التقييم : 3 نقاط : 360900 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: التدبر المثمر بالقرآن الثلاثاء فبراير 05, 2013 5:50 pm | |
| لكي يكون التدبر في القرآن مثمراً ومفيداً، ولكي يكون فعالا ومؤثرا, ولكي يكون متكاملاً وسليماً , لابد أن تتوفر فيه"الملاحظة الدقيقة",وذلك بأن يطرح الإنسان أسئلة مختلفة على نفسه حول مختلف الظواهرالقرآنية: لماذا جاءت الكلمة هنا بشكل وجاءت في مكان ثان بشكل آخر؟ لماذا تقدمت هذه الكلمة على تلك؟ ما هي الحكمة في إنزال العقاب أو الثواب بأسلوب معين؟ لماذا تكررت هذه الآية كثيرا؟لماذا تحدى الله أناسا وهو يعلم أنه معجزا لهم بهذا القرآن ؟ ما السر وراء تكرار هذه القصة؟وهكذا،دواليك. في بعض الأحيان لا يصل الإنسان إلى أجوبة للتساؤلات المطروحة حول الظواهر القرآنية، وفي هذه الحالة لا يجوز أن يصاب باليأس، بل عليه أن يواصل التفكير، وكثيراً ما يعثر على الإجابة - اليوم أو غداً.
إن الانتباه إلى أمثال هذه الملاحظات يضع الإنسان على بداية الطريق لفهم قرآني متين،فبعد طرحنا مجموعة من التساؤلات حول الآيات القرآنية علينا أن نبدأ تفكيراً معمقاً للوصول إلى الإجابة.إن الفكر إذا ركز على نقطة معينة فإنه يحدث الأثر المرجو من البحث والتأمل غالبا _يشبه في ذلك الإشعاع إذا ر’كز من خلال زجاجة مقعرة على ورقة فإنه يقوم بعملية الإحراق لها,وهذا ما رجوناه من الشعاع_وليس من المهم أن تكون "كمية" أفكار الإنسان كثيرة، المهم أن تكون "كيفيتها" ممتازة وجيدة.
وهنا نركز على عدة أمور من شأنها أن تدعم التدبر كما ورد في كتاب" التدبر في القرآن " لمؤلفه"محمد رضا الشيرازي":
1._ عدم التسرع في تقبل الأفكار: إن "للفكرة" في بدايتها بريقاً خاصاً لا يقاوم. ومن هنا نجد الكثيرين يبادرون إلى تقبل الأفكار بمجرد أن تلوح لهم من بعيد، من دون أن يحققوا في مدى صحتها أو سقمها، لذلك فإنهم كثيراً ما يجدون أنفسهم وقد سقطوا في الضلال والانحراف، ولكن بعد خراب البصرة - تماماً - كما تسقط سيارة مسرعة في الهوى العميقة، ثم لا تستطيع منها خلاصاً.
وهنا نخص بالذكر ضرورة الحذر- الأكثر - من التسرع في تقبل نوعين من الأفكار خلال التدبر في القرآن الكريم:
أ- الأفكار الجاهزة: ونعني بها تلك الأفكار المصبوبة في قوالب لطيفة وظريفة. إن على الإنسان أن يهتم بمضمون الفكرة ومحتواها وليس بشكلها الخارجي، وفي سبيل ذلك لابد من التفكير الدقيق المعمق.
ب- الأفكار الشخصية: إن الإنسان "يحابي" ذاته ويتحيز لها، ولذلك فإنه يتسرع في قبول ما أبدعه عقله وتفكيره، دون أن يفكر جدياً في الأمر، ودون أن يرى جوانب القضية المختلفة. من هنا كان على الإنسان أن "يتهم" ما خطر على قلبه، بمعنى أن لا يتقبله بسرعة، بل يفكر فيه بدقة، فإن كان حقاً قبله، وإن كان باطلاً طرحه بعيداً.
2 _التتلمذ على يد القرآن: فعلى الإنسان أن يكون التلميذ المتواضع أمام القرآن، عليه أن يسيّر نفسه وفق ما يريده القرآن، لا أن يسير القرآن وفق ما يريده هو. عليه أن يحكم القرآن في أفكاره ورؤاه وليس العكس. ومن دون ذلك سيكون مصير الإنسان الضلال والإنحراف.
3_ الرجوع إلى المصادر، وهي: اللغة والتفاسير وروايات الأئمة الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام).
4_ الثقة بالنفس: فعلى الإنسان - خلال تدبره في القرآن الكريم - أن لا يستصغر ذاته، ولا يحقر أفكاره، وأن لا يسمح لنفسه بالذوبان في أفكار الآخرين وآراءهم. إن آراء المفسرين السابقين قد تكون ضوءا على الطريق، ولكنها لا يجوز أن تقفل أبواب التفكير أمام الفرد، وتصيب دماغه بالتحجر والجمود. وبعد الثقة يأتي دور:
5_ الإبداع: فعلى الإنسان أن يربّي عقليته على "الإبداع"، ويحاول أن يستنبط أفكاراً جديدة ورؤى مبتكرة وذلك ضمن حدود الدين وليس خارجاً عينها، لأن ذلك يعني "البدعة" المنهي عنها في الشرع.انتهى.
ثم إنه يعين المسلم على تدبر القرآن أن يعلم أن الله يخاطبه، ويتحدث معه. وهل هناك أعظم من هذا؟ وأن يفكر في أوامر الله، ويتنبه جيدا عندما ينادي القرآن في خطابه. ويقول لنفسه هل أنا من المؤمنين الذين يخاطبهم الله؟.
فمثلا يسأل نفسه بعد أن يقرأ هذه الآية:" وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ " هل أنا من هؤلاء والعياذ بالله؟ وإن كنت منهم أسعى لأن أكون كما يحب الله ورسوله. وهكذا في كل أمر ونهي.
هنا يؤتي التدبر آثاره الطيبة، والعمل المثمر، ليصير المسلم قرآنا يمشي على الأرض؛ يطبق أحكام الله دون تسويف أو تردد. إنما تكون القراءة المتدبرة أن ينطق اللسان فيتأثر القلب، وتتحرك الجوارح بما يرضى الله.
استمعوا إلى كلام الله؛ وهو يقول: "اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ" (الزمر: 23).
قال علي بن أبي طالب_كرم الله وجهه_:" وَاعلَموا أنَّ هَذا القُرآنِ هَو النَاصِحُ الَّذي لا يَغِشُّ، والهَادي الَّذي لا يُضلُّ والمُحَدِّثُ الذي لا يكذِبُ. وَمَا جَالسَ هذا القُرآنَ أحدٌ إلاَّ قَامَ عَنهُ بِزيادَةٍ أو نِقصَانٍ، زِيادَةٌ في هُدى أو نِقصَانٌ في عمى... فاسألوا اللهَ بِهِ وَتوجَّهوا إليهِ بِحُبِّهِ، وَلا تَسألوا بِهِ خَلقَه إنَّهُ ما توجّه العِبادُ إلى الله تعالى بِمثلِهِ واعلَموا أنَّه شافعٌ مُشفِعٌ وقائِلٌ مصدَّقٌ"
ختاما:من تكلم بكتاب الله برأيه فقد ضل وانحرف عن الطريق القويم المستقيم المبين,ولو أصاب قوله الحق,ولا تأخذ الأحكام الشرعية من كتب التفسير؛لأن كتب الفقه تقوم على أساس يختلف عن الأساس الذي تقوم عليه كتب التفسير,المفسر يأتي بالحديث ليدعم تفسيره,من أجل ذلك نرى أحاديث كثيرة ضعيفة يستدل بها المفسرون. بخلاف الفقهاء الذين يحرصون أيما حرص على سند الحديث ومتنه_كما قال الشيخ تقي الدين النبهاني_فلكل هذا لا يجوز للمتدبر أن يتكلم بالأحكام الشرعية؛لأنه ليس أهلا لذلك.
| |
|