التقييم : 3 نقاط : 360954 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: حكم لعن الكفار عموماً *(1) الأحد مايو 19, 2013 1:57 am | |
| حكم لعن الكفار عموماً *(1) د.سليمان الغصن
أولاً: مفهوم اللعن. (1) اللعن في اللغة: اللعن هو الطرد والإبعاد من الخير"([1](2)). قال في لسان اللسان:ولعنه يلعنه لعنا: طرده وأبعده.. واللعن التعذيب.. واللعنة: الدعاء عليه، واللعنة في القرآن العذاب، ولعنه الله يلعنه لعناً عذبه، واللعين: المخزي المهلك"([2](3)). فظهر من ذلك أن اللعن يطلق على الطرد والإبعاد من الخير سواء كان ذلك بالفعل ومنه التعذيب. أو كان بالقول كالدعاء على الشخص باللعن، أو إظهار خزيه وسبه وشتمه. (2) اللعن في الشرع: اللعن في الشرع قريب من معناه في اللغة والتعريف المشهور لـه هو: "الطرد والإبعاد عن رحمة الله". قال في النهاية: "أصل اللعن: الطرد والإبعاد من الله، ومن الخلق، السب والدعاء"([3](4)). وقال الحافظ ابن حجر: "اللعن الدعاء بالإبعاد من رحمة الله تعالى"([4](5)). وقال في تيسير العزيز الحميد". "قالوا: اللعنة: البعد عن مظان الرحمة ومواطنها، قيل واللعين والملعون، من حقت عليه اللعنة، أو دعي عليه بها"([5](6)). وقد يطلق اللعن ويراد به السب والشتم والتنقص والعيب للشخص، ويشهد لذلك الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله r: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه"، قيل يا سول الله: وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: "يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه"([6](7)). ففي هذا الحديث فسر النبي r اللعن بالسب، والسب هو الشتم وهو قبيح الكلام([7](8)). فدل على أن اللعن قد يطلق ويراد به السب والشتم([8](9))، وقد يطلق ويراد به الدعاء على الشخص أو الطائفة مطلقًا ولو بغير لفظ اللعن، ويدل على ذلك حديث أبي هريرة t قال: قيل يا رسول الله: ادع على المشركين. قال: "إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة"([9](10)). فالدعاء على الغير قد يسمى لعنًا وإن لم يكن بلفظ اللعن. وهذا المعنى قد يفهم أيضًا من كلام بعض السلف ومن ذلك ما بوب به الهروي في كتابه ذم الكلام بقولـه: "باب لعن المحدِثين والمتكلمين والمخالفين" وذكر فيه "ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحـدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقًا لمن غير بعدي"([10](11)). كما أن لفظ اللعن قد يراد به محض السب وقد يراد به معناه الأصلي الذي هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله([11](12)). والذي يتحصل من معاني اللعن وإطلاقاته أربعة: (1) اللعن على سبيل الإخبار بالطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى كقولك: إن الله لعن الكافرين، أو الكفار ملعونون. (2) اللعن على سبيل الدعاء بالطرد والإبعاد عن رحمة الله وهذا يأتي بعدة صيغ مثل: لعن الله فلاناً، أو فلان عليه لعنة الله، أو اللهم العن فلاناً، ونحو ذلك. (3) اللعن على سبيل الدعاء لا على إرادة معنى الطرد والإبعاد عن رحمة الله بل لمطلق السب والشتم كقول القائل: فلان عليه لعنة الله، أو لعنة الله على فلان، ونحو ذلك مما يقصد به قائله مجرد السب والدعاء على الشخص دون استحضار المعنى الخاص للعن. (4) التعبير باللعن عن السب والشتم والدعاء على الشخص المعين أو الطائفة المعينة بغير لفظ اللعن. مثل قول: فلان قاتله الله، أو أخزاه الله، أو أهلكه الله، أو اللهم انتقم من فلان، أو اللهم عليك بالطائفة الفلانية، أو فلان السفيه الحقير، ونحو ذلك من أنواع السب والشتم والدعاء، فهذا قد يعبر عنه بأنه نوع من اللعن. فتبين مما سبق أن اللعن قد يراد به نفس لفظ اللعن وقد يراد به عبارات السب والشتم، كما أن لفظ اللعن قد يراد به معناه الأصلي الذي هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى، وقد يراد به مطلق السب والشتم والتنقص والدعاء على الشخص. والله أعلم. ثانياً: خطر اللعن: ليس من صفات أهل الإيمان أن يكون الشخص لُعَنة – أي كثير اللعن للناس([12](13))- فالمؤمن لا يكون لعّانًا كما قال الرسول r: "ليس المؤمن باللعان، ولا الطعان، ولا الفاحش ولا البذيء"([13](14)). وكثير اللعن حري بأن يقع لسانه في لعن من لا يستحق فيعرض نفسه للعقاب والوعيد، وقد بيَّن النبي r شيئاً من عقوبة اللعانين يوم القيامة بقوله: "لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة"([14](15)). قال الإمام النووي: "فيه الزجر عن اللعن، وأن من تخلق به لا يكون فيه هذه الصفات الجميلة، لأن اللعنة في الدعاء يراد بها الإبعاد من رحمة الله تعالى وليس الدعاء بهذا من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم، والتعاون على البر والتقوى، وجعلهم كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وكالجسد الواحد، وأن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فمن دعا على أخيه المسلم باللعنة، وهي الإبعاد من رحمة الله تعالى فهو في نهاية المقاطعة والتدابر- إلى أن قال-: هذا الذم في الحديث إنما هو لمن كثر منه اللعن لا لمرة واحدة ونحوها، ولأنه يخرج منه أيضاً اللعن المباح، وهو الذي ورد الشرع به..." ([15](16)). وقد نهى النبي r عن التلاعن بلعنة الله فقال: "لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار"([16](17))، ومن شدة قبح التلاعن بين المسلمين أن جعل النبي r لعن المؤمن كقتله كما في الحديث: "ومن لعن مؤمناً فهو كقتله"([17](18)). ومعناه "أنهما سواء في أصل التحريم، وإن كان القتل أغلظ"([18](19)). وقال النووي: "لأن القائل يقطعه عن منافع الدنيا وهذا يقطعه عن نعيم الآخرة، ورحمة الله تعالى، وقيل معنى لعن المؤمن كقتله في الإثم، وهذا أظهر"([19](20)). وقال الحافظ ابن حجر في معناه: "أي لأنه إذا لعنه فكأنه دعا عليه بالهلاك"([20](21)). ومن خطورة اللعن بغير حق أن اللعنة ترجع على قائلها، ويبوء بإثمها، ويصير في عداد الفاسقين كما في الحديث الذي يقول فيه الرسول r: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"([21](22)). وفي الحديث الآخر: "لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك"([22](23)). وفي حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- أن رسول الله r قال: "وإنه من لعن شيئاً ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه"([23](24)). ومن تربية النبي r العملية لأمته في تحذيرهم من إطلاق اللعن بغير حق حتى ولو كان في حق الدواب ما رواه عمران بن حصين قال: بينما رسول الله r في بعض أسفاره، وامرأة من الأنصار على ناقة، فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله r فقال: "خذوا ما عليها ودعوها، فإنها ملعونة". قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس، ما يعرض لها أحد([24](25)). قال النووي: "إنما قال هذا زجراً لها ولغيرها، وكان قد سبق نهيها ونهي غيرها عن اللعن، فعوقبت بإرسال الناقة والمراد النهي عن مصاحبته لتلك الناقة في الطريق"([25](26)). ومما سبق يتبين لنا خطورة إطلاق اللسان باللعن بغير حق وبغير علم، وأن ذلك سبب للوقوع في الإثم والاتصاف بصفات الفاسقين، والحرمان من صفات الصديقين والصالحين، كما قال r: "لا ينبغي لصديق أن يكون لعاناً"([26](27)) كما تبين أن اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة، وكل ذلك زاجر لأهل الإيمان عن إطلاق ألسنتهم بهذا الخلق المشين، أو الاتصاف بهذا الوصف القبيح. ثالثاً: اللعن المخرج من الملة: هناك أنواع من اللعن تخرج صاحبها من الملة ومن ذلك: لعن الله – سبحانه وتعالى – أو أحد من ملائكته ورسله أو دينه، فهذا كله موجب لردة صاحبه وكفره، ومن أدلة ذلك: قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} (الأحزاب، الآية 57). وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(التوبة، الآية 61). ومعلوم أن اللعن من أعظم الإيذاء والسب. قال القاضي عياض: "لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم"([27](28)). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية فيمن سب الله تعالى: فإن كان مسلماً وجب قتله بالإجماع لأنه بذلك كافر مرتد، وأسوأ من الكافر([28](29)). وقال ابن قدامة: "من سب الله تعالى كفر، سواء كان مازحاً أو جاداً"([29](30)). وأما سب نبينا محمد r فقد قال الإمام أحمد: "كل من شتم النبي r أو انتقصه – مسلماً كان أو كافراً – فعليه القتل([30](31)). وقال ابن المنذر: "أجمع عوام أهل العلم على أن حد من سب النبي r القتل". وقال إسحاق بن راهوية: "أجمع المسلمون على أن من سب الله أو سب رسوله r .. أنه كافر بذلك، وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله"([31](32)). وقال القاضي عياض: "أجمعت الأمة على قتل منتقصه من المسلمين وسابه"([32](33)). ونقل القاضي عياض عن محمد بن سحنون قوله: أجمع العلماء أن شاتم النبي r المنتقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر([33](34)). ويذكر شيخ الإسلام أن تكفير المسلم والحكم بقتله إذا سب النبي r هو مذهب الأئمة الأربعة وعامة أهل العلم([34](35)). والحكم في سب سائر الأنبياء كالحكم في سب نبينا محمد r([35](36)) وكذلك الحكم في سب الملائكة أو أحد منهم. يقول القاضي عياض: "وحكم من سب سائر أنبياء الله تعالى وملائكته واستخف بهم أو كذبهم فيما أتوا به أو أنكرهم وجحدهم حكم نبينا r على مساق ما قدمناه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} (النساء الآيات: 150-151) ([36](37)). وبهذا ندرك خطورة اللعن، وأن الشخص قد يخرج من الملة بكلمة يقولها ولو كان مازحاً. حكم لعن الكفار عموماً جاء الشرع بلعن الكفار عمومًا كما قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا} (الأحزاب: 64). وقال تعالى: {فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِين}َ (البقرة من الآية: 89). وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ} (البقرة من الآية: 161). كما جاء اللعن لبعض أصنافهم ومن ذلك قولـه تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} (المائدة: 78). وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء} (المائدة من الآية: 64). وفي الحديث يقول الرسول r: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"([37](38)). وكان المسلمون يلعنون الكفار في قنوتهم كما جاء عن عمر t أنه كان يقنت بعد الركوع ويقول في دعائه" اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين"([38](39)). وروى مسلم عن خفاف بن إيماء قال: ركع رسول الله r ثم رفع رأسه فقال: "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله، وعصية عصت الله ورسوله، اللهم العن بني لحيان، والعن رعلا وذكوان" ثم وقع ساجداً. قال خفاف: فجعلت لعنة الكفرة من أجل ذلك([39](40)). وصح أن أبا هريرة t كان يقنت في الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح، فيدعو للمؤمنين، ويلعن الكفار([40](41)). وقد تواتر النقل عن السلف الصالح بلعن الكفار عموماً لا سيما في رمضان كجحدهم الحق، وعداوتهم للدين وأهلـه([41](42)). فلعن الكفار إجمالاً جائز سواء علق اللعن بوصف الكفر، أو بصنف من أصنافهم كاليهود والنصارى ونحو ذلك، وقد حكى بعض العلماء الإجماع على ذلك. قال ابن الملقن في شرحه لحديث: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". "فيه لعن اليهود والنصارى غير المعينين