دخل على الرسول صلى الله عليه و سلم مرة سيدنا عمر رضي الله عنه و هو مضطجع
و قد أثر الحصير في جنبه , و يقلب عمر بن الخطاب بصرهـ في البيت فلا يجد إلا ثلاثة جلود فيقول :
يا رسول الله .. ادعُ الله فليوسع على أمتك .. فإن فارس و الروم وسع عليهم و أعطوا الدنيا و هم لا يعبدون الله ..
فقال الرسول صلى الله عليه و سلم :
( أَ وَ في شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا )
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا رسول الله استغفر لي ..
:
أخي المؤمن ,, إنك لو تبصرت في حال كثير من أهل الفسق و الفجور قد تجد أنهم يتقلبون بين نعمٍ كثيرة و مُتعٌ وفيرة
يرتعون على بساط النعماء الأخضر و يجوبون الأرض بطولها فرحاً و مرحاً كما لو أنهم ملكوا الدنيا و ما فيها ..
بينما
لو أمعنتَ النظر في حال بعض الصالحين و الأتقياء الزّهاد لرأيتَ أنّهم في
نقمٍ و سقم إذ أعيتهم الغموم فلا تفتأ تطل برأسها على صدورهم بين الحين و
الآخر
و كأني بنفسي أراك مُسائلاً سرّك عن السرّ وراء ذلك الحال
الهانئ و التقلّب البهيج فتبدأ بإطلاق الأعنة للأفكار و إسبال إزار الوساوس
الشيطانية
فتتبعثر على قلبك و تستلذ العبث فيه حتى إذا كان بمقدورنا الإطلاع على ما يجول في خلدك و تسنّى لنا قليلاً أن نتبحّر في خلجان قلبك
لوجدنا
فيه اعتراضًا شديداً على أمر الله و سأمًا مُستميتًا من حكمه و قضاءهـ و
قد يصل الأمر إلى التشكيك بعدالته تعالى الله عمّا يظنون
لكن لو أنّنا نظرنا في محكم آياته و مصداق أحاديث نبيه الذي لم ينطق عن هوى و تدبّرنا في كل معنى و تفكّرنا بكل مغزى
لما أفسحنا المجال للشيطان على هيّنة فنال من عقولنا و قلوبنا شر نيلة .. يقول الله عزّ و جل :
(
لايغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ، متاع قليل ثم مأواهم جهنم و بئس
المهاد * لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها
نزلاً من عند الله و ما عند الله خير للأبرار )
فهذهـ الآية حلت الإشكالية و كشفت عن السر الدفين وراء تقلب الكفار الأبغياء بالنعم و الصالحون الأتقياء بالنقم ,
فالدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر , منزل الأحزان و مستودع الهموم و موطن الغموم , فيها ما يقض المضطجع و ما يوغر الصدور
تنزل فيها الخطوب الأجاجة المرّة فتكبّل القلوب و تزج بها في معاقل الأحزان
فحقيقٌ بالمؤمن أن يحسن الظن بربه و يدفع بالهواجس و الأفكار التي من شأنها أن تنعكس سلبًا على نفسه
فتستوطنها و تطعن بخنجر الشياطين كل ثقةٍ و إيمانٍ بالله عز و جل ..
و لهذا فإنني أخاطبك كـ مسلمٌ موحّدٌ تنتسب إلى أشرف العقائد و أنقى التوجّهات , مؤمنٌ بقضاء الله و قدرهـ
تؤمن
بأنّ كل نعيمٍ يحل بك فإنّه منٌّ و تفضّلٌ من الله تعالى و أن أي مصيبة
تنزل بك ( و هي لك و إن بدت و كأنها عليك ) فـ بعدلٍ من الله عزّ و جل و
حكمة و علم ..
فسبحانه ذو العزّة و الجبروت ليست تخفى عليه خافية أو تغيب عن انتباهته صغيرةٌ و دقيقة ..
جديرٌ بنا أن ندرك أيّما إدراك أن ما نلتمسه من نعيمٍ في حق أهل الكفر ما هو إلا باستدراجٍ لهم
كي يتمادوا بفسقهم و طغيانهم فيأتيَهم الموت بغتة و هم في غيّهم سادرون ..
لهذا على المؤمن الكيس أن يٌقابل البلايا بالصبر و أن لا يكون في صدرهـ حرجٌ و ضيق مما قضى الرحمن
فقضاءهـ كله خير و قدرهـ جلّه عدل منطوٍ على حكمةٍ و تدبير يريد ليمتحن بالبلايا صبر المؤمن و قوّة ثقته و تعلق قلبه به
أ فلا يكون لنا دأبٌ كـ دأب المؤمن الذي قال فيه نبينا صلى الله عليه و سلم :
(
عجبت من أمر المؤمن , إن أمر المؤمن كله له خير و ليس ذلك لأحد إلا للمؤمن
, إن أصابته سراء شكر كان ذلك له خيرًا و إن أصابته ضراء فصبر كان
ذلك له خيرًا ) , رواهـ مسلم .