الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قال الله - عز وجل -:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) } .الحجرات
قرأ الجمهور "فتبينوا" من التبين، وقرأ حمزة والكسائي " فتثبتوا " من التثبت .
ومعنى القراءتين واحد، فالمراد من التبين التعرف والتفحص، ومن التثبت الأناة وعدم العجلة، والتبصر في الأمر الواقع والخبر الوارد حتى يتضح و حتى تظهر الحقيقة فيما أنبأ به الفاسق.
ومعنى قوله تعالى: (فتثبتوا) أو (فتبينوا) أي: فاستظهروا صدقه من كذبه ,يعني: عن طريق البحث و التثبت مما جاءكم به من الخبر، ولا تقتصروا على خبره كراهة أن تصيبوا قوماً بجهالة.
فالله تعالى يأمر بالتثبت في خبر الفاسق ليُحتَاطَ له , فلا نقبله لما عنده من الفسق، ولا نرده لاحتمال أن يكون صادقاً، ولهذا قال الله - عز وجل -: { فتبينوا } ولم يقل فردوه، ولم يقل فاقبلوه، بل يجب علينا أن نتبين .
وقوله تعالى {أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا} أي لئلا تصيبوا قوماً، أو كراهة أن تصيبوا قوماً (بجهالة) والجهالة هنا هي: أن يجهل حال القوم .
لأن الخطأ ممن لم يتبين الأمر ولم يثبت فيه هو جهالة، لأنه لم يصدر عن علم .
وقوله تعالى "فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " فإذا قذفتم هؤلاء القوم البرآء مما هم برآء منه بغية أذيتهم بجهالة، لاعتقادكم أنهم يستحقون ذلك طبقاً لخبر الفاسق، ثم يظهر لكم عدم استحقاقهم، فهذه الإصابة وهذه الأذية تجعلكم تُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ
يعني: على ما فعلتم من العجلة وترك التأني , نادمين لظهور كذب الفاسق فيما أنبأ به عنهم , و ستندمون على إصابتكم إياهم بالجناية التي تصيبونهم بها.
فإذا قال قائل : ما الفائدة من خبره؟
الفائدة أنه يحرك النفس حتى تسأل وتبحث؛ لأنه لولا خبره ما حركنا ساكناً، لكن لما جاء بالخبر نقول: لعله كان صادقاً، فنتحرك ونسأل ونبحث، فإن شهد له الواقع بالحق قبلناه لوجود القرينة الدالة على صدقه، وإلا رددناه .
وهذا من الآداب التي على أولي الألباب التأدب بها واستعمالها ، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بنبأ ، أن يتثبتوا في خبره ، ولا يأخذوه مجردا ، فإن في ذلك خطرا كبيرا ، ووقوعا في الإثم ، فإن خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل ،و حكم بموجب ذلك ومقتضاه ، فحصل من تلف النفوس والأموال ، بغير حق بسبب ذلك الخبر ما يكون سببا للندامة ، بل الواجب عند سماع خبر الفاسق ، التثبت والتبين .
فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه ، عمل به وصدق ، وإن دلت على كذبه ، كذب ، ولم يعمل به .
و فيه دليل على أن خبر الصادق مقبول ، وخبر الكاذب مردود ، وخبر الفاسق متوقف فيه .
فكما دلت هذه الآية على أن الفاسق إن جاء بنبإ فإنه يجب فيه التثبت , فقد دلت على قبول خبر العدل لأن قوله تعالى: {إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ} يدل بمفهوم مخالفته أن الجائي بنبإ إن كان غير فاسق بل عدلاً لا يلزم التبين في نبئه على قراءة: فتبينوا. ولا التثبت على قراءة: فتثبتوا.
منقول بتصرف من
1- تفسير فتح القدير
2- تفسير أضواء البيان
3- تفسير القرآن الكريم - د/محمد إسماعيل المقدم
4- تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير -رحمه الله-
5- تفسير القرآن الكريم - العلامة محمد العثيمين -رحمه الله-
6- تفسير الكريم المنان - العلامة السعدي-رحمه الله-