منتديات اهل الحق
مرحبا بكم في منتدياتنا منتديات اهل الحق و أرجو من زائرنا العزيز أن يجد كل ما يبحث عنه من مواضيع و برامج ......وشكراا...
منتديات اهل الحق
مرحبا بكم في منتدياتنا منتديات اهل الحق و أرجو من زائرنا العزيز أن يجد كل ما يبحث عنه من مواضيع و برامج ......وشكراا...
منتديات اهل الحق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  
آيـــــات الشفاء في القرآن الكريم إن هذه الآيات تجتمع في كل آية فيها كلمة شفاء و تقرأ بترتيب المصحف فقد قال العلماء أن في هذا استعانة بكلام الله على الشفاء و خصوصا بالنسبة للأمراض التي لا تقدر عليها أسباب البشر...وهـــم:- الآية 14 من سورة التوبة: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ... صدق الله العظيم الآية 57 في سورة يونس : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ... صدق الله العظيم الآية 69 من سورة النحل : وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ... صدق الله العظيم الآية 82 من سورة الإسراء : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا... صدق الله العظيم الآية 80 من سورة الشعراء : وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ... صدق الله العظيم الآية 44 من سورة فصلت : وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ...||

 

 نذير القرآن لطلبة العلم والإيمان.. للشيخ محمد رجب محمد (روعة)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة





التقييم : 3
نقاط : 360522
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

نذير القرآن لطلبة العلم والإيمان.. للشيخ محمد رجب محمد (روعة) Empty
مُساهمةموضوع: نذير القرآن لطلبة العلم والإيمان.. للشيخ محمد رجب محمد (روعة)   نذير القرآن لطلبة العلم والإيمان.. للشيخ محمد رجب محمد (روعة) I_icon_minitimeالجمعة مايو 24, 2013 10:49 am

[size=25]نذير القرآن لطلبة العلم والإيمان
[/size]

لفضيلة الشيخ/ محمد رجب محمد من مشايخ الإسماعيلية الأفاضل

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله،
وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ على محمد وعلى
آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد
وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

ثم أما بعد:
فإن من أعظم مطالب
العبودية أن يطلب العبد علوم الدين، وقد جاءت النصوص المشرفة كثيرًا
لِتُبين فضل العلم وأهله؛ فطلب العلم هو أعظم أعمال العبد الصالحة؛ بل كل
قضية من الدين فهي من مسائله، وكل كسب وسعي فهو فرع عليه.

غير أن العلم كسائر
الطاعات له باب منه يُطلب، قد سُدت كلُّ الطُّرقِ إليه إلا من جهة ذلك
الباب؛ فإذا سلك إليه عبد من غير جهته ضاع وتاه.

وذلك الباب هو حُسن القصد وإخلاص النية؛ فذلك باب الطلب ومبدؤه، وصاحبه الذي لا يفارقه.
ومِن ثَمَّ كان بيان ذلك القصد ضروريًّا لسلامة ذلك الطلب؛ فحقُّ قلبِ مُريده التشوفُ بل التشوقُ لمعرفته والوقوف عليه.
وبيان هذا القصد: أن يرفع
العبد الجهل بربه عن نفسه.. أن يتعرف على مولاه.. على أسمائه وصفاته.. على
ما يليق لجلاله تعالى.. على ما يكون من جليل فعله وجميل أمره.. على شرعه
ودينه.

فرفعُ الجهلِ بربك وشرعه
عن نفسك هو القصد والباب، فسعيك إلى طلب العلم في ضلال إلا من جهته، ومآله
إلى وبالٍ إلا بتحصيله واستصحابه.

ومعرفة الله تعالى ليست
كسائر المعرفة؛ بل هو علم يستلزم تحقيقه والعمل بمقتضاه؛ فمجرد تحقيق تلك
النية من رفع الجهل بالله تعالى عن النفس لتعرف ربها، فمجرد ذلك ينهضها
للعمل،
ويلزمها موجباته.
ففي معرفة الله تعالى على
الحقيقة ترجمان الأعمال ، فمن حقق ذلك القصد ، استحالت معارفه أحوالا
طيبات ، وأعمالا صالحات ؛ بموجب الذي عرف وحصل ، وذلك معنى العلم النافع ،
الذي تحصل به تلك الغايات المشرفات. فذلك قانون الطلب وحقيقة التحصيل.

فلابد من حث القلب دوماً
على مراعاة ذلك المعنى ، خاصة حال فرح النفس بما تناله في مجالس العلم ،
ومسالك التحصيل ؛ من كلمات العلوم ، وألفاظ الفنون. فإن لم يجد القلب فيما
حصَّل ترجمان العمل بموجبها ؛ فكيف يفرح حينها ، فحقه أن يحزن ، بل يفزع ،
إذ تبين له الآن أنه ما دخل من بابه ، ولا انتظم تحت قانونه ، ولا استصحبه
في سيره ، تبين فقدان الترجمان . فلمَ يفرح بكلمات تقوم بها الحجة عليه
؟!، بل تستوجب مقت الله وعذابه ، ألم يسمع قوله
ج
: ( أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة...) فذكر منهم القارئ ، الذي
قرأ القرآن وتعلم العلم وعلمه الناس ، غير أنه دخل إلى ذلك من غير بابه ،
وقصده من غير طريقه ، بل طريق أخرى من طرق حظوظٍ للنفس من دنياها ، ما
ذاقت فيها حظوظها من الآخرة ، ما وجدت منها إعانة على تهذيبها وتزكيتها ،
فقدت فيها الترجمان ، فعادت الكلمات وكأنها معجمة ، نعم ؛ أعربها اللسان ،
لكن أعجمها القلب والعمل . ما عرف في تلك الكلمات خير ما فيها ، إنها
أشواق تحمله إلى ربه ، إنها إشارات لمعانٍ ، تنوء الألفاظ عن الوفاء بها ،
معاني حب الله تعالى والقرب منه ، والشوق إليه والأنس به ، والتوكل عليه ،
والخوف منه ، والرجاء فيه ، ما عرف في ما حصل ذلك ولا ذاقه ، ما قامت
معاني أسماء الله تعالى في قلبه ، لينهض بها قلبه ، ليطمئن بها قلبه ،
ليستريح بها قلبه ، بل ليحيا بها قلبه ، وليجد جنة دنياه بحظوظٍ من تلك
التي خبئت في آخرته ، فكأنما عُجِّل له بعضها ، وأوتاه متشابها ، ليستشعر
رحمة يتعجل بها رحمات الآخرة.

فحينئذ تصير تلك الكلمات
من جنس ما أوحى الله تعالى إلى أبينا آدم ليتوب بها عليه ، ليست مجرد
ألفاظ ، وإنما: منهاج الحياة ، وسبيل النجاة. فتشوف العبد لها ؛ واشتياقه
للظفر بها ، والسعادة والسرور بما فيها = هو عين التلقي الذي كان قبلُ من
أبيه آدم (( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه )) . فهنالك تكون الفرحة ،
وبذلك تكون فرحة القلب ، ويحق حينها لطالب العلم أن يفرح بمعارفه وعلومه ،
(( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )) ، فخاب جمعٌ
ليس فيه فضله ورحمته ، ليس فيه الحياة بذلك ، ليس فيه دلائله ، فيدخل فيه
تحصيل كلمات فُقدَ فيها تلك المعاني ، فلم تحيا به القلوب ، ولم تجدها
النفوس ، بل وقف العبد في كسبها على المداد والقراطيس ، فليت شعري كيف
يفرح العبد بذلك؟! كيف يأمن في ذلك؟! بل كيف يحيا قلبه ؟! بل كيف تنام
عينه ؟!. فاللهم بفضلِك ؛ وإلا نهلِك.

وتدبر عبد الله تلك الصورة
التي رسمتها كلمات من كلام الله تعالى ، نذيرا من النذر الأولى ، صورة من
صور الضلال عن باب التلقي وسلامة القصد ، والخروج عن قانون الطلب والتحصيل
، عسى أن تشهد فيها خسارة المآل بينا ، لتتحقق النذارة ، ويتأكد التحذير ؛
فيقول عز ثناؤه :
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ *
وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ
وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ
يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ
كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون
(لأعراف 175،176) ، فهاتان الآيتان من سورة الأعراف اللتان أمر الله U نبيه r
بتلاوتها ؛ هي نذير من الله تعالى ، رسالة تحذير لطلبة العلم وأهله ؛ بل
لجميع أهل الدين والإيمان ، فقال عز ذكره: ((واُتْلُ عليهم)) ، أي اقرأ يا
نبي الله تلك الكلمات متمهلا مرة بعد مرة ، فأمرها يستحق التمهل للتدبر
والاتعاظ. والنبي صلى الله عليه وسلم مأمور بتلاوة كل كلمة من كتاب الله
تعالى ، بل بتبليغها ،
وقد قام صلى الله عليه
وسلم ببلاغها وتلاوتها على أهل مكة وغيرهم ، كما في قوله تعالى : (( واتل
ما أوحي إليك من كتاب ربك )) ، فهذا لفظ عام يشمل تلك الآيات وغيرها ، فهو
مأمور بتلاوتها صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر العام .
لذا فأمرُ الله U لنبيه rفي هذا الآيات بذكر لفظ
الأمر بالتلاوة ؛ فقال: ((واتل)) = فيه زيادة من الاعتناء بها ، والتشديد
على تدبر ما فيها ، فكأنما تكرر الأمر بتلاوتها : مرة بكونها من الوحي
المنزل ، وثانية بكونها داخلة تحت أمر الله تعالى العام بلفظ ( اتل ما
أوحي ) ، وثالثة بتخصيص الأمر بتلاوتها. وما كان ذلك إلا للتذكير والتنبيه
على ما سيكون فيها من المعاني والعظات ، والله تعالى أعلم.

وقوله سبحانه (( عليهم ))
يعني على هؤلاء المخاطبين ، من كفار مكة أو اليهود أو من كل أحد ، وفي ذلك
اعتناء آخر ، إذ إن اللفظ قالب المعنى ، فإتيانه في موضع يعني حضور معناه
في ذات الموضع ، فكأنما أحضر المتكلمُ مدلولَ اللفظ ومعناه في سياقه ،
واللفظ هنا : ( عليهم ) ؛ ومدلوله ومعناه أشخاص المخاطَبين ، فقد أحضرهم
اللفظ في سياقه ، صاروا الآن حُضورا مشاهَدين ، ما عادوا تصوُّرًا في
الأذهان ؛ بل صار لهم في السياق كيان ، ألا ترى أنه ينتفي بذلك كلُّ توهم
أو أدنى احتمال بعدم توجه القول إليهم ؟ ، فإنَّ حذْفَ المتعلق يفيد
العموم ، فلو أتى السياق : واتل نبأ الذي ... ؛ لكان ذلك يفيد عموم
المتعلق ، أي عموم المخاطَبين ، وإن دل ظاهر الكلام على تخصيص بعضهم بتوجه
التلاوة إليه ، إلا إن ذلك يكون بالسياق أو الاعتبار ، فلا يقطع انتفاء
تحول الذهن عنه ، بل قد يلهي النفسَ السامعة المخاطَبة مثلُ ذلك الاحتمال
، تلتفت ولو لحظة عن كونها مقصودة بالكلام ، مشارًا إليها في الخطاب ، أما
الآن فهي حاضرة بشخصها في السياق ، ليذهب عنها ذلك الالتفات -ولو تلك
اللحظة- الذي يحدثه عمومٌ ما أتى به الكلام . فما عاد الآن إلا الانتباه
والتركيز في كلام خصَّها؛ ليعالج منها آفات تخفى في التعميم.

