذا لأنَّ العلماء خلفاء الرُّسل في أمَمهم، ووارثوهم في علمهم، فمجالسهم مجالس خلافة النبوة؛ ا. هـ.
سابعًا: أن تعلمَ أنَّ الانصراف إلى الدُّنيا، وترْك تعلُّم العلْم الشرعي نوعٌ منَ الدنُو والنُّزول إلى السفْل:
فلقد وصَف الله - سبحانه - في كتابِه عبادَه في هذه الدُّنيا أتَمَّ وصْفٍ، فوَصَفَهُم - عز وجل - بالانخراط في الدُّنيا، وإهمال تعلُّم شرع الله، والعمل به؛ فقال - سبحانه -: (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ)[المؤمنين: 63].
ففي أمور الآخرة القلوب منغمرة عنها، وأمَّا أعمال الدُّنيا الدَّنيَّة فهم لها عاملون.
وأما السبب الثالث من أسباب ترْكِ طلَب العلم فهو: ما يُلاقيه بعضُ الطلبة من المشَقَّة في طلب العلم، سواء في ذلك المشَقَّة البدنيَّة، أو المشقة الذِّهنيَّة.
فالمشقة البدَنية كأن يكون مكانُ الدَّرس بعيدًا عنه جدًّا، فيشق عليه الذهاب إليه، وكأن يكون موعد الدرس غير مناسب له، فيكون مثلاً متأخرًا، ولو حضر الدرس لَم يجدْ مواصلة تعيده إلى بيته، أو أعادته إليه متأخرًا... إلى غير ذلك من أنواع المشقات البدَنيَّة التي يُلاقيها طالب العلْم.
والمشَقَّة الذهنية كأن يكون عند الطالب صُعوبة في فهم مادة شرعية معيَّنة، وذلك كعِلم النحو الذي يُعاني مِن صعوبة فهْمه أكثرُ الطلبة.
وأنا أقول في الجواب عن هذا:
أولاً: لتعلم - أخي طالب العلم - أنَّ المشقَّة في تحصيل العلم هي أمْر كوني، وسُنة كونية لا بُدَّ منها، فطلَبُ العلم قرين المشقَّة، والمشقة قرينة طلب العلم، لا يفترقان أبدًا، فالقاعدةُ العريضةُ التي لا استثناء فيها: أنه لا يُستطاع العلم براحة الجسد، وأنَّ مَن طلَب العِلْم سهر الليالي، وأنَّ العلم لن يُعطيك بعضه حتى تعطيه كُلَّك، وأنَّ مَن طلَب الراحة بالعلم ترَك الراحة البدَنيَّة، وانظر إلى ما يلي من الآثار عن سلَفِنا الصالح في ذلك:
قال الأصمعي: مَن لَم يحتمل ذُل التعلُّم ساعة، بقِي في ذُلِّ الجهْل أبدًا.
وعن بعض السلَف قال: مَن لَم يصبرْ على ذُلِّ التعلُّم، بقي عمره في عماية الجهالة، ومَن صبر عليه آل أمرُه إلى عزِّ الدُّنيا والآخرة.
وقال أبو الفرج ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -: تأمَّلتُ عجبًا، وهو أن كلَّ شيء نفيس خطير يطول طريقه، ويكثر التعبُ في تحصيله، فإنَّ العلم لَمَّا كان أشرف الأشياء، لَم يحصل إلا بالتعَب، والسهر، والتكرار، وحجر اللذات والراحة، حتى قال بعض الفقهاء: بقيت سنين أشتهي الهريسة لا أقدر؛ لأن وقت بيعها وقت سماع الدرس؛ ا. هـ.
وقد أحسن القائلُ في ذلك:
فَقُلْ لِمُرَجِّي مَعَالِي الأُمُورِ *** بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ رَجَوْتَ المُحَالاَ
وقال مسلم في صحيحه: قال يحيى بن أبي كثير: لا ينال العلم براحة الجسم.
وقد قيل: من طلب الراحة ترَك الراحة.
وقال الشاعر:
فَيَا وَصْلَ الحَبِيبِ أَمَا إِلَيْهِ *** بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ أَبَدًا طَرِيقُ
لاَ تَحْسَبِ المَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ آكِلُهُ *** لَنْ تَبْلُغَ المَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبْرَا
ولقد كان أهل العلم - رحمهم الله - تعالى - يلاقون المصاعب والشدائد في تحصيلهم للعلم، نصح الإمام ابن هشام النحوي - رحمه الله - صاحب كتاب "القطر"، و"المغني" وغيرهما - طلبة العلم بالصبر على مشاقِّ العلْم والتحصيل؛ إذ هو شرْط في نيْل المراد العزيز الغالي؛ فيقول:
وَمَنْ يَصْطَبِرْ لِلْعِلْمِ يَظْفَرْ بِنَيْلِهِ *** وَمَنْ يَخْطُبِ الحَسْنَاءَ يَصْبِرْ عَلَى الْبَذْلِ
وَمَنْ لَمْ يُذِلَّ النَّفْسَ فِي طَلَبِ العُلَى *** يَسِيرًا يَعِشْ دَهْرًا طَوِيلاً أَخَا ذُلِّ
وَمَنْ لَمْ يَذُقْ مُرَّ التَّعَلُّمِ سَاعَةً *** تَجَرَّعَ ذُلَّ الجَهْلِ طُولَ حَيَاتِهِ
وأنا أَذْكُر عن نفسي - أي: أبي أنس - أنِّي في بداية طلب العلم، مكثْتُ ما يقرب من سنة أعاني من صعوبة شديدة في فهْم علم النحو، ومع ذلك كنتُ أحرص على حُضُور درسه، حتى مَنَّ الله عليَّ بالفَهْم، فالحمدُ لله على إنعامِه.
فعليك يا طالب العلم أن تجِدَّ في التحصيل، فإنَّ الأمر كما قال ابن الجنيد: ما طلب أحدٌ شيئًا بجد وصدق إلا ناله، فإن لَم ينلْه كله نال بعضه.
ولقد كان العلامة محمود شكري الآلوسي البغدادي الحفيد يمتاز بالجد الشديد، والحِرْص على الوقت، فكان لا يثنيه عن دروسه حمارَّة القيظ، ولا يؤخِّره عنها قرْص برد الشتاء، وكثيرًا ما تعرَّض تلاميذه بسبب تأخُّرهم عن موعد الدرس إلى النقد والتعنيف.
قال عنه تلميذه العلامة بهجة الأثري: أذكر أنني انقطعتُ عن حضور درسه في يوم مزعج، شديد الريح، غزير المطر، كثير الوحل، ظنًّا منِّي أنَّه لا يحضر إلى المدرسة، فلمَّا شخصت في اليوم الثاني إلى الدرس، صار ينشد بلهجة غضبان:
وَلاَ خَيْرَ فِيمَنْ عَاقَهُ *** الحَرُّ وَالبَرْدُ
ثانيًا: لتعلم أخي طالب العلم أنه وبالرغم من هذه المرارة وهذا التعب الذي تجده في طلب العلم، إلا أنَّ الله - سبحانه - قد مزج هذه المرارة بحلاوة ولذَّة لا تجدها إلا في السَّعْي لطلَب العلم، واسْمع إلى ما يقولُه علماءُ السلَف - رحمهم الله - في ذلك:
قال ابن أبي حاتم: سمعتُ المزَنيّ يقول: قيل للشافعي: كيف شهوتك للعلم؟ قال: أسمع بالحرف - أي: بالكلمة - مما لَم أسمعه، فتودُّ أعضائي أنَّ لها أسماعًا تتنعم به ما تنعَّمت الأذنان.
فقيل له: كيف حِرْصك عليه؟
قال: حرصُ الجَمُوع المنوع في بلوغ لذته للمال. فقيل له: فكيف طلبك له؟
قال: طلب المرأة المضلَّة ولدها، ليس لها غيره.
وقال الزمخشري - رحمه الله - واصفًا تلذُّذ العلماء بإيقاظ ليلهم، وطول سهرهم:
سَهَرِي لِتَنْقِيحِ العُلُومِ أَلَذُّ لِي *** مِنْ وَصْلِ غَانِيَةٍ وَطِيبِ عِنَاقِ
وَتَمَايُلِي طَرَبًا لِحَلِّ عَوِيصَةٍ *** أَشْهَى وَأَحْلَى مِنْ مُدَامَةِ سَاقِي
وَصَرِيرُ أَقْلاَمِي عَلَى أَوْرَاقِهَا *** أَحْلَى مِنْ الدُّوكَاءِ وَالعُشَّاقِ
وَأَلَذُّ مِنْ نَقْرِ الفَتَاةِ لِدُفِّهَا *** نَقْرِي لِأُلْقِي الرَّمْلِ عَنْ أَوْرَاقِي
أَأَبِيتُ سَهْرَانَ الدُّجَى وَتَبِيتَهُ *** نَوْمًا وَتَبْغِي بَعْدَ ذَاكَ لَحَاقِي؟!
وبهذا ينتهي ما أردتُ بيانَه، واللهَ أسأل أنْ يجعل في هذه الكلمات النفع، وأن يكون حافزًا لإخواني في تحصيل العلم الشرعي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
القصور في طلب العلم: أسبابه وعلاجه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» بوصلة طالب العلم
» الله أعلم نصف العلم؟؟؟
» طلب العلم في زماننا
» ما هو حكم طلب العلم الشرعي ؟
»  هكذا يكون العلم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اهل الحق :: منتديات إسلامية :: الموسوعة الإسلامية-
انتقل الى: