خصا ئصاللسان البشـــــري :-اللسان ليس هو اللغة:يميز دي سوسير بين ما هو ملكة
بشرية (اللغة)، وما هو تواضع اجتماعي (اللسان)، وما هو نشاط فردي متعلق
بالذكاء والإرادة (الكلام). وهو يرى أن اللسان جزء هام وأساسي من اللغة،
إذ لا وجود للغة بدون اللسان بينما توجد لغة بلا كلام (هي اللسان). كذلك
لا يوجد كلام بدون لسان ولا وجود أيضا بدون كلام، فاللسان ضروري لكي يفهم
الكلام من طرف أطراف التواصل ويحدث آثاره فيهم، والكلام بدوره ضروري لكي
يستقر اللسان ويستقيم.
-اللسان مؤسسة اجتماعية:
ليس اللسان ظاهرة طبيعية، وإنما
هو مؤسسة اجتماعية ناتجة عن التواضع. لذلك يعتبره سوسور كنزا داخليا،
مخزنا، قاموسا، بصمات موضوعية في الدماغ، وليس في مقدور الفرد تغييره، أو
إبداعه، نتيجة قانون المواضعة الذي يحكمه؛ مما يجعله يقاوم كل التغيرات
التي يحدثها الفرد فيه، والتي لا تعبر أبدا عن جوهره. مثله في ذلك مثل
الأخطاء التي يقترفها العازفون في تجسيد لحن موسيقي؛ حيث إنها لا تقدح
فيه، باعتبار أن حقيقة هذا اللحن وصورته تكون مستقلة عن الكيفية التي ينجز
بها.
-اللسان نظام قائم بذاته:
اللسان نظام قائم بذاته ولا
يخضع إلا لنظامه الخاص؛ حيث إذا تغير عنصر في النظام كان له أثر على
النظام بأكمله. ويتأسس اللسان، من حيث هو نظام، على عدد من العناصر
المرتبطة فيما بينها على المستوى المركبي (المحور الأفقي)، والمستوى
الاستبدالي (المحور العمودي). ويوجد هذا النظام (الذي هو عبارة عن سلسلة
من الاختلافات الصوتية المتزاوجة مع سلسلة من الاختلافات التصورية) بالقوة
في دماغ مجموعة من الأفراد (وليس في دماغ فرد واحد فقط)؛ لأنه يكون دائما
ناقصا لدى الفرد، ولا يوجد كاملا إلا عند الجماعة اللسانية (الجمهور).
-اللسان أداة تواصل:
اللسان أداة تواصل ينبغي على
جميع الأفراد المنتمين لجماعة لسانية معينة الخضوع له إذا كانوا يودون
التواصل. وهو يفرض على أطراف التواصل بطريقة سلبية؛ إذ لا دخل لهم في
ابتكاره، ويقاوم كل التغيرات التي تحاوم زعزعته عن طريق إفشال التواصل
بسبب خرق اللسان (المعيار).
*اللســــان عند أنـــدري مارتيني* :
اللسان"Langue"عند أندري ماريني له له خصائص محددة من الوجهة اللسانية وهي :
أولا : اللسان هو أداة تبليغ ن والتبليغ يتكون من عنصرين أساسيين:
أ-الأداء : وهي الوظيفة التي تقوم بها الأداة .
ب-التبليغ: وهو التخاطب والتبادل بين أفراد الجماعة.
والأداء والتبليغ خاصتان تتفق
فيهما اللغة وغيرها من الظواهر الأدائية والــتبليغية ، إذ الأداء يقتضي
وجود جهاز خاص يستعمل لتحقيق غاية معينة ،وهي التبليغ.
والتخاطب يقتضي جهازين :
1- النظام السيميائي المكون من
الأدلة ،والعلامات ،والرموز وهو جانب ليس خاصا باللغة وحدها لأن الانظمة
السيميائية كثيرة مثل العلامات العادية والعلامات المصطلح عليها في
البحرية ونظام المرور في الطرقات والرموز المستعملة في الموا صلات
البريدية ...وغيرها .
2- النظام اللغوي المبني على
المواضعة ،والإصلاح حيث يتفق المتكلمون ويتواضعون على اللغة التي
يستخدمونها للتعبير عن أغراضهم والنظام اللغوي هنا هو نسق اجتماعي من نوع
خاص.
ثانيا اللسان المتمفصل وهو الذي
يقبل التقطيع والتمفصل الصفة التي عدّها جورج مونان من أهم مميزات الألسن
الطبيعية البشرية إذ به تتفرد وتتميز من باقي الأنظمة الأخرى.
-الدليل اللساني:
يتم التواصل لدى سوسور بأدلة
لغوية وأخرى غير لغوية. وتهتم اللسانيات بدراسة الأدلة اللغوية، تاركة
دراسة الأدلة غير اللغوية إلى الدلائلية (أو السيميائيات) التي تهتم
بمعرفة العناصر التي تتشكل منها الأدلة والقوانين التي تتحكم فيها(14).
وينكر سوسير أن يكون اللساني
رابطا بين مجموعة من الأسماء التي تقابلها مجموعة من الأشياء (أو المسميات
الموجودة في العالم الخارجي) مثلما يجسد ذلك الرسم التالي:
اللســــان نظام دلائل:إنّ اللسان على حد تعبير دي سوسور نظام من الأدلةالمتواضع عليها، فهو كما يقول الحاج صالح: " ليس مجموعة من الألفاظ يعثر عليهاالمتكلم في قواميس أو يلتقطها بسمعه من الخطابات ثم يسجلها في حافظته، كما أنه ليسمجموعة من التحديدات الفلسفية للاسم والفعل والحرف أو القواعد المسهبة الكثيرةالشواذ، بل هو نظام من الوحدات يتداخل بعضها ببعض على شكل عجيب و تتقابل فيها بناهافي المستوى الواحد، التقابل الذي لولاه لما كانت هناك أدلة"
الجديد في نظرةاللسانيات البنيوية الحديثة هي أنها عوض أن تهتم بالجزئيات و الأحداث اللغويةلذاتها منعزلة بعضها عن بعض مثلما كان يفعل اللغويون في العصور الماضية، أصبحتاللسانيات تنظر إلى اللسان ككل وهو يتشكل منبنية، هذه الأخيرة عبارة عن شبكة تجدفيها كل وحدة لغوية مكانها و تربطها بالوحدات الأخرى، علاقات صورية مبنية على أساساتحاد الهويات و اختلافها. والوحدات اللغوية على مختلف المستويات اللغوية من أصوات، كلمات، جمل ومعاني تشكل نظما جزئية.
مثلا: في نظام الأصوات الحلقية، لو أخذناحرفي (ع)و(ح) لوجدناهما يتحدان في المخرج ( الحلق ) و لكنهما يختلفان في كون (ع) مجهور و (ح) مهموس، وهنا يمكن أن نضع كل صوت حلقي في مكان خاص به وهو بالتالي يقابلدائما حرفا آخر مثلا (ح) يقابل (خ)، هذه الوحدات لا تكتسب هويتها داخل النظاماللغوي ( نظام الأصوات الحلقية) إلا عند مقابلتها لغيرها في مستواها ( الحروفالمهموسة) فهي تأخذ قيمتها بهذا التقابل.
القيمة عند دي سوسير هي العلاقاتالداخلية و ليست الخارجية وهنا شبه دي سوسير النظام بلعبة الشطرنج، إذ لا تهمالمادة التي صنعت منها قطع اللعب( العاج، الخشب..) وهنا العلاقة خارجية لأن مادةالصنع لن تغير في قانون اللعب لكن إذا ما زدنا أو أنقصنا قطعة من قطع اللعب هناسيختل النحو الذي وضع عليه اللعب وهنا العلاقة داخلية.
دي سوسير لا يهتم بالنظامالخارجي للمفردة، و إنما قيمة المفردة تكمن في علاقاتها الداخلية.
مثلا في نظاماللغة العربية، لمعرفة قيمة كلمة (فرح) يجب أن نقابلها بمرادفاتها سواء كان التقابلالإيجابي أي مع سرور، بهجة، سعادة...، أو التقابل السلبي أي الأسى، الحزن...
إذاكانت بعض المفاهيم التي وضعت من طرف اللغويين غير دقيقة أو غير واضحة فإنّ دي سوسيريقترح الرجوع إلى نظام القيم الذي يقسمه إلى قسمين:
** نظامالتكافؤبين أشياء تختلف أجناسها.
مثال: يتم التكافؤ في علم الاقتصاد بينالعمل و الأجرةأما في علم اللسان فهذا التكافؤ يتم بين الدال والمدلول.
** النظام اللسانيالذي لا تجد فيه اللفظةقيمتها إلا بالتقابل مع كل الألفاظ الأخرى في ذلك النظام. مثلما رأينا مع كلمة (فرح).
* نظرية الدليل اللساني ( الدال و المدلول ):يتألف الدليل اللساني حسب دي سوسير من تعبير صوتي (صرةسمعية)
و مضمون(صورة مفهوميه) " صورة مفهوميه ذهنية".
يسمى التعبير الصوتي فينظرية دي سوسير الدال و المضمون مدلولا، ويرتبط الدال بالمدلول ارتباطا بنيويا بحيثما يمثله الأول يحيل و يستدعي في الوقت ذاته ما يمثله الآخر، وهنا يمكن تشبيهالدليل اللساني بالورقة، وجهها الظاهر هو الصوت (الدال) و وجهها الخفي (المدلول) ومن ثم لا يمكن فصل المفاهيم عن الأصوات التي تنتقل عن طريقها.
اعتباطيــــــــــة الدليل اللغوي :* الطابع الإعتباطي:أ- فيعلم اللسان:حسب دي سوسير فإن العلاقة بين الدال و المدلول اصطلاحية،اتفاقية، وعرفية بين أعضاء الجماعة اللغوية و الدليل على ذلك هو تعدد الأسماء (الدلالات) بالنسبة لنفس المسمى.
مثلا نجد أن كلمة (بيض) لها عدة تسميات فنجد (الدّحي) في ليبيا، (العْظاَم) في شرق الجزائر، (تيمَــلاّيين) في منطقة القبائلبالجزائر...
ويترتب عن الطابع الاعتباطي طابع الوجوب الذي يمثل العلاقة الداخليةللدليل، حيث تصبح مفروضة على الجميع و ليس بإمكان أحد التغيير لا في كيفية كتابةالدال و لا في طريقة نطق هذا الدال.
ب- فيالسيميولوجيا: أي فيما يخص الصور البصرية و الصوتية، فإن علاقاتها بالواقعليست كلها اعتباطية على عكس علم اللسان، فهي قد تكون جزئيا أو كليا معللة.
مثلا: لإشارة المرور الدالة على مدرسة( حذار مدرسة ) فهي جزئيا معللة لأننا في الأساسلدينا مدرسة ولهذا وضعنا إشارة لحماية التلاميذ عند العبور... أي هناك علاقة بينالدال و المدلول.
*الخطيـة 0التسلسل الخطي:0الدليل اللساني ذو طابع متلاحق، يرسل و يستقبل ليس في آن واحد وإنما يتم ذلك بصفة متعاقبة على المحور الزمني. وعليه لا يمكن إحلال وحدتين لغويتينفي نفس الموقع في مدرج الكلام .
ويمكننا هذا التسلسل من التمييز بين نوعين منالأنظمة:
** الأنظمة التي تقع دوالها في الزمان:مثلالموسيقى، اللغة المنطوقة...
** الأنظمة التي تقع دوالها فيالفضاء:مثل الصور الفوتوغرافية...
هناك من يرى أنها تخضع للتسلسل الخطيبحكم اننا ندرك الصرة ككل ثم ننتقل إلى الجزئيات، ونجد من يرى بأنه لا يمكن أن تكونهذه الوحدات خاضعة للتسلسل الخطي لأنها تُدرك دفعة واحدة.
* الطابع المميز:معنى التمييز هو أن لكل دليللغوي أو حرف في اللغة دوره الخاص، فقد تكون العلاقة بين الحرفين (ض) و (س) علاقةمميزة،لأن استبدال حرف (ض)بـالحرف (س) يؤدي إلى اختلاف الهيئة و المعنى.
مثال: ضـــيف/ســيف.
أما في اللغة الفرنسية فالعلاقة بين الحرفين استبدالية لأن تغييرحرف بآخر لن يكون مميزا لأنه سوف يكون اختلاف لهجي.
مثال: باريس(Paris)/ باريز(Paris).
البــعد الزمنــــي : أما (الزمنية) فتعني: اختلاف الكلمة ذات المدلول الواحد من لغة إلى أخرى. فهي لو كانتترتبط سببياً بمدلولها، لما اختلفت باختلاف المكان أولاً، والزمان ثانياً(35).
وعلىالرغم من اتسام اللغة بالثبوت والتغير، أو بالآنية والزمانية في الآن ذاته، فإنالفصل بينهما "في نطاق الدراسة اللغوية ضرورة منهجية ونظرية، في آن واحد، ذلك أنالمفهوم الواحد يختلف معناه وقيمته حسب تناولنا لـه، تناولاً زمانياً تطورياً"(36). ولكن ليس قبل أن نسلم أن هذا الفصل ما هو إلا فصل شكلي، يقتضيه التحليل حسب. لا بلإن كل الثنائيات التي تولدت عن نظرية سوسير هذه من: (دار/ مدلول)، (آنية/ زمانية)، (لغة/ كلام)، (شكل/ مادة)، ليس ثمة عزل تام بين قطبيها، لأنها "متشابكة متفاعلةمتضامنة"(37)، وفضلاً عن ذلك فإن هذا التفريع أتاح لسوسير الفرصة لتغطية كل من هذهالأقطاب تغطية شاملة، الأمر الذي حدا به إلى المفاضلة بين قطبي الزوج الأول منهما،من خلال تقديمه الآنية (التزامنية) على الزمانية، ما دامت اللغة في نظره نظاماً منالإشارات، فهي ـ إذن ـ "ليست طبيعية بل (...) مؤسسة اجتماعية تواضعية، لا يخضعنظامها إلى معطيات خارجة عنها"(38).
لقدلاحظ سوسير "أن اللغة كتلة مختلفة من الحقائق متباينة المصادر، وأن الطريق الوحيدلجعلها شيئاً معقولاً، هو فرض شيء يسمى النظام اللغوي، وطرح أي شيء آخرجانباً"(39). فإن اللغة لديه تكتسب منطقيتها لا عن طريق العلاقة بين الدالوالمدلول، ولكن عن طريق العلاقة داخل النظام الواحد بين دال ودال آخر، أو بين مدلولومدلول آخر، "فالفكرة أو المادة الصوتية التي تحتوي عليها الإشارة أقل أهمية منالإشارات الأخرى المحيطة بهذه الإشارات والدليل على ذلك قيمة أي عنصر مجاور"(40).