فليحذر الذين يخالفون عن امره

" فليحذر الذين يخالفون عن أمره" إن
الله {سبحانه وتعالي}حذر البشرية من مخالفة أمر رسول الله{صلي الله عليه
وسلم}فقال عز من قائل {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ
أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }( 63 النور)
قال الإمام ابن كثير رحمه الله
أيْ: فَلْيَحْذَرْ وليخْشَ مَنْ خَالَفَ شَرِيعَةَ الرَّسُولِ بَاطِنًا
أَوْ ظَاهِرًا {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} أَيْ: فِي قُلُوبِهِمْ، مِنْ
كُفْرٍ أَوْ نِفَاقٍ أَوْ بِدْعَةٍ، {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
أَيْ: فِي الدُّنْيَا، بِقَتْلٍ، أَوْ حَد، أَوْ حَبْسٍ، أَوْ نَحْوِ
ذَلِكَ.
عن أَبي هُرَيرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا،
فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا. جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ
اللَّاتِي [يَقَعْنَ فِي النَّارِ] يَقَعْنَ فِيهَا، وَجَعَلَ
يَحْجِزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ ويتقحَّمن فِيهَا". قَالَ: "فَذَلِكَ مَثَلِي
وَمَثَلُكُمْ، أَنَا آخِذٌ بحجزِكم عَنِ النَّارِ هَلُمَّ عَنِ النَّارِ،
فَتَغْلِبُونِي وَتَقْتَحِمُونَ فِيهَا".(أخرجه أحمد ومسلم}من المعلوم أن
النبي{ صلي الله عليه وسلم} ترك لنا شيئين ما تمسكت بهما الأمة واعتصمت
بهما فلحت ورشدت وهما كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفى هذا
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لم تضلوا
بعدى أبداً كتاب الله وسنتى" . أخرجه مسلم والترمذي والطبراني عن زيد بن
الارقم ، وبمفهوم المخالفة ان لم نتمسك بهما ضللنا الطريق وأصابنا الوبال
ونزلت علينا المصائب من كل ناحية .
فالبلاء الذي تعيشه بلاد المسلمين من أمراض موبئة وضنك فى العيش وتسلط
السلاطين الجائرين عليهم والتنازع فيما بينهم السبب في هذا مخالفة أمر الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى " ولو أن أهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء
والارض ولكن كذبوافَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" سورة
الأعراف.
والمطالع للتاريخ الإسلامي يجد الأمر واضحا فعندما كان المسلمون متمسكين
بدينهم محافظين على أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم كانت العزة
والرفعة لهم ، ولعل قصة النكفور مع هارون الرشيد لا تخفى على أحد " كان
هناك ملكة للروم تسمى ايرينى وكانت قد تصالحت مع هارون الرشيد على مال
تدفعه لهارون الرشيد فجاء النكفور وأنزلها عن عرشها وسمر عينها وتولى
مكانها وأحاطت به بطانة السوء وأخذوا يقولون له أنت الرجل وأنت الشجاع
....وكذا حتى وسوسوا له بما ندم عليه بعد ، فما كان منه إلا أن بعث إلى
هارون الرشيد رسالةً كتب فيها من النكفور ملك الروم الى ملك العرب أنه كانت
الملكة ايرينى التي كانت قبلي أقامتك مقام الأخ، فحملت إليك من أموالها،
لكن ذاك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصّل قبلك من
أموالها، وافتد نفسك، وإلا فالحرب بيننا وبينك ,
فاشطاط هارون الرشيد غضبا و كتب على ظهر الرسالة "من هارون أمير المؤمنين
إلى نكفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون
أن تسمعه، والسلام". وكانت الحرب بينهما بعد ذلك وانتهت باذلال النكفور
وهزيمته ودفعه الجزية وهو صاغر مرة أخرى .
ولما تخلت الأمة في وقتنا الحالي عن مصدر عزها حل بها ما حل من بلايا
وأمراض وذهبت هيبتها وكرامتها وتجمع عليها الأعداء من كل مكان وأصبحت قصعة
تتداعى عليها الأكلة من كل مكان .
ولقد حدث ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من ألف وأربعمائة
عام وهو يحذرنا من خمسة أمور مهلكات وفى هذا يقول صلى الله عليه وسلم " يا
معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر
الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم
تكن مضت في أسلافهم الّذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا
بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا
منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد
رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم
تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم"

أخرجه ابن ماجه والحاكم والبزار والبيهقى والألباني في السلسلة الصحيحة عن
بن عمر. مما يظهر لنا من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يحذر
المهاجرين وليس التحذير خاصا بالمهاجرين بل يشمل الأمة كلها فالعبرة بعموم
اللّفظ لا بخصوص السبب,


أولي
هذه التحذيرات: ظهور الفاحشة : وقد ظهرت الفاحشة في واقعنا حيث الاختلاط
بين الشباب والبنات فى الجامعات وغيرها الذى نتج عنه الزنا بالعين وبالشم
وباللمس حتى انتهت بولوج الفرج فيما حرّم الله وكثر ما يسمونه بالزواج
العرفي وفى حقيقته هو زنا ونادت امرأةٌَ بتقنين تصريح للزنا و بيوت
الدِّعارة ,ظهرت الفاحشة علي القنوات وأصبح التحدي لله ورسوله جهارا نهارا
وصدق فيهم قول النبي صلي الله عليه وسلم{كل أمتي معافى إلا
المجاهرين000}وتناسوا قول الله تعالى (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشةً
وساء سبيلا) سورة الإسراء.
وأغمضوا أعينهم عن قوله تعالى ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا
فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون),(وقل للمؤمنات يغضضن من
أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) سورة النور0
ألم يعلموا أن الله سبحانه وتعالى قد حرم هذا وأوعد عليه من فعله بالعقاب
والنكال قال تعالى ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس
التى حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماًً يضاعف له
العذاب يوم القيامه ويخلد فيه مهانا"الفرقان0
لقد ظهرت الفاحشة وأعلن بها حتى بلغ عدد أولاد الزنا عشرين ومائة ألف في
مصر وكانت الثمرة أن ظهرت الأمراض والأوجاع التي لم تكن فى أجدادنا و
أسلافنا فظهر الإيدز والسيلان والزهري والسرطان إلى آخره وكلما اكتشف علاج
لمرض ظهر مرض آخر وكل هذا وغيره بسبب التعدي على أمر الله ورسوله0
وفى الثانية:يحذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من عاقبة تطفيف المكيال
والميزان الّذين قد نها الله عنهما حيث صور الله لنا حال من يطفف المكيال
والميزان فهم يطففون الكيل والميزان عند البيع أما عند الشراء فيستوفون
حقهم وزيادة وعن هولاء يقول تعالي (ويل للمطففين, الذين إذا اكتالوا على
الناس يستوفون, واذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون, ألا يظن أولئك إنهم مبعوثون,
ليوم عظيم, يوم يقوم الناس لرب العالمين) سورة المطففين0
ومن عظم هذه الرذيلة أن بعث الله شعيبا ينهي قومه عنها عليه السلام قال
تعالى ( وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ولا
تنقصوا المكيال والميزان إنى أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط
)سورة هود0
فلما أعرضوا عن نبيهم وأصرّوا على عصيانهم أحل بهم ما حل بأسلافهم ,
قال تعالى ( ولما جاء أمرنا نجّينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمه منا وأخذت
الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ,كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا
لمدين كما بعدت ثمود)سورة هود0
وتحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يظهر فى عاقبة هذه المعصية
حيث ظهر القحط واشتدت المئونة على الناس وجار السلاطين والملوك والرؤساء
ومات الناس بالجوع والعطش والصومال ليست عنا ببعيد كما استعبد السلاطين
الناس,
وظلموهم فأخذوا أموالهم بغير حق وقتلوا فيهم وفعلوا ما فعلوا وثورات الربيع العربى خير دليل على ذلك ,
وفى الثالثه: يحذر النبي صلى الله عليه وسلم من منع الزكاة وأمر بتأديتها
إلي أهلها وصرفها في مصارفها الشرعية وأخبر أن عاقبة

هذا الوبال أن الله يمنع
المطر أن ينزل ولولا رحمة الله سبحانه وتعالى بنا لهلكنا ومن رحمة الله أننا نرزق بضعفائنا ومن الضعفاء هذه البهائم العجماوات
فانظر إلى خسة هذا الأمر أنك ترزق بسبب البهيمة وفى هذه نكتة أن الله سبحانه وتعالى يرفع البلاء بالضعفاء والصالحين كما في الحديث« لولا عباد لله تعالى ركع ، وصبية رضع ، وبهائم
رتع ، لصب عليكم العذاب صبا ،
قال القاضي أبو بكر : إسناده حسن , و الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم 3/96 ويقول النبي صلي الله عليه وسلم(هل تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ) . صحيح البخاري في كتاب الجهاد باب من استعان بالضعفاء 3/1061 برقم 2739 .
بل إن النبي{ صلى الله عليه وسلم} كان إذا أراد أن يبعث بسرية أمر أصحابه
ألا يختاروا الأبطال و الشجعان بل عليهم أن يخلطوا بين الضعفاء والفرسان
ولذا أوصي رسول الله{ صلى الله عليه وسلم }زيداً بن حارثة قائلا(إذا
بعثت سرية فلا تتنقاهم وأقنطهم فإن الله عز وجل ينصر القوم بأضعفهم)انظر
من كنوز التراث بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث للحافظ الجليل نور الدين
على بن أبى بكر الهيثمى0

وفى
الرابعة: يخبر النبي{ صلى الله عليه وسلم} عن عاقبة نقض عهد
الله وعهده{ صلى الله عليه وسلم}وهو تسليط أعداء الإسلام على المسلمين
بالاحتلال كما فعل اليهود بفلسطين والجولان والأمريكان بالعراق وأفغانستان
وغيرها ..........
وكل هذا بسبب العهود التى يعطوها لبعضهم البعض ثم ينقضونها0
وفى الخامسة : تظهر عاقبة تحكيم التشريعات التى تضاد ما شرع الله سبحانه
وتعالى حيث ينزع الله الخير من قلوب الناس ويكره بعضهم بعضاًً وهذا لأنهم
ارتضوا بحكم الجاهلية وتركوا شرع ربِّ البرية قال تعالى (وأن احكم بينهم
بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله
إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وانّ كثيرا من
الناس لفاسقون ,أفحكم الجاهليه يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون
)سورة النور.

فما نزل بلاء بالأمة إلا بذنب ولن يرفع إلا بتوبة نصوحا صادقة قال تعالى
(وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون)سورة النور