وهو إجماع"([42](43)). وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عن رجل لعن اليهود ودينهم، فقال: "إن لعن دين اليهود الذي هم عليه في هذا الزمان فلا بأس به في ذلك، فإنهم ملعونون هم ودينهم…"([43](44)). ولعن الكفار عموماً أو بعض أصنافهم لا يخلو من إحدى حالتين: الحالة الأولى: أن يكون على سبيل الإخبار. الحالة الثانية: أن يكون على جهة الدعاء عليهم. فإن جاء اللعن للكفار عموماً, أو بعض أصنافهم, في سياق الإخبار عن حالهم، فهذا سائغ وجائز لأنه موافق لما جاء في الخبر عن الله تعالى وعن رسوله r في لعنهم، فمن أخبر عن ذلك بقوله لعن الله الكفار أو اليهود أو النصارى، فهو صادق في إخباره، لموافقته للشرع وللواقع، فالكفار عموماً ملعونون ومطرودون من رحمة الله ومأواهم النار وبئس القرار كما قال تعالى: {اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (المائدة: 37). لكن لا يصح الإخبار عن طائفة من الكفار المعينين الأحياء بأن الله تعالى لعنهم؛ لأن هذا الإخبار تعبير عن المآل، وهؤلاء الأحياء لا تعلم خاتمتهم، فقد يتوبون ويسلمون، وقد علق الله تعالى لعن الكفار بموتهم على الكفر كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين}َ (البقرة: 161). فالطائفة من الكفار الأحياء لا يعلم هل طردهم الله تعالى وقضى عليهم بالإبعاد من رحمته، أم أنه كتب لهم حسن الخاتمة، ولهذا ينبغي لمن أراد لعن الأحياء من الكفار على معنى الإخبار بلعن الله لهم أن يقيد ذلك بالوفاة على الكفر فيقول مثلاً: إن الله تعالى لعن من يموت على الكفر. قال الغزالي "فإن في اللعنة خطراً؛ لأنه حكم على الله –عز وجل- بأنه قد أبعد الملعون، وذلك غيب لا يطلع عليه غير الله تعالى، ويطلع عليه رسول الله r إذا أطلعه الله عليه"([44](45)). وأما الحال الثانية وهي لعن الكفار عموماً أو بعض أصنافهم على معنى الدعاء عليهم كقول القائل: اللهم العن الكفار أو اليهود أو النصارى أو لعنة الله عليهم ونحو ذلك، فهذا لا يخلو من أمور: فإن كان المدعو عليهم باللعنة من الكفار أمواتاً فالدعاء عليهم باللعنة تحصيل حاصل؛ لأن الله تعالى قد أخبر بلعنهم. وأما إن كان المدعو عليهم باللعن أحياءً فهذا ينبني حكمه على حكم الدعاء على الكفار إجمالاً. وبتدبر النصوص الشرعية لا نجد دعاء على الكافرين عموماً ومطلقاً إلا ما جاء عن نوح –عليه الصلاة والسلام- فيما ذكره الله تعالى بقوله: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا {71/26} إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} (نوح: 26-27). قال بعض العلماء: إنما دعا نوح – عليه السلام- بهذا لما أوحى إليه أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، كما قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُون}َ(هود: 36). وقد روى الطبري في تفسيره بسنده عن قتادة في قولـه تعالى: {رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}(نوح من الآية: 26). قال: "أما والله ما دعا عليهم حتى أتاه الوحي من السماء {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} (هود: 36)، فعند ذلك دعا عليهم نبي الله نوح فقال: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا {71/26} إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} ([45](46)) ( نوح: 26-27). وهناك قول آخر وهو أن نوحاً –u- دعا على قومه بعد استعجالهم عذاب الله تعالى فيما قصه الله تعالى عنهم في قولـه: {قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ} (هود: 32-33)، فبعد استعجالهم دعا عليهم نوح-u- ثم أوحى الله تعالى إليه بعد ذلك بعدم إيمان من لم يؤمن فقال: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}([46](47)) (هود: 36). فدعوة نوح -u- كانت بعد علمه بعدم إيمانهم، أو بعد يأسه