منتديات اهل الحق
مرحبا بكم في منتدياتنا منتديات اهل الحق و أرجو من زائرنا العزيز أن يجد كل ما يبحث عنه من مواضيع و برامج ......وشكراا...
منتديات اهل الحق
مرحبا بكم في منتدياتنا منتديات اهل الحق و أرجو من زائرنا العزيز أن يجد كل ما يبحث عنه من مواضيع و برامج ......وشكراا...
منتديات اهل الحق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  
آيـــــات الشفاء في القرآن الكريم إن هذه الآيات تجتمع في كل آية فيها كلمة شفاء و تقرأ بترتيب المصحف فقد قال العلماء أن في هذا استعانة بكلام الله على الشفاء و خصوصا بالنسبة للأمراض التي لا تقدر عليها أسباب البشر...وهـــم:- الآية 14 من سورة التوبة: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ... صدق الله العظيم الآية 57 في سورة يونس : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ... صدق الله العظيم الآية 69 من سورة النحل : وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ... صدق الله العظيم الآية 82 من سورة الإسراء : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا... صدق الله العظيم الآية 80 من سورة الشعراء : وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ... صدق الله العظيم الآية 44 من سورة فصلت : وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ...||

 

 منهج أهل السنة في توحيد الأمة - عبد الرزاق البدر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة





التقييم : 3
نقاط : 360522
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

منهج أهل السنة في توحيد الأمة - عبد الرزاق البدر Empty
مُساهمةموضوع: منهج أهل السنة في توحيد الأمة - عبد الرزاق البدر   منهج أهل السنة في توحيد الأمة - عبد الرزاق البدر I_icon_minitimeالإثنين أبريل 29, 2013 12:24 am

والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


منهج أهل السنة في توحيد الأمة
الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر –عفى الله عنه-
رابط المحاضرة على موقع الشيخ
http://www.al-badr.net/web/index.php...on=lec&lec=391


إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ،
ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له ،
وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله ، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه
أجمعين وسلَّم تسليمًا كثيرًا ؛ نشهد أنَّه بلَّغ الرِّسالة ، وأدَّى
الأمانة ، ونصح الأمَّة ، وجاهَد في الله حقَّ جهاده حتَّى أتاه اليقين،
فما ترك خيرًا إلَّا دلَّ الأمَّة عليه، ولا شرًّا إلَّا حذَّرها منه.
أمَّا بعد – أيها الإخوة - فإنَّ موضوع هذه الكلمة موضوعٌ عظيم وموضوع
كبيرٌ جدًّا ، وكلُّ مسلم يتطلَّع غاية التَّطلُّع إلى تحقيق هذا المطلَب
الجليل وهذا الهدف العظيم ؛ وهو: توحيدُ كلمة المسلمين وجمعُ صفِّهم ولمُّ
شعَثِهم وجمعهم على كلمةٍ سواء ، لا شكَّ أنَّ كلَّ مسلم يتطلَّع إلى تحقيق
هذا الأمر وإلى القيام به ، وفي صدد القيام بهذا المطلب نجد في السَّاحة
حلولًا كثيرة ، وآراءً متفرِّقة ، واتِّجاهات متباينة في تحديد العلاج
النَّاجع والسَّبيل الأقوم في جمع كلمة المسلمين ولمِّ صفِّهم وجمع شتاتهم .


هناك حلول كثيرة ؛ لكنَّ المسلم اللَّبيب ، المسلم الفَطِن يعيد كلَّ أمر -
ومنه هذا الأمر - إلى كتاب الله وإلى سُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه
وسلم فهما الفَيصل وهما المعوَّل وإليهما المرجِع في كلِّ أمر ، هكذا ينبغي
أن يكون المسلِم ؛ يعيد مواطنَ النِّزاع وأمورَ الخلاف ومسائلَه إلى كتاب
الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيهما الشِّفاء وفيهما الغَناء
، ولا يجوز لأحدٍ كائنًا من كان أن يُدلي برأي أو يتخرَّص تخرُّصًا أو
يأتي بظنٍّ أمام الحجج البيِّنة والدَّلائل النَّيِّرة من كتاب الله
وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إنَّ جمع كلمة المسلمين ، وتوحيدَ صفِّهم ، وتحذيرَهم من التَّفرُّق
والاختلاف جاء بيانه مفصَّلًا غاية البيان وأحسنَه وأوضحَه في كتاب الله
وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا مَعْدِل لأهل السُّنَّة أهل
الحقِّ والاستقامة عمَّا جاء في كتاب الله وسُّنَّة رسوله صلى الله عليه
وسلم , فهم يدورون معهما حيث دارا نفيًا أو إثباتًا ، كما قال الإمام
الأوزاعيُّ رحمه الله : «ندور مع السُّنَّة حيث دارَت» ؛ هؤلاء هم أهل
السُّنَّة حقًّا وأنصارها صدقًا يدورون مع السُّنَّة حيث دارت ، فما جاء في
كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم أقاموه وأتوا به على التَّمام
والكمال ، وما لم يكُن فيهما تركوه وحَذِروا منه غاية الحَذر ؛ هذا شأن
أهل السُّنَّة والجماعة أهل الحقِّ الَّذين شهد لهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالنُّصرة والنَّجاة ؛ فينبغي - إخواني – عندما نريد حلًّا لهذه
المشكلة أو هذه المعضلة وهي الفُرقة الَّتي تقع ووقعت بين المسلمين ألَّا
نتطلَّب حلولًا لها من غير كتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم
.

إنَّ وقوعَ الفُرقة والاختِلاف أمراً قدَّره الله - تبارك وتعالى - كونًا
وقدرًا ، وإن كان لم يَرْضه - تبارك وتعالى - شرعًا ودينًا ، قدَّره كونًا
وقدرًا وقد أخبر به الصَّادق المصدوق عليه الصَّلاة والسَّلام بأنَّه سيقع
قبل أن يقع ، فقد قال في الحديث الصَّحيح الثَّابت : «وَإنَّ أُمَّتِي
سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي
النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً» ؛ هذا إخبار من الصَّادق المصدوق الَّذي لا
ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم بأنَّ التَّفرُّق سيحصل وأنَّه أراده
الله تبارك وتعالى كونًا وقدرًا ، فهو سيقع ولابدَّ طبقًا لما أخبر به عليه
الصَّلاة والسَّلام ، وهكذا في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه وأرضاه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ
فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا» ، والله تبارك وتعالى يقول:{ وَلَا
يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}[هود:118] ، هذا أمرٌ قدَّره الله - تبارك وتعالى
- وأراده كونًا وقدرًا لكن لم يرضَه شرعًا ودينًا ، عندما تقرأ القرآن
الكريم كتاب الله - تبارك وتعالى - وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم تجد
فيهما النُّصوص الكثيرة والأدلَّة الوفيرة المحذِّرة من الشِّقاق والفُرقة
والتَّدابر والتَّطاحن والتَّباغض ونحو ذلك ، في كتاب الله وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم تحذير من ذلك ونهي عنه ؛ فإذا كنَّا قد علِمنا من خبر رسول
الله صلى الله عليه وسلم وممَّا نراه في واقع المنتسبين إلى الإسلام وهو
حصول الفرقة وحصول الاختلاف وحصول الآراء والمذاهب المتعدِّدة فإنَّ هذا
يدعونا دعوةً أكيدةً وصادقةً إلى العودة الحميدة إلى كتاب الله وسُنَّة
رسوله صلى الله عليه وسلم فهما - كما تقدَّم - الشِّفاء والغناء لمن وفَّقه
الله وبصَّره الله - تبارك وتعالى –.

