التقييم : 3 نقاط : 360576 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: جواز الاجتهاد للإنبيـاء الثلاثاء ديسمبر 18, 2012 1:51 pm | |
|
قال الشوكاني في" إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول" 2- 217 وما بعدها
اختلفوا في جواز الاجتهاد للأنبياء، صلوات الله عليهم، بعد أن أجمعوا على أنه يجوز عقلا تعبدهم بالاجتهاد كغيرهم من المجتهدين، حكى هذا الإجماع ابن فورك، والأستاذ أبو منصور وأجمعوا أيضًا على أنه يجوز لهم الاجتهاد فيما يتعلق بمصالح الدنيا، وتدبير الحروب، ونحوها، حكى هذا الإجماع سليم الرازي، وابن حزم.
وذلك كما قلت وقع من نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إرادته بأن يصالح غطفان على "ثلث" ثمار المدينة، وكذلك ما كان قد عزم عليه من ترك تلقيح ثمار المدينة انظر هنا http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=23599
فأما اجتهادهم في الأحكام الشرعية، والأمور الدينية، فقد اختلفوا في ذلك على مذاهب:
الأول:
ليس لهم ذلك، لقدرتهم على النص بنزول الوحي، وقد قال سبحانه: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} والضمير يرجع إلى النطق المذكور قبله بقوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} ؛ وقد حكى هذا المذهب الأستاذ أبو منصور عن أصحاب الرأي.
وقال القاضي في "التقريب": كل من نفى القياس أحال تعبد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "به".
قال الزركشي: وهو ظاهر اختيار ابن حزم.
واحتجوا أيضًا بأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا سئل ينتظر الوحي، ويقول: "ما أنزل على في هذا شيء" ، كما قال لما سئل عن زكاة الحمير؟ فقال: "لم ينزل علي "في ذلك" إلا هذه الآية الجامعة {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} "، وكذا انتظر الوحي في كثير مما سئل عنه. ومن الذاهبين إلى هذا المذهب، أبو علي، وأبو هاشم.
المذهب الثاني:
أنه يجوز لنبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولغيره من الأنبياء، وإليه ذهب الجمهور. واحتجوا بأن الله سبحانه خاطب نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما خاطب عباده، وضرب له الأمثال، وأمره
بالتدبر والاعتبار، وهو أجل المتفكرين في آيات الله، وأعظم المعتبرين "بها" وأما قوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} فالمراد به القرآن؛ لأنهم قالوا: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}؛ ولو سلم لم يدل على نفي اجتهاده؛ لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كان متعبدا بالاجتهاد بالوحي، لم يكن نطقا عن الهوى، بل عن الوحي، وإذا جاز لغيره من الأمة أن يجتهد بالإجماع، مع كونه معرضا للخطأ، فلأن يجوز لمن هو معصوم عن الخطأ بالأولى.
وأيضا قد وقع "ذلك" كثيرا منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن غيره من الأنبياء فأما منه فمثل قوله: "أرأيت لو تمضمضت" "أرأيت لو كان على أبيك دين" ، وقوله للعباس: "إلا الإذخر" لم ينتظر الوحي في هذا، ولا في كثير مما سئل عنه، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه" 5 وأما من غيره فمثل قصة داود وسليمان.
( وردت القصة في سورة الأنبياء في قوله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} الأنبياء 78-79 )
وأما ما احتج به المانعون، من أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو جاز له الاجتهاد؛ لجازت مخالفته، واللازم باطل.
وبيان الملازمة: أن ذلك الذي قاله بالاجتهاد هو حكم من أحكام الاجتهاد، ومن لوازم أحكام الاجتهاد جواز المخالفة؛ إذ لا قطع بأنه حكم الله، لكونه محتملا للإصابة، ومحتملا للخطأ، فقد أجيب عنه بمنع كون اجتهاده يكون له حكم اجتهاد غيره، فإن ذلك إنما كان لازما لاجتهاد غيره، لعدم اقترانه بما اقترن به اجتهاده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأمر باتباعه. ( قلت مع اقرار الله له في بعضها وعدم اقراره وتنبيه في البعض الاخر )
وأما ما احتجوا به من أنه لو كان متعبدا بالاجتهاد لماتأخر في جواب سؤال سائل، فقد أجيب عنه بأنه إنما تأخر في بعض المواطن، لجواز أن ينزل عليه فيه الوحي الذي عدمه شرط في صحة اجتهاده، على أنه قد يتأخر الجواب لمجرد الاستثبات في الجواب، والنظر فيما ينبغي النظر فيه في الحادثة، كما يقع ذلك من غيره من المجتهدين.
المذهب الثالث:
الوقف عن القطع بشيء من ذلك، زعم الصيرفي في "شرح الرسالة" أنه مذهب الإمام الشافعي؛ لأنه حكى الأقوال ولم يختر شيئًا منها.
واختار هذا القاضي أبو بكر الباقلاني، والغزالي.
ولا وجه للوقف في هذه المسألة لما قدمنا من الأدلة الدالة على الوقوع، على أنه يدل على ذلك دلالة واضحة ظاهرة قول الله عز وجل: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ} فعاتبه على ما وقع منه، ولو كان ذلك بالوحي لم يعاتبه.
ومن ذلك ما صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من قوله: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سُقت الهدي"
أي: لو علمت أولًا ما علمت آخرًا ما فعلت، ذلك ومثل ذلك لا يكون فيما عمله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالوحي، وأمثال ذلك كثيرة، كمعاتبته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أخذ الفداء من أسرى بدر بقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} .
وكما في معاتبته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} إلى آخر ما قصه الله من ذلك في كتابه العزيز.
والاستيفاء لمثل هذا يفضي إلى بسط طويل، وفيما ذكرنا يغني عن ذلك، ولم يأتِ المانعون بحجة تستحق المنع، أو التوقف لأجلها. " ا.هـ
قال الآمدي في الإحكام " وأيضا قوله تعالى:" عفا الله عنك لم أذنت لهم " التوبة 43 عاتبه على ذلك ونسبه إلى الخطأ وذلك لا يكون فيما حكم فيه بالوحي فلم يبق سوى الاجتهاد وليس ذلك خاصاً بالنبي عليه السلام بل كان غيره أيضاً من الأنبياء متعبداً بذلك."
وقال الشاطبي في الموافقات " {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} الآية [التوبة: 43]؛ فإنه موضع اجتهاد في الإذن عند عدم النص. ( قال مشهور حسن في الحاشية : محط الدليل بقية الآية؛ كأنه أذن قبل أن يتبين الذين صدقوا؛ فهو من محل العفو المصدرة به الآية)
وقد ثبت من الشريعة العفو عن الخطأ في الاجتهاد حسبما بسطه الأصوليون, ومنه قوله تعالى: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68]. وقد كان النبي -عليه السلام- يكره كثرة السؤال فيما لم ينزل فيه حكم، بناء على حكم البراءة الأصلية؛ إذ هي راجعة إلى هذا المعنى، ومعناها أن الأفعال معها معفو عنها، وقد قال, صلى الله عليه وسلم: "إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم عليهم فحرم عليهم من أجل مسألته". .. الخ ما قال
وقال: "ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، ما نهيتكم عنه فانتهوا، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم | |
|