التقييم : 3 نقاط : 360558 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: جكم نمص الحواجب في الفقه الإسلامي السبت مارس 02, 2013 7:03 pm | |
| [size=25]بحث رائع ومحكم ومجاز للنشر من عالم كبير في الأزهر
البحث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعد.. فمن مسائل التزين التي ثار حولها كثير من الجدل في العصر الحديث مسألة النمص، حيث حرمها البعض، وقال آخرون بإباحتها للزوجة بإذن زوجها متابعين في ذلك جمهور العلماء. وفيما يلي بحث في هذا المسألة؛ يشتمل على بيانها وبيان مذاهب العلماء في الحكم فيها مع عرض أدلتهم وتفصيل القول في هذه الأدلة، وفي أدلة المخالف.
النمص لغة: في تاج العروس للزبيدي: "النَّمْصُ: نَتْفُ الشَّعْرِ" كما في الصّحاح وقد نَمَصَهُ يَنْمصُه نَمْصًا: نَتَفَهُ ... وهيَ "أَي النَّامِصَةُ" مُزيِّنَةُ النِّسَاءِ بالنَّمْصِ" . قاله الجَوْهَرِيّ. وقال الفَرَّاءُ: هي التي تَنْتِفُ الشَّعرَ من الوَجْهِ. " والمُتَنَمِّصَةُ " قال ابنُ الأَثِيرِ: وبَعْضُهُم يَرْوِيه المُنْتَمِصَة بِتَقْدِيمِ النُّونِ على التَّاءِ "وهي المُزيَّنَةُ به" وقيل: هي الَّتِي تَفْعَلُ ذلِك بنَفْسِهَا "والنَّمَصُ مُحَرَّكَةً: رِقَّةُ الشَّعرِ ودِقَّتُهُ حَتَّى تَرَاهُ كالزَّغَبِ" قاله الفَرَّاءُ . ورُجُلٌ أَنْمَصُ الرَّأْسِ وأَنْمَصُ الحَاجِبِ ورُبَّمَا كانَ أَنْمَصَ الحَاجِبِ ورُبَّمَا كانَ أَنْمَصَ الجَبِينِ إِذا رَقَّ مُؤَخَّرُهُمَا كما في الأَسَاس. وامْرأَةٌ نَمْصَاءُ ... تَنَمَّصَتِ المَرْأَةُ: أَخَذَتْ شَعرَ جَبِينِهَا بخَيْطٍ لِتَنْتِفَهُ ذكرَه الجَوْهَرِيّ ... والمِنْمَصُ والمِنْماصُ: المِنْقَاشُ نَقله الجَوْهَرِيُّ .... وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ: المِنْماصُ: المِظْفَارُ والمِنْتَاشُ والمِنْقَاشُ والمِنْتَاخُ ... وقِيل : امرأَةٌ نَمْصَاءُ: تَأْمُرُ نامِصَة فتَنْمِصُ شَعرَ وَجْهِهَا نَمْصًا أَي تَأْخُذُهُ عنه بَخَيْطٍ"(1). وفي المقاييس لابن فارس: "(نمص) النون والميم والصاد أُصَيلٌ يدلُّ على رِقّة شَعَْرٍ أو نتف له. فالنَّمَص: رِقَّة الشَّعر. والمِنْماص: المِنْقاش. وشعرٌ نميصٌ، ونبتٌ نميصٌ: نتفَتْه الماشيةُ بأفواهها"(2). وبتأمل المادة المعجمية لـ(نمص) يتضح أن النمص معناه لغة: مطلق نتف الشعر سواء كان الشعر المنتوف من الحاجبين والجبين أم من سائر الوجه أم من سائر الجسد، إلا أن النامصة - وهي اسم فاعل للمؤنث من نَمَص - يطلق على من تنتف الشعر من الوجه دون سائر الجسد كما نقله الزبيدي عن الفراء. أو يطلق على من تنتف الشعر من الجبين فقط؛ دون شعور سائر الوجه والجسد كما نقله الزبيدي عن الجوهري. ويتضح من تأمل المادة المعجمية أيضًا أن النمص لغة: هو إزالة الشعر بالنتف دون غيره من طرق الإزالة. كما يتضح أيضًا: أن النمص ليس مطلق الإزالة، فلا يعد أقل النتف للشعر نمصًا، وكذلك فإن النمص ليس إزالة مطلقة، بمعنى أن إزالة الشعر كله لا يعد نمصًا، وإنما يراد بالنمص نتف الشعر بحيث يكون رقيقًا ودقيقًا فيقال لصاحب الحاجب الرقيق الدقيق: أنمص - على وزن أفعل - ولمؤنثه: نمصاء - على وزن فعلاء -. المعني الشرعي: عند الشافعية والأحناف النمص(3) هو: إزالة الشعر من الوجه، ويشمل ذلك إزالته من الحاجبين. أما كيفية الإزالة فهي غير مقتصرة على النتف كما هو المعنى اللغوي، ولكنها تشمل الإزالة بالحلق أيضًا - أو بأي طريق من طرق الإزالة -. أما المالكية فعندهم قولان(4): الأول - وهو المعتمد -: النمص يختص بإزالة شعر الحاجب فقط. الثاني: النمص هو إزالة الشعر من الوجه. ففي حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني: "فالنامصة هي التي تنتف الحاجب حتى ترقه كذا قال أَبو داود، والمتنمصة هي المعمول لها ذلك وما ذكرناه من تفسير النامصة عن أَبي داود وقد قال بعض شرَّاح المصَنف: وفسَّرها عياض ومن وافقه بأَنها التي تنتف الشعر من الوجه، والأَول يقتضي جواز نتف شعر ما عدا الحاجبين من الوجه، وتفسير عياض يقتضي خلاف ذلك"(5). والإزالة تحصل عندهم بالنتف أو ما في معناه. والحنابلة: ذهبوا إلى أن النمص هو نتف الشعر من الوجه -وذلك يشمل الحاجبين- ففي شرح المنتهى للبهوتي: "(ويحرم نمص) أي: نتف الشعر من الوجه"(6). إلا أنهم خصوا النمص بالنتف فقط دون باقي طرق الإزالة. وفي شرح الإقناع له أيضًا: "(ولها) أي: المرأة (حلق الوجه وحفه نصًا) والمحرم إنما هو نتف شعر وجهها، قاله في الحاشية"(7). ومما سبق فالقدر المتفق عليه بين الفقهاء في معنى النمص هو: أن النمص يكون للحاجبين، وأنه يكون بنتف الشعر منهما - دون غيره من طرق الإزالة -.
ونص الجمهور على أن النمص هو الترقيق وسكت الحنابلة عن هذا المعنى(. وعلى ذلك فإن الحكم الشرعي للأخذ من الحاجبين أخذًا مطلقًا دون نمصهما, ودون ترقيق الحاجب، مغايرٌ لحكم النمص؛ لأنه ليس كل أخذ من الحاجبين يعد نمصًا؛ لا لغة، ولا شرعًا - على قول الجمهور - فقد ذهب الحنفية والحنابلة إلى جواز الأخذ من الحاجبين إن طالا. قال ابن مفلح في الفروع: "وأخذ أَحمد من حاجبيه"(9). وقال النووي في المجموع: "وذكر بعض أصحاب أحمد أنه لا بأس به: قال وكان أحمد يفعله"(10). وفي حاشية الطحطاوي الحنفي على مراقي الفلاح: "وفي المحيط: لا يحلق شعر حلقه ولا بأس بأن يأخذ شعر الحاجبين وشعر وجهه ما لم يتشبه بال****ين ومثله في الينابيع والمضمرات والمراد ما يكون مشوها لخبر: لعن الله النامصة والمنتمصة"(11). وقال ابن عابدين في حاشيته: "وفي التَّتارخانِية عن المضمرات: ولا بأس بأَخذ الحاجبين وشعر وجهه ما لم يشبه ال****. اهـ ومثله في المجتبى. تأَمل"(12). أما المالكية والشافعية فقد ذهبوا إلى كراهة ذلك لا إلى حرمته: جاء في شرح زروق على الرسالة: "وعن مالك أنه كره حلق الحاجب والقفا، وقال: لا أراه حرامًا"(13). وفي المجموع للنووي: "وأما الأخذ من الحاجبين إذا طالا فلم أر فيه شيئًا لأصحابنا، وينبغي أن يكره؛ لأنه تغيير لخلق الله لم يثبت فيه شيء فكره"(14). الحكم الشرعي للنمص:- أقوال المذاهب: الشافعية: المعتمد عند الشافعية أنه يجوز تنمص المرأة المتزوجة بإذن زوجها: ففي شرح المنهاج للشمس الرملي من كتب الشافعية: "يحرم أَيضا تجعيد شعرها ... والتنميص، وهو الأَخذ من شعر الوجه والحاجب المحسن، فإِن أَذن لها زوجها أَو سيدها في ذلك جاز؛ لأَن له غرضا في تزيينها له كما في الرَّوضة، وأَصلها، وهو الأَوجه"(15). وهناك رأي لابن حجر الهيتمي في الكبائر بحرمة النمص مطلقًا ففي الزواجر: "والواصلة التي تصل الشعر بشعرٍ آخر، والواشمة التي تفعل الوشم وهو معروفٌ، والنامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقه كذا قال أبو داود، والأشهر ما قاله الخطابي وغيره أنه من النمص، وهو نتف شعر الوجه، والمتفلجة هي التي تفلج أسنانها بنحو مبردٍ للحسن، والمستوصلة والمتنمصة والمستوشمة المفعول بها ذلك . تنبيهٌ: ذكر هذه كلها من الكبائر، وهو ما جرى عليه شيخ الإسلام الجلال البلقيني في الأولين، وغيره في الكل، وهو ظاهرٌ لما مر أن من أمارات الكبيرة اللعن، وقد علمت صحة الأحاديث بلعن الكل، لكن لم يجر كثيرٌ من أئمتنا على إطلاق ذلك، بل قالوا : إنما يحرم غير الوشم والنمص بغير إذن الزوج أو السيد، وهو مشكلٌ لما علمت في قصة الأنصارية فإنه صلى الله عليه وسلم قال لها: لا، مع قولها إن الزوج أمر بالوصل، وعجيبٌ قولهم بكراهة النمص بمعنييه السابقين مع اللعن فيه ومع قولهم بالحرمة في غيره مطلقًا أو بغير إذن الزوج على الخلاف فيه، وأي فرقٍ مع وقوع اللعن على الكل في حديثٍ واحدٍ، والجواب عن ذلك أشاروا إليه في محله"(16). إلا انه في شرحه على المنهاج جرى على معتمد المذهب : "ويحرم على المرأَة وصل شعرها ... والتَّنميصُ، وهو الأَخذ من شعر الوجه والحاجب المحسن فإِن أَذن لها زوجها أَو سيِّدها في ذلك جاز؛ لأَن له غرضًا في تزينها له كما في الروضة، وهو الأَوجه"(17). ; وحرمه الشافعية بغير إذن الزوج على المعتمد، ففي شرح المنهاج للشمس الرملي: "يحرم أَيضا تجعيد شعرها ... والتنميص، وهو الأَخذ من شعر الوجه والحاجب المحسن، فإِن أَذن لها زوجها أَو سيدها في ذلك جاز؛ لأَن له غرضا في تزيينها له كما في الرَّوضة، وأَصلها، وهو الأَوجه(18). وللعراقيين من الشافعية رأي بكراهة الوصل لغير ذات الزوج وليس حرمته والوصل أحد المتعاطفات التي لعنت فاعلتها في أحاديث النهي عن النمص ويبدو من مأخذهم الفقهي أن هذه الكراهة تنسحب على النمص أيضًا؛ وإن لم ينصوا على ذلك نصًا، وذلك أنهم حملوا النهي في الوصل على الكراهة لغرها غيرها بكثرة الشعر وهو من التدليس المنهي عنه؛ لكنهم نفوا الحرمة؛ لأن ذلك زينة بطاهر. وما قالوه في الوصل متحقق في النمص إذ فيه التدليس لغر الغير برقة الحاجب وهو من حسن المرأة، فيكره؛ ولكنه أيضا زينة بغير نجس فعليه فإن الظاهر الكراهة على طريقتهم. ففي البيان للعمراني: "إذا ثبت هذا: فإن أرادت أن تصل شعرها بشعر طاهر، كشعر ما يؤكل لحمه بعد الذكاة أو الجز في حال الحياة، أو أرادت وصله بشيء طاهر غير الشعر، فإن كانت غير ذات زوج ولا سيد .. فهل يحرم عليها فعله؟ فيه وجهان: الأول: قال الشيخ أبو حامد : يكره ذلك لها؛ لأنها تغر غيرها بكثرة الشعر، وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر(19)والتدليس(20) ولا يحرم عليها ذلك؛ لأنه زينة بطاهر"(21). وفي المجموع: "قال صاحب الشامل قال أصحابنا إن كان لها زوج أو سيد جاز لها ذلك وإن لم يكن زوج ولا سيد كره فهذه طريقة العراقيين والصحيح ما صححه الخراسانيون"(22). وذهب النووي في شرح صحيح مسلم إلى الحرمة مطلقا: "وأما النامصة بالصاد المهملة فهي التي تزيل الشعر من الوجه والمتنمصة التي تطلب فعل ذلك بها وهذا الفعل حرام إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالتها بل يستحب عندنا"(23). المالكية: ذهب المالكية في المعتمد إلى أن النهي عن النمص محمول على المرأة المنهية عن استخدام الزينة شرعًا. كالمتوفى عنها زوجها، والمفقود عنها زوجها؛ وهي إذ ذاك تنهى عن النمص وغيره من الزينة بتفصيل ذكر في موضعه من كتبهم. فالتي يحل لها النمص أعم من الزوجة التي أذن لها زوجها بذلك. ففي حاشية العدوي على كفاية الطالب من كتب المالكية: "(قوله: والمتنمصات) بضم الميم وفتح الفوقية والنون وتشديد الميم المكسورة وفتح الصاد بعد الأَلف فوقية جمع متنمصة وهي التي تنتف شعر الحاجب حتى يصير دقيقا حسنا، والنهي محمول على المرأَة المنهية عن استعمال ما هو زينة لها كالمتوفى عنها والمفقود زوجها فلا ينافي ما ورد عن عَائِشَةَ من جواز إزالة الشعر من الحاجب والوجه"(24). وفي الفواكه الدواني من كتبهم: "المعتمد جواز حلق جميع شعر المرأَة ما عدا شعر رأسها، وعليه فيحمل ما في الحديث على المرأَة المنهية عن استعمال ما هو زينة لها كالمتوفى عنها والمفقود زوجها ... قال خليل : وتركت المتوفى عنها فقط وإِن صغرت ولو كتابية ومفقودا زوجها التزين ... التنميصُ هو نتف شعر الحاجب حتى يصير دقيقًا حسنًا، ولكن رُوي عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جواز إزالة الشعر من الحاجب والوجه وهو الموافق لما مر من أَن المعتمد جواز حلق جميع شعر المرأَة ما عدا شعر رأْسها، وعليه فيحمل ما في الحديثِ على المرأَة المنهية عن استعمال ما هو زينة لها كالمتوفى عنها والمفقود زوجها"(25). لكنهم أباحوه لغير المحتدة والمفقود زوجها ولو لم تكن ذات زوج، ففي شرح مختصر خليل للمواق: "ولا إحداد على مطلقة رجعية كانت مبتوتة أَو بائنًا. والإِحداد هو جميع ما تتزين به النساء من حلي وصبغ وكحل وخضاب وطيب وثياب مصبوغة ملونة أَو بيض يلبس مثلها للزينة"(26). وفي شرح مختصر خليل للخرشي: "يجب على المرأَة الكبيرة في عدة الوفاة دون الطلاق ترك التزين وأَما الصغيرة فيجب على وليها أَن يُجنِّبها ما تتجنبه الكبيرة وعلى الأَمة والذمية يتوفى عنها زوجها المسلم وإِنما شرع الإِحداد؛ لأَنه يمنع تشوف الرجل إليها؛ لأَنها إذا تزينت يؤَدي إلى التشوف وهو يؤَدي إلى العقد عليها في العدة وهو يؤَدي إلى الوطء وهو يؤَدي إلى اختلاط الأَنساب وهو حرام وما أَدى إلى الحرام حرام وأَما المطلقة فلا إحداد عليها رجعِية كانت أَو بائنة بالبتات أَو دونها؛ لأَن الزوج باق يذبّ عن نفسه إن ظهر حمل وقوله المتوفى عنها حقيقة أَو حكما كما في زوجة المفقود تعتد عدة الوفاة بعد ضرب الأَجل على المشهور(27).
الأحناف: أما الأحناف فعبارتهم في بيان حكم النمص غير واضحة: ففي حاشية ابن عابدين من كتب الحنفية: "النمص: نتف الشعر ومنه المنماص المنقاش - نقلا عن المُغْرِب -اهـ ثم قال: ولعله محمول على ما إذا فعلته لتتزين للأَجانب، وإِلا فلو كان في وجهها شعر ينفر زوجها عنها بسببه، ففي تحريم إزالته بعد، لأَن الزينة للنساء مطلوبة للتحسين، إلا أَن يحمل على ما لا ضرورة إليه لما في نتفه بالمنماص من الإِيذاء . وفي تبيين المحارم إزالة الشعر من الوجه حرام إلا إذا نبت للمرأَة لحية أَو شوارب فلا تحرم إزالته بل تستحب اهـ، وفي التتارخانية عن المضمرات: ولا بأْس بأَخذ الحاجبين وشعر وجهه ما لم يشبه ال**** اهـ ومثله في المجتبى تأمل"(28). فقول صاحب رد المحتار: "لعله محمول على ما إذا فعلته لتتزين للأجانب، وإِلا فلو كان في وجهها شعر ينفر زوجها عنها بسببه، ففي تحريم إزالته بعد، لأَن الزينة للنساء مطلوبة للتحسين" مؤداه: أنه حرام لغير الزوج جائز له، ولا يقال بناؤه استبعاد التحريم على ما إذا كان في وجهها شعر ينفر زوجها مؤداه قصره الجواز على الضرورة؛ لأن ما ينفر الزوج بسببه لا يكون إلا ما تفاحش وتضطر المرأة لإزالته، وذلك يرد عليه بأن المقدار من الشعر الذي ينفر الزوج وجوده في وجه زوجته لا ينضبط ؛ إذ قد ينفر رجل من القليل وآخر من الكثير؛ فهو لا ينضبط. لكن قوله بعده: "إلا أن يحمل على ما لا ضرورة إليه لما في نتفه بالمنماص من الإيذاء" مؤداه: أنه لا يجوز إلا للضرورة إلا إذا عد التزين للزوج ضرورة. لكن القول المنقول عن تبيين المحارم صريح في حرمة نمص الحاجبين فلم يستثن إلا اللحية والشارب؛ وهو ما ذهب إليه الإمام النووي في شرح صحيح مسلم.
الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى إباحة حلق الوجه وحفه للمرأة، أما النتف فالمنصوص تحريمه، وأباح ابن الجوزي النمص وحده(29)، وحمل النهي على التدليس أو أنه كان شعار الفاجرات. ففي المنتهي وشرحه للبهوتي من كتبهم: "(ويحرم نمص) أي: نتف الشعر من الوجه ... وللمرأة حلق وجهها، وحفه وتحسينه بتحميره ونحوه. وكرهه أحمد لرجل"(30). وقد نُقل عن ابن الجوزي من الحنابلة أنه أََباح النَّمص وحده. وحَمَلَ النَّهْي على التَّدْليس، أَو أنه شعار الفاجرات – كما في كشاف القناع وغيره (31). وفي الغنية وجه أَنه يجوز بطلب زوج (ويحرم نظر شعر أَجنبية) كسائر بدنها (لا) الشعر (البائن) المنفصل منها (ولها) أَي المرأَة (حلق الوجه وحفه نصا) والمحرم إنما هو نتف شعر وجهها قاله في الحاشية(32).
وذهب الشيعة من الزيدية إلى جوازه لذات الزوج: "والنامصة مزيلة الشعر من الوجه بالمنماص وهو الملقاط, والواشرة هي التي تشر السِّنَّ لتدِقَّ تشبها بالصغار (ى) والمفلجة التي تفرِّق بين الأَسنان بالوشرِ, فقيل: يحرُم ذلك مطلقًا, لظاهر الخبر (ى) بل لغير المزوجات والإِماءِ الموطوءات أَو لذوات الريبة, لندب التزين للزوج بأَنواع الزينة, لقوله تعالى: {إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ}, وقولهِ صلى الله عليه وآله وسلم: {أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ} ولترك المسلمين النكير على نسائهم, كثقب الأُذن"(33). ومما سبق فإن القدر المتفق على إباحته بين جمهور الفقهاء هو: جواز إزالة المرأة شعر وجهها لزوجها بإذنه. وقيد الحنابلة - غير ابن الجوزي - ذلك بغير النتف. أما النتف فالمعتمد عندهم تحريمه - كما مرَّت النقول من كتبهم -.
أدلة الجمهور: الدليل في عموم التحريم هو: حديث رواه ثلاثة من الصحابة في لعن النامصة والمتنمصة؛ الرواية الأولى: لعَبْدِ اللَّهِ بن مسعود: روى الإمام البخاري في صحيحه: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ . فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِى أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ إِنَّهُ بَلَغَنِى أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ . فَقَالَ وَمَا لِي لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ هُوَ فِى كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَتْ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ . قَالَ لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتِ (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) . قَالَتْ بَلَى . قَالَ فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ . قَالَتْ فَإِنِّى أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ . قَالَ فَاذْهَبِى فَانْظُرِى . فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعَتْنَ(34). وروى الإمام مسلم في صحيحه: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ - أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ. قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِى أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِى عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَمَا لِىَ لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ فِى كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لَوْحَىِ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ. فَقَالَ لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ فَإِنِّى أَرَى شَيْئًا مِنْ هَذَا عَلَى امْرَأَتِكَ الآنَ. قَالَ اذْهَبِى فَانْظُرِى. قَالَ فَدَخَلَتْ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا. فَقَالَ أَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكِ لَمْ نُجَامِعْهَ(35). الزيادات الواردة على نص الحديث برواية عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود: 1- ما جاء عند النسائي من طريق يحيى بن الجزار عن مسروق : أن امرأة أتت عبد الله بن مسعود فقالت إني امرأة زعراء أيصلح أن أصل في شعري فقال لا قالت أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم أو تجده في كتاب الله قال لا بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم وأجده في كتاب الله ، وساق الحديث(36). 2- ما جاء عند أحمد في المسند من طريق آخر عن يحي بن الجزار عن مسروقٍ أنّ امرأةً جاءت إلى ابن مسعودٍ فقالت أنبئت أنّك تنهى عن الواصلة قال نعم فقالت أشيءٌ تجده في كتاب اللّه أم سمعته عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال أجده في كتاب اللّه وعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت واللّه لقد تصفّحت ما بين دفّتي المصحف فما وجدت فيه الّذي تقول قال فهل وجدت فيه { وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } الحشر/7 قالت نعم قال فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى عن النّامصة والواشرة والواصلة والواشمة إلّا من داءٍ قالت المرأة فلعلّه في بعض نسائك قال لها ادخلي فدخلت ثمّ خرجت فقالت ما رأيت بأسًا قال ما حفظت إذًا وصيّة العبد الصّالح { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ }هود/88 (37). 3- ما جاء في المسند للشاشي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن جبلة، نا موسى بن إسماعيل، نا أبو عوانة، نا عبد الملك بن عمير، عن العريان بن الهيثم، عن قبيصة بن جابر الأسدي قال : كنا نشارك المرأة في السورة من القرآن نتعلمها، فانطلقت مع عجوز من بني أسد إلى ابن مسعود في ثلاث نفر، فرأى جبينها يبرق، فقال : أتحلقينه ؟ فغضبت وقالت : التي تحلق جبينها امرأتك قال : فادخلي عليها، فإن كانت تفعله فهي مني بريئة، فانطلقت، ثم جاءت فقالت : لا والله ما رأيتها تفعله، فقال : عبد الله بن مسعود : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن المتنمصات المتفلجات اللائي يغيرن خلق الله تعالى(38)
ثانيا: رواية ابن عباس : حدثنا ابن السرح ثنا ابن وهب عن أسامة عن أبان بن صالح عن مجاهد بن جبر عن ابن عباس قال: "لعنت الواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة والواشمة والمستوشمة من غير داء"(39) قال أبو داود وتفسير الواصلة التي تصل الشعر بشعر النساء والمستوصلة المعمول بها والنامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقه والمتنمصة المعمول بها والواشمة التي تجعل الخيلان في وجهها بكحل أو مداد والمستوشمة المعمول بها .
ثالثا: رواية السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا خالد قال حدثنا أبان بن صمعة عن أمه قالت سمعت عائشة تقول : "نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة(40)- حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ صَمْعَةَ قَالَ حَدَّثَتْنِي أُمِّي قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ "كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ الْوَاشِمَةِ وَالْوَاصِلَةِ وَالْمُتَوَاصِلَةِ وَالنَّامِصَةِ وَالْمُتَنَمِّصَةِ(41). حيث استفاد الفقهاء من اللعن الواقع على هذه المتعاطفات الحرمة؛ لأن اللعن من أمارات الكبيرة. والنامصة والمتنمصة من المتعاطفات الواقع عليها اللعن في الحديث. ولا يخفى أن اللعن الواقع على النامصة لما علق بالمشتق وهو اسم الفاعل كان مؤذنا بعلية ما منه الاشتقاق وهو النمص في انطلاق اللعن على النامصة. والنامصة والمتنمصة اسم مشتق دخلت عليه الألف واللام فأفاد العموم. ففي حاشية العطار على جمع الجوامع: "(والمفرد المحلى) باللام (مثله) أَي مثل الجمع المعرف بها في أنه للعموم ما لم يتحقق عهد لتبادره إلى الذهن، نحو { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } أَي كل بيع"(42). وفي البحر المحيط للزركشي: "وأما اسم الجنس بأقسامه السابقة، فإذا دخلت عليه الألف واللام سواء الاسم كالذهب والفضة، أو الصفة المشتقة كالضّارب، والْمضْروب، والْقائم والسّارق، والسارقة، فإن كان للعهد فخاصٌّ، ... وإن لم يرد به معهود، فاختلفوا فيه على أقوالٍ: أحدها: أنه يفيد استغراق الجنس، ونقل عن نص الشافعي في "الرسالة" و"البويطي" ونقله أصحابه عنه في قَوْله تَعَالَى: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ }، وهو كذلك في "الأمّ" من رواية الربيع، ويدل عليه قَوْله تَعَالَى: { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } إنكارًا على قول عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) فدل على أن اسم الجنس المعرف يعم، ولولا ذلك لما تطابق، والفقهاء كالمجمعين عليه في استدلالهم بنحو { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ } { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي } وهو الحق؛ لأن الجنس معلوم قبل دخول الألف واللام، فإذا دخلتا ولا معهود، فلو لم يجعله للاستغراق لم يفد شيئًا جديدًا. وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايينيّ، وسليم الرازيّ في " التقريب " : "إنه المذهب"، ونقله الأستاذ أبو منصورٍ عن القائلين بالصيغ قال القاضي عبد الوهاب: وهو قول جمهور الأصوليين"(43). لذا ذهب الشافعية إلى الحكم بعموم حرمة النمص والتنمص على المعتمد - كما سبق الإشارة إليه - إلا أنهم استنبطوا أن علة التحريم هي التدليس وهو منتف في حق المرأة المتزوجة إذا تنمصت بإذن زوجها؛ لذا خصوا تنمص المرأة لزوجها من عموم حرمة النمص؛ إذ يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه. ففي التمهيد للإسنوي: "المشهور من قول الأصوليين ومن قول الشافعي أيضا أنه يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه فمن فروع ذلك: 1 - عدم النقض بلمس المحارم في أصح القولين وإن كانت داخلة في عموم قوله تعالى: {أو لامستم النساء} لأن العلة في النقض إنما هو ثوران الشهوة المفضية إلى خروج المذي منه وهو لا يعلم وذلك مفقود في المحارم فلذلك قلنا إن المحرم لا ينقض وفي قول ينقض مطلقا وقيل ينقض محرم الرضاع والمصاهرة دون النسب"(44). كما أن للسيدة عائشة رضي الله تعالى عنها قولا يستأنس به لما ذهب إليه الشافعية، وهو وإن كان لا يحتج به على الجديد من مذهب الإمام الشافعي إلا أنه قد يتقوى بما استنبطه الشافعية من علة تخصص النص - على خلاف في ذلك التَّقوِّي -. فقد روى عبد الرزاق عن معمر والثوري عن أبي إسحاق عن امرأة بن أبي الصقر أنها كانت عند عائشة فسألتها امرأة فقالت: يا أم المؤمنين إن في وجهي شعرات أفأنتفهن أتزين بذلك لزوجي فقالت عائشة: "أميطي عنك الأذى وتصنعي لزوجك كما تصنعين للزيارة وإذا أمرك فلتطيعيه وإذا أقسم عليك فأبريه ولا تأذني في بيته لمن يكره(45). كما ورد في مسند الجعد: حدثنا علي أنا شعبة عن أبي إسحاق قال : دخلت أمرأتي على عائشة وأم ولد لزيد بن أرقم فقالت لها أم ولد زيد بن أرقم إني بعت من زيد عبدا بثمان مائة نسيئة واشتريته منه بستمائة نقدا فقالت عائشة أبلغي زيدا أن قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا أن تتوب بئس ما شريت وبئس ما اشتريت وسألتها امرأة فقالت إني وجدت شاة وقد عرفتها ولم أجد من يعرفها فقالت لها عرفي واحلبي واعلفي قال وسألتها امرأتي عن المرأة تحف جبينها قالت أميطي عنك الأذى ما استطعت(46). وفي الطبقات الكبرى لابن سعد: أخبرنا المعلى بن أسد، حدثنا المعلى بن زياد القطعي، حدثنا بكرة بنت عقبة أنها دخلت على عائشة وهي جالسة في معصفرة فسألتها عن الحناء فقالت: شجرة طيبة وماء طهور. وسألتها عن الحفاف فقالت لها: إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعي مقلتيك فتصنعيهما أحسن مما هما فافعل(47). وفي سير أعلام النبلاء: وقال معلى بن أسد: حدثنا المعلى بن زياد:، قال: حدثتنا بكرة بنت عقبة: أنها دخلت على عائشة وهي جالسة في معصفرة، فسألتها عن الحناء. فقالت: شجرة طيبة، وماء طهور، وسألتها عن الحفاف، فقالت لها: إن كان لك زوج، فاستطعت أن تنزعي مقلتيك، فتصنعينهما أحسن مما هما، فافعل(48). وفي الدعاء للإمام الطبراني: "حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا شيبان بن فروخ ثنا الطيب بن سلمان قال سمعت عمرة العدوية تقول سمعت عائشة تقول نهى رسول الله عن قشر الوجوه وعن الوشم وأن يجعل في الرأس شيء ولا بأس بالجبين ونهى عن النياحة ولم يلعنهن ونهى أن يبكين قياما وأن يندبن ونهى أن يقطع الشعر ونهى عن صك الوجوه وخمشها ولا بأس أن يبكين قعودا ما لم يقلن هجرا ونهى أن تتبع النساء الجنائز وقال ليس لهن في ذلك أجر(49). وللعراقيين من الشافعية رأي سبق بيانه بكراهة النمص مطلقا, وعدم حرمته، ومأخذه أما المالكية فهم يأخذون بمذهب الصحابي: ففي شرح تنقيح الفصول للقرافي: "وأما قول الصحابي: فهو حجة عند مالكٍ والشافعي في قوله القديم مطلقًا؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم". ومنهم من قال: إن خالف القياس فهو حجة وإلا فلا. ومنهم من قال: قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حجة دون غيرهما. وقيل: قول الخلفاء الأربعة حجة إذا اتفقوا(50). لذا فهم كما يبدو قد حملوا النهي الوارد في أحاديث لعن النامصة على المنهية عن استخدام الزينة شرعًا - كما تقدم النقل من كتبهم -، وعلى هذا فالعموم الذي أطلق في الحديث أريد به الخاص. يقول الإمام القرافي في "العقد المنظوم في الخصوص والعموم": "المسألة الأولى: يجوز إطلاق العام لإرادة الخاص خلافا لقوم(51). أما الأحناف فمن أصول مذهبهم أنه إذا خالف عمل الراوي مرويه، فإن عمله يكون ناسخا للرواية عنه. ففي أًصول السرخسي: "وأما الوجه الثاني وهو ما إذا ظهر من(52)المخالفة قولا أو عملا ... إذا علم ذلك منه بتاريخ بعد الحديث فإن الحديث يخرج به من أن يكون حجة لأن فتواه بخلاف الحديث أو عمله من أبين الدلائل على الانقطاع وأنه الأصل للحديث"(53). وللسيدة عائشة - رضي الله تعالى عنها - رواية للحديث - كما سبق -. وفتواها بخلاف ذلك - سبقت أيضًا - فعلى هذا يعمل بفتواها في إباحة النمص للمتزوجة، ولا يعمل بالتحريم من روايتها. لأن فتواها أفادت علما بالانتساخ. وقد يعترض على هذا بأن هناك روايات لغيرها من الصحابة للحديث الذي لعنت فيه النامصة، كما أن في روايتها ضعفًا، فيجاب بأنه: أولا: إذا قيل بصحة روايتها: ففتواها مخصصة لعموم الرواية ففي أًصول السرخسي: "وأما الوجه الثالث وهو تعيينه بعض محتملات الحديث فإن ذلك لا يمنع كون الحديث معمولا به على ظاهره من قبل أنه إنما فعل ذلك بتأويل وتأويله لا يكون حجة على غيره وإنما الحجة الحديث وبتأويله لا يتغير ظاهر الحديث فيبقى معمولا به على ظاهره وهو وغيره في التأويل والتخصيص سواء(54). ثانيًا: إذا قيل بأن الحديث لم يصح من طريقه(55) وإن صح من طريق غيرها من الصحابة - رضي الله عنهم جميعا - فيجاب بأنه إذا كان عمل الصحابي على خلاف الحديث، وهو ممن يعلم أنه لا يخفى عليه مثل ذلك الحديث فيخرج الحديث به من أن يكون حجة، والحديث في شأن من شئون النساء وهو الزينة فكيف يخفى على أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها. ففي أًصول السرخسي: "وأما ما يكون من جهة غير الراوي فهو قسمان: أحدهما: ما يكون من جهة الصحابة، والثاني: ما يكون من جهة أئمة الحديث فأما ما يكون من الصحابة فهو نوعان على ما ذكره عيسى بن أبان رحمه الله أحدهما أن يعمل بخلاف الحديث بعض الأئمة من الصحابة وهو ممن يعلم أنه لا يخفى عليه مثل ذلك الحديث فيخرج الحديث به من أن يكون حجة لأنه لما انقطع توهم أنه لم يبلغه ولا يظن به مخالفة حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم سواء رواه هو أو غيره فأحسن الوجوه فيه أنه علم انتساخه أو أن ذلك الحكم لم يكن حتما فيجب حمله على هذا(56). أما الحنابلة: فقد أخذوا بظاهر النص؛ حيث نص على النمص الذي هو النتف دون غيره من طرق الإزالة. لذا فقد حرموه وأباحوا الحلق والحف. ولقد ذهب ابن الجوزي إلى إباحة النمص وحده من بين ما شمله اللعن في الحديث حاملا النهي على ما كان مفعولا للتدليس، وربما كان وجه حمله على النهي على التدليس هو استنباطه علة من النص تخصصه، فيخص من عموم الحرمة نمص من ينتفي التدليس فيها وهي ذات الزوج، حيث قال: "إما أن يكون ذلك قد كان شعار الفاجرات، فيكنّ المقصودات به، أو أن يكون مفعولًا للتدليس على الرجل فهذا لا يجوز ... وأما الأدوية التي تزيل الكلف، وتحسن الوجه للزوج، فلا أرى بها بأسا، وكذلك أخذ الشعر من الوجه للتحسن للزوج، ويكون حديث النامصة محمولا على أحد الوجهين الأولين. قال شيخنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي: إذا أخذت المرأة الشعر من وجهها لأجل زوجها بعد رؤيته إياها، فلا بأس به، وإنما يذم إذا فعلته قبل أن يراها، لأن فيه تدليسًا. قال مسلم: وحدثتنا تحية الراسبية، قالت: حدثتني أم نصرة، قالت: قالت عائشة _رضي الله عنها_: «لو كان في وجه بنات أخي لأخرجته ولو بشفرة». وعن بكرة بنت عقبة أنها دخلت على عائشة _رضي الله عنها_ فسألتها عن الحنّاء، فقالت: «شجرة طيبة وماء طهور، وسألتها عن الحفاف، فقالت لها: إن كان لك زوج فاستطعت أن تنتزعي مقلتيك فتصنعيها أحسن مما هما فافعلي"(57). أما حمله ذلك على أنه كان شعارا للفاجرات فكن المقصودات به فمأخذه أن ال في النامصة والمتنمصة للعهد، ولكن لا بد في حمله على العهد من قرينة. ففي شرح الكوكب المنير: "(و) من صيغ العموم أيضًا (اسم جنسٍ معرّفٍ تعريف جنسٍ) وهو ما لا واحد له من لفظه . كالنّاس والحيوان والماء والتّراب ونحوها، حملًا للتّعريف على فائدةٍ لم تكن، وهو تعريف جميع الجنس؛ لأنّ الظّاهر كالجمع، والاستثناء منه نحو قَوْله تَعَالَى {إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} و (لا) يعمّ (مع قرينة عهدٍ) اتّفاقًا. وذلك كسبق تنكيرٍ نحو قَوْله تَعَالَى {كَمَا أَرْسَلْنَا إلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} لأنّه يصرفه إلى ذلك فلا يعمّ إذا عرف. ونحو قَوْله تَعَالَى { يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا } وَنَحْوَ قَوْله تَعَالَى { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى } (ويعمّ مع جهلها) أي جهل قرينة العهد عندنا، وعند أكثر العلماء؛ لأنّ تقييد العموم بانتفاء العهد يقتضي أنّ الأصل فيه الاستغراق. ولهذا احتاج العهد إلى قرينةٍ فيما احتمل العهد والاستغراق، لانتفاء القرينة فمحمولٌ على الأصل، وهو الاستغراق لعموم فائدته . وقيل : إنّه يحمل على العهد . وقيل : إنّه مجملٌ لكونه محتملًا احتمالًا على السّواء"(58).
القول بالتحريم مطلقًا: سبق أن النووي قال بالتحريم مطلقًا إلا إذا نبت للمرأة لحية أو شارب فقد ذهب إلى استحباب إزالتهما. وذهب عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وكذلك الطبري رحمه الله تعالى إلى الحرمة مطلقًا أما رأي سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه في إطلاق الحرمة فقد استفيد من قوله في الروايات السابقة: "لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعَتْنَا" ردا على المرأة التي قالت لها لما سمعت منه الحديث: " فَإِنِّى أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ"، حيث قال لها: "فَاذْهَبِى فَانْظُرِى" فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعَتْنَا. لكن لم تبين الرواية مرجعية الضمير في قول المرأة يفعلونه، فاللعن في الحديث انطلق على متعاطفات. خصص بعضها - كما سبق - وبقى البعض الآخر على عمومه، فلعل قول سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه انطلق على ما لم يخصص. أما ما وقع في بعض الطرق من أنه قال للمرأة وقد رأى جبينها يبرق: أتحلقينه؟ فغضبت وقالت: التي تحلق جبينها امرأتك قال : فادخلي عليها، فإن كانت تفعله فهي مني بريئة. حيث يفهم من ذلك أن ابن مسعود رأى عموم حرمة النمص. وكذلك ما ذهب إليه الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: "وقول المرأة لابن مسعود : (فإنا نرى على امرأتك شيئًا من هذا الآن)(59)؛ تعني: أنها رأت على امرأته عن وقت قريب من وقت كلامها معه ، حتى كأنه في حكم الوقت الحاضر المعبَّر عنه بـ(الآن) شيئًا من تلك الأمور المذكورات في الحديث. وأقرب ما يكون ذلك الشيء التنمي(60)، وهو الذي يزول بنبات الشعر عن قريب، ولو كان ذلك وشمًا، أو تفليجًا، لما زال. وقوله لها: (اذهبي فانظري)؛ يعني: أنَّه لما رأى على امرأته شيئًا من ذلك نهاها فانتهت عنه، وسعت في إزالته حتى زال، فدخلت المرأة، فلم تر عليها شيئًا من ذلك، فصدَّق قوله فعله"(61). فإن ذلك معارض برواية أخرى جاء فيها أن امرأة سألت سيدنا عبد الله مسعود رضي الله عنه وأرضاه: إني امرأة زعراء أيصلح أن أصل في شعري فقال لا قالت أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم أو تجده في كتاب الله قال لا بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم وأجده في كتاب الله ، وساق الحديث(62). وبما جاء من طريق آخر: "أنّ امرأةً جاءت إلى ابن مسعودٍ فقالت أنبئت أنّك تنهى عن الواصلة قال نعم فقالت أشيءٌ تجده في كتاب اللّه أم سمعته عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال أجده في كتاب اللّه وعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت واللّه لقد تصفّحت ما بين دفّتي المصحف فما وجدت فيه الّذي تقول قال فهل وجدت فيه { وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } الحشر/7 قالت نعم قال فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى عن النّامصة والواشرة والواصلة والواشمة إلّا من داءٍ قالت المرأة فلعلّه في بعض نسائك قال لها ادخلي فدخلت ثمّ خرجت فقالت ما رأيت بأسًا قال ما حفظت إذًا وصيّة العبد الصّالح { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ }هود/88(63). وبما جاء من طريق آخر أنها قالت: والله إني أرى أن التي في بيتك تفعله فقال ما حفظت وصية شعيب عليه السلام إذا أقسمت عليك لما دخلت إليها فنظرت إلى شعرها فدخلت فنظرت إلى امرأة قرعاء ولم تر في شعرها شيئا فخرجت فقالت ما رأيت شيئ(64). ثم قول سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: (لو كان ذلك لم نجامعها) فمعناه كما قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "قال جماهير العلماء معناه لم نصاحبها ولم نجتمع نحن وهى بل كنا نطلقها ونفارقها قال القاضي ويحتمل أن معناه لم أطأها وهذا ضعيف والصحيح ما سبق فيحتج به في أن من عنده امرأة مرتكبة معصية كالوصل أو ترك الصلاة أو غيرهما ينبغي له أن يطلقها والله أعلم(65). ويقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: "وهكذا يتعين على الرجل أن ينكر على زوجته مهما رأى عليها شيئًا محرَّمًا، ويمتنع من وطئها كما قال عبد الله: أما إنه لو كان ذلك لم يجامعها. هذا ظاهر هذا اللفظ. ويحتمل: لم يجتمع معها في دار، ولا بيت، فإما بهجران، أو بطلاق، كما قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}النساء/34. وإذا كان هذا لأجل حق الزوج ، فلأن يكون لحق الله تعالى أحرى وأولى(66)، فقول سيدنا عبد الله بن مسعود إما أنه محمول على عدم الوطء وهو مما تؤدب به الناشز أو محمول على الطلاق. وكلاهما لا يتعين منه لزومًا أن يكون سببا لمحرم، وإن جعل سببا لفعل فلا يتعين أن يلزم منه الحكم بحرمته، فطلاق الرجل امرأته أو تأديبه إياها بسبب فعل ربما كان لحرمته وربما لكراهته، وربما لشيء خارج عن الحرمة والكراهة وهو معصية أمر الرجل نفسه. وأما رأي الإمام الطبري رحمه الله تعالى : فحكاه ابن بطال: "قال الطبرى: في هذا الحديث البيان عن رسول الله أنه لا يجوز لامرأة تغيير شيء من خلقها الذي خلقها الله عليه بزيادة فيه أو نقص منه التماس التحسن به لزوج أو غيره، لأن ذلك نقض منها خلقها إلى غير هيئته، وسواء فلجت أسنانها المستوية البنية ووشرتها أو كانت لها أسنان طوال فقطعت أطرافها طلبًا للحسن، أو أسنان زائدة على المعروف من أسنان بني آدم فقلعت الزوائد من ذلك بغير علة إلا طلب التحسن والتجمل، فإنها في كل ذلك مقدمة على ما نهى الله تعالى عنه على لسان نبيه إذا كانت عالمة بالنهى عنه، وكذلك غير جائز لامرأة خلقت لها لحية أو شارب أو عنفقة أن تحلق ذلك منها أو تقصه طلبًا للتجمل، لأن كل ذلك تغيير لخلق الله، ومعنى النص الذي لعن رسول الله فاعلته. فإن قال قائل: فإنك لتجيز للرجل أن يأخذ من أطراف لحيته وعوارضه إذا كثرت ومن الشارب وإطاره إذا وفى، فالمرأة أحق أن يجوز لها إماطة ذلك من الرجل، إذ الأغلب من النساء أن ذلك بهن قليل، وإنما ذلك من خلق الرجال، فجعلت أخذ ذلك من النساء تغييرًا لخلق الله، وجعلتها من الرجال غير تغيير، فما الفرق بين ذلك؟ قيل: إنما لم نحظر على المرأة إذا كانت ذات شارب فوفى شاربها أن تأخذ من إطاره وأطرافه أو كانت ذات لحية طويلة أن تأخذ منها، وإنما نهيناها عن نمص ذلك وحلقة للعنة النبي النامصة والمتنمصة، ولاشك أن نمصها لحية أو شاربًا إن كان لها نظير نمصها شعرًا بوجهها أو جبينها، وفى فرق الله على لسان رسوله بين حكمها فيما لها من أخذ شعر رأسها وما ليس لها منه، وبين حكم الرجل في ذلك أبين الدليل على افتراق حكمها في ذلك، وذلك أن النبي - عليه السلام - أذن للرجال في قص شعر رؤوسهم كلما شاءوا وندبهم إلى حلقة إذا حلوا من إحرامهم، وحظر ذلك على المرأة في الحالتين كلتيهما، إلا أن تأخذ من أطرافه ففي ذلك أبين البيان أن حكم الرجل والمرأة في ذلك مفترق، فالواجب أن يكون مفترقًا فيما لهما من إحفاء الشوارب وقص النواصي وحلقها، وإنما أبحنا لها أن تأخذ من أطراف لحيتها وإطار شاربها، كما أبحنا لها أن تأخذ من أطراف شعر رأسها إذا طال، لما روى شعبة، عن أبي بكر بن حفص، عن أبى سلمه قال: « كان أزواج النبي يأخذن من شعورهن حتى يدعنه كهيئة الوفرة » . وروى ابن جريج، عن صفيه بنت شيبة، عن أم عثمان بنت سفيان، عن ابن عباس قال: « نهى النبي عليه السلام أن تحلق المرأة رأسها، وقال: الحلق مثلة » . وقال مجاهد: لعن رسول الله الحالقة. فإن قال: فما وجه من أطلق النمص والوشم، وأحله وقد علمت ما روى شعبة، عن أبى إسحاق، عن امرأته « أنها دخلت على عائشة فسألتها، وكانت امرأة شابة يعجبها الجمال، فقالت: المرأة تحف جبينها لزوجها. فقالت: أميطي عنك الأذى ما استطعت » . قال الطبري: هكذا قال ابن المثنى تحف، وهو غلط، لأن الحف بالشيء هو الإطافة به، وإنما هو تحفي بمعنى تستأصله حلقًا أو نتفًا. وما حدثك تميم بن المنتصر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا إسماعيل بن قيس قال: دخلت وأنا وأبي على أبي بكر، فرأيت يد أسماء موشومة. قيل: أما عائشة فإن فى الرواية عنها اختلافًا وذلك أن عمران بن موسى قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال: حدثتني أم الحسن، عن معاذة « أنها سالت عائشة عن المرأة تقشر وجهها؟ فقالت: إن كنت تشتهين أن تتزيني فلا يحل، وإن كانت امرأة بوجهها كلف شديد فما - كأنها كرهته ولم تصرح » فهذه الرواية بالنهي عن قشر المرأة وجهها للزينة وذلك نظير إحفائها جبينها للزينة، وإذا اختلفت الرواية عنها كان أولى الأمور أن يضاف إليها أشبهها بالحق(67). وقد أجاب الإمام ابن بطال على رأي الإمام الطبري بما يلي: "قال المؤلف: يقال للطبري: أما ما ذكرته من أن المرأة منهية عن حلق رأسها في الإحرام وغيره بحديث ابن عباس، وقوله عليه السلام: إن الحلق مثلة، فإن حديث ابن عباس ليس معناه التحريم بدليل أن المرأة لو حلقت رأسها في الحج مكان التقصير اللازم لها لم تأت في ذلك حراما، ودل قوله: إن الحلق مثلة، أن معنى النهي عن ذلك إنما هو خيفة أن تمثل المرأة بنفسها وتنقض جمالها فيكره ذلك بعلها، والمثلة ليست بحرام وإنما هي مكروهة، وقد قال مالك: حلق الشارب مثلة، وقد ثبت حلقه عن كثير من السلف، واحتجوا بأمره عليه السلام بإحفاء الشوارب، وأما قول مجاهد: لعن رسول الله الحالقة فليس من هذا الباب في شيء، وإنما لعن الحالقة لشعرها عند المصيبة اتباعًا لسنن الجاهلية، وبهذا جاء الحديث، ذكره البخاري في كتاب الجنائز من حديث أبى موسى: « أن رسول الله بريء من الحالقة والصالقة والشاقة » وترجم له باب ما ينهى عنه من الحلق عند المصيبة، فبان بهذا معنى النهي عن الحلق أنه عند المصيبة كفعل الجاهلية، وأما إن احتاجت امرأة إلى حلق رأسها فذلك غير حرام عليها كالرجل سواء"(68). وبعد جواب الإمام ابن بطال على جل ما ذهب إليه الإمام الطبري رحمه الله تعالى، يبقى أن تعليق التحريم بتغيير خلق الله تعالى، حيث ورد في حديث لعن النامصة والمتنمصة: المغيرات خلق الله يحتاج لمزيد تأمل. يقول الشهاب القرافي رحمه الله تعالى: "وما في الحديث من تغيير خلق اللّه لم أفهم معناه فإنّ التّغيير للجمال غير منكرٍ في الشّرع كالختان وقصّ الظّفر والشّعر وصبغ الحنّاء وصبغ الشّعر وغير ذلك"(69). فلعل التغيير الذي يحرم هو الذي يراد به التدليس فلما انتفى في حق المتزوجة التي أذن لها زوجها بالنمص كان فعلها مخصوصا من عموم التغيير المحرم، غير أن الإمام القرافي قال في ذلك أيضًا: "لم أر للفقهاء الشّافعيّة والمالكيّة وغيرهم في تعليل هذا الحديث إلّا أنّه تدليسٌ على الزّوج لتكثير الصّداق , ويشكل ذلك إذا كانوا عالمين به وبالوشم فإنّه ليس فيه تدليسٌ , وما في الحديث من تغيير خلق اللّه لم أفهم معناه فإنّ التّغ | |
|