التقييم : 3 نقاط : 360864 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: العقول المعطلة الأحد مارس 17, 2013 3:59 pm | |
| الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد : فيسرني أن أقدّم لإخواني المسلمين في كل أصقاع المعمورة , من متصفحي الإنترنت والشبكة العنكبوتية , هذه النصيحةَ الأدبية , أوجِّهها للذين غيَّبوا عقولهم في خِضَم المستجدَّات الدعوية , وعطَّلوها عن الدور الإيجابي فيما يحدث في الساحات الإسلامية .
هذا , وقد بيَّنتُ في هذه النصيحة شيئاً من أهمية استخدام العقول السليمة , أمام تلك التحديات التي تحدثها قِوى الكفر , والتنظير العالمي , وذلك بالرجوع إلى المفاهيم الصحيحة , والرؤى الشرعية الرجيحة , من خلال أصول ديننا الحنيف , ورسالة الإسلام الخالدة , وقد صغتُ ذلك في مقال أدبي شرعي , بعنوان :
العقول المعطَّلة الحمد لله الذي جعل العقل دليلاً على ربوبيته ، وسبيلاً إلى وحدانيته ، والصلاة والسلام على من زكى الله له عقله وحفظ عليه فؤاده فقال : (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 2-4] ، وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد : فقد كرَّم الله الجنسَ البشريَّ على سائر المخلوقات فقال تعالى : وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء : 70] . فكان من أعظم ما أكرمه الله به أن جعل له عقلاً يميِّز به الصحيحَ من الخطأ ، والنافعَ من الضار ، والخيرَ من الشر ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )[البلد : 10], قال الشاعر : وأفضل قَسْم الله للمرء عقله * * * فليس من الأشياء شيء يقاربه إذا أكمل الرحمن للمرء عقله * * * فقد كملت أخلاقه ومآربه لهذا فقد خاطب الله العقول الدالة على ربوبيته في كتابه العزيز ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ) [العنكبوت: 61] وقد ضرب الله لهم الأمثال فقال: )لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )[الحشر : 21] وقال تعالى : (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت : 43] قلت: إنما تُضرب الأمثال دائماً لأصحاب العقول لتستبين لهم منارة الطريق الحق وضرب الأمثال وسيلة تربوية، بل إنها وسيلة مجردة من وسائل الإيضاح كما أنها نوع من أنواع التربية التجريبية استخدمها القرآن في كثير من المواقف كما في قوله تعالى: ( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) [إبراهيم : 25] كل ذلك ليستخدمها أصحابها فيما شرعه الله وأراده . ولما عطَّلت عبَدةُ الطبيعة عقولَهم , ونسبوا ما في الطبيعة إليها صاروا إلى إنكار وجود خالق هذه الطبيعة وموجدها وهو الله عز وجل , بينما جاءت الآيات مصرِّحاتٍ بهذه الحقيقة , فقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [فصلت : 39] وقال تعالى: (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) [الجاثية : 3 - 5] وقال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )[البقرة : 164] . وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )[غافر : 67] وكيف يُنكَر هذا أو يُستبعد وقد حكى الله عن الهدهد وهو من العالم البهيمي أنه وحَّد الله واحتج على صحة توحيده بهذا الدليل المذكور في الآفاق، قال الله حاكياً عنه: (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ )[النمل : 25] يعني المطر والنبات، فاحتج بحدوث هذين الأمرين العجيبين المعلوم حدوثهما مع تكررهما بحسب حاجة الجميع إليهما. قلت : ومع كل ذلك لم يستفيدوا من عقولهم في التفكر في هذه الآيات الكونية , بخلاف المؤمنين الذين أداموا النظر في مخلوقات الله والتفكر في آياته , (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) واعترفوا به لله قائلين (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) [آل عمران : 191-190] . لأنَّ أَبْسَطَ الْعُقُولِ تُدْرِكُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُسَبِّحُ بِحَمْدِ الله طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لأَنَّهَا مُسَخَّرَةٌ لَهُ , فكان التفكُّر في مخلوقاته سبحانه دالاً على ربوبيته , قال الشاعر : تحضّ على الذِّكر الحميد بفعله * * * وفيها لأرباب العقول بصائرُ ولما سئل ذلك الأعرابي بم عرفتَ ربك قال : ( البعرة تدل على البعير , والأثر يدل على المسير ، أرض ذات فجاج , وسماء ذات أبراج , وليل داج ، ونجوم تزهر , وبحار تزخر , ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير) ؟! كما في "إيثار الحق على الخلق" لابن الوزير . قلت : بلى والله , قال أبو العتاهية : ولله فـي كل تحـريكةٍ * * * وفي كل تسكينةٍ شاهد وفي كل شيء لـه آيـة * * * تدل على أنـه واحـد قال الله : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ )[الأعراف : 185] قال أبو نواس وهو الحسن بن هانئ في بيتي التوحيد : عيونٌّ مـن لُجينٍ شاخصاتٌ * * * بأحداقٍ هي الذهب السبيكُ على قُضُب الزبرجد شاهداتٌ * * * بـأنَّ الله ليس لـه شريكُ قلت : فالعقل السليم هو الذي دفع الطُفيل بن عمرو ذلك العربي القرشي, حينما منعته قريش من السماع للنبي صلى الله عليه وسلم , قائلين له : إنا نخشى عليك وعلى قومك مثلما دخل علينا منه فلا تكلمه ولا تسمع منه حتى قال : فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت على ألا أسمع منه شيئا ولا أكلمه وفي رواية حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسُفاً – أي قطناً - , فرَقا – أي خوفاً- من أني يبلغني شيء من قوله . قال : فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي عند الكعبة فقمت قريبا منه وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله فسمعت كلاما حسنا . فقلت في نفسي : واثكل أمي والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ؟ فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته وإن كان قبيحا تركته . فمكثت حتى انصرف إلى بيته ثم اتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت معه فقلت : يا محمد إن قومك قالوا لي كذا وكذا الذي قالوا لي فوالله ما تركوني يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ثم قلت إن الله أبى إلا أن يسمعنيه فسمعت قولاً حسناً فاعرض علي أمرك فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم الإسلام وتلا عليه القرآن فقال : لا والله ما سمعت قولاً قط أحسن من هذا ولا أمراً أعدل منه فأسلمت وشهدت شهادة الحق . مختصر تاريخ دمشق (1 / 4) قال البيهقي في شعب الإيمان - (4 / 162) 4665 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت محمد بن عبد الله قال : سمعت أبا عمرو الزجاجي يقول : كان الناس في الجاهلية يتبعون ما استحسنت عقولهم و طبائعهم فجاء النبي صلى الله عليه و سلم فردهم إلى الشريعة والإتباع بالعقل الصحيح الذي يستحسن محاسن الشريعة و يستقبح ما يستقبحه . قلت : وهذا العقل الناضج هو الذي أقعد ابنَ عباس العالم الحبر البحر , صاحبَ العقل النير , والفهم السليم , - على صغر سنِّه - في حلقة الخليفة الراشد عمر , بين يدي شيوخ الصحابة , ليجيب عما عجزوا عنه من أن نزول سورة النصر كانت إيذاناً بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم , حتى قال عمر ما أعلم منها إلا ما تقول ) , كما في ترجمته من السير (3/343). ولا عجب فقد قال عنه عمر نفسه أيضاً : ( ذاك فتى الكهول , له لسانٌ سؤول وقلبٌ عَقول ) أخرجه الطبراني والحاكم , وهو حسن بمجموع طرقه . قلت : كيف لا ؟! وهو القائل لما كبرت سنُّه وذهب بصرُه : إنْ يأخـذ اللهُ من عينيَّ نورهما * * * ففي لسـاني وقلبي منهما نور قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخَل * * * وفي فمي صارم كالسيف مأثور ولما كان العقل نعمة ميَّز الله الإنسان وفضَّله به على سائر المخلوقات , قال الشاعر : لولا العقولُ لكانَ أدنى ضيغمٍ * * * أدنى إلى شرفٍ من الإنسانِ فكان الواجب إعماله والحذر من تغييبه وتعطيله ، فإن أناساً عطَّلوا عقولهم فصاروا في عِداد البهائم , وفيهم قال الله ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) [الفرقان : 44] . لهذا فإنه لما عطَّل أهل الفلسفة والإلحاد عقولهم عطَّلوا عبادة الله وتشريعه , فخلصوا إلى إنكار وجود الله ,حتى صارت لهم مثلاً العبارة السائدة اليوم ( لا إله والحياة مادة ) وذلك هو مذهب الشيوعيين والدهريين والزنادقة والملاحدة الذين يقولون لا شيء إلا المادة , هادمين قاعدة (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [الذاريات : 56]. | |
|