من إيمانهم، وظهور عنادهم واستكبارهم واستعجالهم العذاب ففي الدعاء عليهم والحالة هذه انتصار منهم، وعظة لمن بعدهم، وإنذار وتحذير للمستكبرين بحلول العقوبة بالمخالفين، والانتقام من المعاندين. ويقرب من دعوة نوح -u- دعوة موسى -u- على فرعون وملئه كما ذكر الله تعالى ذلك بقوله: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} (يونس: 88). قال الحافظ بن كثير: "هذا إخبار من الله تعالى عما دعا به موسى عليه السلام على فرعون وملئه لما أبوا قبول الحق واستمروا على ضلالهم وكفرهم معاندين جاحدين ظلماً وعلواً وتكبراً وعتواً... وهذه الدعوة كانت من موسى - عليه السلام- غضباً لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبين له أنهم لا خير فيهم، ولا يجيء منهم شيء كما دعا نوح عليه السلام...." ([47](48)). وقال القرطبي: "استشكل بعض الناس هذه الآية فقال: كيف دعا عليهم وحكم الرسل استدعاء إيمان قومهم، فالجواب أنه لا يجوز أن يدعو نبي على قومه إلا بإذن من الله، وإعلام أنه ليس فيهم من يؤمن ولا يخرج من أصلابهم من يؤمن، دليله قول نوح -u-" {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} (هود من الآية: 36)، وعند ذلك قال: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} ([48](49)) (نوح من الآية: 26). وأما نبينا محمد r فبتأمل سيرته وأحواله نجد أنه لم يدع على الكفار عموماً، وإنما جاء عنه الدعاء على بعضهم لأسباب معينة. فقد دعا على الأحزاب وعلى المشركين وعلى مضر وعلى قريش كما روى البخاري بسنده عن ابن أبي أوفى - رضي الله عنهما- قال: دعا رسول الله r على الأحزاب فقال: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب وزلزلهم"([49](50)). وفي رواية: دعا رسول الله r يوم الأحزاب على المشركين فقال: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم"([50](51)). وفي رواية أنه دعاء عليهم بقوله: "ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً، شغلونا عن صلاة الوسطى"([51](52)). وفي حديث أبي هريرة t في دعاء قنوت النبي r في صلاة العشاء وفيه: "اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف"([52](53)). وفي حديث ابن مسعود t أن رسول الله r لما آذته قريش دعا عليهم فقال: "اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش"([53](54)). قال ابن العربي المالكي: "ودعا النبي r على من تحزب على المؤمنين وألب عليهم، وكان هذا أصلاً في الدعاء على الكفار في الجملة"([54](55)). وعلق النووي على الحديث الذي فيه دعاء النبي r بنقل حمى المدينة إلى الجحفة([55](56)) فقال: "فيه دليل للدعاء على الكفار بالأمراض والأسقام والهلاك"([56](57)). ومما سبق يمكن أن نلحظ ما يلي: (1) أن الرسول r لم يدع على الكفار دعوة عامة تشمل جميعهم. (2) أن الرسول r دعا على بعض أصناف أو طوائف أو قبائل من الكفار لأسباب معينة كفعلهم لمحرم أو صدهم عن واجب أو أذيتهم للمؤمنين. (3) أن عامة الدعاء على الكافرين المنقول عن الرسول r إنما كان لكف شرهم وإزالة بأسهم، وكسر شوكتهم، وتعذيبهم بما يردعهم، ولم يظهر من دعواته r رغبته في بقائهم على الكفر، وموتهم عليه. (4) أنه لم ينقل عنه r دعاء على الكافرين المسالمين لمجرد كفرهم. (5) أنه r امتنع من الدعاء على بعض المشركين كما في حديث أبي هريرة t قال: قيل يا رسول الله: ادع على المشركين، قال: "إني لم أُبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة"([57](58)). بل إنه في بعض الأحوال كان يدعو لهم ليتألفهم كما روى البخاري عن أبي هريرة t: قدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي r فقالوا: يا رسول الله إن دوساً عصت وأبت، فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس، قال: "اللهم اهد دوساً وائت بهم"([58](59)). وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقولـه: "باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم". وعلق الحافظ بن حجر على ترجمة البخاري وقولـه: "ليتألفهم" بأن هذا من فقهه وأنه أشار إلى "الفرق بين المقامين، وأنه r كان تارة يدعو عليهم، وتارة يدعو لهم، فالحالة الأولى حيث تشتد شوكتهم، ويكثر أذاهم... والحالة الثانية حيث تؤمن غائلتهم، ويرجى تألفهم كما في قصة دوس"([59](60)). وقال الحافظ بن حجر في موطن آخر: "وحكى ابن بطال أن الدعاء للمشركين ناسخ للدعاء على المشركين، ودليله قولـه تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} (آل عمران: ) قال: والأكثر على ألا نسخ، وأن الدعاء على المشركين جائز، وإنما النهي عن ذلك في حق من يرجى تألفهم ودخولهم في الإسلام، ويحتمل في التوفيق بينهما أن الجواز حيث يكون في الدعاء ما يقتضي زجرهم عن تماديهم على الكفر والمنع حيث يقع الدعاء عليهم بالهلاك على كفرهم"([60](61)). وبناء على هذا فإنه يمكن أن يقال بأن لعن طائفة من الكفار الأحياء أو صنف منهم على معنى الدعاء عليهم باللعن لا يخلو من حالين: الحال الأولى: جواز اللعن: على معنى الدعاء عليهم بما يزيل بأسهم ويمحق قوتهم، ويكف شرهم، ويذيقهم من العذاب ما يشغلهم به عن أذية المسلمين وعن التطاول على الدين، ويوقعهم في الذل والصغار، فهذا جائز في حق من طغى وبغى، واستكبر واعتدى، ولعن هؤلاء داخل في الانتصار للدين ولعباد الله المؤمنين، وهذا المعنى ظاهر فيما سبق نقله عن عمر بن الخطاب t حيث كان يلعن في قنوته الكفار الذين يصدون عن سبيل الله ويدعو عليهم، وعلى هذا المعنى يحمل ما جاء عن أبي هريرة t وغيره من لعن الكفار، ويشهد لذلك حديث أنس بن مالك t أن النبي r قنت شهراً يلعن رعلا وذكوان وعصيه([61](62)). وفي رواية: "قنت شهراً يدعو على أحياء من العرب ثم تركه"([62](63)). قال النووي: "فيه جواز لعن الكفار وطائفة معينة منهم"([63](64)). والحال الثانية: عدم اللعن: وهذا في حق المسالمين، ومن يُسعى في تأليفه وترجى هدايته، فهؤلاء لا يلعنون لما في لعنهم من استعدائهم، ونفورهم ولعدم المصلحة من ذلك، ويدل لذلك حديث: "اللهم اهد دوسا"، وحديث: "إني لم أبعث لعانا" وحديث: "أسلم سالمها الله"([64](65)). فالدعاء يكون على العتاة والظلمة الأشرار والمستكبرين والمعاندين للحق دون المسالمين. قال الحافظ ابن حجر: "إن الدعاء على المشركين بالقحط ينبغي أن يخص بمن كان محارباً دون من كان مسالماً"([65](66)).
(1)هذا البحث جزء من كتاب مطبوع بعنوان "أحكام لعن الكافرين وعصاة المسلمين- دراسة عقدية" لفضيلة الشيخ د. سليمان الغصن. طبع دار كنوز إشبيلية بالرياض. وسيليه نشر بقية المباحث تباعاً بإذن الله تعالى. (2) الصحاح للجوهري مادة لعن (6/2186). وانظر ترتيب القاموس (4/151). (3) لسان اللسان مادة "لعن" (2/509) باختصار. (4) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (4/220). (5) فتح الباري (10/571). (6) تيسير العزيز الحميد (ص190). (7) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب باب لا يسب الرجل والديه برقم (5973). (8) انظر لسان اللسان (1/568، 652) مادة "سبب" و"شتم" وترتيب القاموس (2/672). (9) انظر القول المفيد على كتاب التوحيد (1/226). (10) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6613). (11) رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب في الحوض، برقم (6583، 6584)، وانظر ذم الكلام للهروي (ص284-289). (12) انظر فتح الباري (12/89). (13) انظر لسان اللسان (1/509) مادة "لعن" والصحاح (6/2196) مادة "لعن". (14) رواه أحمد (1/416) والترمذي في أبواب البر والصلة، باب ما جاء في اللعنة برقم (1977) وحسنه، وصححه الألباني كما في صحيح الترمذي (2/189). (15) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6610). (16) شرح مسلم للنووي (16/114-115) باختصار. (17) رواه الترمذي في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في اللعنة برقم (1976) وقال حديث حسن صحيح. (18) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب باب ما ينهى عن السباب واللعن برقم (6047). (19) شرح مسلم للنووي (1/294). (20) شرح مسلم للنووي (16/114). (21) فتح الباري (10/572). (22) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب باب ما ينهى عن السباب واللعن برقم (6044)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (221). (23) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب باب ما ينهى عن السباب واللعن برقم (6045). (24) رواه الترمذي في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في اللعنة برقم (1978) وقال حسن غريب. (25) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6604). (26) شرح مسلم للنووي (16/113). (27) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6608). (28) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/1047). (29) الصارم المسلول ص390. (30) المغني (12/298). (31) أحكام أهل الذمة (2/205). (32) انظر: الصارم المسلول ص7. (33) الشفا (2/926). (34) الشفا (2/935). (35) انظر: الصارم المسلول ص7. (36) انظر: الصارم المسلول ص404. (37) الشفا (2/1097). (38) رواه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي r وأبي بكر وعمر –رضي الله عنهما- برقم (1390) ومسلم في كتاب المساجد برقم (1186). (39) رواه البيهقي في سننه، كتاب الصلاة، باب دعاء القنوت (2/210-211). (40) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (1544). (41) رواه البخاري في كتاب الأذان باب (126) برقم (797)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (1558). (42) انظر: شرح السنة للبغوي (3/132)، وتفسير ابن كثير (1/313)، وتفسير القرطبي(2/185). (43) الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (4/508). (44) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (35/200). (45) إحياء علوم الدين (3/111). (46) تفسير الطبري (23/308) وروى نحوه عن الضحاك كما ذكره في تفسير سورة هود(12/391)، وانظر تفسير القرطبي (18/268)، وأحكام القرآن لابن العربي (4/312). (47) انظر تفسير الطبري (12/390-391) وتفسير ابن كثير (4/718). (48) تفسير ابن كثير (4/694-695) باختصار. (49) تفسير القرطبي (8/334). (50) رواه البخاري في كتاب الدعوات، باب الدعاء على المشركين برقم (6392). (51) رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة برقم(2933). (52) رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة برقم(2931). (53) رواه البخاري في كتاب الدعوات، باب الدعاء على المشركين برقم (6393)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (1542). (54) رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة برقم(2934). (55) أحكام القرآن لابن العربي (4/312). (56) رواه مسلم في كتاب الحج برقم (1375). (57) شرح مسلم للنووي (9/503). (58) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6613). (59) رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم برقم (2937). (60) فتح الباري (6/134). (61) فتح الباري (11/234). (62) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم: (1552). (63) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم: (1554). (64) شرح مسلم للنووي (4/304). (65) رواه البخاري في كتاب المناقب باب ذكر أسلم وغفار برقم (3513)، ومسلم في كتاب الفضائل برقم (6358). (66) فتح الباري (2/627).
| |
|