كما إن تخصيصها فيه تهديد برفع الأعذار ؛ وإيذان بقطع الإمهال.
وإذا أردت إعانة على فهم
ذلك فانظر إلى هذه المحاورة بين الخضر وموسى عليهما السلام ، فيحكي ربنا
قول الخضر فيقول عز ذكرهSad( قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا )) ثم
يقول تعالى بعدها : (( قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا )) فإن
الأمر يتضح لما اجتمع السياقان ، ففي المرة الأولى حُذف متعلق القول ،
فأفاد العموم ، ومع أن تخصيص القول لموسى عليه السلام محمول عليه الكلام ،
إلا إن ذلك بطريق المفهوم والاعتبار. فلما تكرر من موسى المخالفة ، جاء
السياق مختلفا ، ليحمل معاني زائدة عن السياق الأول ، تلك المعاني أحضرها
في ذلك المشهد حرفان : ((لك)) ، فانظر رحمك الله كيف يأتي الحرف الأول
منهما بقضية الاختصاص بتوجيه القول للمخاطب لا لغيره ، ثم يأتي الحرف
الثاني بتعيينه في السياق ، إنه موسى عليه السلام ، فما عاد التخصيص الآن
مفهوما ، وإنما هو منطوق بنص الكلام ، بطريق مباشر ، ليؤكد له الخضر عليه
السلام صدق مقالته ، مع حدَّة لم تكن في السياق الأول ، تؤذن بقطع عذر
موسى ، إذ كان المتسبب في ذلك ، فهذه معاني أربعة : تأكيد وتشديد وتهديد
واتهام ، جاءت من وراء حرفي تلك اللفظة ، في قوله تعالى ((لك)) ، لذا
أجابه موسى مقرا ؛ فقال : (( إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من
لدني عذرا )) . فما أروع ذلك !! وما أبلغه !! وسبحان من هذا كلامه.

والمقصود: إن ذكر لفظ
((عليهم)) يفيد تخصيصهم وتوجيه الاعتناء إلى ذلك المتلو لما سيكون فيه من
العبر ، وحقه في المخاطَب استدعاء كل حاسة وفكر للتدبر في تلك الآيات ،
والتنبه لما فيها ؛ إذ هو المخاطب لا غيره.

وفيه كذلك نوع اتهام ،
فهذا السياق مشعر بمعارضة استدعت مثل ذلك من التأكيد والتكرار الضمني ،
فكأن الخطاب يوبخ هؤلاء مشيرا إليهم بذلك الضمير ؛ أي ((عليهم)) ، والله
تعالى أعلم .

وفي تلك العبارة ؛ أي قوله
تعالى : ((واتل عليهم )) مشهد رحمة الله تعالى بخلقه ، وحبه للعذر سبحانه
، فإن الناس خلقه وصنعته التي خلقها لغاية العبودية ، فاجتالت كثيرا منهم
الشياطين عن تلك الغاية . فأصل محبة الله تعالى لصنعته وحبه لحصول غايتها
= كان مستدعيا لكل مظاهر الإعذار من إنزال الكتب وإرسال الرسل ، بل فوق
ذلك من المبالغة في البيان والحرص على البلاغ ، مع التمهل في المؤاخذة ،
كما في تلك العبارة.

ومنه يحسن التعبد بقوله تعالى :))
فلله الحجة البالغة )) ، إذ كيف يبقى لهؤلاء حجة بعد مثل تلك المبالغة في
البلاغ؟! ، وكيف لا يقطع كل عذر منهم بعد ذلك الاعتناء في البيان؟!.

فإنما قامت حجة الله تعالى
بالغة الكمال ؛ بمبالغة بيانها وحرص على بلاغها ، رحمةً من الله تعالى في
إمهالٍ. فكأن قيام حجة الله تعالى على خلقه ؛ وقطع أعذار من تبين لهم ،
صار آية على رحمة الله تعالى ، وعلامة على حبه لإعذار خلقه ، فتأمل ،
والله تعالى أعلم.

وقوله تعالى : (( واتل
عليهم نبأ )) زيادة أخرى في ما تقدم ؛ إذ لفظ النبأ لا يكون إلا في ما عظم
خبره ، وجل شأنه. فذلك الذي يتلى عليهم أمر جليل خطير ، فحقه منكم التنبه
والرعاية. فتأتي الكلمات متضافرة متوافقة على المعاني المتقدمة من رحمة
الله تعالى وبره بخلقه وحبه لإعذارهم ، ثم قطع تلك الأعذار بما حصل من
الاعتناء والبيان ، كما تستحث فيهم تأهبا للظفر بالعبر والعظات ؛ فيما
سيأتي من الكلام.

وقوله جل ذكره : (( واتل
عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا )) فيه سبق الله تعالى عبدَه بكل أمر ، فهو
الأول الذي لم يسبقه شئ سبحانه ، ومن أوليَّته المطلقة إيتاؤه وإعطاؤه
العبد ما طلب وسعى لتحصيله ، فطالب العلم إن حصل شيئا ؛ فمن الله تعالى
ابتداؤه ، وبأوليته سبحانه عطاؤه ، فالله تعالى هو الذي آتى كل فضل ،
وأعظم الفضل أن يؤتى العبد رزق الآخرة ، من كلام الله تعالى ومراده.

فهذا الإنسان الذي تحكي
الآيات خبره ؛ آتاه الله تعالى آياته وعلمه من كتابه ، فهو واحد من علماء
بني إسرائيل ، ويناسبه كون الضمير في ((عليهم)) يعود إلى اليهود ، باعتبار
ما سيق قبل من قصصهم وأخبارهم . والقول بأنه أمية بن أبي الصلت كذلك محتمل
، بل قوي ؛ وحينها يكون عود الضمير إلى كفار مكة أنسب.

والتناسب بين تعيين صاحب
هذا الخبر وتعيين المخاطب إليهم من جهة ما يحسن معه إقامة الحجة والاعتبار
بذكر ما يعرفه الإنسان أو يألفه ، مع التسليم باحتمال التعميم في ذلك كله،
والله تعالى أعلم.

فإن قيل فما وجه كون
الخطاب لأهل مكة بعد سياق يعرض لخبر بني إسرائيل؟! فالجواب والله أعلم :
إن الكلام عن بني إسرائيل كأنما انقطع في السياق قبل تلك الآيات بقليل ؛
فإنه لما ذكر ربنا ميثاق اليهود بقوله تعالى : (( وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ))
فهم في تلك الواقعة كحال المضطر الذي لا اختيار له إلا القبول والإذعان ،
وكيف لا والجبل معلق فوق رؤوسهم يوشك أن يدك عليهم ، فإذا بالكلام من هذا
المشهد قد راغ إلى مشهد آخر ، قريب منه ، كأنه الواسطة إليه، لينتقل
السياق إلى ذكر ميثاق الذرِّ ، بخفة وروعة لا يكاد معها ينتبه السامع لذلك
الانتقال ، فإنه لا يجد فصلا بعيدا بين المشهدين والميثاقين ، فحال اليهود
يشخصون بأبصارهم إلى الجبل فوقهم ؛قد خضعت رقابهم ليؤخذ ميثاقهم = ليوطئ
لهذا الميثاق الآخر ؛ حيث الاضطرار التام ،والإذعان المطلق ؛ إذ لا تكليف
حينها ولا اختيار ، فلا يشوش كمال الإقرار شئ ألبتة.

ثم إذا بالكلمات تنسل من
جديد ، لينسحب ذلك المشهد إلى سياق آخر ليس بالبعيد ، وإنما هو عود لأصحاب
الخطاب الأول ، إلى أهل مكة ، وكفار قريش ، فيقول تعالى : (( وكذلك نفصل
الآيات ولعلهم يرجعون )) ، فالميثاق الأول سلَّم إلى الثاني ، ثم سلَّم
ذكر الثاني إلى ما ينبغي أن يكون من الإيمان والإذعان لله تعالى ، إذ
نفوسكم أيها الكافرون مجبولة على الإيمان ، مفطورة على الإسلام ، مركوز
فيها ذلك الميثاق ، فأين تذهبون ؟! وكيف تنكرون !؟ فلا تجحدوا ذلك الذي
علمكم الله تعالى وذكركم به ، لا تعرضوا عن هدايته بعد إذ بينها لكم ، لا
تطيعوا الشيطان ؛ عدوه وعدوكم . قد فصلنا لكم الآيات وبيناها ، فلا
تخالفوا أمرها ؛ فتصيروا في وبال ، ولا تخلعوا عن أنفسكم شرفها ؛
فترَدُّوا إلى سَفال .

فالآن رحمك الله ؛ أما
ترى ذكرَ حكاية ذلك الإنسان أمرا بليغا يتمم البيان ويوضحه ، ويجلِّيه في
أذهان هؤلاء ليحذروا مغبة أن يكونوا مثله ؟!.

فإن قيل فما وجه كونه
خطابا لليهود مع كون الآيات مكية ؟! فالجواب والله أعلم : أن سورة الأعراف
جاءت لتقرر قضية الهداية والضلال ، بحسب الإيمان أو الجحود بما جعل الله
تعالى من الآيات المشاهدة والمنزَّلة. والضلال ليس محصورا فيمن أعرض عن
قبول تلك الآيات فحسب ، بل كذلك من قبِلها وصدَّق بها واتبع ما فيها زمانا
؛ ثم أعرض عنها وترك ما كان به مستمسكا. لذا افتتحت السورة بالحكاية عن
إبليس ، كيف كان في الملأ الأعلى عاملا مع العمال ، عابدا مع المتعبدين ،
فإذا به ينزع ذلك ويرفضه ، ليلحقه سخط الله تعالى ولعنته إلى يوم الدين ،
فالسورة تقرر التحذير من الضلال بعد الهدى والحور بعد الكور .

ثم تأكد ذلك في الحكاية عن
بني إسرائيل وما كان من كفرهم وعتوهم عما نهاهم الله تعالى عنه ،فناسب بعد
ذكر تلك القضية على في أمة وجماعة ، أن يأتي خبر خاص يجلِّيها ؛ فيحكي
قضية عين ؛ يتبين فيها تلخيص ما يكون في الأمم والأقوام ، فكأن تلك
الحكاية خلاصة بني إسرائيل ، وهي عنوان كل أمة يستخلفها الله تعالى فتجحد
نعمته وتكليفه ، وتدبر بعد إقبال ، وتكفر بعد إيمان .

والأمر بتلاوة ذلك على
اليهود برغم أن الآيات مكية فيه إشعار بتجاوز الحال إلى ما سيكون ، فلقد
كانت قصة الرجل في لبِّها نوعَ مجاوزة للحال ، يعني اتل عليهم الآن ؛ فإن
سمعوك ؛ وإلا فاتل عليهم فيما يأتي من الزمان. ففي ذلك إشارة ؛ كيلا يغتر
عبد بحال ، إذ العبرة في المآل ، فلتنظر عاقبة الأمور ، فلا تدري لعل الله
يحدث بعد ذلك أمرا. والله المستعان.

ولنعد رحمك الله إلى
السياق ، فقوله تعالى : ((آتيناه آياتنا )) يدل على فضل ذلك العطاء في
نفسه ، فهو علم نافع إذ كان منسوبا إلى الله تعالى. والظاهر أن ذلك العطاء
في صورة حفظ تلك الآيات ، ومعرفة هذه الكلمات ، دون أن يعمل بما فيها ، أو
يعقل عن الله تعالى معانيها ، فإن تقدير العمل أو الفهم في ذلك الموضع
خلاف الأصل ، وعليه يكون ظاهر الكلام أن الإيتاء في صورة حفظ الحروف
وتدوين الكلمات على الحقيقة ، وليس ما يستلزمه من الفهم والعمل والخشية
وغيره. وقرينة ذلك ما ذكره الله تعالى من فعل هذا الرجل ؛ فقال جل ثناؤه :
(( فانسلخ منها )) فإن تلك الآيات لم تتجاوز ظاهرها ولا ظاهره ، لم تتخلل
نفسه ، ولم يشربها قلبه ، بل ما زادت على كونها زينة وظاهرا ، مسلاخا به
تزخرف صورته ، وتستر عورته ، إلا أنه لم يرض لنفسه بذلك ، فشؤم باطنه
وفساد قصده أبى إلا التمرد على ما يحجزه ، أبى إلا أن يهتك ما يستره ،
ويرفض ما لا يألفه ، أبى ذلك في نفور شديد سريع ، يدل على ذلك حرف الفاء
في قوله تعالى : ((فانسلخ)) ، إنه ما أطاق التلبس بمسلاخ غريب طويلا ،
فسلخه عن نفسه ، ولو تحمل في سبيل ذلك المعاناة والمشقة ، لينزع عن نفسه
ذلك الذي ليس منه ، لينفصم عنه بالكلية ، يقطِّع أوشاجه منه تقطيعا ،
وكأنه ما كان يوما له أو عليه.

فانظر رحمك الله إلى ذلك
الرجل وقد انسلخ ، كما تنسلخ الحية من جلدها ، كم يكون ذلك صعبا !! ، ثم
السلخ لا يكون إلا بنزع وانفصام تام بحيث لا يتصل الجلد بالجسد مطلقا ، بل
انفصال تام ، وكشط كامل ، ، كم تراه تكلف وتعنَّى لينزع ذلك عنه ؟! ،
فالتعبير ب ((انسلخ)) لدليل على ذلك ، دليل على أن النزع كان منه ،
فالآيات لم تنسلخ هي منه ، ولم تنفصم عنه ، بل هو الذي فعل ذلك ، كم تكلف
وتعنَّى ليجد بعد ذلك الهلاك والثبور؟! ، فما أشأم ذلك !!.


وانظر رحمك الله إلى
ذلك السياق : (( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها )) ، ألا
ترى حروفه تدلك على الله تعالى ، على رحمته وفضله ، على توفيقه وخذلانه ،
على علمه وإحاطته بخلقه ، تدلك على ما يليق بالخالق ، ثم تدلك على ما يليق
بالمخلوق وما كان منه ؛ من كفر نعمة ربه ؛ ودفع أسباب النجاة عن نفسه ،
ولتشهدك في النفس ظلمَها وجهلَها ، تدلك على ذلك في إشارة واحدة ، وتقيمه
في قلبك في آن واحد . خير من الله نازل ؛ وشر من العباد حاصل ، والله
المستعان.

وتأمل قوله عز ذكره : ((
فانسلخ منها فأتبعه الشيطان )) ؛ فإن الفاء من قوله : ((فأتبعه)) لتدل على
تربص من الشيطان سابق ، فهو متأهب له ، متربص به ، لا يألو جهدا في تتبع
شأنه ، حتى إذا ما وجد منه سانحة ؛ انقض عليه منها ، لا يفوِّتها ، بل ذلك
شغل الشيطان وهمه ، لذا كان الفعل منه سريعا وفوريا ، كأنه في صورة
الاستجابة لما كان من هذا الإنسان ، وكأن فعل الإنسان ينادي عليه ، بل
يحدوه ليلحق به ، لذا قال تعالى (( فأتبعه )) ، فإنَّ (أتْبَع)[1]
يستعمله العرب فيمن أدرك ركبا ولحق بهم ؛ حتى صار منهم ، بل يدل كذلك على
سرعة وتوثب ، على سعي حثيث ، بخلاف (اتَّبَع) فإنه يستعمل في التمهل
والتروي ، كما أنه لا يستعمل في اللحاق ؛ وإنما في الرفقة ، فيقال لمن مر
عليه ركب فمضى معهم : اتَّبَعهم وتَبعهم.

فانظر رحمك الله كيف
أشهدك ذلك اللفظ تلك الصورة ، كيف ترى فيها حركة عجيبة ، مشهدا ابتدأه حمق
ذلك الإنسان وسوء فعله ، فكأنما حدا بالشيطان المترقب المتربص به ، فوثب
وانقض عليه ، ليدركه ، بعد أن كان عاجزا عن ذلك ، لا يستطيع لحاقه ،
وأنَّى له أن يدركه وقد سبقت بالعبد آيات الله تعالى ؟!، وحملته معرفته
بكتابه ؟! غير أن هذا الإنسان خلع ذلك ، فأدركه عدوه.


وقوله جل ذكره : ((
فأتبعه )) فيه إشارة كذلك إلى أن الشيطان أتبعه في كل شأنه ، انقض على
أحواله كلها ، فليس أمر من أموره إلا وقد أتبعه فيه الشيطان ، ذلك لأن
الهاء التي تدل على ذلك الإنسان جاءت لتفيد عموم كل ما يتعلق بذاته ، فليس
الأمر مقيدا بظاهره أو مخصصا بباطنه ، لم يتبعه الشيطان في أقواله مثلا
دون أفعاله ، أو في أفكاره واعتقاده دون عباداته ، بل أتبعه في عموم شؤونه
، ما ترك شأنا إلا وأدركه فيه وانقض عليه.

وفيه كذلك مشهد التأسي
والاتباع ، وهو هنا في الشر والخسران ، فإن صنيع هذا الإنسان تكرار لما
صنع إمامه إبليس من قبل ، ذلك الذي حكاه الكلام في أول السورة ، من الرد
بعد القبول ؛ والتسفل بعد التشريف. فتلك القصة هي النسخة البشرية منها ،
فذلك الإنسان اختار الشيطان قدوته ؛ واصطفاه من الخلق إماما .فبئس ما
اصطفى ، وما أشأم ما اقتفى !!.

فارجع بصرك عبد الله في
تلك السورة لتجدها قد تم أولها في آخرها ، وشد بعضها بعضا ، كالبنيان
المرصوص : من الأمر باتباع الوحي والهدى ، وبيان نماذج الخيبة والخسران ؛
بمخالفة ذلك الهدي المعصوم ، فضرب إبليس في ذلك مثلا ، ونُبِّه على مخالفة
آدم والفرق بينهما ، فإن كان لابد للعبد من غفلة ومخالفة ؛فليكن منه
التأسي بأبيه لا بعدوه ، فأصل كل خسران هو تولي الشيطان (( إنهم اتخذوا
الشياطين أولياء من دون الله )) ، والخسارة في الآخرة أخزى ؛ إذ النار
والسعير ، في مقابل الجنة والنعيم لأولياء الله ومتبعي الهدى ، ذلك الهدى
المفصل في الآيات المنزلات ، ليدل العبد على الله تعالى ، كما دلت من قبل
سنن الأرض والسماوات ، وكل ذلك بمشيئة الله تعالى وتقديره ، ثم ترتحل بنا
الكلمات إلى أزمنة بعيدة ، ومنازل مختلفة ، لنرى في بيانٍ مشاهد الأقوام
الذين كفروا بالهدى بعد البيان ، وكيف صاروا إلى الضلال والخسران ،
واستحقوا من الله عقابه ، ومنهم من آمن فآتاه الله ثوابه ، ومن هؤلاء من
ارتد بعد إيمان ، والتحق بجند الشيطان ، فتنكب طريق البشر ، ليوالي عدوهم
إبليس ، فهو شيطان في صورة إنسان ، لتلحق الآياتُ آخرَها بأولها ، وترد
خاتمتها إلى مبادئها ، ليرى المتأمل الحور بعد الكور ؛ والإقبال بعد
الإدبار = بيئةَ السورة ، التي يحيا فيها ، ويؤكد بعضها بعضا ، في نسق
بديع ، وبناء منيع ، فهل ترى من فطور ؟!!.

وتأمل رحمك الله قوله
تعالى : (( فكان من الغاوين )) ، تأمل تلك الفاء من قوله Sad(فكان)) ، فإنك
لتجد فيها معنى زائدا عما قبلها في قوله (( فانسلخ )) وقوله (( فأتبعه ))
، ففيهما ترى سرعة في ترتيب ، وخفة في تعقيب . أما تلك الفاء فإنها أفادت
ذلك وزيادة فإن الفاءات الثلاث تضافرت لتؤكد هذا ، وهذا التأكيد ما كان
يبلغ مداه بغير هذه الأخيرة. غير أن هناك فائدة أخرى ، إذ إن تلك الفاء
تجاوزت بالأول إلى الآخر ، وعبرت بالبداية إلى النهاية ، لتجعل ما كان من
ذلك الرجل سببا في غوايته وضلاله ، فإنها أنفذت فعله إلى عاقبته ، مع
النظر إلى وساطة الشيطان في ذلك.

فانظر أصلحك الله كيف
تحركت تلك الحروف في سياقها بذلك المشهد سريعا ، كلما ذكر حرف زاد به
تسارع المشهد ، حتى تم ذلك وانقضى، لترى ذلك الرجل قد تعجل هلكته ، فما
أسرع ما كان !! وما أعجل سقوطه!!.

ألا يحذر العبد بذلك ؟!؛
فإنه لا يدري لعل فعلا ينفذ به سريعا إلى هاويته دون أن يشعر. فلينظر إلى
الغواية وقد تعلقت بكسبه ، فلا يصح له احتجاج بقدر الله تعالى في ذلك
المقام ؛ بل محض الاستحقاق ، قد بانت له الحجة على نفسه بما أسلفت ، وحاق
بها ما قدمت ، وما ربك بظلام للعبيد.

وقوله جل ذكره (( من
الغاوين )) فيه تنبيه على رسوخه في الغي ، إذ بلغ فيه كمال الاتصاف ، يدل
عليه لفظ (الغاوي). بل ذلك التعبير يفيد الرسوخ من غير جهة ذلك اللفظ ،
فإنه ما كان غاويا ، بل كان من الغاوين ، أي من الطائفة المعروفة بالغي ،
إذ كانت (ال) هنا للعهد ، فهو من هؤلاء المعهود إليهم بالغي ، فإذا ذكر
الغي والغواية ؛ فهم المشار إليهم في الكلام ، المسوق بهم في التصور
والأذهان ، وما استحضروا بذكر الغي إلا لكونهم أهله ، فكأنهم احتكروه ،
فلا يوجد إلا فيهم . فكون ذلك الإنسان منهم أبلغ من انفراده عنهم. والله
تعالى أعلم.

وقوله تعالى : (( ولو
شئنا لرفعناه بها )) فيه قطع التوهم باستقلال العباد عن مشيئة ربهم جل
ذكره ، فإنهم وإن حصل منهم الأفعال ، واكتُسبت بأيديهم الأحوال = لكن ما
كان ذلك إلا مقدورا لله تعالى ، مدبرا بأمره ، فمشيئته سبحانه قاضية سابقة
غالبة ، قد أحاطهم بعلمه ، وألزمهم بقضائه ، وقهرهم بقدره ، وكل ذلك ما
كان إلا بين فضل وعدل ، إذ لا يظلم الله تعالى أحدا شيئا ، فإن جرى على
العبد مقدور مكروه ، فذلك محض عدله سبحانه ، بل قد يأتيه منه فضله تعالى
،كما قال أعرف الخلق صلى الله عليه وسلم : ( ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ،
عدل في قضاؤك ) . وقد قررت سورة الأعراف ذلك في غير موضع ، حتى صار أحد
غاياتها ؛ كما في قوله تعالى : (( كما بدأكم تعودون ، فريقا هدى وفريقا
حقت عليهم الضلالة )) ، وقوله عز من قائل : (( ونطبع على قلوبهم فهم لا
يسمعون )) ، وقوله سبحانه : (( كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين )) وقوله
حكاية عن تضرع كليمه ونبيه موسى عليه السلام ؛ مقررا ذلك: (( أتهلكنا بما
فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء )) .

فإن انقطعت أسباب
المقدمات عن نتائجها ، وحارت العقول في التوصل بالخواتيم إلى مبادئها ،
فاشهد قضاء الله تعالى في ذلك وسابق حكمه ، إذ يعلم مالا تعلم ، ويخفى
عليك مالا يخفى عليه سبحانه. فإن أَشكل المآل فرده إلى العزيز المتعال ،
عزة قاهرة ، وعلو مطلق ، فلا إله غيره ولا رب سواه.

(( ولو شئنا )) فما أعز
ذلك !!، ألفاظ من التمكُّن في غاية الممكن ، حروف ذات مكِنة من الهيمنة
والقهر، وكأن مدادها العزة والكبرياء. وكل ما يكون من الكلام على ذلك
الموضع فإنه يئط به ، لا يستطيع أن يفي بغرضه من الدلالات ، بل هي إشارات
وأمارات ، والله المستعان.

فانظر رحمك الله إلى ذلك
الحرف في قوله تعالى Sad(ولو)) ما أثقله !! ، وما أعظم أثره !! وما أخطر ما
وراءه !!. ألا ترى فيه حرمان ذلك الإنسان بركة ما أوتاه من العطاء ؟!! ،
ألا تشهده وقد حجز ذلك عنه ؟! أما تجده من وراء ذلك الذي حصل منه وكان ،
من الإدبار بعد الإقبال ، والحور بعد الكور ، والكفر بعد الإيمان ؟!!،
ألست تشهد منه حالا ترتفع ؟!، وعطاءا ينقطع ؟! أوليس لفظه يفيدك الامتناع
؟ إنه هنا امتناع الإعانة والتثبيت ، إنه الآن يعني الخذلان. فليت شعري كم
من قلوب به قطِّعت؟! ، وكم من نفوس منه فزِّعت ؟!. كم حدا في العِباد
أعمالا ؟؟! وكم أثمر في العمَّال أحوالا ؟!. كم أقلق وخوَّف ؟؟! كم أقام
القلب فما سوَّف ؟! ليَوجل في خضوع ؟! ويلجأ في خشوع ؟؟!.

فاللهم نعوذ بك من الحور بعد الكور ؛ ومن الغواية بعد الهداية ، وثبتنا بفضلك على دينك حتى نلقاك ؛ فما مِن أحدٍ يملك ذلك سواك.
وقوله عز ذكره: (( لرفعناه
بها )) فيه التنبيه على سنة التسبيب والتعليل ؛ التي جعلها الله تعالى في
أمره الكوني والشرعي ، فما من غرض إلا وله ما يحصله من الأسباب ، وذلك عام
في أغراض الدنيا والآخرة ، فالله تعالى كما خلق تلك الأسباب ، جعل قوة
فيها على تحصيل نتائجها ، فكما في الطعام قوة الشبع ، ففي الصدقة تزكية
النفس والمال ، وهكذا . غير أن هذه الأسباب بمفعولاتها لمقدورة مقهورة تحت
مشيئة الله تعالى وقضائه ، فالله الذي خلقها هو الذي أعمل فيها قوتها
وأنتج أثرها ، الله الذي أعملها ؛ وإن شاء سبحانه عطلها. فلا يقوم شئ من
المخلوقات بنفسه ، بل كل شئ بالله تعالى قيامه وشأنه كله ، ماضٍ فيه حكمه
، غالب عليه أمره ، سابق فيه قضاؤه.

فقوله تعالى (( لرفعناه ))
تجاوز لمدركات الحواس إلى مشهد الفاعل الحق ، فكل ما تدركه الأبصار فمن
ورائه مَن لا تدركه الأبصار سبحانه ، وإنما تشاهده البصائر مالكَ كل شئ
ومدبرَه ، فهو الفاعل على الحقيقة.

ففي الآيات التي أوتاها
ذلك الإنسان قوة ترفعه ، فمن شأنها أن ترفع ، والرافع على الحقيقة هو الله
تعالى ، فبيده كل رفع وخفض سبحانه. وإذا شهد العبد ذلك طمع في ربه تعالى
لا في غيره ، وحسن من القلب الرجاء فيما عنده ؛ لا ينصرف ببصره عنه إلى ما
سواه ، فهو صاحب الأمر لا شريك له سبحانه. وهو بذلك مطمئن قلبه لعدل ربه
وفضله ؛ إذ لا يظلم الله شيئا ، ولا يبخس شيئا أحدا ، ولا يضيع أحدا عملا
، تعالى منَّاً وفضلا.

ويحسن في ذلك تعبد القلب
بمأثور نبينا صلى الله عليه وسلم إذ يقول بين السجدتين Sad رب اغفر لي
وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني ) فالذي بيده كل رفع وخفض هو الله
ربه ومولاه ، فيسأله ما لا يكون عند غيره ، ولا يملكه سواه ؛ أنِ ( ارفعني
)، فإن حال العبد في السجود يلصق وجهه في الأرض ، ليتحقق اتِّضاعه
وعبوديته بالحس والمعنى ؛ناظرًا إلى علو الله المطلق. فيذكِّره حال بدنه
من الأرض بأرضية وسفلية أخرى ، من طباع نفسه وخستها، أحمال وأثقال ناء بها
ظهره ، فلا يستطيع أن يرحل ويسعى ، ولا يمكنه معها أن يترقى ويسمو ، قد
اثاقل بها إلى الأرض ، فيلجأ إلى ربه بالسؤال أن يفك أسره ويذهب عنه أثقال
طبعه وخسة نفسه ؛ ف(ارفعني).


وانظر إلى حرف اللام في
قوله (( لرفعناه )) ، فإنها تدل على قهر تلك المشيئة الإلهية، فلا غالب
لها ، ولا معارض لمقتضاها ، فإن لم يكن شئ ولم يحصل فذلك بمشيئته. بل فوق
ذلك تؤكد وقوع مشيئته بالرفع ، فهو واقع حاصل لزما إن شاء سبحانه. فكل ما
لم يحصل ويكن؛لو شاء الله تعالى لكان.

وكثيرا ما يشوش العدم على
العبد ، فلا يكمل منه التعبد بالمشيئة والقدر ، أو يقف عند اعتقاده أن عدم
شئٍ لعدم المشيئة ، وهو حق ، غير أنه وقوف عند حد المقدور للعبد ؛ مما
يحيط به ،فإن من شأن الإنسان أن يركن إلى محسوساته وماديته ، وكم زاغت
أبصار ، وأخطأت حواس ، وكذبت إدراكات !؟! . فتلك الحروف في الآية لتُشهد
العبدَ في كل عدم وجودا ، وجودَ مشيئة لله تعالى تهيمن وتقدر ، إنها لم
تشأ ، ولو شاءت لكان. صار العدم الآن واقعا وكيانا يزيد في إيمانه بربه
وقدره ، بل يشهد فيه معنى لطيفا ، يشهد فيه حياة من وراء مدركاته ،إنه
الآن يرى في العدم ما لم يكن ـ إذا أراده ربه ـ كيف يكون ، فإن كان العدم
غير مقدور للعبد أن يحيط به ، فالله تعالى أحاطه ، فتأمله ، ولعلك أن تشهد
ذلك أكثر بيانا في قوله عز ذكره (( ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا
ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين . بل بدا لهم ما كانوا
يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون )) فانظر إلى
تلك الإحاطة التامة والعلم الكامل ، فإنه سبحانه أحاط بما لم يكن وعلم ما
لو كان ماذا يكون فيه، فإنهم لو ردهم الله تعالى إلى الدنيا ـ وهذا لم
يحصل ولن يكون ـ لكان منهم التكذيب ، ليس على سبيل التوقع أو التخرص ،
وإنما علم وإحاطة الله الذي وسعت كل شئ ، كان أو لم يكن ،والله المستعان.


وقوله تعالى: (( ولكنه
أخلد إلى الأرض )) عود إلى كسب ذلك الإنسان ، وهذا من عادة القرآن ، فإنه
يربط بين كسب العبد ومشيئة الله سبحانه ، ليقوم ميزان نظر العبد في ذلك
بالقسط ؛ بلا إفراط أو تفريط .

ففي السياق ـ بعد ذكر
مشيئة الله تعالى ـ قد يتوهم العبد جبرا أو عبثا في ما يجري عليه من
الأقدار ، تعالى الله عن ذلك : فشهود فعله يرده إلى مقدماته من الإرادة
والسعي ، فعمله دليل إرادة كانت منه ، وسعي صادر عنه ، فما استشعر دفعا من
أحد ، ولا وجد من يحمله عليه ، فيذهب عن قلبه بدعة الجبر بآفاتها. وأيضا
يشهد في عمله حكمة الله تعالى في تقديره ، فإنه ما سلبه عبثا ؛ كما لم
يعطه عبثا ، بل هو الحكيم العليم ، فكل تقدير قد سبقه علمه ؛ علم محيط تام
، لا يخفى عليه شئ ، فلا يتخلف عنه شئ ، فكل كائن فبما سبق علمه كان ، فإن
سلب العبد فبما علم منه ، إذ علمه سابق.

وهذا الرجل سلبه الله
تعالى عطاءه بشؤم قصده ، وفساد طويته ، فإنه ما عرف إلا الحياة الدنيا ،
وما أراد غيرها ، فلما أعطاه الله تعالى وعلمه ، أجرى ذلك على مراده وطبعه
، فلم يبرح أرضه ، وأبى أن تسمو تلك الآيات به ، لقد اثاقل إلى الأرض ،
فكأنما شد وثاقه إليها ؛ فهو منجذب لها لا يستطيع فراقها ، لا يجد لقدميه
موضعا إلا عليها ، لذا قال ربنا تعالى (( أخلد إلى الأرض )) يعني ركن
إليها ، توهم الخلود فيها ، لم يرتفع بصره عنها ؛ فلم ترتفع به الآيات.
لعله جهل أن تلك الآيات علوية ، تأتيه من السماء ، أو لعله عرف فأرادها
سفلية طينية على شاكلته فأبت عليه حتى فارقها ، بل أبى الله ذلك وغار
سبحانه على آياته ، فهي علوية مبدءًا ومآلا ، ترتقي بصاحبها عن تلك الدنيا
، التي عبر عنها السياق فقال (( إلى الأرض )) يعني في مقابلة السماء ، أي
العلو وما يليق به ، فالأرض كناية عن كل سفلية ودنيوية في مقابلة العلوية
والسمو . وفيه إشارة إلى أن نوازع الخير والهمة التي تزكيه وتسمو به مدد
من الله تعالى يلائم الروحية التي فيه ، كما أن نوازع الشر والفتور تقعد
به وترده إلى الطينية التي فيه ، فلا تسمح بأن يزكو ويعلو ، بل ما زالت
طباع نفسه أثقالا تمنعه من ذلك ، فتشده إلى الأرض ، ليصير حاله فيها كحال
الموتى ؛ بل شر منه ، إذ إنه مقبور بروحه ، والموتى مقبورون بأجسادهم.

ثم يأتي الكلام بلازم ما
ذكرنا ؛ فيقول عز من قائل: (( أخلد إلى الأرض واتبع هواه )) ، فمن أخلد
إلى الأرض لاشك في اتباعه الهوى والشهوات ، فكأنهما متلازمان لا ينفكان ،
فركونه إلى طباع نفسه السفلية لا يجدي معه إرشاد ولا معونة ، ولا ينفع فيه
توجيه أو إصلاح ، فمن ركب رَدْعَه؛أنَّى يُردَع ؟!!. لذا يعبر السياق عن
ذلك بقوله (( واتبع )) أي إنه كان في منأى عن ذلك ، تأخذ به آيات الله
تعالى وتسوقه ، غير أنه أبى المسير وأخلد ، فلم يبرح مكانه ، فأدركته نفسه
برفقة ما فيها من السوء ، ليصير في ركبها ، خادما في السوقة ، تُتبِعه
خطواتِها وهواها فيتْبَع ، شهوات لا حصر لها فتقنع ، ولا زاجر لنفسه
فتُردَع ، فبئس الركب والرفقة .

وانظر رحمك الله كيف وجد
الشيطان بذلك رفقته ، فأدركها وظفر بالركب ، والطيور على أشكالها تقع ،
فاجتمع على العبد شر الداخل وشر الخارج ، شر نفسه والشيطان ، فما أتعس ذلك
الإنسان !!.

فتدبر عبد الله حالَه : هل
تراه انتفع بما عرَف ؟! هل تجده يؤلمه ما اقترف ؟! أم طبْع نفسه أوثقَه ،
فلا يبرح ؟!، وهواه أحاطه فأغرقه؛ فما أفلح؟!. فلا يزال على حال لا تتبدل
منه ، لا ينصرف عنها ولا تنصرف عنه ، وسيَّان عليه زِيد أو نُهب ، أُعطي
أو سُلب ، فسواء عليه كل حاصل ، يدفعه عن نفسه ويناضل ، فإذا حُدي به
تلبَّث ؛ وإذا زُحزِح تشبَّث ؛ (( فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو
تتركه يلهث )).

فاللهم آت نفوسنا تقواها ،
وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ، ونعوذ بك من علم لا ينفع ؛
وقلب لا يخشع؛ ونفس لا تشبع ، وأجرنا من الخزي والخذلان ، والكفر بعد
الإيمان ، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، واحفظنا بالإسلام قائمين
وراقدين ، وتوفنا إليك غير مفتونين ولا مبدلين ، إنك ولي ذلك والقادر عليه.

وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وآله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين.



([1])
القول بأن (أتبع) هنا يتعدى لمفعولين ، قد حذف ثانيهما قول بعيد ؛ إذ إن
تقدير محذوف خلاف الأصل ، ثم إن الكلام يستقيم ويستقر بمفعول واحد ؛ دون
حاجة إلى تقدير ، والله تعالى أعلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نذير القرآن لطلبة العلم والإيمان.. للشيخ محمد رجب محمد (روعة)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» اقتران العلم والإيمان في القرآن حِكَمٌ وأسـرار
» نصيحة غالية لطلبة العلم 2 - المثابرة في تحصيل العلم
» لطلبة وطالبات العلم
»  خواطر الامام - تفسير القرآن كاملاً للشيخ محمد متولي الشعراوي
» تحميل كتاب معجزة القرآن للشيخ محمد متولي الشعراوي يرحمه الله تعالى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اهل الحق :: منتديات إسلامية :: الموسوعة الإسلامية-
انتقل الى: