تحية المسجد الحرام
ما أقوال المذاهب الأربعة في تحية المسجد الحرام , هل هي
الطواف أم صلاة ركعتين ؟ وما الراجح ؟ وما صحة حديث : ( تحية البيت الطواف
) ؟
الحمد لله
لا يخلو حال الداخل إلى المسجد الحرام من حالين :
الأول : أن يدخله بقصد الطواف ، سواء كان للحج أو العمرة أو تطوعاً :
فهذا أول ما يبدأ به الطواف ، ولا يشرع له البدء بركعتي تحية المسجد قبل
الطواف ، إذ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من أصحابه ،
وهذا ما عليه جمهور الفقهاء ، ولم يخالف في ذلك إلا أفراد ، منهم ابن عقيل
من الحنابلة – كما نقله عنه ابن تيمية في "شرح عمدة الفقه" - .
ويستثنى من ذلك ما إذا منع مانعٌ كالزحام الشديد عن البدء بالطواف ، فيصلي
ركعتين تحية المسجد ، وينتظر حتى ينجلي الزحام ليشرع في الطواف .
الثاني : أن يدخله بقصد الصلاة أو الجلوس أو حضور حلق العلم أو الذكر أو قراءة القرآن أو غيرها من العبادات :
فيستحب له أن يصلي ركعتي تحية المسجد ؛ لعموم حديث أبي قتادة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى
يصلي ركعتين )
أخرجه البخاري (1167) ومسلم (714)
وأما ما يرويه الناس من حديث ( تحية البيت الطواف ) فليس له أصل في كتب
السنة ، ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد أصلا ، فلا يجوز نسبته
إليه .
قال الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (رقم/1012) :
" لا أعلم له أصلا وإن اشتهر على الألسنة ، وأورده صاحب " الهداية " من الحنفية بلفظ :
( من أتى البيت فليحيه بالطواف ) ، وقد أشار الحافظ الزيلعي في تخريجه إلى
أنه لا أصل له ، بقوله (2/51) : " غريب جدا " ، وأفصح عن ذلك الحافظ ابن
حجر ، فقال في "الدراية" (ص192) : " لم أجده " .
قلت – أي الشيخ الألباني - : ولا أعلم في السنة القولية أو العملية ما يشهد
لمعناه ، بل إن عموم الأدلة الواردة في الصلاة قبل الجلوس في المسجد تشمل
المسجد الحرام أيضا ، والقول بأن تحيته الطواف مخالف للعموم المشار إليه ،
فلا يقبل إلا بعد ثبوته ، وهيهات ، لا سيما وقد ثبت بالتجربة أنه لا يمكن
للداخل إلى المسجد الحرام الطواف كلما دخل المسجد في أيام المواسم ، فالحمد
لله الذي جعل في الأمر سعة ، ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) .
وإن مما ينبغي التنبه له أن هذا الحكم إنما هو بالنسبة لغير المحرم ، وإلا
فالسنة في حقه أن يبدأ بالطواف ثم بالركعتين بعده ، انظر : بدع الحج
والعمرة في رسالتي " مناسك الحج والعمرة " رقم البدعة (37) " انتهى .
وقال الحطاب المالكي في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/375) :
" من دخل مسجد مكة فتحية المسجد الحرام في حقه الطواف بالبيت , وهذا في حق
القادم المحرم ، فإنه يطلب منه أنه إذا دخل المسجد الحرام البداءة بطواف
القدوم - إن كان محرما بحج أو قران - ، وبطواف العمرة - إن كان محرما بعمرة
- ، وبطواف الإفاضة - إذا دخله بعد الرجوع من عرفة - , ولا يطلب منه
الركوع (أي : الصلاة) عند دخوله . وكذلك غير القادم - إذا دخل المسجد
الحرام ونيته أن يطوف عند دخوله - فتحية المسجد في حقه الطواف , ولا يطلب
منه حينئذ الركوع .
وأما غير القادم إذا دخل المسجد الحرام ونيته الصلاة في المسجد أو مشاهدة البيت الشريف , ولم يكن نيته الطواف ، فإنه يصلي ركعتين...
قال ابن رشد : الطواف بالبيت صلاة , فإذا دخله يريد الطواف بدأ بالطواف ,
وإن دخله لا يريد الطواف في وقت تنفل بدأ بالركعتين " انتهى باختصار.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (10/306) :
" ذهب جمهور الفقهاء إلى أن تحية المسجد الحرام الطواف للقادم لمكة , سواء
كان تاجرا أو حاجا أو غيرهما , لقول عائشة رضي الله عنها عنها : ( إن النبي
صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة توضأ , ثم طاف بالبيت ) وركعتا تحية
المسجد الحرام تجزئ عنهما الركعتان بعد الطواف .
وأما المكي الذي لم يؤمر بطواف ، ولم يدخله لأجل الطواف ، بل للصلاة أو
لقراءة القرآن أو للعلم ، فتحية المسجد الحرام في حقه الصلاة ، كتحية سائر
المساجد" انتهى باختصار .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن : هل تحية المسجد الحرام صلاة ركعتين أو الطواف ؟
فأجاب : "المسجد الحرام كغيره من المساجد من دخل ليصلي ، أو ليستمع الذكر ،
أو ما أشبه ذلك من الإرادات فإنه يصلي ركعتين كغيره من المساجد ، لعموم
قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ
فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) رواه البخاري (1167) أما
إذا دخل ليطوف كإنسان معتمر دخل ليطوف طواف العمرة ، أو ليطوف تطوعاً فهنا
يغني الطواف عن ركعتي تحية المسجد ؛ لأنه إذا طاف فسوف يصلي ركعتين بعد
الطواف" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/286) .
والله أعلم .