الحمد
لله الواحد القهار العزيز الغفار مكور الليل على النهار تذكرة لأولي
الأبصار وتبصرة لأولي الألباب والاعتبار الذي أيقظ من خلقه من اصطفاه
فزهدهم في هذه الدار وشغلهم بمراقبته وإدامة الأفكار ووفقهم للدأب في
طاعته والتأهب لدار القرار والحذر مما يسخطه ويوجب دار البوار ........
احمده ابلغ حمد وأزكاه واشمله وأنماه .
واشهد أن لا اله إلا الله البر الكريم الرؤوف الرحيم واشهد أن محمدا عبده
ورسوله وحبيبه وخليله الهادي إلى صراط مستقيم والداعي إلى دين قويم صلوات
الله وسلامه عليه وعلى اله وصحبه وسائر الصالحين وبعد :
فان
الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام الخمسة وعمود الدين ومن أحب
الأعمال إلى الله عز وجل وأداؤها مع الجماعة من أوكد العبادات وأجل
الطاعات ومن أعظم شعائر الإسلام .......
لكن كثيرا من المنتسبين
للإسلام يتساهلون في ذلك ولهذا التساهل أسباب ولعل أهمها عدم معرفتهم ما
أعد الله تعالى من ثواب عظيم وأجر جزيل لمن صلى الصلاة في الجماعة .......
وقد عزمت بعون الله وتوفيقه على تناول الموضوع من خلال معرفة :
1- فضل صلاة الجماعة .
2- اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الجماعة .
3- عناية سلف الأمة من الصحابة ومن بعدهم بصلاة الجماعة .
--------------------------------------------------------------
أولا : فضل صلاة الجماعة :
إن من فضل الله تعالى على عباده أنه جعل الثواب الجزيل على أداء الصلاة في
جماعة ويبدأ هذا الثواب من تعلق القلب في المسجد فالمشي إليه لأداء
الصلاة فيه مع الجماعة حتى يفرغ العبد من الصلاة ولا يتوقف الثواب عند هذا
بل يستمر حتى يصلي المصلي إلى بيته كما جعل الله ثوابا خاصا على أداء
العشاء والفجر والعصر مع الجماعة .
وسأذكر بعون الله تعالى في هذا المبحث بعض ما ورد في هذا الصدد تحت العناوين التاليه :
أ – معلق القلب في المسجد سيكون في ظل الله تعالى يوم القيامة :
مما يدل على فضل الصلاة في جماعة أن من كان شديد الحب للمساجد لأداء
الصلاة مع الجماعة فيها فان الله تبارك وتعالى سيظله في ظله يوم لا ظل إلا
ظله فقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ......) وذكر منهم
ورجل قلبه معلق في المساجد .....
يقول الإمام النووي في شرح قوله
(ورجل قلبه معلق في المساجد) : معناه شديد المحبة لها والملازمة للجماعة
فيها وليس معناه القعود في المسجد .....
ب _ فضل المشي إلى المسجد لأداء الصلاة مع الجماعة :
بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الخطوات التي يخطوها المرء المسلم إلى
المسجد أنها تكتب له فقد روى الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله
عنهما قال : أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد قال : والبقاع خالية
. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( يابني سلمة دياركم
تكتب آثاركم ) حديث صحيح ...
فقالوا : ماكان يسرنا أن كنا تحولنا .....
يقول الإمام النووي رحمه الله في شرح قوله عليه الصلاة والسلام أي الزموا
دياركم فإنكم إذا لزمتموها كتبت آثاركم وخطاكم الكثيرة إلى المسجد ....
ومما يدل على فضل المشي إلى المسجد لأداء الصلاة فيه مع الجماعة أن الله
تعالى قد رفع منزلة آثار قاصد المسجد حتى أن الملائكة المقربين يختصمون في
إثباتها والصعود بها إلى السماء ودليل ذلك عندما سال الله تبارك وتعالى
محمد صلى الله عليه وسلم في نهاية الحديث بقوله : يا محمد هل تدري فيم
يختصم الملا الأعلى ؟
قلت أي الرسول صلى الله عليه وسلم ( نعم في
الكفارات والكفارات : المكث في المساجد بعد الصلاة والمشي على الأقدام إلى
الجماعات وإسباغ الوضوء على المكاره ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان
من خطيئته كيوم ولدته أمه ) حديث صحيح .
ولو لم يكن المشي على
الأقدام إلى الجماعات من الأعمال الجليلة ما كانت الملائكة المقربين
يتخاصموا في إثباتها والصعود بها إلى السماء ....
كما أن المشي إلى
الجماعات من أسباب ضمان العيش بخير والموت بخير فقد جاء في الحديث السابق
انه من فعل ذلك أي الأعمال الثلاث المذكورة في الحديث ومنها المشي على
الأقدام إلى الجماعات فقد عاش بخير ومات بخير فما أعظم هذا الضمان ! العيش
بخير والموت بخير ومن تعاهد بذلك ؟ هو الله الواحد الذي لا أحد أوفى بعهده
منه .......
وليس هذا فحسب بل جعل الله المشي إلى الجماعات أيضا من
أسباب تطهير العبد من الذنوب فقد روى الإمام مسلم عن أبو هريرة رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا أدلكم على ما يمحو الله
به الخطايا ويرفع به الدرجات....... ) وذكر منها ( وكثرة الخطا إلى
المساجد ) حديث صحيح .
يقول الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله ( كل
خطوة واحدة يرفع الله بها درجة وتحط عنه خطيئة وتكتب له حسنه وهذه الزيادة
الأخيرة ( حسنه ) في صحيح مسلم .
كما أن أجر الخارج إلى الصلاة
المكتوبة من بيته لا داءها مع الجماعة متطهرا كأجر الحاج المحرم فقد روى
الإمام احمد والإمام أبو داوود عن أبي امامة رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ( من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره
كأجر الحاج المحرم ) حديث حسن .
الله أكبر ! ما أعظم اجر الخارج إلى
المسجد وإذا كان أجر العظيم على الخروج لأداء الصلاة مع الجماعة فكيف يكون
الأجر عند أداءها مع الجماعة ؟
ومما يدل على فضل الذهاب إلى المسجد
مابينه النبي صلى الله عليه وسلم من أن الخارج إلى الصلاة ضامن على الله
تعالى فقد روى الإمام أبو داوود عن أبي امامة رضي الله عنه عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال :
( ثلاثة كلهم ضامن على الله عز وجل ) وذكر
منهم ( ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو
يرده بما نال من أجر وغنيمة ) حديث صحيح ...
ما أوثق هذا الضمان وأعظمه ! وأي ضمان يمكن أن يكون أوثق أو مثل ضمان الخالق القادر سبحانه وتعالى ...
وروى الإمام ابن ماجه عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ( ليبشر المشاءون في الظلم إلى المساجد بنور تام
يوم القيامة ) حديث صحيح .
وقال الطيبي في شرح الحديث ( في وصف النور
التام وتقييده بيوم القيامة تلميح إلى وجه المؤمنين يوم القيامة في قوله
تعالى ( نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا )
....
وأختم في هذه النقطة بحديث في فضل المشي إلى المسجد لأداء الصلاة
مع الجماعة مارواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : ( من غدا إلى المسجد وراح أعد الله له نزله من الجنة كلما
غدا أو راح ) حديث صحيح ....
ج _ آت المسجد زائر الله تعالى :
ومما يدل على فضل صلاة الجماعة في المسجد ما قاله الرسول صلى الله عليه
وسلم ( من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زائر الله وحق على المزور
أن يكرم الزائر )
د _ فرح الله تعالى بقدوم العبد إلى المسجد لأداء الصلاة فيه :
ومما يدل على فضل الصلاة مع الجماعة في المسجد ما قاله الرسول صلى الله
عليه وسلم ( لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه ويسبغه ثم يأتي المسجد لا يريد
إلا الصلاة فيه إلا تبشبش الله إليه كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته )
والبش كما يقول الإمام ابن الأثير هو فرح الصديق بالصديق .
ه_ فضل انتظار الصلاة :
ومما يدل على فضل الصلاة مع الجماعة بأن من جلس في انتظارها فهو في الصلاة
وان الملائكة تستغفر له وتدعو له بالرحمة فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ( لا يزال العبد في صلاة ماكان في مصلاه ينتظر الصلاة وتقول الملائمة
: اللهم اغفر له اللهم ارحمه حتى ينصرف أو يحدث ) حديث صحيح
ويقول
سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله ( والملائكة تصلي عليه في مصلاه
قبل الصلاة في المسجد وبعدها مادام في مصلاه مالم يؤذ بغيبه أو نميميه أو
كلام باطل ومالم يحدث ) .
و _ فضل الصفوف الأولى وميامن الصفوف :
إن لصلاة الجماعة في الصفوف الأولى ولاسيما في الصف الأول فضلا عظيما وقد
بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث هذا الفضل ومنها : قوله (
لو يعلم الناس مافي النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه
لاستهموا ) حديث صحيح .
وروى الإمام أبو داود عن أبي بن كعب رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وان الصف الأول على مثل صف
الملائكة ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه ) .
يقول الشيخ احمد البنا في شرح قوله ( على مثل صف الملائكة ) أي في القرب من الله عز وجل ونزول الرحمة وإتمامه واعتداله ...
كما أن الله تعالى وملائكته يصلون على الصفوف الأولى وميامن الصفوف فقد
قال النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : ( إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول أو الصفوف الأولى )
كما قال عليه الصلاة والسلام : ( إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف ).
ز _ عجب الله تعالى من الصلاة في الجماعة :
ومما يدل على فضل صلاة الجماعة ما قاله الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام
في الحديث الذي رواه الإمام احمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله ليعجب من الصلاة في
الجميع ) .
ح _ مغفرة الذنوب لمن صلى مع الجماعة بعد إسباغ الوضوء :
روى الإمام مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول ( من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصلاة
المكتوبة فصلاها مع الناس أو مع الجماعة أو في المسجد غفر الله له ذنوبه )
حديث صحيح .
ك _ فضل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد :
روى
الإمام البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه انه سمع النبي صلى الله
عليه وسلم يقول : ( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ) حديث
صحيح .
وفي الحديث الآخر الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي
الله عنهما قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( صلاة الجماعة
تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة )
وقد جمع بين هذه الروايات بأن حديث
الخمس والعشرين ذكر فيه الفضل الذي بين صلاة المنفرد والصلاة في جماعة
والفضل خمس وعشرون وحديث السبع والعشرين ذكر فيه صلاته منفردا وصلاته في
الجماعة والفضل بينهما فصار المجموع سبع وعشرين وقال الإمام النووي رحمه
الله : والجمع بينها من ثلاثة أوجه :
احدهما : انه لا منافاة بينها فذكر القليل لا ينفي الكثير.
والثاني : أن يكون قد اخبر أولا بالقليل ثم اعلمه الله تعالى بزيادة الفضل فاخبر بها .
والثالث : انه يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة فيكون لبعضهم خمس
وعشرون ولبعضهم سبع وعشرون بحسب كمال الصلاة . وقال الشيخ الإمام عبد
العزيز ابن باز رحمه الله ( وأما التفاوت فهذا والله اعلم كان لعدم نزول
فضل الزائد إلا بعد الناقص فاخبر بخمس وعشرين ثم اخبر بسبع وعشرين والله
اعلم ) .
وقد استدل القائلون بان صلاة الجماعة غير واجبه بهذه
الأحاديث وان صيغة أفضل تدل على الاشتراك في اصل الفضل ورد الشيخ عبد
العزيز بن باز رحمه الله على هؤلاء بقوله : ( هذه الأحاديث تدل على فضل
الجماعة وهذا التفضيل لا يلزم منه عدم الوجوب فصلاة الجماعة واجبة ومفضلة
فلا منافاة بين التفضيل والوجوب ومن لم يصلها مع جماعة فصلاته صحيحة على
الراجح مع الإثم )
ل _ الصلاة في الجماعة تعصم العبد من الشيطان :
فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الإمام احمد عن معاذ بن
جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الشيطان ذئب
للإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية وإياكم والشعاب وعليكم
بالجماعة والعامة )
ومعنى ذئب الغنم أن الشيطان مفسد للإنسان بإغوائه كإفساد الذئب إذا أطلق في قطيع من الغنم .
م _ زيادة فضل الجماعة بزيادة عدد المصلين :
فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من
صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى
الله عز وجل ) .
ن _ براءتان لمن صلى أربعين يوما يدرك التكبيرة الأولى :
فقد قال معلم البشرية صلى الله عليه وسلم ( من صلى لله أربعين يوما في
جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان : براءة من النار وبراءة من
النفاق ) .
فما أعظم هذه البشارة !!!!
ي _ فضل صلاة العشاء والفجر والعصر في جماعة :
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صلى العشاء في جماعة فكأنما
قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله )
والمراد بقوله : أي ومن صلى الصبح في جماعة بعدما صلى العشاء في جماعة فكأنما صلى الليل كله .
وقال عليه الصلاة والسلام : ( من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله فمن اخفر ذمة الله كبه الله في النار لوجهه )
كما قال عليه الصلاة والسلام ( من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله
حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة )
حديث حسن .
وكذلك أن أداءها في وقتها مع الجماعة من أسباب دخول الجنة
والنجاة من النار فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من صلى البردين دخل
الجنة )
وقال : ( لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) يعني الفجر والعصر ....
ومن الفوائد والفضائل العامة : أنها رمز لوحدة المسلمين وجمع قلوبهم
واتحاد صفوفهم فالرب واحد والنبي واحد والقبلة واحدة والهدف واحد وهو طلب
رضا الله وجنته والسلامة من عذابه وسخطه ....
كما يحصل التوادد والتعارف وذلك لان الناس إذا صلى بعضه مع بعض حصل التعارف ومنها التوادد بينهم والتحاب .
كما انه فيها إظهار لشعيرة من أعظم شعائر الإسلام لان الناس لو صلوا كلهم في بيوتهم ما عرف أن هنالك صلاة ......
كما أن فيها استشعار المسلم وقوفه في صف الجهاد كما قال تعالى ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص )
فهؤلاء الذين صاروا صفا في الجهاد لا شك أنهم إذا تعودوا ذلك في الصلوات
الخمس سيكون ذلك وسيلة إلى ائتمامهم بقائدهم في صف الجهاد فلا يتقدمون ولا
يتأخرون عن أوامره .
هذا ما تيسر جمعه من فضائل الصلاة مع
الجماعة ولعل ما ذكر فيه الكفاية والدلالة على الفضائل الكثيرة العظيمة
للصلاة مع الجماعة والله اعلم .
--------------------------------------------------------------------------------
ثانيا: اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الجماعة :
لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي ليرغب الناس في صلاة
الجماعة ولا يهتم بها بل كان صلى الله عليه وسلم اشد الناس اهتماما بها
حتى في اشد الأحوال وأصعبها وفيما يلي اذكر موقفين له :
أ _ قيامه بأداء الصلاة مع الجماعة في شدة المعركة :
فقد روى الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه قال ( غزونا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم قوما من جهينة فقاتلونا قتالا شديدا فلما صلينا الظهر قال
المشركون ( لو ملنا عليهم ميلة واحدة لاقتطعناهم )
فأخبر جبريل الرسول بالأمر فذكر لنا ذلك رسول الله قال : وقالوا ( انه ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد )
فلما حضرت العصر قال : صفنا صفين والمشركون بيننا وبين القبلة
قال : فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا وركع فركعنا ثم سجد فسجد
معه الصف الأول فلما قاموا سجد الصف الثاني ثم تأخر الصف الأول وتقدم الصف
الثاني فقاموا مقام الأول فكبر رسول الله وكبرنا وركع فركعنا ثم سجد وسجد
معه الصف الأول وقام الثاني فلما سجد الصف الثاني ثم جلسوا جميعا سلم
عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
ويتجلى اهتمام الرسول بصلاة الجماعة من عدة وجوه وهي :
1- أدى الرسول صلاة الظهر مع الجماعة أثناء قتال قوم من جهينة وكانوا قد قاتلوا المسلمين قتالا شديدا .
2- أن الإطلاع على قرار المشركين بالإغارة دفعة واحدة أثناء تأديتهم لصلاة
العصر مع الجماعة لم يقلل من اهتمامه عليه الصلاة والسلام بها .
ب_ جهود النبي صلى الله عليه وسلم للخروج لصلاة الجماعة في شدة المرض :
فقد روى الإمام البخاري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : دخلت على
عائشة رضي الله عنها فقلت ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه
وسلم .
قالت : بلى . ثقل بضم القاف النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (أصلى الناس ) ؟
قلنا : لا . هم ينتظرونك
قال : ضعوا لي ماء في المخضب .
قالت : فعلنا .
فاغتسل عليه الصلاة والسلام فذهب لينوء أي ليقوم فأغمي عليه ثم أفاق عليه الصلاة والسلام فقال : أصلى الناس ؟
قلنا : لا . هم ينتظرونك يا رسول الله
قال : ضعوا لي ماء في المخضب .
قالت : فقعد فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال : أصلى الناس ؟
فقلنا : لا . هم ينتظرونك يا رسول الله
والناس عكوف في المسجد أي مجتمعون ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء .
فأرسل النبي إلى أبو بكر رضي الله عنه بان يصلي بالناس فأتاه الرسول الذي
بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : ( إن رسول الله صلى الله يأمرك أن
تصلي الناس )..
فقال أبو بكر رضي الله عنه : وكان رجلا رقيقا : ( يا عمر صل بالناس ) .
فقال له عمر رضي الله عنه ( أنت أحق بذلك ) ...
فصلى أبو بكر تلك الأيام .... الحديث ...
الله أكبر !! كم كان صلوات الله وسلامه عليه حريصا على حضور صلاة الجماعة .
يشتد مرضه فيغتسل ثم يغمى عليه فيفيق فيغتسل للمرة الثانية ثم يغمى عليه
فيفيق فيغتسل للمرة التالية . كل ذلك لعله صلى الله عليه وسلم يكسب نشاطا
يمكنه بفضل الله تعالى من حضور صلاة الجماعة في المسجد .......
--------------------------------------------------------------------------------
ثالثا : اهتمام سلف الأمة بصلاة الجماعة :
لسلف هذه الأمة من الصحابة ومن بعدهم رضي الله عنهم مواقف تدل على إدراك
عظيم لفضل صلاة الجماعة وسعيهم لنيله وحرصهم على دعوة الآخرين لأدائها
بالجماعة وسأذكر بعون الله تعالى بعض تلك المواقف في هذا المطلب تحت
العناوين التالية :
أ _ المقاربة في الخطا عند المشي إلى المسجد :
ومما يدل على إدراك سلف هذه الأمة عظيم ثواب صلاة الجماعة وحرصهم على نيله
أن بعضهم كان يقارب خطاه عند ذهابه إلى المسجد كي يكثر خطاه فيكثر ثوابه
فقد روى الإمام البخاري عن ثابت انه كان مع انس رضي الله عنه بالزاويه فوق
غرفة له فسمع الآذان فنزل ونزلت فقارب في الخطا فقال : كنت مع زيد بن
ثابت رضي الله عنه فمشى بي هذه المشية وقال : أتدري لم فعلت بك ذلك ؟ فان
النبي صلى الله عليه وسلم مشى بي تلك المشية وقال : أتدري لم مشيت بك ؟
قلت : الله ورسوله اعلم .
قال : ليكثر عدد خطانا في طلب الصلاة .
ب _ المداومة على حضور صلاة الجماعة :
لقد ثبت عن بعض سلف هذه الأمة الاهتمام المستمر بصلاة الجماعة والمواظبة على حضورها لسنوات طويلة .
فقد ذكر الإمام ابن المبارك عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال :
( ما دخل وقت صلاة قط حتى أشتاق إليها )
ولم يكن رضي الله عنه يشتاق إلى الصلاة فحسب بل كان يستعد لها قبل إقامتها
فقد ذكر الحافظ الذهبي عنه انه قال ( ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا
على وضوء )...
وكان سعيد بن المسيب يحضر المسجد قبل الأذان
واستمر على ذلك مدة لاتقل عن ثلاثين سنة فقد روى الأمام أبي شيبة عن سعيد
بن المسيب قال:
( ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد ) ...
ولم تفت صلاة الجماعة سعيد بن المسيب أربعين سنة فقد روى الإمام ابن سعد (
ما فاتت ابن المسيب صلاة الجماعة منذ أربعين سنة ) .....
ج _ ترك العلاج حرصا على جماعة العشاء والفجر :
ومما يدل على ذلك مارواه الإمام ابن سعد عن حرملة عن سعيد بن المسيب انه
اشتكى عينه فقالوا : ( لو خرجت يا أبا محمد إلى العقيق فنظرت إلى الخضرة
لوجدت لذلك خفة ).
والعقيق كما قال القاضي عياض هو واد عليه أموال أهل المدينة .
فقال ابن المسيب : ( فكيف أصنع بشهود العتمة والصبح )..
الله أكبر ! يتحمل سعيد بن المسيب مرضا في العين لكنه لا يتحمل تفويت صلاتي الفجر والعشاء في جماعة فأين نحن من هؤلاء ؟
د _ حضور المرضى صلاة الجماعة :
ومما يدل على ذلك الصحابي الجليل أبي بن كعب حيث كان يسال الله الحمى كي
تكفر سيئاته لكنه يسأل مع هذا أن لا يمنعه مرضه من أمور وذكر منها : حضور
المسجد لأداء الصلاة المكتوبة مع الجماعة .
فقد روى الإمام احمد
والإمام ابو يعلى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رجل لرسول
الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا مالنا بها ؟
قال عليه الصلاة والسلام : كفارات
قال أبي بن كعب رضي الله عنه : وان قلت (بتشديد الام وكسرها )
قال عليه الصلاة والسلام : ( وان شوكة فما فوقها )
قال : فدعا أبي بن كعب رضي الله عنه على نفسه أن لا يفارقه الوعك أي الحمى
حتى يموت في أن لا يشغله عن حج ولا عمرة ولاجهاد في سبيل الله ولا صلاة
مكتوبة في جماعة )
فما مسه إنسان إلا وجد حرها حتى مات .
ماأحرصه
رضي الله عنه على تكفير سيئاته حيث دعا أن يصيبه الوعك لكنه مع ذلك رغب في
أن لا يحرم من أربعة أمور ومنها حضور صلاة الجماعة .
ه_ الذهاب إلى المسجد في الظروف الصعبة :
ومما يدل على حرص سلف الأمة على نيل ثواب صلاة الجماعة سعيهم إليها في
الظروف الصعبة ومن ذلك ماروي انه قيل لسعيد بن المسيب ( أن طارقا يريد
قتلك فتغيب )
فقال : ( أبحيث لا يقدر الله علي ) ؟
فقيل له : اجلس في بيتك .
فقال : اسمع حي على الفلاح فلا أجيب !!!!
و _ اهتمام ولي الأمر بصلاة الجماعة :
ومما يؤكد اهتمام سلف الأمة بصلاة الجماعة ما نجد من عناية ولاة أمور
المسلمين الأوائل بها . فعلى سبيل المثال نجد أمير المؤمنين رضي الله عنه
عمر بن الخطاب حينما بعث غلاما إلى من كان قد ذهب بصره كي يقوده إلى
المسجد فقد روى ابن سعد عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة قال : جاء عمر
رضي الله عنه سعيد بن يربوع إلى منزله فعزاه في ذهاب بصره وقال : ( لا تدع
الجمعة ولا الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه
وسلم ) .
قال : ليس لي قائد
فقال الفاروق : فنحن نبعث إليك بقائد .
فبعث إليه بغلام من السبى .
ونجد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يمر في الطريق مناديا (
الصلاة الصلاة ) كان يوقظ بذلك الناس لصلاة الفجر وكان رضي الله عنه يفعل
ذلك كل يوم ....
ي _ حادثة عجيبة تدل على حرص أحد المعاصرين على صلاة الجماعة :
كان سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله شديد المحافظة على صلاة الجماعة واليك هذه الحادثة التي تؤك