قصة (ثقة بالله)!!
الحلقة الثانية
أكمل أخونا عبد الفتاح جولته، وعاد لنا بالعديد من البشارات، فجميع من التقى بهم من المشايخ والدعاة والعلماء كانوا على قلب رجل واحد بفضل الله في تأييدهم لهذا التوجه، ولكن البعض منهم لن يتمكن من الحضور؛ نظراً لظروفه الصحية، ولكنهم شدُّوا على أيادي القائمين على هذا الأمر بالتأييد والمؤازرة.
خلال
هذه الفترة؛ تمت عملية توزيع الأدوار والتنسيق التام بين الإخوة من
القاهرة إلى أسيوط؛ للقيام بكافة المهام المتعلقة بإقامة هذا المؤتمر، وفي
مقدمتها طباعة البوسترات، وإلصاقها في جميع المحافظات على مستوى مصر، بل
وتم تحديد ساعة الصفر للقيام بهذا الأمر، وهي الساعة التي تسبق صلاة
الفجر، بحيث يصبح الناس؛ فيجدوا جميع الجدران قد مُلئت بهذه البوسترات في
طول مصر وعرضها!!
وجدير بالذكر أن عملية الطباعة لم تكن من السهولة بمكان!! حيث
أن جميع المطابع كان عليها تعميم من أمن الدولة بالإبلاغ عن مثل هذه
المطبوعات، وكان معظم أصحاب المطابع يرفضون الطباعة، خوفاً على أنفسهم
أولاً، وحتى لا يعرضونا للخطر؛ كشباب أهوج من وجهة نظرهم ثانياً!!
إلا
أن إخوة الصعيد استطاعوا أن يجدوا مطبعة متفهمة للأمر، فبطعوا كميات كبيرة
من تلك البوسترات والمنشورات، وقاموا بتوزيعها على مراكز الإخوة بجميع
المحافظات قبل الموعد المحدد للنشر.
أما
بالنسبة لمسجدنا، فقد تم تكليفنا بمهمة توفير الرايات واليفط القماشية
التي سيحملها المتظاهرون في المؤتمر، وأثناء الخروج إلى التظاهر في
الشوارع، وهذا دون شك يستلزم شراء كميات كبيرة من الأخشاب وتقطيعها، فضلاً
عن شراء القماش، وإيجاد الخطاط الذي يمكنه كتابة مثل هذه الشعارات النارية
عليها!!
ولا
أخفيكم قولاً أن ما كان لدينا من أموال، وما تم جمعه من الشباب؛ لاستيفاء
قيمة الطباعة وغيرها، قد نفد عن بكرة أبيه، ولم يعد لدينا قرشاً واحداً
للقيام بهذا الأمر!!
وأصبحنا
في حرج بالغ، سواء من شبابنا في المسجد، والذين هم في غالبيتهم من طلاب
المدارس والجامعات، وليست لديهم القدرة المالية الكافية؛ لبذل المزيد من
المال، لاسيما بعدما دفع معظمهم مصروفه الشهري كاملاً؛ للإسهام في إنجاح
هذا المؤتمر، وكذا أمام بقية الإخوة بالمساجد الأخرى، الذين قاموا بمهامهم
على الوجه الأكمل في توفير بقية مستلزمات إقامة هذا المؤتمر!!
أشد اللحظات حسماً . . وذكراها لا تُنسى!!
سألني
أحد الأخوة عمَّا سنفعله، ولم يتبق على موعد المؤتمر سوى يومين فقط، وليس
أمامنا في الأفق أي بارقة أمل في الحصول على المزيدٍ من الأموال؟!
كنت أهيم في حالة نادرة من النشوة العجيبة التي ملؤها الثقة في الله عز وجل، وأنه سبحانه سوف يقضي لنا ذلك الأمر حتماً؛ فلم أشعر بنفسي إلا وأنا أقول له : هيّا بنا إلى تاجر الأخشاب!! فقال لي متعجباً : يا شيخ ليس معنا قرش واحد!! فكيف يمكننا شراء هذه الكمية؟! فقلت له : امض معي وسترى!!
كنت أشعر في سيري وكأنني لا أكاد ألامس الأرض من شدة لهفتي في رؤية نتيجة هذه الثقة التامة في الله!! حيث
كانت تنتابني حالة غريبة وعجيبة من الروحانية المطلقة، لدرجة أنني اعتبرت
أن الأموال قد توفرت بالفعل؛ حتى أنني قابلت في الطريق أحد أولياء أمور
الطلاب الذين كنَّا ندرِّسهم القرآن في المسجد، فطلبت منه شراء كمية من
القماش الأبيض، وسوف أدفع له قيمتها بمجرد عودتي من مشواري هذا بإذن الله
فوافق، وأخبرني أنه سوف يذهب في الحال!!
كل هذا يحدث، والأخ المرافق لي تتخبط ركبتيه في بعضهما من شدة مخاوفه فيما يترقبنا من عاقبة!! حيث أنه يعرف جيداً أن تاجر الأخشاب الذي سنذهب إليه، ونأمره بتقطيع عروق الخشب؛ حسب القياسات التي نريدها؛ يمكنه تقطيعنا أيضاً بنفس المنشار؛ لو أننا لم ندفع له الأموال في الحال!!
وبالفعل
وصلنا إلى المنجرة، وأخبرت التاجر بالكميات المطلوبة، وأعطيته القياس
المحدد لتقطيعها، فقام بوضع كمية الأخشاب على الميزان، وأخبرني بقيمتها،
فقلت له توكل على الله وابدأ التقطيع!!
كل
هذا، والأخ ينظر إليَّ متعجباً، وعينه قد بدأت بالفعل في النظر في جميع
الاتجاهات؛ لاختيار الجهة التي سوف يطلق نحوها ساقيه على ما يبدو إذا ما
جد الجد، ووجد نفسه في مواجهة مأساوية مع تاجر الأخشاب!!
ووالله الذي لا إله غيره، ما أن وضع الرجل كمية الأخشاب على الأرض مكرراً؛ تمهيداً لتقطيعها؛ إلا وسمعت منادياً ينادي عليَّ باسمي، فإذا بأحد معارفي من المحامين الذين يظهر عليهم سمت الدين، ولم تكن تربطني به علاقة وثيقة!! إلا
أنه أوقف سيارته جانباً ونزل منها، فهرولت نحوه مسرعاً تاركاً أخانا
بالمنجرة، فسلمت عليه وحييته، فسألني عن سبب تواجدي في تلك المنجرة!! وكان هذا الأمر غير اعتيادي بالمرة!! حيث أن ما يربطني بالرجل علاقة سطحية للغاية، ولم أتوقع منه أبداً هذا الاهتمام والترحيب!!
لم أشعر بنفسي إلا وأنا أحكي له تفاصيل الأمر كله، وكأن الله قد ألقى في روعي أنه قد أرسله لي في مثل هذه اللحظة الحرجة؛ كمكافأة لي على حسن ظني، وثقتي المطلقة به سبحانه، فإذا بالرجل يخرج من جيبه على الفور مبلغ (مائة جنيه) وهي في وقتنا الحالي تعادل حوالي (ألف جنيه) إلم تزد!!
ما كدت أصدق عيني من شدة المفاجأة، فبالغت له في الشكر، ودعوت الله له أن يجعلها في موازين أعماله، فتركها في يدي، وسرعان ما عاد إلى سيارته وفارق ناظري!! كل هذا وقلبي يكاد يطير فرحاً من شدة الغبطة والسرور، فلهج لساني بالحمد والثناء على الله من أعماق قلبي؛ ورجعت على الفور لأخي الذي بلغ به الاضطراب مبلغه، فأظهرت له المائة جنيه مباشرة؛ حتى أهدئ من روعه، وقلت له متسائلاً : ألم أقل لك سوف ترى، كيف سيقضيها الله من فضله؟!
أخذ أخونا يحلِّق في وجهي مذهولاً!! وأنا أحاول كتمان الضحك الذي كان مبعثه واسع كرم الله من جهة، وذهول الأخ الحبيب من جهة أخرى!!
وهنا وقفة!!
إن هذه الحالة العجيبة من القناعة الوجدانية، والثقة المطلقة في الله عز وجل، وما رافقها من أجواء نفسية، سيطرت على كل مشاعري، بل وحصرت تفكيري كله في اتجاه واحد فقط، هو حتمية تحقيق ما عزمت عليه لا محالة!! سواء أكان ما تم تكليف مسجدنا به من مهام، أو إنجاح المؤتمر بشكل عام، بل ولم تسمح بمجرد مرور النتيجة العكسية على عقلي كخاطرة!!
فإذا ما استطعتم العيش معي في مثل هذه الأجواء، واستوعبتم هذه الحالة الوجدانية الخاصة التي سيطرت على مشاعري، وفهمها جيداً؛ فسوف تكونون قد وقفتم على سر ثقتي الكبيرة في نصرة الله لقضية الشيخ / حازم بإذن الله تعالى!!
حيث إن هذه الحالة بعينها، بل وأضعافها ثلاث مرات، هي ما يسيطر على وجداني تماماً منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها الشيخ / حازم صلاح نيته في الترشح!!
لذا تجدوني أعيد وأكرر عليكم أن الأمر بالنسبة لي يعتبر في عداد الزمن الماضي!! حيث استقر هذا اليقين بدرجة كبيرة في نفسي، بل وأعاد لي نفس هذه الأجواء بعينها، والتي لم تهُبَّ على نفسي منذ ذلك الحين؛ إلا بعد ترشح ذلك الشيخ الجليل!!
ولو كان بوسعي أن أجيب أخانا عن سر ثقتي في توفر قيمة الأخشاب قبل تقطيعها، لكنت أجبتكم عن سر هذه الثقة الغريبة في وصول شيخنا الحبيب إلى سدة الحكم بإذن الله!! ولكن كل ما أستطيع قوله، هو توصية إخواني بحسن الظن بربهم، والثقة المطلقة فيه سبحانه، حيث أنه عند ظن عبده به!!
ولولا استحضاري في روايتي لهذه القصة؛ نية التسرية عن إخواني مما أصابهم من الحزن الشديد بسبب قضية الشيخ / حازم، لما جاز لي بأبجديات الإخلاص روايتها، ولكن يعلم الله أنني ما قررت ذلك، إلا لكي أعيد إلى نفوسهم الأمل من جديد، وأحثهم على مواصلة طريق الصبر نحو النصر المنشود بإذن الله، والذي بدت أولى ملامحه في الظهور من خلال بروز هذا القائد الرباني، كي يلتف حول منهجه الجميع، فليست نصرتنا لشخصه، وإنما لمنهجه، فإن قدر الله وصوله شخصياً إلى سدة الحكم، فظننا بربنا أنه سوف يسطر على يديه الأمجاد لأمته، أما إن أكرمه الله بالشهادة، فقد أدى ما عليه، وسوف يستلم الراية منه بإذن الله من هو لها بأهل!!
وعوداً
على أحداث القصة، فسوف أكمل لكم بقية فصولها في الحلقة الثالثة والأخيرة
بإذن الله تعالى . . وإلى لقاء قريب أترككم في أمان الله ورعايته.