عندما يطول بي الطريق , وينهكني التعب , ويتسلل السأم إلى نفسي , وأنظر إلى هدفي فأراه بعيدا لايزال , لا أجد سوى ربي , فأناجيه بكل فقر وذلة , وأرجوه وألهج بذكره , فيتجدد عندي الأمل في قوة سير جديدة .
وعندما أشعر بوحدة مسيرتي , تقلبني الدنيا بين أمواجها , أغوص في أعماقها فتنقطع أنفاسي , وتؤلمني عقباتها المتتابعة , لا أجد سواك ربي , فلا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك , فأذكر رحمتك , فيتجدد عندي الأمل في صبيحة يوم جديد , ورؤية شمس صبوحة .
حينما يلتهي عني الإخوان , وينساني القريبون والأحباب , ويتخلى عني الصديق والجار , فليس لي سواه سبحانه هو الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد , فأرحل وقد تجدد عندي الأمل .
وحينما يطول بي الليل بأحزانه , ويرهقني النهار بهمومه ومشكلاته , فسرعان ماأسمع نداء الصلاة يعلن قرب طلوع الصباح , وشقشقة الطيور وتغريدها , فيتجدد عندي الأمل في نهار بلا آلام وليل بلا أحزان .
وعندما يضيق بي الرزق ويقدر علي الإنفاق , فأخرج آخر ما في حقيبتي وأبتسم , وأنتظر نعمة الرزاق وأتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير يغدو خماصا وتعودوا بطانا " , فلا يأتي المساء إلا وقد امتلأت حقيبتي رزقا , فتتضاءل حاجتي إلى الناس , ويتجدد عندي الأمل , حينها اشعر بالرضا بما في يدي ولا أحب أن انظر لما في يد غيري , وحينئذ يكفيني ربي ويشبعني فيتجدد عندي الأمل .
وحينما يضيع شىء من أحلامي أو يصعب تحقيق بعض ما تمنيت , فأركز جهدي على عبادتي وتربية أبنائي واراهم يكبرون وأعلمهم الإيمان بالله , فأراهم ينبتون كما ينبت الزرع الذي أرعاه بدمي ودمعي , فيخرجون نافعين مصلحين مؤثرين , فأحمد الله , وأرى أن أمنياتي تتحقق , وأتنازل عن بعض آمالي في مقابل آمال أخرى , ويتجدد عندي الأمل.
وعندما يصيبنا مرض أو داء , ويظل ملازما لنا بعض الوقت , ويقول الأطباء أنه ضيف ثقيل طويل البقاء , ويهمس الناس أنه وباء أو بلاء , فليس لي سواه سبحانه , فأرفع يدي إلى السماء بالدعاء والبكاء والرجاء , فأشعر أنه يسمعني ويراني فأسعد وأبتسم ويتجدد عندي الأمل في الشفاء مهما طال زمان المرض .
وحينما أسمع الأخبار , فأعلم أن في الثغور المحتلة شهداء , واسمع قول الله تعالى :" من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه .." , فأتذكر كيف يصدق الصادقون ويثبتون حتى لقاء الله , صدقوه فصدقهم , وأحسنوا الظن به فرزقهم الشهادة , فيتجدد عندي الأمل في صادقين يحملون هم دينهم وأمتهم .
وحينما أمنع نفسي عن سوء تزينه الشياطين , فأستغفر الله , وأدق باب التوبة والإنابة ,وأهرول إلى طاعة الله , فاشعر بالسعادة تغمرني , وبالأمان يحيطني من كل جانب , ويتجدد عندي الأمل في حياة كلها إيمان .
وحينما ألتقي يتيما كسيرا أو فقيرا معدوما , أشكر الله أن شرفني بمسح رأس اليتيم , ومعونة المعدوم , وابذل نفسي لإسعاد من حولي , مهما كلفني ذلك من عناء , وأعجز عن التعبير عما بداخلي , فأصمت وتنهمر مني الدمعات ,وأنظر إلى السماء , فأعلم أنه يراني ويعلم ما أريد , ويتجدد عندي الأمل في مجتمع أبناؤه باذلون معطاؤون .
وحينما أقبل يد أمي , وأرى منها ابتسامة الرضا , وأسمع منها حروف الدعاء لي ولأبنائي وزوجي , أنتشي من السعادة الغامرة , ويتجدد عندي الأمل في استجابة دعائها النقي الصادق .
وعندما أفتقد أبي الراحل الحبيب , ولا يبقى لي سوى ذكراه العاطرة , فأكثر له الدعاء , وأشعر أني قد وصلته وبررته , وأذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم " المرء مع من أحب " فيتجدد عندي الأمل في لقاء مع الأحبة .
إنه الأمل الصادق , والرجاء في الله وحده لا في خلق أو مخلوق , إنه أمل ليس فيه علو في الأرض ولا فساد , وليس فيه حب الدنيا ولا كراهية الموت , بل يملؤه شكر النعمة على الإسلام , ورجاء في رحمة الله
إنها البشرى التي أنتظرها في كل ساعة , فاليوم بناظري أحسن من أمس , وغدا في رجائي سيكون أفضل من اليوم , فأتشبث بحسن الظن بالله الجواد الكريم , وأفرح بالحديث القدسي : " أنا عند ظن عبدي بي .."
لقد ابتدأت بشراي بالفعل لحظة كتابة تلك الكلمات , وارتفع الآن صوت آذان الفجر , يؤذن بانتشار كلمة التوحيد في الربوع , وتبليغ الرسالة السامية إلى الخلق أجمعين , ويالها من فرحة أن تكون آخر كلماتي " لاإله إلا الله " ... ويتجدد عندي الأم