(2109 كلمة)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد..
يقول الله تبارك وتعالى:
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [سورة الزمر: 9]، ويقول جل وعلا:
يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [سورة المجادلة: 11]، ويقول النبي
:
{من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين} [رواه البخاري ومسلم].
واستجابة لهذه التوجيهات العظيمة حرصا على التواصل معكم بإصدارتنا
العلمية المتنوعة، مساهمة منا في نشر العلم الشرعي بطريقة ميسرة ومختصرة
وما هذا الإصدار الذي بين أيديكم إلا أقل ما ينبغي على المسلم معرفته من
أحكام ديننا في هذا الباب. نسأل الله العظيم أن يُعيننا على تعلم وتطبيق
أحكام ديننا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم.
حامل المسك1428هـ
تقديم:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله
وصحبه. أما بعد، فنعم الله علينا لا يحصيها بش، ومن تلك النعم أنه لا يكاد
يخلو بيت من بيوتنا من خادم. والخادم هو من يعمل في قضاء حوائج البيت
اليومية نظير أجر يتقاضاه، وهو عادة ما يعيش في كنف أهل البيت الذين
يخدمهم. وهذا من تسخير الله بعض عباده لبعض:
نَحْنُ
قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ
وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم
بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [سورة الزخرف: 32]، وعادة ما يطلب الناس من الخادم أداء حقوقهم، لكن هل سأل أحدنا نفسه: ما حق خادمه عليه... ذكرا كان أو أنثى؟!
إن خير من يقتدي به في هذا الباب، وفي غيره من مجالات الدنيا والدين، هو صاحب الخلق العظيم، عبد الله ورسوله، محمد
:
لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21]، وسنوجز هنا بعض هدية
في معاملة الخدم وما يتيسر من أدلة الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح في
هذا الباب؛ فإن ديننا الحنيف وشريعتنا الغراء لم يغفل فيها هذا الجانب
المهم من التعامل الإنساني.
وفي زماننا توجد بيوت -ولله الحمد- يعامل فيها الخدم معاملة حسنة،
ولكن في الجانب الآخر يوجد من يظلم الخادم ولا يؤدي حقوقه كاملة، ولذلك
لابد من التذكير بسوء عاقبة الظلم والتحذير من بخس الحقوق. وإنما قصدنا
الخادم في هذه الرسالة لتكرار التعامل معه بشكل يومي، والله الموفق والهادي
إلى سواء السبيل.
1- أداء حق الخادم من الراتب المتفق عليه:
فلا يجوز بخس الخادم من راتبه ولا تأخيره عنه فإن ذلك حق له وأمانة لدى مخدومه. يقول الله تعالى:
إِنَّ
اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا
وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ
اللَّـهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ سَمِيعًا
بَصِيرًا [سورة النساء: 58]، فهضم حقه مخالفة ومعصية لرب السماوات والأرض. وليحذر
الإنسان أن يكون خصمه اليوم يوم القيامة إن لم يوف الأجير أجره، فقد روى
البخاري عن أبي هريرة
عن النبي
قال:
{قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره}.
2- حسن معاملة الخادم:
وهذا باب كبير من أبواب البر، فإن فيه تربية للنفس على التواضع. وقد كان سيد البشر
خير الناس في معاملة الخادم. يقول خادمه أنس رضي الله عنه:
{فخدمته في السفر والحضر، ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا، ولا لشيء لم أصنعه لم تصنع هذا هكذا} [رواه البخاري].
3- عدم إهانة الخادم أو ضربه:
ومن حسن معاملة الخادم عدم إهانته أو ضربه، روي عبد الله بن مسعود
عن النبي
أنه قال:
{أجيبوا الداعي، ولا تردوا الهدية، ولا تضربوا المسلمين} [صححه الألباني]. وهذا رسول الله
لا يمد يده على أحد إلا في جهاد، كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
{ما ضرب رسول الله شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله} [رواه مسلم]. وقد كان
يوصي بذلك، فعن أبي أمامة
أن النبي
أقبل ومعه غلامان، فوهب أحدهما لعلي بن أبي طالب
وقال:
{لا تضربه؛ فإني نهيت عن ضرب أهل الصلاة، وإني رأيته يصلي منذ أقبلنا} [رواه البخاري في الأدب المفرد 163 وحسنه الألباني].
كما كان النبي
يذكر أصحابه بالرفق بالخادم لشفقته عليهما، فعلى الخادم لتحسن معاملته، وعلى أصحابه كي لا يحتملوا إثما. فعن أبي مسعود
قال:
{كنت أضرب غلاما لي. فسمعت من خلفي صوتا: "اعلم، أبا مسعود.. لله أقدر عليك منك عليه"، فالتفت فإذا هو رسول الله ، فقلت: "يا رسول الله، هو حر لوجه الله"، فقال: "أما لو لم تفعل، للفحتك النار، أو لمستك النار} [رواه مسلم].
والله تعالى رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، كما صح عن النبي
.
ومن أشد المنكر أن بعض الناس يتعمد ضرب الخادم على الوجه وفي ذلك ما فيه من الإهانة، وهو بذلك يخالف أمر نبيه
الذي قال:
{لا يسمن أحد الوجه ولا يضربنه} [صححه الألباني].
4- لا يكلف الخادم فوق طاقته:
ومن حقوق الخادم كذلك أن لا يكلف من الأعمال ما هو فوق طاقته أو خارج مسؤولياته اتفاقا أو عرفا؛ فعن أبي هريرة
عن رسول الله
قال:
{للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق} [رواه مسلم]. فإذا كان العبد المملوك لا يكلف إلا ما يطيق فالخادم الحر
أولى، فإن كان هناك من عمل لابد منه فلينه مخدومه فيحمل عنه ما هو فوق
طاقته؛ عن أبي ذر
أن النبي
قال:
{إن
إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما
يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم
فأعينوهم} [رواه البخاري].
5- تعليم الخادم أمور دينه:
ومن حسن معاملة الخادم المسلم أن يعلمه مخدومه الضروري من أمور دينه
كالصلاة والصيام وينهاه عن البدع، فإن كثيرا من الذين يفدون للخدم يأتون
من بيئاتهم ببعض البدع الدينية، خاصة من يفيد من بيئات تتفشى فيها هذه
الأمور. ولا شك أن سيد المنزل راع والخادم يعتبر من رعيته لذلك فهو مسئول
يوم القيامة عن إنكار ما يراه منه من منكر. كما قال النبي
:
{كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته} [رواه البخاري]. ومما يغفله كثير من الناس أن يعلم خادمه أن يخرج عن نفسه
زكاه فطره عند انقضاء رمضان، أو على الأقل أخذ توكيل منه ليخرجها عنه
مخدومه.
وإن كان الخادم غير مسلم فدعوته إلى الإسلام فيها خير عظيم، كما قال النبي
لعلي رضي الله عنه:
{فوالله لأن يهدي الله رجلا بك، خير لك من أن يكون لك حمر النعم} [رواه البخاري].
6- أكل الخادم من أكل أهل البيت:
إن كون الخادم أقل منزلة اجتماعية من مخدومه لا يستوجب أن يكون
طعامه أقل مستوى منه، بل إن هذه منازل قدرها الله تعالى على العباد في هذه
الحياة الدنيا. لذلك حث النبي
على إشباع هذه الحاجة لدى الخادم، فعن أبي ذر
أن النبي
قال:
{إن
إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما
يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم
فأعينوهم} [رواه البخاري]، قال الحافظ أبن حجر: "أي العبيد
والخدم" ( فتح الباري)، فإذا كان الخادم يطبخ لأهل البيت (طباخ) فعليهم أن
يسمحوا له أن يأكل من طبخه؛ فإنه قد شم رائحة هذا الأكل ورآه فتاقت نفسه
إليه؛ فقد
{سمع رجلا يسأل جابرا عن خادم الرجل إذا كفاه المشقة والحر أمر النبي أن يدعوه قال نعم فإن كره أحدكم أن يطعم معه فليطعمه أكلة في يده} [صححه الألباني].
عن أبي هريرة
عن النبي
قال:
{إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين، أو أكله أو أكلتين، فإنه ولي علاجه} [رواه البخاري].
ثم إطعام الخادم صدقة، كإطعام النفس والزوجة والولد، فعن المقدام بن معديكرب أنه سمع النبي
يقول:
{ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة} [صححه الألباني].
7- الختم على الخادم:
وقد كان من هدي السلف أن يعينوا الخدم على أنفسهم فلا يتركون
أموالهم هملا، فقد يشجع ذلك الخادم على السرقة وخيانة الأمانة. فإذا حفظ
أهل البيت أموالهم وحليهم عن أن تصل إليهم أيدي الخدم فإن ذلك من صالح
الخدم من ناحيتين: الأولى أنهم يصانون من ذنب السرقة، والثانية أنه إذا فقد
شيء منها لا يظن بهم ظن السوء. عن أبي العالية (تابعي) قال:
{كنا نؤمر أن نختم على الخادم، ونكيل ونعدها، كراهية أن يتعودوا خلق سواء، أو يظن أحدنا ظن سوء} [رواه البخاري في الأدب المفرد 167 وصحيح إسناده الألباني]، قال الجيلاني:
"لأن قلوبنا بالختم والكيل والعد تطمئن بالحفظ، وينحسم طمع العبيد والخدم
فلا يجترثون على السرقة والخيانة، فهم يصانون عن ذئب، ونحن نصان عن سوء
الظن بهم".
وقد كان أبو هريرة
يعد قطعات اللحم لما كان خادمه يجيئ من السوق، فلما جلس للطعام كان يأمر
خادمه بالجلوس معه، فسئل مرة: "أنك تعد قطعات اللحم إذا جاء بها الخادم ثم
لا تدعه حتى يأكل معك!"، فقال: "ذلك أنقى للصدر، فلا يذهب الوهم إلا أنه
أخذ منه شيئا" (فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد 1/393).
وعن سلمان
قال: "إني لأعد العراق على خادمي مخافة الظن"، أي مخافة أن أسيء الظن به.
والعراق هو العظم الذي أكل لحمه [رواه البخاري في الأدب المفرد 168وصحح
إسناده الألباني].
8- لا يخلو بالمرأة الخادمة ويغض بصره عنها:
ومن حسن معاملة المرأة الخادمة أن لا ينظر إليها مخدومها ولا يخلو
بها فإنها أجنبية عنه أجيرة لديه وهي أمانة في عنقه، وهذا داخل في عموم
الأمر بعض البصر والنهي عن الخلوة بالأجنبية؛ فقد قال رسول الله
:
{لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم} [رواه البخاري]، وعلى الرجل كذلك أن يعلم أبناءه هذا الخلق إذا بلغوا سن التمييز.
9- لا تخلو المرأة بخادمها ولا تتكشف له:
وبالنسبة للمرأة فلا يجوز أن تخلو بخادمها ولا أن يرى منها ما يحرم
النظر إليه؛ فهو أجنبي عنها أجير لديها، وحكمه في النظر والخلوة حكم
الأجنبي، كما في الحديث السابق. وإن كانت المرأة الخادمة أفضل من الرجل لأن
علاقة الخادم عادة تكون في أكثر الأوقات مع سيدة المنزل.
ومن المنكر الشائع ركوب المرأة السيارة مع السائق متعطرة متبرجة، فإن ذلك مخالفة لأمر النبي
، وإن مراعاة عدم ارتكاب هذا الذنب فيه صيانة للخادم (السائق) عن الإثم وحفظ لدينه ونفسه عن الفتنة.
10- الإنفاق على الخادم:
والإنفاق على الخادم صدقة لها أجرها عند الله تبارك وتعالى، وقد حث النبي
على الإنفاق على الخادم لأنه قريب ويرجى أن تكون هذه الصدقة ذات أثر طيب
في نفسه تجاه مخدومه، فإنه ما جاء من بلده وتغرب إلا ليكسب رزقا حلالا يعيل
به نفسه وغيره.
عن أبي هريرة
قال:
{أمر النبي
بصدقة، فقال رجل: "يا رسول، عندي دينار"، قال: "أنفقه على نفسك"، قال:
"عندي آخر"، قال: "أنفقه على زوجتك"، قال: "عندي آخر"، فقال: "أنفقه على
خادمك، ثم أنت أبصر"} [رواه البخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني].
11- العفو عن الخادم:
من منا لا يخطئ؟!.. ومن منا إذا أخطأ لا يحب أن يغفر له ويعفى عنه؟!... فكذلك الخدم.
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
{جاء رجل إلى النبي
فقال: "يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟"، فصمت، ثم أعاد عليه الكلام
فصمت، فلما كان في الثالثة قال: "اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة"} [رواه أبو داود وصححه الألباني].
12- الدعاء للخادم، لا الدعاء عليه!
فقد نهانا رسولنا الكريم
عن أنفسنا أو ما رزقنا الله من الولد والخادم والمال؛ قال
:
{لا
تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا
على أموالكم، لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب
لكم} [رواه أبو داود، وصححه الألباني]؛ وهذا رسول الله
يدعو لخادمه أنس رضي الله عنه، يقول أنس:
{فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به، قال: "اللهم ارزقه مالا، وولدا، وبارك له"} [رواه البخاري]، وقد سقى
مرة فدعا لمن سقاه فقال:
{اللهم اطعم من أطعمني، واسق من أسقاني} [رواه مسلم]. قال النووي رحمه الله: "فيه الدعاء للمحسن والخادم"، فمن منا
بلغ في حسن معاملته لخادمه أن يدعو له إذا أتاه بطعامه وشرابه؟!
خاتمة:
وأخيرا تذكر أن الجزاء من جنس العمل! قال رسول الله
:
{لا يرحم الله من لا يرحم الناس} [رواه البخاري]. وإنك إذا عدلت وأقسطت كان لك جزاء عظيم بإذن الله تعالى، فهذا وعد الصادق المصدوق
:
{إن المقسطين عند الله، على منابر من نور، عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين؛ الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا} [رواه مسلم]، وتذكر دعاء النبي
:
{اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولى من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به} [رواه مسلم].
هذا ما تيسر جمعه في باب معاملة الخادم في شريعة نبينا
الذي ما ترك خيرا إلا دلنا عليه ولا شرا إلا حذرنا منه، فصلاة الله وسلامه عليه، والحمد لله ربا لعالمين.
و الله اعلم