منتديات اهل الحق
مرحبا بكم في منتدياتنا منتديات اهل الحق و أرجو من زائرنا العزيز أن يجد كل ما يبحث عنه من مواضيع و برامج ......وشكراا...
منتديات اهل الحق
مرحبا بكم في منتدياتنا منتديات اهل الحق و أرجو من زائرنا العزيز أن يجد كل ما يبحث عنه من مواضيع و برامج ......وشكراا...
منتديات اهل الحق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  
آيـــــات الشفاء في القرآن الكريم إن هذه الآيات تجتمع في كل آية فيها كلمة شفاء و تقرأ بترتيب المصحف فقد قال العلماء أن في هذا استعانة بكلام الله على الشفاء و خصوصا بالنسبة للأمراض التي لا تقدر عليها أسباب البشر...وهـــم:- الآية 14 من سورة التوبة: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ... صدق الله العظيم الآية 57 في سورة يونس : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ... صدق الله العظيم الآية 69 من سورة النحل : وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ... صدق الله العظيم الآية 82 من سورة الإسراء : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا... صدق الله العظيم الآية 80 من سورة الشعراء : وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ... صدق الله العظيم الآية 44 من سورة فصلت : وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ...||

 

  إخلاصُ النيّةِ للهِ تعالى قبل القول والعمل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة





التقييم : 3
نقاط : 360972
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

 إخلاصُ النيّةِ للهِ تعالى قبل القول والعمل Empty
مُساهمةموضوع: إخلاصُ النيّةِ للهِ تعالى قبل القول والعمل    إخلاصُ النيّةِ للهِ تعالى قبل القول والعمل I_icon_minitimeالخميس مايو 23, 2013 12:05 pm

الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين , والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا الكريم وبعدُ :

• قال اللهُ - عز وجل - : { ألا للهِ الدِّينُ الْخالِصُ } [ الزُّمَر : 3 ] .

- قال ابنُ كثير : أي لا يقبلُ من العملِ إلا ما أخلصَ فيه العاملُ للهِ ، وحدَه لا شريكَ له .

- وقال - سبحانه - : { ومَا أُمِرُوا
إلا لِيَعْبدُوا اللهَ مُخلِصينَ له الدِّينَ حُنَفاءَ ويُقيموا الصَّلاةَ
ويُؤتوا الزكاةَ وذلك دينُ القيِّمَةِ } [ البينة : 5 ] .


- قال البَغَويُّ : قال النضرُ بنُ
شُمَيْلٍ : سألتُ الخليلَ بنَ أحْمدَ عن قولِه : "وذلك دينُ القيمة " فقال
: " القيِّمةُ " جَمعُ القيِّمِ ، والقيِّمُ والقائِمُ واحدٌ ومَجازُ
الآيةِ : وذلك دينُ القائمين للهِ بالتوحيدِ .


- وقال الشوكانِيُّ : قال الزجَّاجُ : أي ذلك دينُ الْمِلةِ الْمُستقيمةِ .

- ويقولُ سبحانه : { قُلْ إنّ صَلاتِي
ونُسُكِي وَمَحْيايَ ومَمَاتِي للهِ ربِّ العالَمِينَ * لا شريكَ لهُ
وبذلكَ أُمِرْتُ وأنا أوّلُ الْمُسلمين } [ الأنعام : 162 , 163 ] .


• فإخلاصُ النيِّةِ سِرُّ العبوديةِ
وأساسُها , ولبُّها وقِوامُها , بِها تَميّزَ الصحابِيُّ عن المنافقِ ,
والعالِمُ الربّانِيُّ عن مُبتغي الشهرةِ شَهْوةً وأمانِي , والشهيدُ عن
قتيلِ السوءِ جُرْأةً وعُدْوانِ . فالعناية بِها إحْكامٌ لقواعدِ الأعمالِ
, وإصلاحٌ لإصداراتِ الأقوال . واللهُ لا يقبلُ العملَ إلا بشرطين ,
مُقدَّمُهما الإخلاصُ , وأنْ يوافقَ العملُ السُّنةَ .


• قال الفُضَيْلُ بنُ عِياضٍ في قوله –
تعالى - : { لِيَبْلوكمْ أيُّكم أحسنُ عملاً } قال : أخلصُه وأصوبُه .
وقال : العملُ لا يُقبلُ حتى يكونَ خالصًا صوابًا . الْخالصُ : إذا كان
لله . والصوابُ : إذا كان على السنةِ .


• والإخلاصُ هو المعركةُ الكبرى للنفس
الصادقةِ مع الهوى , التي اشتدَّ نِزالُها , وحَمِيَ وطيسُها منذ وُجِدَ
التكليفُ . وكيف لا يكون لها هذا الشأن والله يقولُ في الحديثِ القدُسِيِّ
الذي يرويه مُسلمٌ وغيرُه من حديثِ أَبِي هُرَيرَةَ , قال : قال رسولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( قال اللهُ تَبارَك وتعالَى : أَنا
أَغنى الشُّرَكاءِ عن الشِّرْكِ ؛ من عمِلَ عملاً أَشركَ فيه معي غيْرى
تركتهُ وشِرْكَهُ )) .

وفي رواية عند ابن خُرَيْمةَ : (( فأنا منهُ بريءٌ , وَلْيَلتمِسْ ثوابَه مِنهُ )) .

• يقولُ ابنُ الْجَوْزيُّ في " تلبيس
إبليس " : ( ومتى لَم يُردْ بالعملِ وجهَ اللهِ - عز وجلَّ - لَم يُقبلْ .
قال مالكُ بنُ دينار : " قولوا لِمَنْ لَمْ يكنْ صادقاً : لا تتعبْ " .

وأعلمْ أنّ المؤمنَ لا يريدُ بعملِه
إلا اللهَ - سبحانه وتعالى - وإنّما يدخلُ عليه خَفِيُّ الرياءِ
فيُلَبَّسُ الأمرَ , فنجاته منه صعبةٌ . وفي الحديثِ مرفوعاً عن يسار :
قال لِي يوسفُ بنُ أسباط : تعلموا صِحّةَ العمل من سَقمِهِ ؛ فإنِي تعلمته
في اثنتين وعشرين سنة . اهـ


• يقولُ سُلطانُ الشمّريُّ في كتابِه : ( الإخلاصُ لِمَن أرادَ الخلاصَ ) :

( نَحتاجُ إلى الحديثِ عن الإخلاص ؛
لأننا - وللهِ الْمُشتكى - قد أصابتنا جراحاتُ الذنوبِ , فمنا أسيرٌ ومنا
كسيرٌ , ومنا مقطوعٌ ومنا مسحورٌ ومنا مسمومٌ .كلٌّ لَحِقَ به ما لَحِقهُ
من آثار الذنوبِ والمعاصي والآفاتِ ؛ لِهذا نَجدُ أنّ السلفَ أنفعَ منّا
كلاماً . قيلَ لِحَمْدونِ بنِ أحْمدَ : ما بالُ كلامِ السلفِ أنفعُ من
كلامِنا ؟ قال : لأنّهم تكلموا لِعِزِّ الإسلام ونَجاةِ النفوسِ ورِضى
الرَّحْمن , ونَحنُ نتكلمُ لِعِزِّ النفوسِ وطربِ الدنيا ورضى الخلقِ .

فيا إخوانُ نَحتاجُ إلى أنْ نُراجعَ
نيّاتِنا , فنُصلحَ ما مزَّقته يدُ الغفلةِ , والشهوةِ , ونعمِّرَ منها ما
خربته يدُ البطالةِ ، ونُوقِدَ فيها ما أطفأته أهويةُ النفوسِ ,
ونُلمْلِمَ منها ما شعَّثته يدُ التفريطِ والإضاعةِ , ونستردَّ مِن
نوايانا ما نَهَبته أكفُّ اللصوص والسُّرّاقِ , ونقلعَ ما وجدناه شوكاً
وحنظلاً ، ونداويَ منها الجراحاتِ التي أصابتها من جناياتِ الريّاءِ
والشركِ , ونغسلَ منها الأوساخَ التي أصابتها بسببِ الخطايا والسيئاتِ ,
ونطهرَّها بالماءِ الباردِ من ينابيع الصدقِ , الخالصِ من جَميعِ
المكدِّراتِ , قبل أنْ يكونَ طهورها بالحميم والجحيم ؛ فإنه لا يُجاورُ
الرحْمنَ قلبٌ دنِسٌ ؛ فإن الجنةَ دارٌ طيبةٌ أعِدِّت للطيبين , وليس
للدَّنَسِ فيها مكانٌ , إنه لا يُجاورُ الرحْمنَ قلبٌ دنِس بأوساخ
الشهواتِ والريّاءِ أبدا ً.

ولابدَّ من طهورٍ ؛ إمّا هنا , وإمّا هناك , واللبيب يُؤثِرُ أسهلَ الطهورين وأنفعَهُما ) .

- وقال : ويظنُّ كثيرٌ من الناس أنّ الإخلاصَ من الأمور السهلةِ التي يستطيعُ كلُّ أحدٍ تَحقيقَها دون أدنَى مُجاهدةٍ .

والواقعُ خلافُ ذلك ، فالإخلاصُ يَحتاجُ إلى مُجاهدةٍ قبلَ العمل , وأثناءَ العمل , وبعدَ العمل .

قبل العمل : بأنْ يقصدَ بعملِه وجهَ اللهِ - عزّ وجلّ - ويُصَفيهِ عن مُلاحظةِ المخلوقين .

وأثناءَ العمل : تكونُ الْمُجاهدةُ في
الحفاظِ على هذه النيّةِ الصادقةِ ؛ فإنّ الإنسانَ قد يكونُ مُخلصاً في
ابتداءِ العمل ، فإذا دخلَ في العملِ واستقرَّ فيه ذلك , جاءه الشيطانُ
فوسوسَ له ، وزيّن له إطلاعَ الخلق على عملِه ولا حول ولا قوة إلا بالله .


وبعد العمل : تكونُ الْمُجاهدةُ برؤيةِ التقصير في العملِ , وعدم استحسانِه والعُجبِ به , واستحقاقِه الثوابَ عليه .

وقال سفيانُ الثوريُّ : ما عالَجتُ شيئاً أشدَّ عليَّ من نيَّتِي ؛ إنّها تتقلبُ عليَّ .

وقال نُعَيْمُ بنُ حَمّادٍ : ضربُ السيّاطِ أهونُ علينا من النيِّةِ الصالحةِ .
وقال الفضيلُ : تركُ العمل لأجل الناس رياءٌ ، والعملُ من أجلِ الناس شركٌ , والإخلاصُ أنْ يعافِيَكَ اللهُ منهما ) اهـ .

• قال ابنُ القيِّمِ في " المدارج " : قال صاحبُ " المنازل " : الإخلاصُ تصفيةُ العملِ من كلِّ شَوْبٍ .
أي : لا يُمازجُ عملَه ما يشوبُه مِن
شوائبِ إراداتِ النفسِ ؛ إمّا طلبُ التزين في قلوبِ الخلقِ ؛ وإمّا طلبُ
مدحِهم والْهربُ من ذمِّهم ؛ أو طلبُ تعظيمِهم ؛ أو طلبُ أموالِهم أو
خِدمتِهم ومَحبّتِهم وقضائِهم حوائِجَهُ , أو غيرُ ذلك من العِلل والشوائب
.


- وقال في " بدائع الفوائد " : الكلامُ
في مسألةِ النيةِ شديدُ الارتباطِ بأعمال القلوبِ , ومعرفةِ مراتبِها
وارتباطِها بأعمال الجوارحِ , وبنائِها عليها , وتأثيرِها فيها صِحّةً
وفساداً . وإنّما هي الأصلُ المرادُ المقصودُ , وأعمالُ الجوارح تبعٌ ,
ومكملة ومتممة , وأنّ النيةَ بِمنْزلةِ الروحِ , والعملَ بِمنزلةِ الجسدِ
للأعضاءِ الذي إذا فارق الروحَ فمَوَاتٌ , وكذلك العمل إذا لَم تصحبْهُ
النيةُ فحركةُ عابثٍ .

فمعرفةُ أحكامِ القلوبِ أهمُّ من معرفةِ أحكام الجوارح ؛ إذ هي أصلها وأحكامُ الجوارح متفرعةٌ عليها .

- وقال : ويُفرَّقُ بين النيةِ
المتعلقةِ بالمعبودِ - التي هي من لوازم الإسلام وموجَباتِه , بل هي روحُه
وحقيقته التي لا يقبلُ اللهُ من عامل عملاً بدونِها البتّةَ - وبين النيةِ
المتعلقةِ بنفس العملِ , التي وقعَ فيها النّزاعُ في بعضِ المواضعِ , ثمّ
يُعرفُ ارتباطها بالعمل , وكيف قصَدَ به تَمييزَ العبادةِ عن العادةِ ؛ إذ
كانا في الصورةِ واحداً , وإنّما يَتمَيّزانِ بالنيةِ , فإذا عدمت النية
كان العملُ عاديّا لا عباديّاً , والعاداتُ لا يُتقرّبُ بِها إلى بارىءِ
البريّاتِ وفاطر المخلوقاتِ , فإذا عَريَ العملُ عن النيّةِ كان كالأكل
والشربِ والنومِ الحيوانِيِّ البهيميِّ , الذي لا يكون عبادة بوجهٍ ,
فضلاً أنْ يُؤمَرَ به ويُرَتبُ عليه الثوابُ والعقابُ , والمدحُ والذمُّ .
وما كان هذا سبيله لَم يكن من المشروع للتقربِ به إلى الربِّ تبارك وتعالى
.


- وقال : فالنيّةُ هي سِرُّ العبوديةِ
وروحُها , ومَحلها من العمل مَحَلَُّ الروح من الجسدِ , ومُحالٌ أنْ
يُعْتَبَرَ في العبوديةِ عملٌ لا نِيّةَ معه , بل هو بِمنزلةِ الجسدِ
الخرابِ . وهذا معنى الأثرِ الْمَرويِّ موقوفا على أمير المؤمنين عمرَ -
رضي الله عنه - : لا عملَ لِمَن لا نيّةَ له , ولا أجرَ لِمن لا حِسبةَ له
. اهـ .


• وقال يحيي بنُ أبي كثير : تعلموا النيَّةَ ؛ فإنها أبلغُ من العمل [ حلية الاولياء ] .

• وقال سهلُ بنًُ عبدِ اللهِ : ليس على النفس شيءٌ أشقَّ من الإخلاصِ ؛ لأنه ليس لها فيه نصيبٌ . [ جامع العلوم والحكم ] .

• وقال يوسفُ بنُ الحسين : أعزّ شيءٍ
في الدنيا الإخلاصُ , وكم أجْتهِدُ في إسقاطِ الرياءِ عن قلبي وكأنه
ينبُتُ فيه على لونٍ آخرَ . [ مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ] .


• وقال الربيعُ بنُ خثيم : كلُّ ما لا يُرادُ به وجهَ اللهِ يَضمَحِلُّ . [ الطبقات الكبرى لابن سعد ] .

• وقال أبو سليمان الداراني : إذا أخلص العبدُ ، انقطعت عنه كثرةُ الوساوس والرياءُ . [ الرسالة القشيرية ] .

• وعن مَعْمَرٍ قال : كان يُقالُ : إنّ
الرجلَ ليَطلبُ العلمَ لِغيْرِ اللهِ , فيأبَى عليه العلمُ حتى يكونَ للهِ
. [ مصنف عبد الرزاق ] .


• وقال سفيان : ما عالجت شيئاً أشدَّ عليَّ من نيَّتي ؛ إنها تنقلبُ عليَّ . [ الحلية ] .

• وقال يوسفُ بنُ أسباط : تَخليصُ النيةِ من فسادِها أشدُّ على العاملين من طول الاجتهاد . [ الدينوري في الْمُجالسة ] .

• وقال ابن القيم : العملُ بغير إخلاص ولا اقتداءٍ كالمُسافر يملأ جِرابَه رملاً , يثقله ولا ينفعه . [ بدائع الفوائد ] .

• قال شيخُ الإسلام : النيِّةُ لَها رُكنانِ : أحدُهُما : أنْ يَنويَ العبادةَ و العملَ .

والثانِي : أنْ ينويَ الْمَعبودَ
الْمعمولَ له , فهو المقصودُ بذلك العملِ , والمرادُ به الذي عُمِلَ
العملُ من أجله , كما بيّنه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقولِه : ((
إنّما الاعمالُ بالنيّاتِ , و إنّما لكلِّ امرءٍ ما نوى , فمن كانت هجرته
إلى اللهِ ورسولِه فهجرته إلى الله و رسوله , ومن كانت هجرته إلى دنيا
يُصيبُها أو امرأةٍ يتزوجُّها , فهجرتُه إلى ما هاجرَ اليه )) . فمَيّزَ
صلى اللهُ عليه وسلم بين من كان عمله للهِ ومن كان عمله لِمالٍ أو نكاحٍ .
والذي يَجبُ ان يكونَ العملُ له هو اللهُ سبحانه وحدَه لا شريك له ؛ فإن
هذه النيةَ فرضٌ في جَميع العباداتِ , بل هذه النيةُ أصلُ جَميع الأعمال ,
ومنزلتها منها منزلةُ القلبِ من البدنِ , ولا بدّ في جَميع العباداتِ أن
تكونَ خالصةً للهِ - سبحانه - كما قال تعالى : { إنّا أنزلنا إليك الكتابَ
بالحقِّ فاعْبُدِ اللهَ مُخلِصاً له الدِّينَ * ألا للهِ الدينُ الخالصُ }

... هذه حقيقةُ الإسلامِ , وما في
القرانِ من قولِه : { اعبدوا اللهَ ولا تُشركوا به شيئاً } وقولِه : { وما
خلقتُ الجنَّ والإنسَ الا ليعبدونِ } وقولِه : { إيّاكَ نعبدُ و إيّاكَ
نستعينُ } إلى غير ذلك من الآياتِ , كلها تدلُّ على هذا الأصل , بل جِماعُ
مقصودِ الكتابِ والرسالةِ هو هذا , وهو معنى قولِ : ( لا الهَ الا اللهُ )
وهو دينُ اللهِ الذي بعث به جََميعَ الْمُرسلين .


وضِدُّ هذه النيةِ الرياءُ والسُّمْعةُ
, وهو إرادةُ أن يرى الناسُ عملَه , وأن يسمعوا ذِكرَه , وهؤلاء الذين
ذمَّهمُ اللهُ - تعالى - في قوله : { فوَيْلٌ لِلمُصَلينَ * الذين هُمْ عن
صلاتِهم ساهون * الذين هم يُراؤون } وقال : { وإذا قاموا إلى الصلاةِ
قاموا كُسَالَى يُراؤونَ الناسَ } ومَنْ صلى بِهذه النيّةِ فعمله باطلٌ ,
يَجعله اللهُ هباءً منثوراً .


والكلامُ في هذه النيّةِ وتفاصيلِها لا
يَختصُّ بعبادَةٍ دون عبادةٍ ؛ إذ الفعلُ بدونِ هذهِ النيةِ ليس عبادةً
أصلا . [ شرحُ العُمْدةِ : 4 / 577 ] .


• وقد ضربَ الصحابةُ – رضوان الله
عليهم – أروعَ الأمثلةِ في حِرْصِهم على صِدقِ النية , وخوفِهم الشديدِ من
الرياءِ , فقد روى الترمذيُّ في سُننهِ عن عُقبةَ بنِ مسلم أنّ شُفَيًّا
الأَصْبَحِيََ حَدَّثهُ :


أنهُ دخلَ الْمدينةَ فإذا هو برجلٍ قدِ
اجْتمعَ عليهِ الناسُ , فقال من هذا فقالوا : أبو هُريْرةَ . قال :
فدنوْتُ منهُ حتى قعدتُ بين يدَيهِ وهو يُحدِّثُ الناسَ , فلمّا سكت وخلا
قلت له : أَنشُدُك بِحقِّ وبِحقِّ لَمَا حدَّثتنِي حديثًا سَمِعتَهُ من
رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - عَقَلتهُ وعَلِمْتهُ . فقال أبو هريرةَ
أفعَلُ , لأُحَدِّثنَّكَ حديثًا حدَّثنيهِ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - عَقَلْتُهُ وعلِمتُهُ . ثمَّ نَشَغَ أَبُو هريرةَ نَشْغَةً [ أي :
شِهِقَ وغُشِيَ عليه / النهاية ] , فمَكثَ قليلاً ثُمَّ أفاقَ فقال :
لأحَدِّثنَّكَ حديثًا حدَّثنيهُ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في
هذا البيتِ ما معنا أحدٌ غيْرى وغيْرُهُ . ثُمَّ نَشَغَ أبو هريرةَ
نَشْغَةً أخرى ثمَّ أفاقَ فمَسحَ وجهَهُ فقال : لأُحدِّثنَّك حديثًا
حَدّثنيهِ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وأنا وهو في هذا البيتِ ما
معنا أحدٌ غيْري وغيْرُه . ثمّ نَشَغَ أبو هريرةَ نَشْغَةً أخرى ثم أفاق
ومسح وجهَه فقال : أفعلُ , لأُحَدّثنكَ حديثًا حدَّثنيهُ رسول اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - وأنا معَهُ في هذا البيتِ ما معَهُ أحدٌ غيْري
وغيْرُهُ . ثم نَشَغَ أبو هريرةَ نَشْغَةً شديدةً ثُمَّ مالَ خارًّا على
وجهِهِ فأسندتهُ عليَّ طويلاً ثُمَّ أفاق فقالَ : حدَّثني رسولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - :


(( أنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى إذا كان
يومُ الْقيامةِ ينْزلُ إِلى العبادِ لِيَقضيَ بينهمْ وكلُّ أمّةٍ جاثيةٌ ,
فأوَّلُ مَنْ يدعو به رجلٌ جَمَعَ الْقرآنَ , ورجلٌ قُتِلَ في سبيلِ
اللَّهِ , ورجلٌ كثيرُ الْمالِ , فيقولُ اللَّهُ للقارئِ : ألَمْ
أعَلّمْكَ ما أنزلْتُ على رسولي ؟ قال : بلى يا ربِّ . قال : فماذا
عمِلْتَ فيمَا عُلِّمْتَ ؟ قَالَ : كنتُ أقومُ به آناءَ الليل ِوآناءَ
النَّهارِ .


فيقولُ اللَّهُ لهُ :كذبْتَ , وتقولُ
له الملائكةُ :كذبتَ ويقولُ اللَّهُ لهُ : بلْ أردْتَ أنْ يُقالَ : إنّ
فُلاَناً قارئٌ , فقدْ قِيلَ ذاكَ . ويُؤتى بصاحِبِ الْمالِ فيقولُ
اللَّهُ لهُ : ألَمْ أوَسِّعْ عليك حتى لَمْ أدعكَ تَحتاجُ إلَى أحدٍ ؟
قالَ : بلى يا رَبِّ . قالَ : فماذا عَمِلتَ فيما آتيتُكَ ؟ قالَ : كنتُ
أصِلُ الرَّحِمَ وأتصدَّقُ .


فيقولُ اللَّهُ لهُ :كذبْتَ , وتقولُ
لهُ الْملائكةُ : كذبْتَ , ويقولُ اللَّه تعالَى : بلْ أردتَ أنْ يُقالَ
فلانٌ جوادٌ , فقدْ قِيلَ ذاكَ .

ويؤتَى بالذي قُتِلَ في سبيلِ اللَّهِ
, فيقولُ اللَّهُ لَهُ : في ماذا قُتِلتَ ؟ فَيَقُولُ : أُمِرْتُ
بالْجِهادِ في سبيلِكَ فقاتلتُ حتى قتِلْتُ .

فيقولُ اللَّهُ تَعَالَى لهُ : كذبْتَ
, وتقولُ لهُ الْملائكةُ : كذبْتَ , ويقولُ اللَّهُ : بلْ أردْتَ أنْ
يُقالَ فُلانٌ جرىءٌ , فَقَدْ قِيلَ ذاكَ )) .

ثُمَّ ضربَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - على رُكبتِى فقال : (( يا أبا هُريرةَ , أُولئِكَ الثَّلاثةُ
أوَّلُ خلقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهمُ النَّارُ يومَ القيامةِ )) .

- وقالَ الوليدُ أبو عُثمانَ :
فأخبرنِي عُقبةُ بنُ مُسلمٍ أنَّ شُفَيًّا هو الذي دخلَ على مُعاوِية
فأخبرهُ بِهذا . قال أبو عثمانَ : وحدّثنِي العلاءُ بنُ أبي حكيمٍ أنَّه
كانَ سَيَّافًا لِمُعاويةَ , فدخلَ عليهِ رجلٌ فأخبرهُ بِهذا عنْ أَبي
هُريرةَ فقالَ مُعاويةُ : قَدْ فُعِلَ بِهؤلاءِ هذا , فكيف بِمنْ بقيَ من
الناس . ثُمَّ بكى مُعاويةُ بُكاءً شديدًا حتَّى ظننَّا أنهُ هالِكٌ ,
وقلنا : قد جاءنا هذا الرَّجلُ بِشرٍّ , ثُمَّ أفاقَ مُعاويةُ ومسحَ عن
وجهِه وقالَ : صدقَ اللَّهُ ورسولهُ : {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ
فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الآخِرَةِ
إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ } [ هود : 15 ] .

[ رواه الترْمِذيُّ , وصحَّحّه الألبانِيُّ . والحديثُ في " مسلم " دونَ قصّةِ أبِي هُريرة ومعاوية ] .
- إذا كان هذا حالُ الصَّحابِيَّيْنِ
الْجَليليْن معَ هذا الحديثِ , فماذا يقولُ مَن لَمْ يبلغْ نعلا أبِي
هُريرة ومُعاويةَ , ولا شُسْعَهُما ؟ اللهم إنّا نسألك السلامة .


• يقولُ الشيخُ ابنُ باز – رحمهُ اللهُ – في شرحِه لحديثِ : (( إنما الأعمال بالنيات )) :

هذا حديثٌ عظيمٌ ، قال بعضُ أهلِِ العلمِ : إنه نِصفُ الدِّين ؛ لأنّ الشرعَ نِصفان: نصفٌ يتعلقُ بالقلوبِ , ونصفٌ يتعلق بالظاهر .
وهذا يتعلقُ بالقلوبِ ، والشرائِعُ
الأخرى تتعلق بالظاهر ؛ الصلاة والزكاة والصيام وغيرُ ذلك ممّا يتعلق
بالظاهر ، مع ما في القلوب . فهذا يتعلق بالقلوب وأنه هو الأساس ، ما في
القلبِ هو الأساسُ ، لو صلى وهو لم ينوي الصلاة , أو صام ما نوى الصيامَ ,
أو زكى ما نوى الزكاة , أو حجّ ولا نوى الحجّ , فعلَ أعماله من غير نية
وغير ذلك ، لا تصيرُ عبادة ، لابد من النية .


" إنما الأعمال بالنيات " هذا حصرٌ ، وله شواهدُ ، وهو حديثٌ فردٌ لكن له
شواهدُ:
مثلُ حديثِ (( لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية )) فذكرَ النية .
ومثلُ قولِه - صلى الله عليه وسلم – :
(( إن اللهَ لا ينظرُ إلى صُوَرِكم ولا إلى أموالِكم , ولكن ينظرُ إلى
قلوبِكم وإلى أعمالِكم )) .

وهناك أدلة كثيرة تدلّ إلى عِظمِ شأن القلبِ , وما يتعلق بالقلبِ ، لكن هذا الحديثُ خُصَّ بهذا . .
(( إنما الأعمال بالنيات )) يعني صِحّة
وفساداً , وقبولاً وردّاً ، وعِظمُ الثوابِ وقلةِ الثوابِ حَسَبِ ما في
القلوبِ من الإخلاصِ للهِ , والصِدْقِ والرغبةِ لما عندَ اللهِ وما يترتبُ
على ذلك .