إنَّ التَّفرق في دين الله مذموم ، إن مُفارقة دين الله - تبارك وتعالى –
مذموم ؛ ذمَّه الله تبارك وتعالى في كتابه وذمَّه رسوله صلى الله عليه وسلم
في سنته ، يقول الله تبارك وتعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ
وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ [الأنعام:159]، وفي
قراءة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ
مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ ؛ الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام منهم بَراء وهم
منه بُرآء ؛ الَّذين فرَّقوا دينهم ، الَّذين فارقوا دينهم ، الَّذين
خالفوا دينهم، الَّذين اتَّبعوا الفتن المطغية والأهواء المردية ، ولهذا
تجد في تفسير هذه الآية في قول عدد من المفسِّرين أنَّ قوله تبارك وتعالى: ﴿
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ﴾ المراد بهؤلاء أهل البدع والأهواء
من هذه الأمَّة ؛ وفي قولٍ آخر أنَّ المراد بهم اليهود والنَّصارى ؛
والحقُّ كما ذكر عددٌ من أهل العلم أنَّ الآية تشمل هذا وهذا ، فاليهود
والنَّصارى فرَّقوا دينهم وفارقوا دينهم ؛ فارقوا دينهم : بمعنى تركوه
وجانبوه وابتعدوا عنه ولم يأخذوا به ، وفرَّقوا دينهم : بدل أن كان دينًا
واحدًا يدينون الله - تبارك وتعالى - به ويعتقِدونه اتَّخذوا أديانًا شتَّى
ومذاهبَ مختلفة . فالآية تشمل هذا وهذا ، فيها النَّهي الأكيد والوعيد
الشَّديد على من فرَّق دينَه أو فارق دينَه ، وأنَّ النَّبيَّ صلى الله
عليه وسلم ليس منهم في شيء، هو منهم بريء وهم منه برآء ؛ لأنهم فارقوا
الدين واختلفوا في الدين .

ويقول الله تبارك وتعالى : ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ
نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ
وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾
[الشورى: 13] هذه وصيَّة الله - تبارك وتعالى- وشريعته للأنبياء ولأولي
العزم من الأنبياء ؛ إقامة الدِّين وعدم التَّفرُّق في دين الله تبارك
وتعالى ، وهذه الآية فيها أنجع حلٍّ وأسلم حلٍّ لتقليل الخلاف ولمِّ
الشَّعث.

إقامة الدِّين : أن يأتي أهل الدين بالدين ، أن يقيموا دينَهم الَّذي أمرهم
الله - تبارك وتعالى - به ، لا حلَّ سوى هذا الحل ، ولا علاج سوى هذا
العلاج ، العلاج : العودة الصادقة لدين الله ، إقامة دين الله تبارك وتعالى
، أن يأتي العبد بدين الله تبارك وتعالى ، إقامة الدين يكون فيها حلٌ
لمشكلة التفرق لمصيبة التفرق الَّتي يقع فيه النَّاس، بالعودة إلى الدِّين
كاملًا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾
[البقرة: 208]، فإذا أخذ بعض النَّاس جانبًا من جوانب الدِّين وأهملوا
جانبًا آخر ، وقابلهم أُناس آخرون فأخذوا بجانبٍ من جوانب الدِّين وأهملوا
جوانبَ أخرى وقع بينهم التَّدابر ، ووقعت بينهم الفُرقة ، ووقَعت بينهم
المحن والشِّقاق والاختِلاف ، فإذًا حلُّ هذه المشكلة بإقامة الدِّين لله
تبارك وتعالى ، والإتيان به على التَّمام والكمال ، والعودة الصَّادقة إلى
كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم .

ويقول الله تبارك وتعالى : ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ
اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ
اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ
وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا
دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾
[الروم:30ـ32] ؛ هذه الآية كما أنَّ فيها تحذيرًا شديدًا من التَّفرُّق
وأنَّه سبيل المشركين الَّذين فارقوا الدِّين واتَّخذوا أصنامًا آلهة
وعبدوا مع الله غيره واتَّخذوا أهواءهم أربابًا من دون الله تبارك وتعالى ؛
فيها حلول ناجعة ومفيدة جدًّا لمسألة التَّفرُّق ، بل لقد اشتملت على أعظم
الحلول وأقْوَم الحلول لهذه المشكلة.

قال تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴾ ؛ هذا أول حل ، ومعنى
إقامة الوجه للدِّين : أن يستسلم العبدُ تمام الاستسلام ، وينقاد العبد
تمام الانقياد لأمر الله - تبارك وتعالى - وأمر رسولِه صلى الله عليه وسلم ،
كما قال جلَّ وعلا : ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ
مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [لقمان:22] ، وكما
يقول: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ﴾[الزُّمَر:54] ؛
فإقامة الدين لله الإتيان به على التَّمام والكمال ، فإذا أتى النَّاس بدين
الله تبارك تعالى على التَّمام والكمال بدون إخلال ، بدون تقديمٍ للأهواء
أو الشَّهوات أو الآراء أو العقول أو غير ذلك، فإنَّهم أتوا بسببٍ عظيم من
أعظم الأسباب الدَّاعية إلى اجتماع المسلمين ولمِّ كلمتهم.

السبب الآخر والعلاج الآخر في هاتين الآيتين الكريمتين في قوله : ﴿
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ؛ فإنَّ في هذا إرشاد إلى
أهمِّيَّة العلم والبصيرة في دين الله - تبارك وتعالى - ، فإنَّ العلم
بالكتاب والسُّنَّة والبصيرة بالكتاب والسُّنَّة والتَّعويل على الكتاب
والسُّنَّة من أهمِّ الأمور الَّتي يكون فيها حلٌّ لمسألة التَّفرُّق
الَّتي تقع بين المسلمين أو بين المنتسبين إلى الإسلام.

﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ؛ إذاً بالعلم النافع
والبصيرة في دين الله بارك وتعالى والرُّجوع إلى الكتاب والسُّنَّة وردُّ
مواطن النِّزاع والخلاف إلى الكتاب والسُّنَّة يكون بذلك أسلم حلٍّ وأحسن
علاج لهذه المشكلة ؛ لأنَّه كما يقول ابن أبي العزِّ رحمه الله « إذا لم
يَرُدَّ النَّاس مواطن نِزاعهم ومسائل خلافهم إلى كتاب الله وسُنَّة رسول
الله صلى الله عليه وسلم لم يتبيَّن لهم الحقُّ ، ولا يكونون على بصيرة في
أمرهم إذا رَدُّوا إلى غير كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم » .

فالمراد بالعلمِ : العلمُ بالكتاب والسُّنَّة ليس إلَّا , فالعلمُ بكتاب
الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهمهما فهمًا صحيحًا قويمًا
على هدي وسَنَنِ السَّلف الصَّالح - رحمهم الله تعالى - فالعلم بالكتاب
والسنة فيه علاج، بل أكبر علاج لمسألة الخِلاف والفُرقة الَّتي تقع بين
المسلمين ، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ
فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلًا﴾ [النساء:59]، لابدَّ من العلم بكتاب الله وسُّنَّة رسول الله
صلى الله عليه وسلم لحلِّ هذه المشكلة، فإذا وُجِدَ بين المسلمين وفي
صفوفهم وينتسب إلى جماعتهم من لا يُقيم لعلم الكتاب والسُّنَّة وزنًا ،
وينقُض كتاب الله ويُناقِض النُّصوص الصَّريحة الواضحة البيِّنة الظَّاهرة
السَّاطعة ؛ ينقضها بعقلِه ورأيِه ، ويقدِّم حججا وآراء وبراهين كثيرة من
قِبَلِ نفسِه ويجعلها مقدَّمةً على كتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله
عليه وسلم فكيف يُلمُّ الشَّعث؟! وكيف تتَّحد الكلمة ؟! وكيف يجتمع
الصَّفُّ؟!

إذا وُجِدَ مَن يستهين بالسُّنَّة ويقلِّل من شأنها ويطعن فيها ويحذِّر
منها ويَنسف الأحاديث الكثيرة نسفًا ! إذا وجد في من ينتسب إلى المسلمين من
هو كذلك كيف يلتمُّ شَّعث المسلمين وكيف تتحد كلمتهم ؟!

إذا وُجد بين المسلمين من يهزأ بحديث رسول الله ويسخر به ويقلل من شأنه
ويقدِّم رأيَه وعقلَه على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يُلمُّ
الشَّعث !!

إذا وُجد من يقدِّم الرُّؤى والمنامات على حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم !! كقَول بعضِهم وهم المتصوِّفة أو غلاتهم يعيبون أهلَ السُّنَّة أهلَ
الحديث : «تقولون: حدَّثنا فلان عن فلان ، وأين فلان؟ قد مات، وأين فلان؟
قد مات، أمَّا نحن فنأخذ ديننا عن الحيِّ الَّذي لا يموت ، يقول الواحد
منَّا : حدَّثني قلبي عن ربِّي» ؛ فكيف تجتَمع الكلمة إذا وجد في المنتسبين
للإسلام من هو كذلك !!

كيف تجتَمع الكلمة إذا وجد في المسلمين أو في المنتسبين إلى لإسلام من
يُقَدِّمُ عقلَه على كتاب الله وسُّنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
ويقولون محتجّين لذلك : " نحن إنَّما عرفنا الكتاب والسُّنَّة بعقولنا ،
فإذا قدَّمنا النَّقل على العقل قدَّمنا الدَّليل على المدلول ، فكيف
نقدِّم النَّقل على العقل ؟! " ؛ علما بأنَّ النَّقل الصَّحيح والعقل
السَّليم لا يتعارضان ، كما بيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله
تبارك وتعالى في كتابه العظيم «درء تعارضِ العقل والنَّقل» ؛ العقل
السَّليم لا يُعارض النَّقل الصَّحيح ، فإن حصل تعارضٌ بين عقلٍ ونقلٍ فلا
يخلُو الحال إمَّا أنَّ العَقل غيرُ سليم ، أو أنَّ النَّقل غيرُ صحيح ،
فإذا كان العقل سليمًا والنَّقل صحيحًا فإنَّهما لا يتعارضَان كما بيّن ذلك
شيخ الإسلام وغيره من أهل العلم ، فنجد في المنتسبين إلى الإسلام من يقدّم
عقله على النقل .

ويقول بعض أهل العلم في بيان شنَاعة فِعل هؤلاء : لازمُ قَول هؤلاء أن
يقولَ الواحدُ منهم ، بدل قوله: «أشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله» يقول:
«أشهد أنَّ عقلي رسول الله»؛ لأنَّ عقلَه هو المقدَّم وعقله الحُجَّة .

ولبيَان شناعة هذا القول وفساده يُقال لهؤلاء : عقل مَن الَّذي يُقَدَّم ؟
عقل مَن الَّذي عليه المعوَّل ؟ العقول متفاوتة والآراء مختلفة فعقل من
يقدَّم ؟ إذا قيل: عَقْلُ زيد مثلًا ، فقد يكون عمرو أقوى منه جدلًا وأكثر
منه منطقًا ، وهكذا ؛ إذا أُحيل النَّاس على عقول الرِّجال ضاع دينهم
وتشتَّت؛ لأنَّ العقول متفاوتة ، ولهذا قال من قال من السلف: «لو كانت
الأهواء واحدًا لقال القائل: لعلّ الحقّ فيه . فلما تشعبت وتفرّقت عرف كلُّ
ذي عقل أنّ الحقّ لا يتفرَّق»

ويقول مالك بن أنس - رحمه الله - أنَّه قال: «كان مالك بن أنس يَعيبُ
الجدال في الدِّين ويقول: أكلَّما جاءنا رجلٌ أجدَلُ من رجلٍ تركنا ما نَزل
به جبريلُ عليه السَّلام على محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لجدلِه» .

وفي خبر آخر عن معن بن عيسى قال: انصرف مالك بن أنس يومًا من المسجد، وهُو
متَّكئٌ على يدي فلحِقه رجلٌ يقال له: أبو الجُويرية كان يُتَّهم بالإرجاء،
فقال: يا أبا عبد الله! اسمَع منِّي شيئا أكلِّمُك به وأُحاجُّك وأُخبِرُك
بِرأيي، قال: فإنْ غلبْتَني؟ قال: إنْ غلبْتُك اتَّبعتَني ، قال: فإنْ جاء
رجلٌ آخر فكلمَّنا فغلبَنا؟ قال: نتَّبِعه؛ قال مالك رحمه الله يا عبد
الله! بعثَ الله عزَّ وجلَّ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم بدين واحد وأراك
تَتنتقّل؛ قال عمر بن عبد العزيز: «مَن جعَل دينَه غرضًا للخُصومات أكثَر
التَّنقُّلَ» ؛ فالذي يجعل دينَه عُرْضَة للخُصومات يتخاصم مع هذا وذاك
ويتناظر مع هذا وذاك والغَالب هو الَّذي يُتَّبَع ، ولم يكن هذا مِن شأن
سلف الأمة ، كانوا إذا جاءهم الرَّجل للمناظرة وهم يعرفون قصده من المناظرة
يقولون له : نحن على بَيِّنَةٍ من أمرنا وأمَّا أنت فرجل شاكٌّ فاذهب إلى
رجل شاكٍّ مثلِك .
فالمسلم الَّذي يكون على بيِّنةٍ من أمره وعنده الحُجج والبراهين والأدلَّة
من كتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتناظر مع أحد
ليكون الحقُّ مع الغالب والمنتَصِر في المناظرة ؛ لأنَّه على بينة عنده
الدليل ، ليس بعد الحقِّ إلَّا الضَّلال ، عنده الدَّليل والحُجَّة
والبرهان من كتاب الله وسُّنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز له أن
يتناظر مع أحدٍ على أساس أنَّ الحجَّة مع الغالب ، بل يَلْزم الكتابَ
والسُّنَّة ويُقِم عليهما ولا يُعَرِّض دينَه للفساد أو لأهواء أهل البدع ،
إلَّا إذا كان من العلماء الرَّاسخين المتمكِّنين في دين الله فإنَّ هؤلاء
لهم مجال آخر يناظرون أهل البدع لإقامة الحُجَّة عليهم ولبيان زَيغ
عقائدِهم وفسادها وبطلان ما هم عليه.

فالعلم بالكتاب والسُّنَّة ومعرفة الكتاب والسُّنَّة والتَّعويل على الكتاب
والسُّنَّة من أعظم السُّبل الَّتي يكون بها حلٌّ لمسألة التَّفرُّق ،
وعندما تلاحظ هذه الطَّوائفَ التي أشرنا إلى بعضها تجد أنَّ كلًّا منهم
يدَّعي أنَّه على الكتاب والسُّنَّة

وكلٌّ يدَّعي وصلًا بليلى *** وليلى لا تُقرُّ لهم بذاكا
كلُّهم
يدَّعي أنَّه على الحقٍّ ، لا أحد من أهل الأهواء يقول: نحن على باطل ونحن
على ضلال، بل كلُّهم يدَّعون أنَّه أهل حقٍّ وأهل صواب ، ولا عبرة
بالدَّعاوى إذا لم يُقَم عليها البيِّنات، الدَّعوى لا تقدِّم ولا تؤخِّر
إذا كانت ليس عليها برهان : عمل وتطبيق وقيام بكتاب الله وسُّنَّة رسوله
صلى الله عليه وسلم ، ليسو أهل كتاب وسُّنَّة الذين يقدِّمون عقولهم على
الكتاب والسنة ، كيف يكون من هو كذلك من أهل الكتاب والسنة وهو يقدِّم
عقلَه على ما جاء في كتاب الله وسُّنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم !!،
والله يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ
يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحجرات:1] ، الذي
يقدِّم عقله تقدَّم بين يدي الله ورسوله ، ومعنى قول الله تبارك وتعالى ﴿
لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ : يقول ابن القيِّم
رحمه الله عن جمعٍ من السلف أنهم قالوا : «أي لا تعجلوا بقول ولا فعل قبل
أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يفعل» ؛ ما أجمل هذه الكلمة ! لا
تقول حتى يقول ، ولا تفعل حتى يأمر هذا معنى لا تقدِّم بين يدي الله ورسوله
، يعني لا تعتقد عقيدة ولا تدين بدين إلَّا إذا جاء في كتاب الله وسُنَّة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تأتي بعبادة وطاعة وقربة إلى الله -
تبارك وتعالى - ما لم يقم عليها الدَّليل من الكتاب والسُّنَّة ، فـ « لا
تعجلوا بقول » يتعلَّق بالاعتقاد، و«ولا فعل» يتعلَّق بالعبادة ، فالَّذي
يأتي باعتقادات لا دليل عليها من كتاب الله ولا سنَّة رسول الله صلى الله
عليه وسلم متقدِّمٌ بين يدي الله ورسوله ، والَّذي يأتي بعبادات ليست في
كتاب الله ولا سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقدِّمٌ بين يدي الله
ورسوله، يستَحسِن بعقله أشياء عقائد وعبادات فينشرها بين المسلمين ، فإذا
نشرها بينهم فرَّق صفَّهم ومزَّق كلمتهم بهذا الهوى الَّذي نشره بينهم.

ولهذا يقول مالك بن أنس رحمه الله في كلمة عظيمة في التَّحذير من هذا
الصِّنف من النَّاس : «مَن قال في الدِّين بدعةٌ حسنةٌ فقد زَعم أنَّ
محمَّدًا صلى الله عليه وسلم خان الرِّسالة ؛ لأنَّ الله يقول: ﴿ الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ
لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة:3] ، فما لم يكُن دينًا في زمن
محمَّد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فليس اليوم دينًا ، ولن يَصلُحَ آخرُ
هذه الأمَّة إلَّا بما صلح به أوَّلها» ؛ أوَّل الأمَّة إنَّما صَلحوا
بلزوم الكتاب والسُّنَّة واقتفاء أثرِهما والسَّير على نهجِهما ؛ فلابد –
يا إخوان – من العلم الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ هذا الحل الثاني في هذه الآية .

ثمَّ قال تعالى: ﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ﴾ [الروم:31] وهذا سبب ثالث أو حلٌّ
ثالث لمسألة الفُرقة الَّتي تقع بين المسلمين ، فمن الحلول المهمة لها
الإنابة إلى الله - تبارك وتعالى - وأن يُدْعَى جميع المتفرِّقين
والمفارقين والمختَلفين إلى الإنابة إلى الله، يُقال لهم: ارجِعوا إلى الله
، عودوا إلى الله ، عودوا إلى دين الله ، اعتصموا بكتاب الله وسُنَّة رسول
الله صلى الله عليه وسلم ؛ يقول محمَّد بن شهاب الزُّهري رحمه الله : «كان
مَن مضى من عُلمائنا يقول: الاعتصام بالسُّنَّة نجاة» فَيُدْعون هؤلاء إلى
الإنابة إلى الرُّجوع إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ،
يقال لهم: أنيبوا إلى ربكم ، دَعُوا مخالفة الكتاب والسُّنَّة ، عودوا إلى
الكتاب والسنة ؛ فهذا حلٌّ من أعظم الحلول لمسألة الفُرقة الَّتي تقع بين
المسلمين.

ثمَّ ذكر علاجًا رابعًا وهو تقوى الله تعالى : ﴿ وَاتَّقُوهُ ﴾ [الروم:31]
تقوى الله تعالى وهي رأس الأمر وأساسُه ، وتقوى الله من أحسن ما عُرِّفَتْ
به - كما ذكر ذلك ابن القيِّم والذَّهبيُّ وابن تيميَّة وغيرهم من أهل
العلم - تعريف طلق بن حبيب رحمه الله حيث قال : «تقوَى الله تعالى: أن
تعمَل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثوابَ الله، وأن تتركَ معصية
الله، على نور من الله، تخاف عقابَ الله» ؛ هذه تقوى الله تبارك وتعالى :
أن تجعل بينَك وبين ما تخشاه من سَخط الله وعقابه وقايةً تَقيك ، وذلك لا
يكون إلَّا بفعل الأوامر وتَرك النَّواهي ، فيقال للمتفرِّقين والمختَلفين:
اتَّقوا الله تبارك وتعالى ، راقبوه في السِّرِّ والعَلن ، راقبوه مراقبةَ
مَن يَعلم أنَّ ربَّه يسمعُه ويَراه ، فهذا من الحلول المهمَّة لمسألة
الفُرقة، أن يتَّقي المتفرِّقون ربَّهم تبارك وتعالى .

﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [الروم:31] هذا سبب خامس : إقامة الصَّلاة ،
إقامة الصَّلاة – يا إخوان - من أعظم الأمور الَّتي تجمع القلوب وتؤلِّف
الكلمةَ ، ولهذا أُمِرَ الرِّجال أن يؤدُّوها جماعةً في جماعة المسلمين كما
قال الله تعالى: ﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة:43] ، وكان لا
يتخلَّف عن الصَّلاة في جماعة المسلمين في عهد الصَّحابة إلَّا منافقٌ
معلوم النِّفاق كما قال ذلك عبد الله بن مسعود في صحيح مسلم : « لَقَدْ
رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ
عُلِمَ نِفَاقُهُ أَوْ مَرِيضٌ» , فالصَّلاة في بيوت الله الَّتي أَذِنَ
الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه من أعظم الأمور الَّتي تجمع كلمةَ
المسلمين، ولهذا إذا كان العبد محافظًا على الصَّلاة قائمًا بها يجد نفسَه
تألفُ المصلِّين والمحافظين على الصَّلاة ، وكلَّما ازداد الإنسانُ محافظةً
على الصَّلاة وعلى النَّوافل وعلى الطَّاعات وعلى إقامة ذكر الله تعالى في
بيوت الله ازدادت محبَّةُ المسلمين له وازدادت أُلفتهم له ، فالصَّلاة
جماعةً أداء هذه الفريضة والمحافظة عليها من أعظم الأمور الَّتي فيها حَلٌّ
للفرقة الَّتي تكون بين المسلمين .

﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ ولابدَّ من إقامتها جماعةً كما دلَّ على ذلك
كتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول عليه الصَّلاة
والسَّلام كما في الحديث الصَّحيح : «وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ
بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ
أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا
يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» ؛
فأداء الصَّلاة جماعةً وإقامتها جماعةً من أعظم الأمور المعِينة على جمع
المسلمين ، وإذا أقاموها جماعة تذاكروا وذَكَّرَ بعضُهم بعضًا ، وفي صلاتهم
صلاة الجمعة التي فيها تذكيرٌ للنَّاس ودعوةٌ لهم إلى العودة إلى كتاب
الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ هذا علاج سادس في هاتين الآيتين ،
﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا
دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ :
لا تكونوا مِن هؤلاء ، مِن المشركين ؛ المشركون: عبَدَة الأوثان الَّذين
يعبدون مع الله غيره ، فمعنى هذا أنَّ من العِلاجات المهمَّة والحلول
العظيمة النَّافعة الَّتي لا بدَّ منها لحلِّ الفرقة الَّتي تقع بين
المنتَسبين إلى الإسلام : أن يُخْلِصَ الجميع دينهم لله - تبارك وتعالى - ،
أن يجتَمعوا على توحيد الله - تبارك وتعالى – وإخلاص الدين له ، أن
يجتَمعوا جميعًا على «لا إله إلَّا الله» عِلمًا وعملًا وتطبيقاً؛ بهذا
يكون اتِّفاقهم ، أمَّا إذا وُجِدَ في المنتسبين إلى الإسلام مَنْ لا
يُحْسِنُ فَهْمَ «لا إله إلَّا الله» ، أو يَفْهَم منها ما لا تدلُّ عليه ،
أو يستدلُّ بها على ما يناقضها ، فكيف تتَّحد الكلمة وأصلُ الأصول وأساسُ
الأسُس مختَلَفٌ فيه؟!

«لا إله إلَّا الله» هي أصل الأصول وأعظم الأصول وأعظم الحسنات المقرِّبة
إلى الله - تبارك وتعالى - ، لكن لها ضوابطُها لها شروطُها في كتاب الله
وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فالاجتماع على «لا إله إلَّا الله» ليس
اجتماعًا على التَّلفُّظ بها فحسب ، وإنَّما هو اجتماع على العلم بها
والعمل على الإتيان بأركانها وضوابطها وشروطها الَّتي دلَّ عليها كتاب الله
وسُّنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا لما قيل لوهب بن منبِّه رحمه
الله : أليسَ «لا إله إلَّا الله» مفتاح الجنَّة؟ قال: «بلى ، لكن ما مِن
مِفتاح إلَّا وله أسنانٌ، فإن جئتَ بمفتاح له أسنانٌ فُتِحَ لك، وإلَّا لم
يفتَح» ، ويقول الحسن البصريُّ، لما قيل له: أليس من قال «لا إله إلَّا
الله» دخل الجنَّة؟ قال: «بلى، لكن من أدَّى حقَّها وفرضَها» يشير إلى
القيام بأركانها وشروطها الَّتي دلَّ عليها كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى
الله عليه وسلم . ولما دَفَنَ الفرزدق زوجتَه قال له الحسن: ماذا أعددتَّ
لهذا المقام؟ قال: أعددتُّ له «لا إله إلَّا الله» منذُ سبعين سنةً؛ فقال
له الحسن: «إنَّ لـ«لا إله إلَّا الله» شروطًا، فإيَّاك وقذف المحصنَات» .

فالاجتماع على «لا إله إلَّا الله» على كلمة التَّوحيد ليس اجتماع على
اللَّفظ فقَط ، وإنَّما اجتماعٌ على العلم والعَمل بهذه الكلمة وأداء
ضوابطها وشروطِها الَّتي دلَّ عليها كتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله
عليه وسلم .

لقد وُجِدَ في المنتَسبين إلى الإسلام - وهم كثيرون - من يفسِّر «لا إله
إلَّا الله»، بغير تفسيرِها وبغير معناها ، ولا يعرف معناها الحقيقيَّ
الَّذي دلَّت عليه ، والعلم بمعناها أهمُّ ضابط للاجتماع عليها ، كما قال
الله تبارك وتعالى : ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾
[الزُّخرُف:86] ، قال المفسِّرون: إلَّا مَنْ شَهِدَ بـ«لا إله إلَّا الله»
وهم يعلمون معناها ، وكما قال الله تبارك وتعالى : ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [محمد:19] وكما قال
عليه الصَّلاة والسَّلام: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ» ، فلا بدَّ من العلم بمعناها ، لا يكفي أن
يُقال: كلُّنا نقول «لا إله إلَّا الله» لا بدَّ من القيام بـ«لا إله إلَّا
الله» عِلمًا وعملًا ، فهمًا وتطبيقًا ، أداءً لها على ما جاء في كتاب
الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وشرح هذه الكلمة وبيانها جاء في كتاب الله وفي سُّنَّة رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلا حاجة بنا بعد بيان الله وبيان رسوله صلى الله عليه وسلم إلى
بيانِ مُبَيِّنٍ كائنًا مَن كان ، يقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء:36]، ويقول
تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾
[الإسراء:23] ، ويقول - تبارك وتعالى - حكايةً عن إبراهيم : ﴿ إِنَّنِي
بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي
﴾[الزُّخرف:26-27] ، ويقول تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البيِّنة:5] ؛ هذا هو معنى
«لا إله إلَّا الله» ، ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ
بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾ [البقرة:256]
استمسك بـ«لا إله إلَّا الله» ، ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ
وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾ [لقمان:22]
؛ استمسك بـ«لا إله إلَّا الله» : الإيمان بالله والكفر بالطَّاغوت ،
عبادة الله وعدم الإشراك به ، هذا هو معنى «لا إله إلَّا الله».

إذا وُجِدَ في المسلمين أو في المنتَسبين إلى الإسلام مَنْ يقول: إنَّ
عبادة القبور أو دعاء القبور مسألةُ ذَوقٍ ، حسب تذوُّق الإنسان - يعني إذا
كان يتذَّوق هذا الأمر يستَطِيبه لا بأس به - فكيف يكون الاجتماعُ على «لا
إله إلَّا الله»؟! لا بدَّ مِن فَهم هذه الكلمة العظيمة ، لو قرأتَ كتُبَ
العقائد الَّتي ينسبها بعضُ أصحابها إلى السُّنَّة تجد فيها تفسيراتٍ
عجيبةً وغريبةً في بيان معنى هذه الكلمة ، مثل قولهم في معنى «لا إله إلَّا
الله» : «لا قادرَ على الاختراع إلَّا الله»، أو «لا غنيَّ بنفسه عمَّن
سواه إلَّا الله» ، أو «لا ربَّ إلَّا الله» فيفسِّر الألوهيَّة
بالرُّبوبيَّة ، أو قول طائفة من الصُّوفيَّة يعيشون في هذا العصر يقولون:
معناها هو «إخراج اليقين الفَاسد من ذات الإنسان ، وإدخال اليقين الصَّحيح
في ذات الله؛ لأنَّه الخالق الرَّازق المنعم المدبِّر» ، بهذا يفسِّرون هذه
الكلمة !!

كيف تجتمع الكلمة ؟! لابدَّ من فهم هذه الكلمة العظيمة ، لابدَّ من إقامة
هذه الكلمة العظيمة ، لابدَّ من إخلاص الدِّين لله -تبارك وتعالى -
بالإتيان بهذه الكلمة على التَّمام والكمال ، والإتيان بشروطها وضوابطها
الَّتي جاءت في كتاب الله وسُنَّة رسوله عليه الصَّلاة والسَّلام.

لقد اعتنى علماء أهل السُّنَّة - رحمهم الله وأجزل لهم المثوبة - عنايةً
بالغةً بجمع كلمة المسلمين ولمِّ صفِّهم وجمع شعثِهم بدعوتِهم الصَّادقة
إلى العقيدة الصحيحة ، إلى دين الله - تبارك وتعالى - ، إلى الأخذ من
الكتاب والسنة ؛ ألَّفوا الكُتب الكثيرة والمؤلَّفات العديدة في بيان
العقيدة الصَّحيحة وردِّ ما خالفها ، عندما تنظر إلى مؤلفات أهل السنة
رحمهم الله تجد منها مؤلَّفات كثيرة جاءت في بسط العقيدة وشرحها وبيانها
وتأصيلِها وذِكْرِ أدلَّتها من كتاب الله وسُنَّة رسولِه عليه الصَّلاة
والسَّلام ، وتجد أيضًا مؤلَّفات كثيرة لهم في الرَّدِّ على ما خالف هذه
العقيدة وناقضَ هذه العقيدة ، كلُّ هذا دعوة إلى جمع الكلمة ولمِّ الصَّفِّ
، بينما في فَهم بعضِ النَّاس أنَّ الرد على أهل الأهواء والزَّيغ وبيان
فساد عقائدهم وبطلان ما هم عليه يعدُّون من يردّ عليهم مفرِّقًا لكلمة
المسلمين مشتِّتًا لشملِهم ، ولهذا يقعِّدون قواعد ويؤصِّلون أصولًا من
خلالها يريدون جمعَ المسلمين كيفما اتَّفق ؛ بعقائد مختلفةٍ وآراء متباينةٍ
ومذاهب متعدِّدةٍ ، وهيهاتَ أن يكون!!

لا يكون الاجتماع حقيقةً إلَّا بالاجتماع على كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى
الله عليه وسلم ، ولهذا تلاحظُون أنَّ الجماعة قرينةٌ للسُّنَّة ، والفُرقة
قرينةٌ للبدعة ، يقولون : أهل السُّنَّة والجماعة ، وأهل البدعة والفُرقة ؛
لأنَّ السُّنَّة تجمَع، والبدعة تفرِّق ، فالسُّنَّة تجمع المسلمين ،
تجمعهم على هديٍ واحد ، وعلى منهجٍ واحد، وعلى وتيرةٍ واحدة، كما يقول أبو
المظفَّر السَّمعاني رحمه الله : « ومما يدلُّ على أنَّ أهل الحديث هم على
الحقّ، أنّك لو طالعت جميعَ كتبهم المصنَّفة من أوَّلهم إلى آخرهم ،
قديمِهم وحديثِهم مع اختلاف بلدانهم وزمانهم ، وتباعد ما بينهم في
الدِّيار، وسكون كل واحد منهم قطراً من الأقطار ، وجدتهم في بيان الاعتقاد
على وتيرة واحدة، ونمط واحد يجرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها ولا
يميلون فيها ، قولهم في ذلك واحد ونقلهم واحد، لا تَرى بينهم اختلافاً ولا
تفرقاً في شيء ما وإنْ قلّ ، بل لو جمعتَ جميعَ ما جرى على ألسنتهم ونقلوه
عن سلفهم وجدته كأنه جاء من قلب واحد، وجرى على لسان واحد، وهل على الحقِّ
دليل أبين من هذا ؟ قال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ
وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا
كَثِيرًا}[النساء:82] ، وقال تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ
جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا }[آل عمران:103]» .

أهل السنة والجماعة على اختلاف بلدانهم وتباين أزمانهم تجدهم على وتيرة
واحدة على مذهب واحد على عقيدة واحدة ، البلدان مختلفة الألسن مختلفة
الأزمان مختلفة والعقيدة واحدة !! لماذا ؟ لوحدة المصدر ، مصدرهم كتاب الله
وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمَّا الَّذين مصدرهم العَقل ، أو
الرُّؤى ، أو المنامات، أو الحكايات، أو الرَّأي ، أو الذَّوق، أو ما إلى
ذلك ، تجدهم في غايةِ التَّباين وغاية الاختِلاف .

فالسنة تجمع والبدعة تفرق ؛ ولهذا مر معي كلمة عظيمة في بيان قول النبيِّ
عليه الصَّلاة والسَّلام الَّذي في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قوله صلى
الله عليه وسلم: «لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تناجشوا ولا تَبَاغَضُوا وَلَا
تدابروا، وَكُونُوا عِبَادَ الله إِخْوَانًا» ؛ قال بعض أهل العلم كلمة من
أروع ما يكون ، قال في قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَبَاغَضُوا»: فيه
إشارة إلى النَّهي عن البدع لأنَّها سببٌ للفُرقة والتَّباغض . إذا جاء
إنسان وأحدث بدعةً أو نشر محدَثًا بين المسلمين فإنَّه يكون بذلك فرَّق
صفَّهم ، ليس الَّذي فرَّق صف المسلمين الذي رد عليه ونقض باطلَه ورد على
بدعته !! الذي فرَّق بين المسلمين الذي جاء ببدعة ونشرها بين المسلمين هو
الَّذي فرَّق الصفَّ ، لكن تجد مَنْ يُلقي اللَّائمة كلَّ اللَّائمة في
تفريق الصَّفِّ على أهل السُّنَّة الَّذين يَدْعون النَّاس إلى كتاب الله
وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ويحذِّرونهم منَ البِدع والأهواءِ ،
فيقُولون: هؤلاء يفرِّقون الصَّفَّ ؛ والحقُّ أنَّ الَّذي يفرِّق الصَّفَّ
هو الَّذي جاء بالبدعة ودسَّها بين المسلمين ونشرها بين المسلمين ، ولهذا
تجدون أن أكثر أصول البدع والأهواء المنتشرة أناس اندسوا بين المسلمين
فنشروا بينهم الأهواء ونشروا بينهم البدع ، ومن يتأمل تاريخ نشأة كثير من
البدع والأهواء يجد خلفها إما يهودي أو نصراني أو مجوسي أو نحو ذلك اندس في
الصف ففرق الكلمة ، لبس لبوس الإسلام ودخل في صف المسلمين ثم نشر بينهم ما
يفرق كلمتهم ويمزق صفهم .

فإخلاص الدِّين لله - تبارك وتعالى - وإقامةِ كلمة التَّوحيد «لا إله إلَّا
الله» حسبَ ضوابِطها الَّتي دلَّ عليها كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله
عليه وسلم بهذا يكون الاجتماع ، لا يكون الاجتماع أبدًا بإحداث آراء أو
مناهج أو مخططات أو ما إلى ذلك ليست في كتاب الله ولا سُّنَّة رسول الله
صلى الله عليه وسلم .

وقد أشرتُ قبل قليل أنَّه وُجد مَنْ يُقَعِّدُ قواعدَ ويُؤَصِّلُ أصولًا
يحاولون بها جَمع النَّاس وجَمع كلمتِهم ، ولكن لن يتحقَّق ذلك ؛ لأنَّ
الاجتماعَ لا يكون إلَّا بالسُّنَّة ، فالسُّنَّة قرينها الاجتماع ،
والبدعة قرينُها الفُرقة ، وهذه سنَّة جارية ، فتوحيد صفِّ المسلمين وجمع
كلمتهم لا يكون إلَّا بالعودة بهم عودةً صادقةً إلى كتاب ربِّهم وسنَّة
رسولهم صلى الله عليه وسلم .

في كلمة أريد أن أنقل نصها لشيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله تبارك
وتعالى ؛ فقد ذكر رحمه الله كلاماً جامعاً وقاعدةً متينةً وأصلًا نافعًا
يتعلَّق بجمع المسلمين أورد تحته الأدلَّة والبراهين والحُجج من كتاب الله -
تبارك وتعالى – لبيان كيفيَّة اجتماع المسلمين ثم أعطى خلاصة هي من أنفع
ما يكون ، يقول رحمه الله تعالى بعد كلام طويل نافع في هذه المسألة في
المجلَّد الأوَّل من «الفتاوى» في أوَّله في صفحة17 : «فظهر أنَّ سببَ
الاجتماع والأُلفة جمع الدِّين والعمل به كلِّه وهو عبادة الله وحده لا
شريكَ له كما أمر به باطنًا وظاهرًا. وسبب الفُرقة: ترك حظٍّ ممَّا أُمِرَ
العبدُ به والبغي بينهم – يعني البغي بين العباد - ونتيجة الجماعة: رحمةُ
الله، ورضوانُه، وصلواتُه، وسعادةُ الدُّنيا والآخرة، وبياضُ الوجوه.
ونتيجة الفُرقة: عذابُ الله، ولعنتُه، وسواد الوجوه، وبراءة الرَّسول صلى
الله عليه وسلم منهم» . انتهى كلامه رحمه الله .

ونقول – يا إخوان - في ختام هذه الكلمة الَّتي أرجو الله تبارك وتعالى أن
تكون نافعةً : إنَّ جمعَ كلمة المسلمين ولمَّ شعَثِهم وإصلاحَ ذات بينهم من
أهمِّ الأمور الَّتي ينبغي أن يعتنيَ بها المسلم ولاسيَّما علماء المسلمين
والدُّعاة إلى الله تبارك وتعالى ، يقول جلَّ وعلا : ﴿ لَا خَيْرَ فِي
كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ
أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [النساء:114] ، ويقول تبارك وتعالى : ﴿
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات:10] . وعندما تنظر
إلى واقع عددٍ من النَّاس الَّذين لهم عناية بالدَّعوة إلى الله - تبارك
وتعالى- تجد أنَّهم يُعنَون عنايةً كبيرةً ويهتمُّون اهتمامًا بالغًا
بإصلاح ذات البَيْن بين النَّاس في أمور المواريث ، وأمور النِّكاح، وأمور
البيوع ، وأمور أخرى عديدة مهمَّة وعظيمة ونافعة - وينبغي لهم أن يقوموا
بهذا الأمر - لكنَّهم في المقابل يفرِّطون في أمرٍ من أهمِّ ما يكون ، وهو
إصلاح ذات البَيْن وجَمع الكلمةِ على العقيدة الصَّحيحة الصَّافية المأخوذة
من كتاب الله - تبارك وتعالى - وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم .

إنَّ الواجبَ على كلِّ مسلم بصَّره الله - تبارك وتعالى - في دين الله أن
يُعنَى بهذا الأمر العظيم ؛ إصلاح ذات البَيْن، بجمع كلمة النَّاس على
العقيدة الصَّحيحة ، على دينِ الله - تبارك وتعالى - الَّذي جاء في كتاب
الله وسُّنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإنَّه لا نجاة للنَّاس ولا
عصمةَ لهم ولا سعادةَ لهم في الدُّنيا والآخرة إلَّا بذلك ، ولهذا يقول
مالك بن أنس رحمه الله : «السُّنَّة سفينة نوح ، مَن ركبَها نجا ، ومَن
تخلَّف عنها غَرق» ؛ فالنَّجاة والسَّلامة إنَّما تكون بالرُّجوع إلى
الكتاب والسُّنَّة ، والاعتِصام بالكتاب والسُّنَّة ، والعودة إلى العقيدة
الصَّحيحة المأخوذة من كتاب الله وسُّنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
واتِّباع سبيل المسلمين واقتفاء آثارهم ؛ الصَّحابة رضي الله عنهم وأرضاهم
ومَن سار على نَهجِهم واقتَفى آثارهم إلى يوم الدِّين ، جعلنا الله وإياكم
منهُم ، وجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه .
والله أعلم ، وصلَّى الله وسلَّم وبارك وأنعَم على عبد الله ورسوله نبيِّنا محمَّد .


*****

الأسئلة
أنا رجل أريد الهداية والعودة إلى الله تبارك وتعالى فكيف تكون هذه العودة وما الطريق الصحيح لذلك أفيدونا جزاكم الله خيرا ؟

هذا السؤال يُشعر برغبة صادقة من هذا السائل وإخوانه أيضاً الذين شاركوه في
هذا السؤال ، وهذه خطوة أولى في طريق الهداية ؛ فالذي يريد الهداية ويرغب
فيها فإن بابها مفتوح وسبيلها واضح بيّن ، فالهداية في كتاب الله وسنة
رسوله صلى الله عليه وسلم ، الهداية باقتفاء آثار الرسول صلى الله عليه
وسلم ، لا اهتداء إلا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال الله جل
وعلا : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ
تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ
الْمُبِينُ } [النور:54] ، فحصول الهداية إنما يكون بالمتابعة والسير على
نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم والإقبال على العلم النافع والعمل الصالح
المقرب إلى الله جل وعلا وسؤال الله تبارك وتعالى بصدق وإلحاح الهداية ،
ولهذا - يا إخوان - الهداية كما أن المسلم مطالَب ببذل أسبابها وفعل ما
يؤدي إليها هي توفيق ومنة من الله جل وعلا ، الهداية منة من الله .

لولا الله ما اهتدينا *** ولا صمنا ولا صلينا

الهداية من الله قال جل وعلا { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ
وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}
[القصص:56] ، وقال تعالى { فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ
وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ }
[فاطر:8] الهداية من الله تبارك وتعالى فعلى العبد أن يقبِل على الله وأن
يسأل الله تبارك وتعالى بصدق وإلحاح أن يجعله من المهتدين ، ولهذا كان من
الأدعية التي لا يفارقها ولا يتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في
صحيح مسلم قوله : (( اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى )) ، في
أحاديث كثيرة يسأل الله تبارك وتعالى الهداية ، ويقول في الحديث الآخر في
دعائه صلى الله عليه وسلم : (( اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك
أنبت أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني ، فأنت الحي الذي لا يموت ، والجن
والإنس يموتون )) وقد شُرع لنا في كل صلاة بل في كل ركعة من كلا صلاة أن
نقول : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ
أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
} [الفاتحة:6-7] ، وكان عليه الصلاة والسلام إذا خر ساجداً يقول (( يا
مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )) وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم !!
بينما نحن تجدنا مفرطين كثيرا ومضيعين ونقترف ذنوباً ومعاصي عديدة ثم لا
نقبِل على الله ولا نسأل الله تبارك وتعالى بصدق وإلحاح الهداية ، ولا نسأل
الله تبارك وتعالى الثبات على الهداية ، فالذي يريد الهداية يسلك مسالكها .

من مسالكها كما أشرت دعاء الله وسؤاله تبارك وتعالى بصدق وإلحاح ، أن تلح
على الله نتبارك وتعالى أن يجعلك من المهتدين ؛ تبكي ، تضرع إلى الله ،
تتحرى أوقات الإجابة ، تخر ساجداً تبكي لله تبارك وتعالى وتقول اللهم
اجعلني من المهتدين ، اللهم اهدني فيمن هديت ، اللهم اجعلني من المهتدين ،
رب اجعلني من الصالحين ، تسأل الله تبارك وتعالى ذلك وتلح عليه بالسؤال
والله تبارك وتعالى يجيب دعاء من دعاه { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] .
من أسبابها ومسالكها البُعد الكامل عن قرناء السوء وخلطاء الفساد ،
والإقبال على خلطاء الخير ورفقة الصلاح والاستقامة ، يقول أحد السلف : "
ليس للمسلم أن يمشي مع من شاء " فالمسلم لا يمشي إلا مع من مشيه معه فيه
فلاح له وهداية وصلاح واستقامة ، ما يمشي مع كل من هبَّ ودبّ ، ولهذا تجد
أن بعض الناس يرغب في الهداية ويرغب البعد عن بعض الموبقات والمنكرات
والمعاصي ولكنه يقيم مع رفقة الفساد وخلطاء السوء فمن أين تأتيه الهداية
بينهم !! إذا كان يريد الهداية فليتجه إلى أهل الخير وليصحبهم وليعاشرهم
فإنه يتأثر بهم ، وكما قيل "الصاحب ساحب" يؤثر على صاحبه ، فيصحب أهل الخير
وأهل الصلاح وأهل الاستقامة ويسير معهم ويصبر نفسه معهم { وَاصْبِرْ
نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ}[الكهف:28] فيصبر
نفسه ويحبسها مع هؤلاء ويخالطهم لأن في خلطتهم ومرافقتهم صلاح له واستقامة
(( و
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
منهج أهل السنة في توحيد الأمة - عبد الرزاق البدر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  كتاب فقه الأسماء الحسنى :الشيخ عبد الرزاق بن البدر
»  كتاب فقه الأسماء الحسنى :الشيخ عبد الرزاق بن البدر
» سلسلة الدفاع عن السنة ( تعجيل العقوبة لمن خالف السنة)
»  توحيد الاسماء والصفات واسره في سلوك المسلم
»  توحيد الله اساس الدين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اهل الحق :: منتديات إسلامية :: الموسوعة الإسلامية-
انتقل الى: