السؤال : بخصوص المسلم الذي قام بسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم سرّاً
منافق ! ، وقام بإخفاء ذلك : فهل إذا تاب دون أن يُقتل فهل يَقبل الله
توبته لكي يكون مسلماً لأنه أصبح كافراً ، أم أنه يجب أن يعلن ما قام به
لكي يتم إعدامه قبل أن يقبل الله عودته للإسلام مجدداً
.
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة من أركان الإسلام ، وقد أُمر
المسلمون بتعظيم نبيهم صلى الله عليه وسلم ومحبته ، وهو مستحق لذلك ؛ لما
له عند الله تعالى من منزلة رفيعة ، ولما له من فضل على هذه الأمة ، فقد
كان سبباً في خروجها من جاهليتها ، وسبباً في حصول كل خير لها ، فكيف
يجتمع هذا مع تجرؤ واحد من المسلمين على سب النبي صلى الله عليه وسلم
!
ولهذا اتفق العلماء على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر مرتد خارج عن الإسلام .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
إنَّ سبَّ الله أو سبَّ رسوله كفر ظاهراً وباطناً ، سواء كان الساب يعتقد
أن ذلك محرَّم أو كان مستحلاًّ له ، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده ، هذا مذهب
الفقهاء ، وسائر أهل السنَّة القائلين بأن الإيمان قول وعمل .
" الصارم المسلول " ( 1 / 513 ) .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 40 / 61 ) :
"ورد في الكتاب العزيز تعظيم جُرم تنقص النبي صلى الله عليه وسلم أو
الاستخفاف به ، ولعن فاعله ، وذلك في قول الله تعالى : ( إن الذين يؤذون
الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهيناً ) ،
وقوله تعالى : ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته
ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة
منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين ) ، وقد ذهب الفقهاء إلى تكفير من فعل
شيئاً من ذلك" انتهى .
وجاء فيها – أيضاً - ( 22 / 184 ) :
"وحكم سابِّه صلى الله عليه وسلم أنه مرتد بلا خلاف" انتهى .
وإذا كان ساب النبي صلى الله عليه وسلم مرتداً ، فعقوبته الشرعية هي القتل ، بلا خلاف بين العلماء .
قال ابن المنذر رحمه الله :
"أجمع عامة أهل العلم على أنَّ مَن سبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عليه القتل" انتهى .
انظر " تفسير القرطبي " ( 8 / 82 ) .
وقال الخطابي رحمه الله :
"لا أعلم أحداً مِن المسلمين اختلف في وجوب قتله" انتهى .
" معالم السنن " ( 3 / 295 ) .
ثانياً :
إذا تاب مَنْ سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم وندم على ما فعل ، ورجع إلى
الإسلام ، فهذه التوبة تنفعه فيما بينه وبين الله ، فيكون مسلماً مؤمناً
عند الله تعالى ، أما قتله فلا يرتفع عنه وجوب القتل ، فيقتل مسلماً ،
فيغسَّل ويصلَّى عليه ويورث ويُدفن في مقابر المسلمين ، أما المرتد الذي
لم يرجع إلى الإسلام فيقتل كافراً .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
هل تُقبل توبة من سب الله عز وجل أو سبَّ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
.
فأجاب :
"اختُلف في ذلك على قولين :
القول الأول : أنها لا تُقبل توبة من سبَّ الله ، أو سب رسوله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهو المشهور عند الحنابلة ، بل يُقتل كافراً
، ولا يصلَّى عليه ، ولا يُدعى له بالرحمة ، ويُدفن في محل بعيد عن قبور
المسلمين .
القول الثاني : أنها تُقبل توبة من سبَّ الله أو سب رسوله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا علمنا صدق توبته إلى الله ، وأقرَّ على نفسه
بالخطأ ، ووصف الله تعالى بما يستحق من صفات التعظيم ؛ وذلك لعموم الأدلة
الدالة على قبول التوبة ، كقوله تعالى : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) ، ومِن الكفار مَن يسب الله
ومع ذلك تقبل توبتهم ، وهذا هو الصحيح ، إلا أن ساب الرسول عليه الصلاة
والسلام تُقبل توبته ويجب قتله ، بخلاف مَن سبَّ الله فإنها تقبل توبته
ولا يقتل ؛ لأن الله أخبرنا بعفوه عن حقه إذا تاب العبد ، بأنه يغفر
الذنوب جميعًا ، أما ساب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فإنه
يتعلق به أمران :
أحدهما : أمر شرعي لكونه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهذا يُقبل إذا تاب .
الثاني : أمر شخصي ، وهذا لا تُقبل التوبة فيه لكونه حق آدمي لم يعلم عفوه
عنه ، وعلى هذا فيقتل ولكن إذا قتل ، غسلناه ، وكفناه ، وصلينا عليه،
ودفناه مع المسلمين .
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وقد ألَّف كتاباً في ذلك اسمه "
الصارم المسلول في تحتم قتل ساب الرسول " وذلك لأنه استهان بحق الرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكذا لو قذفه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه يقتل ولا يجلد .
فإن قيل : أليس قد ثبت أنَّ مِن الناس مَن سب الرسول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته وقَبِل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ توبته
.
أجيب : بأن هذا صحيح ، لكن هذا في حياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، والحق الذي له قد أسقطه ، وأما بعد موته فإنه لا يملك أحدٌ
إسقاط حقِّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فيجب علينا تنفيذ ما
يقتضيه سبه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، من قتل سابِّه ، وقبول
توبة الساب فيما بينه وبين الله تعالى.
فإن قيل : إذا كان يحتمل أن يعفو عنه لو كان في حياته : أفلا يوجب ذلك أن نتوقف في حكمه
.
أجيب : بأن ذلك لا يوجب التوقف ؛ لأن المفسدة حصلت بالسب ، وارتفاع أثر هذا السب غير معلوم ، والأصل بقاؤه .
فإن قيل : أليس الغالب أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعفو عمَّن سبَّه
.
أجيب : بلى ، وربما كان العفو في حياة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ متضمِّناً المصلحة وهي التأليف ، كما كان صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلَم أعيان المنافقين ولم يقتلهم ( لِئلاَّ يتحدث
الناس أن محمَّداً يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ) لكن الآن لو علمنا أحداً بعينه
من المنافقين : لقتلناه ، قال ابن القيم رحمه الله : " إن عدم قتل المنافق
المعلوم : إنما هو في حياة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقط
" انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 2 / 150 ، 152 ) .
لكن .. ما دام الأمر لم يصل إلى القاضي ، فالمشروع للمسلم أن يستر على
نفسه ، وأن لا يذهب إلى القاضي ليعترف بجريمته ، بل يجتهد في التوبة
والاستغفار ويكثر من الأعمال الصالحة حتى يغفر الله له ، قال الله تعالى :
(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ
اهْتَدَى) طه/82 ، وقال تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا
السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا
إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) النحل/119 .
والله أعلم
موقع الاسلام سؤال وجواب .. الشيخ محمد المنجد