(( وإنما لكل امرئ ما نوى )) ليس له
إلا ما نوى ، فمن نوى بعبادتِه وجه َ اللهِ فله ما نوى , وإن نوى رياءَ
الناس فله ما نوى ، وهذا يُوجبُ الإخلاصَ في الأعمال وأنّ المؤمنَ يُلاحظُ
قلبَه في كلِّ أعمالِه ؛ إذا صلى إذا صام إذا اتبعَ الجنازةَ , إذا عاد
مريضاً , إذا باع واشترى , إلى غير ذلك ، يكون له نية صالحة فى تصرفاتِه
وأعماله يريد وجهَ الله والدارَ الآخرةَ , يريدُ ما أحَلَّ اللهُ , وتركَ
ما حَرّمَ اللهُ , يريدُ الأجرَ في كذا وكذا , وهكذا ، فيتبع الجنازة
يريدُ الأجرَ , لا رياءً ولا سُمعة ، يصلي يريدُ وجهَ الله ، يصومُ يريدُ
وجهَ الله ، يؤدي الزكاة يريدُ وجهَ اللهِ ، إلى غير ذلك .

قال بعضُهم : إنه شطرُ الدِّين كما
تقدم , والشطرُ الآخرُ حديثُ عائشة : (( مَنْ أحْدثَ في أمرنا هذا ما ليس
منه فهو ردٌّ )) , (( من عَمِل عَملاً ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ )) هذا
يتعلق بالأمرِ الظاهر , والحكمِ الظاهر , وأنه لا بدَّ من موافقةِ الشرع ,
فالدينُ ينقسمُ قسمين : - قسمٌ يتعلق بالنيةِ ، وفيه حديثُ عمرَ .

- وقسمٌ يتعلقُ بالظاهرِِ , وفيه حديثُ
عائشة , وما جاء فى معناه مِمّا يتعلق بالتحذير من البدع , وأنْ لابدَّ من
أن تكونَ الأعمالُ على وَفْقِِ الشرع .

شرطُ العمل أمران : :
- أن يكونَ للهِ .
- وأن يكونَ مُوافقاً للشرع . .
فالذي للهِ داخلٌ في قولِه : (( شهادة
أنْ لا إله إلا الله )) ، والذي مُوافقٌ للشرع داخلٌ في (( شهادة أن
محمداً رسول الله )) فلا بدّ أن يكونَ العملُ موافقاً لِـ ( لا إله إلا
الله ) وموافقاً لِشهادة ( أن محمداً رسول الله) يكونُ فيه الإخلاصُ ,
ويكونُ فيه الموافقة للشرع ، هذه داخلة في جميع أنواع العبادةِ ، جميع
التعبّدات ، إنْ كانت لغير صارتْ شِرْكاً ، وإن كانت على غير الشريعةِ
صارت بدعة ، فلا بدّ في العمل الذي يتقربُ به الإنسان ويتعبدُ به ، لا بدّ
أن يكونَ لله ولا بدّ أنَ يكون موافقاً للشريعةِ , كما قال تعالى { فمَنْ
كان يرجو لقاءَ ربِّه فليَعْمَلْ عملاً صالحاً} هذه موافقةُ الشرع { ولا
يُشركْ بعبادةِ ربِّه أحداً } هذا الإخلاصُ ، لابدّ أنْ يوافقَ الشرعَ ,
ولا بدّ أنْ يكونَ للهِ وحدَه .

ولا تكونُ الأعمالُ صالحةً ولا زاكيةً ولا مقبولة إلا بالشرطين ، أن تكونَ للهِ وأنْ تكونَ موافقة للشريعة . اهـ

* و قال ابن عثيمين في شرحِه لهذا الحديث :

الأعمالُ جمعُ عمل ، ويشملُ أعمالَ القلوبِ وأعمالَ النطقِ ، وأعمالَ الجوارحِ ، فتشملُ هذه
الجملةُ الأعمالَ بأنواعِها .
فالأعمالُ القلبيةُ : ما في القلبِ من الأعمالِ : كالتوكل على الله ، والإنابةِ إليه ، والخشيةِ منه وما
أشبهَ ذلك .
والأعمالُ النطقيّة : ماينطِقُ به اللسانُ ، وما أكثرَ أقوالِ اللسانِ ، ولا أعلمُ شيئاً من الجوارحِ أكثرَ
عملاً مِنَ اللسان ، اللهمّ إلا أنْ تكونَ العينُ أو الأذنُ .
والأعمالُ الجوارحيّةُ : أعمالُ اليدين والرِّجلين وما أشبهَ ذلك .
( الأعمالُ بِالنيّاتِ ) النيّات : جمعُ نِيّةٍ وهي : القصدُ .
وشرعا ً: العزمُ على فِعْلِ العبادةِ تقرّباً إلى الله – تعالى - ومَحَلها القلبُ ، فهي عملٌ قلبيٌّ
ولاتعَلقَ للجوارحِ بها .
( وإنّما لِكلِّ امرئٍ ) أي : لكلِّ إنسانٍ مَا نوى , أي : ما نواه .
وهنا مسألةٌ : هل هاتان الجملتان بمعنىً واحدٍ ، أو مختلفتان ؟
الجوابُ : يجبُ أنْ نعلمَ أنّ الأصلَ في الكلام التأسيسِ دون التوكيدِ .
ومعنى التأسيس : أنّ الثانيةَ لها معنىً مستقلٌّ .
ومعنى التوكيد ُ: أنّ الثانية بمعنى الأولى .
وللعلماءِ - رحمهم الله - في هذه المسألةِ رأيان :
يقولُ أولهما : إنّ الجملتان بمعنىً واحدٍ ، فقد قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم – ( إنّما الأعمالُ
بالنيّاتِ ) وأكد ذلك بقولِه : ( وإنّما لكلِّ امرئٍ ما نَوَى ) .
والرأيُ الثاني يقولُ : إنّ الثانيةَ غيرُ الأولى ، فالكلامُ من بابِ التأسيسِ , لامن بابِ التوكيدِ .
والقاعدةُ : أنّه إذا دار الأمرُ بين كونِ الكلامِ تأسيساً أو توكيداً , فإننا نجعلُه تأسيساً ، وأنْ نجعلَ
الثاني غيرَ الأوّلِ ؛ لأنك لو جعلت الثاني هو الأوّلَ صار في ذلك تكرارٌٌ يحتاجُ إلى أنْ نعرفَ
السببَ .
والصوابُ : أنْ الثانيةَ غيرُ الأولى ، فالأولى باعتبارِ المَنوي , وهو العملُ . والثانية باعتبارِ
المَنْوي له , وهو المعمولُ له ، هل أنتَ عَمِلتَ لله , أو عملت للدّنيا . ويدُلُّ لهذا مافرّعَه عليه
النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في قولِه : ( فمَنْ كانت هِجْرته إِلَى اللهِ ورسولِه فهجْرتهُ إلَى اللهِ
ورسولِه ) وعلى هذه فيبقى الكلامُ لاتكرارَ فيه .
والمقصودُ من هذه النيةِ تمييزُ العاداتِ من العباداتِ ، وتمييزُ العباداتِ بعضِها مِن بعض .
وتمييزُ العاداتِ من العباداتِ مثاله :
أوّلا : الرجلُ يأكلُ الطعامَ شهْوةً فقط ، والرجلُ الآخرُ يأكلُ الطعامَ امتثالاً لأمرِ اللهِ - عزّ وجلَّ –
في قولِه : { وكلوا واشْرَبُوا } ( الأعراف : الآية 31 ) فصارَ أكلُ الثاني عبادةً ، وأكلُ الأوّلِ
عادةً .
ثانياً : الرجلُ يغتسلُ بالماءِ تبردا ً، والثاني يغتسلُ بالماءِ من الجَنابةِ ، فالأولُ عادةٌ ، والثاني
عبادةٌ ؛ ولهذا لوكان على الإنسان جَنابة , ثم انغمسَ في البحر للتبردِ ثم صلى فلا يُجْزئه ذلك ؛
لأنه لابدّ من النية ، وهو لم ينوِ التعبّدَ , وإنما نوى التبرّدَ .
ولهذا قال بعضُ أهلِ العلمِ : عباداتُ أهلِ الغفلةِ عاداتٌ ، وعاداتُ أهلِ اليَقظةِ عباداتٌ .
عباداتُ أهل الغفلةِ عاداتٌ , مثاله : مَنْ يقومُ ويتوضأ ويصلي ويذهبُ على العادةِ .
وعاداتُ أهل اليقظةِ عباداتٌ مثاله : مَن يأكلُ امتثالاً لأمر اللهِ ، يريدُ إبقاءَ نفسِه ، ويريدُ التكففَ
عن الناس ، فيكونُ ذلك عبادةً . ورجلٌ آخرُ لبس ثوباً جديداً , يريدُ أنْ يترفعَ بثيابه ، فهذا
لايؤجرُ ، وآخرُ لبسَ ثوباً جديداً يريدُ أنْ يُعَرِّفَ الناسَ قدْرَ نعمةِ اللهِ عليه , وأنّه غنيٌّ ، فهذا
يُؤجرُ . ورجلٌ آخرُ لبس يومَ الجُمُعةِ أحسن ثيابه ؛ لأنه يومُ جُمُعةٍ ، والثاني لبس أحسن ثيابه
تأسِّياً بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فهو عبادة .
تمييزُ العبادات بعضِها من بعضٍ مثاله :
رجلٌ يُصلي رَكعتين يَنوي بذلك التطوعَ ، وآخرُ يُصلي ركعتين ينوي بذلك الفريضةَ ، فالعملان
تمَيّزا بالنيةِ ، هذا نفلٌ وهذا واجبٌ ، وعلى هذا فقِسْ .
إذاً المقصودُ بالنيّة : تمييزُ العباداتِ بعضِها من بعضٍ ؛ كالنفل مع الفريضةِ ، أوتمييز العباداتِ
عن العاداتِ .
واعلمْ أنّ النيّة محلها القلبُ ، ولايُنطقُ بها إطلاقا ؛ لأنك تتعبّدُ لِمَن يعلمُ خائنةَ الأعيُن وما تخفي
الصدورُ ، واللهُ - تعالى - عليمٌ بما في قلوبِ عبادِه ، ولست تريدُ أنْ تقومَ بين يديِِ مَن لايعلمُ
؛ حتى تقولَ : أتكلمُ بما أنوي ليعلمَ به ، إنما تريدُ أنْ تقفَ بين يَدَيِ من يعلمُ ما توسوسُ به نفسُك
ويعلمُ مُستقبلك وماضيك وحاضرَك . ولهذا لم يَرِدْ عن رسول اللهِ ولاعن أصحابه - رضوانُ اللهِ
عليهم - أنهم كانوا يتلفّظون بالنيّةِ ؛ ولهذا فالنّطقُ بها بدعة يُنهى عنه ؛ سرّاً أو جهراً ، خلافاً لمَن
قال مِن أهل العلم : إنه يُنطق بها جهراً ، وبعضُهم قالَ : يُنطقُ بها سِرّاً ، وعللوا ذلك من أجل أن
يطابقَ القلب اللسان .
يا سبحان الله ! أين رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عن هذا ؟ لوكان هذا من شرع الرسولِ
- صلى الله عليه وسلم - لفعله هو وبيّنه للناس .
-
وهنا مسألة : إذا قال قائلٌ : قولُ المُلبّي : لبّيْكَ اللهمّ عمرةً ، ولبّيْكَ حجّا ، ولبّيك اللهمّ عمرة
وحجّا ، أليس هذا نطقا بالنّية ؟
فالجوابُ : لا ، هذا مِن إظهار شعيرةِ النُّسكِ ؛ ولهذا قال بعضُ العلماءِ : إنّ التلبية في النسكِ
كتكبيرةِ الإحرام في الصلاة ، فإذا لم تلبِّ لم ينعقِدِ الإحرامُ ، كما أنه لو لم تكبرْ تكبيرة الإحرام
للصلاةِ ما انعقدتْ صلاتك .
ولهذا ليس من السنّة أن نقولَ ما قاله بعضُهم : اللهمّ إني أريدُ نسُكَ العمرةِ ، أو : أريدُ الحجَّ
فيسّره لي ؛ لأن هذا ذِكرٌ يحتاجُ إلى دليل , ولادليلَ . إذاً اُنكِرُ على من نطق بها ، ولكن بهدوءٍ
بأن أقولَ له : يا أخي هذه ما قالها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابُه ، فدعْها .
فإذا قال : قالها فلانٌ في كتابهِ الفلانيِّ ؟
فقلْ له : القولُ ما قالَ اللهُ - تعالى -ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
( وإنّما لكلِّ امْرئٍ ما نَوَى ) هذه هي نيّة المعمولِ له . والناسُ يتفاوتون فيها تفاوتاً عظيماً، حيث
تجدُ رجلين يصلّيان بينهما أبعدُ ممّا بين المشرق والمغربِ , أو ممّا بين السماءِ والأرضِ في
الثوابِ ؛ لأن أحدَهما مُخلصٌ ؛ والثاني غيرُ مُخلصٍ .
وتجدُ شخصين يطلبان العلمَ في التّوحيدِ ، أو الفقهِ ، أو التفسير ، أو الحديثِ ، أحدُهما بعيدٌ من
الجنّة , والثاني قريبٌ منها ، وهما يقرآن في كتابٍ واحدٍ وعلى مدرّسٍ واحدٍ . فهذا رجلٌ طلب
دراسةَ الفقهِ من أجلِ أن يكونَ قاضياً , والقاضي له راتبٌ رفيعٌ , ومرتبة ٌرفيعة ، والثاني درس
الفقهَ من أجل أن يكونَ عالماً مُعلماً لأمةَِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - فبينهما فرقٌ عظيمٌ .
قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( مَنْ طَلَبَ عِلمَاً وهو مِمّا يُبْتغى بِه وجهُ اللهِ لا يُريدُ إِلا أنْ
يَنالَ عَرَضاً مِنَ الدّنْيا لمْ يَرِحْ رائِحةَ الجنّةِ ) أخلِصِ النية للهِ عزّ وجلّ .
ثم ضرب النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مثلاً بالمهاجر فقال :
( فمَنْ كانت هِجرتهُ ) الهجرة في اللغة : مأخوذةٌ من الهَجْرِ , وهو التركُ .
وأمّا في الشرع فهي : الانتقالُ من بلدِ الكفر إلى بلدِ الإسلام .
وهنا مسألة : هل الهجرة واجبة أو سنة ؟
والجوابُ : أنّ الهجرةَ واجبة على كلِّ مؤمنٍ لايستطيعُ إظهارَ دينِه في بلدِ الكفرِ ، فلا يتمُّ إسلامُه
إذا كان لايستطيعُ إظهارَه إلا بالهجرةِ ، وما لايتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ . كهجرةِ المسلمين
من مكةَ إلى الحبشةِ ، أو من مكة إلى المدينةِ .
( فمَنْ كانت هِجْرتهُ إلى اللهِ ورسولِهِ فهجرتهُ إلَى اللهِ ورسولِهِ ) كرجل انتقلَ من مكة قبلَ الفتح
إلى المدينةِ يُريدُ اللهَ ورسولَه ، أي : يُريدُ ثوابَ اللهِ ، ويريدُ الوصولَ إلى اللهِ , كقولِه تعالى :
{ وإنْ كنتنَّ تردْنَ اللهَ ورسولَهُ } (الأحزاب : الآية29 ) إذاً يريدُ اللهَ : أي يريدُ وجهَ اللهِ ونُصرَةَ
دينِ اللهِ ، وهذه إرادة حسنة .
ويريدُ رسولَ الله : ليفوزَ بصُحْبتِه ويعملَ بسنتِه ويُدافعُ عنها ويدعو إليها , والذبَّ عنه ، ونشرَ
دينِه . فهذا هجرته إلى الله ورسولِه ، واللهُ - تعالى - يقولُ في الحديث القدسيِّ : ( مَنْ تقرَّبَ إليَّ
شِبْراً تقرَّبْتُ إلَيه ذراعًا ) إذا أرادَ اللهَ ، فإنّ اللهَ - تعالى - يكافئهُ على ذلك بأعظمَ ممّا عمل .
وهنا مسألة : بعدَ موتِ الرسول - صلى الله عليه وسلم هل يمكن أن نهاجر إليه عليه الصلاة
والسلامُ ؟
والجوابُ : أمّا إلى شخصِه فلا ؛ ولذلك لايُهاجَرُ إلى المدينةِ من أجل شخصِ الرسول - صلى الله
عليه وسلم - ؛ لأنه تحت الثرى .
وأما الهجرة إلى سنّتِه وشرعِه - صلى الله عليه وسلم - فهذا مِمّا جاء الحث عليه وذلك مثلُ :
الذهابِ إلى بلدٍ لنصرةِ شريعةِ الرسول , والذَوْدِ عنها . فالهجرة إلى اللهِ في كلِّ وقتٍ وحينٍ ،
والهجرة إلى رسول اللهِ لشخصِه وشريعتِه حالَ حياتِه ، وبعدَ مَماتِه إلى شريعتِه فقط .اهـ

• وعلى العبد أن يستعين الله تعالى على
عبادته , ويتوكل عليه في أدائها , فهذا من أنفع الأمور التي تعين على
الإخلاص , يقول ابن القيم في كتابه " الفوائد " :


- التوكّلُ على اللهِ نوعان : أحدُهُما , توكلٌ عليه في جلبِ حوائجِ العبدِ
وحظوظِهِ الدنيويةِ , أو دفع مكروهاتِه ومصائبِه الدنيويةِ .
والثانِي : التوكلُ عليه في حُصولِ ما
يُحِبّه هو ويرضاهُ , من الإيِمانِ واليقينِ والجهادِ والدعوةِ إليه .
وبين النوعين من الفضل ما لا يُحصيهِ إلا اللهُ , فمتى توكّلَ عليه العبدُ
في النوعِ الثانِي حقّ توكلهِ كفاهُ النوعَ الأوّلَ تَمامَ الكفايةِ .

ومتي توكل عليه في النوع الأولِ دون الثانِي , كفاه أيضاً , لكن لا يكونُ له عاقبةُ الْمُتوكلِ عليه فيما يُحبِّهُ ويرضاهُ .
فأعظمُ التوكّلِ عليه التوكلُ في
الْهِدايةِ وتَجريدِ التوحيدِ ومُتابعةِ الرسولِ وجهادِ أهلِ الباطلِ ,
فهذا توكلُ الرسُلِ وخاصَّةِ أتباعِهم .


• ومن الأمور التي تُعينُ على الإخلاصِ
أنْ يَعلمَ العبدُ أنّ الناسَ لا ينعفعون ولا يضرّون , فلا يرجو منهم
ثوابا , ولا يَخشى عِقابا , وأن يَستحضِرَ دائماً قولَه – صلى الله عليه
وسلم - :

(( واعلمْ أنّ الأمةَ لو اجتمعتْ على
أنْ ينفعوكَ بشيءٍ , لَمْ ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ لك , ولو
اجتمعوا على أنْ يضرّوك بشيءٍ لَم يضرّوك إلا بشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ عليك
)) .


• ومن الأمور التي تعينُ على الإخلاص
إخفاءُ العمل عن الخلق , وأن تَجعلَ بينكَ وبين اللهِ خبيئةً . وهذا ما
كان السلفُ حريصين عليه أشدَّ من حِرص اللحِزِ الشحيحِ على إخفاءِ مالِه
وحفظِه , وضربوا في ذلك أروعَ الأمثلة :


- قال ابنُ الجوزيِّ : ولِخوفِ الرياءِ
سَترَ الصالِحون أعمالَهم ؛ حَذراً عليها , وبَهْرَجوها بضِدِّها , فكان
ابنُ سيرينَ يضحكُ بالنهار ويبكي بالليلِ .


- وروى سليمانُ بنُ حربٍ عن حَمّادِ
بنِ زيدٍ ، قال : كان أيوبُ في مَجْلسٍ فجاءته عَبْرَةٌ فجعلَ يَمْتَخِطُ
ويقولُ : ما أشدَّ الزكامَ .

[ السير ] .

- وعن زوجة حسان بن أبي سنان قالت :
كان يجيءُ فيدخلُ في فِراشي ، ثم يُخادعُني كما تخادعُ المرأةُ صبيَّها ،
فإذا علم أني نِمْتُ سَلَّ نفسَه فخرج ، ثم يقوم فيُصلي . [ البيهقي في
شعب الإيمان ] .



- وعن محمدِ بنِ إسحاقَ : كان ناسٌ من
أهلِ المدينــةِ يعيشون ، لا يدرون من أين كان معاشُهم ، فلمّا مات عليُّ
بنُ الحسينِ فقدوا ما كانوا يُؤتَوْن به في الليل .[ حلية الأولياء ] .


- وعن حمزةَ الثمالي : كان عليُّ بنُ
الحسين يحملُ جِرابَ الخبز على ظهره بالليل ، فيتصدق به ويقولُ : إنّ
صدقةَ السرِّ تطفىءُ غضبَ الربِّ عزّ وجلَّ [ حلية الأولياء ] .


- وقال ابنُ الجوزي : كان إبراهيمُ النخَعيُّ إذا قرأ في المصحفِ فدخلَ داخلٌ غطاه .

- وقال محمد بن واسع : إنْ كان الرجلُ لَيَبْكي عشرين سنةٍ وامرأتُـــه لا تعلمُ به [ حلية الاولياء ] .

- وقال الأعمشُ : ما رأيتَ إبراهيمَ مُتطوعاً في مسجدِ قومِه .[ ابن أبي شيبة ] .

- قال النووي في " بستان العارفين " :
وعن الإمام أبِي عبدِ اللهِ مُحمدِ بن إدريسَ الشافعيِّ , بالإسنادِ
الصحيحِ , أنه قال : ودَِدْتُ أنّ الخلقَ تعلموا هذا – أي : العلمَ الذي
عنده - على أنْ لا يُنْسَبُ إليَّ حرفٌ منه .


وقال الشافعيُّ أيضاً : ما ناظرتُ أحداً قطُّ على الغلبةِ , ووَدَِدتُ إذا ناظرتُ أحداً أنْ يظهرَ الحقُّ على يديهِ .

وقال أيضا : ما كلمت أحداً قطُّ إلا أحببتُ أنْ يُوفق ويُسدّدَ ويُعاونَ ويكونَ عليه رعاية من اللهِ - تعالى – وحفظٌ .

وقال الإمامُ أبو يوسفَ , صاحبُ أبِي
حنيفةَ رحِمهُما اللهُ تعالى : أريدوا بعلمِكم اللهَ تعالى ؛ فإنّي لم
أجلسْ في مجلس قطُّ أنوي فيه أنْ أتواضعَ , إلا لم أقمْ حتى أعلوهم , ولم
أجلسْ مَجلساً قطّ أنوي فيه أن أعلوهم , إلا لم أقمْ حتى أُفْتَضحْ . اهـ


• بقيت مسألةٌ :
- إذا بدأ العبدُ عمله بنيِّةٍ خالصةٍ للهِ , وأثناءَ العمل طرأ عليه الرياءُ ؟ يُجيب ابنُ عثيمين , رحمه اللهُ :

قال : اتصالُ الرياءِ بالعبادةِ على ثلاثةِ أوجهٍ :
الوجهُ الأوّلُ : أنْ يكونَ الباعثُ
على العبادةِ مُراءاةُ الناس مِن الأصل ؛ كمَنْ قام يُصلي مُراءاةَ الناس
، مِن أجل أنْ يَمدحَهُ الناسُ على صلاتِه ،

فهذا مُبطِلٌ للعبادةِ .

الوجهُ الثانِي : أنْ يكونَ مُشاركاً
للعبادةِ في أثنائِها ؛ بِمعنى : أنْ يكونَ الحاملُ له في أوّلِ أمرِه
الإخلاصُ للهِ ، ثم طرأ الرياءُ في أثناءِ العبادةِ ، فهذه العبادة لا
تَخلو من حالين :


الحالُ الأولى : أنْ لا يرتبطَ أولُّ العبادةِ بآخرها ، فأوَّلُها صحيحٌ بكلِّ حال ، وآخرُها باطلٌ .

مثالُ ذلك : رجلٌ عندَه مائة ريال
يُريد أن يتصدق بِها ، فتصدق بِخمسين منها صدقةً خالصةً ، ثم طرأ عليه
الرياء في الخمسين الباقية فالأُولى صدقة صحيحة مقبولة ، والخمسون الباقية
صدقةٌ باطلةٌ لاختلاطِ الرياءِ فيها بالإخلاص .


الحالُ الثانيةُ : أنْ يرتبطَ أوّلُ العبادةِ بآخرها : فلا يَخلو الإنسانُ حينئذٍ مِن أمرين :

الأمرُ الأول : أن يُدافعَ الرياءَ ولا
يسكنَ إليه ، بل يُعرضُ عنه ويكرهُه ؛ فإنه لا يُؤثرُ شيئاً ؛ لقولِه صلى
الله عليه وسلم : (( إنّ اللهَ تَجاوزَ عن أمّتِي ما حدَّثت به أنفسَها ,
ما لَم تعملْ أو تتكلمْ )) .



الأمرُ الثاني : أنْ يطمئنَّ إلى هذا الرياءِ ولا يُدافعُهُ , فحينئذٍ تبطلُ جَميعُ العبادةِ ؛ لأنّ أوّلَها مُرتبطٌ بآخرها .

مثال ذلك : أن يبتدئَ الصلاة مُخلصاً
بِها للهِ تعالى ، ثم يطرأ عليها الرياءُ في الركعة الثانيةِ ، فتبطل
الصلاةُ كلها ؛ لارتباطِ أوّلِها بآخرها .


الوجه الثالث : أنْ يطرأ الرياءُ بعدُ
انتهاءِ العبادةِ , فإنه لا يؤثرُ عليها ولا يُبطلها ؛ لأنّها تّمَّت
صحيحةً , فلا تفسُدُ بِحدوثِ الرياءِ بعدَ ذلك .


وليس مِن الرياءِ أنْ يفرحَ الإنسانُ بعلمِ الناسِ بعبادتِه ؛ لأنّ هذا إنّما طرأ بعدَ الفراغ من العبادةِ .

وليس مِن الرياء أن يُسرَّ الإنسانُ
بفعل الطاعةِ ؛ لأنّ ذلك دليلُ إيِمانِه ، قال النبيُّ - صلى الله عليه
وسلم - : (( مَن سَرَّته حسنتُه وساءَتهُ سيئتُه

فذلك المؤمن )) .
[ مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ] ( 2 / 29 ، 30 ) .

• وأما مَن عمِلَ للهِ , ثم أثنى عليه
الناسُ , فهذه بُشرى له , فعن أَبِي ذرٍّ قال : قِيلَ لِرسولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - : أرأيتَ الرَّجلَ يعملُ العملَ مِنَ الْخيرِ
ويَحْمدُهُ الناسُ عليهِ ؟

قال : (( تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ )) .
[ رواه مسلمٌ وغيرُه ] .


منقول


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
إخلاصُ النيّةِ للهِ تعالى قبل القول والعمل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المرأة والأسرة والعمل.. نظرة شخصية
»  العلم النافع والعمل الصالح هما مفتاح السعادة
»  حـكم وامـثال عـن (السكوت والكلام) و (الجد والعمل)
» قصة عن الإخلااص في القول والفعل
» محبة الله تعالى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اهل الحق :: منتديات إسلامية :: الموسوعة الإسلامية-
انتقل الى: