حكم تمثيل شخصيات الصحابة في التمثيل
اختلفت مع بعض الناس في جواز تمثيل أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم في الأفلام والتمثيليات ، كما هو موجود الآن بكثرة . وكان
من كلامه إن هذا فيه مصلحة وهي الدعوة للإسلام وإظهار مكارم الأخلاق
الإسلامية . فما هو رأي فضيلتكم في هذا ؟.
الحمد لله
الصحابة
لهم المكانة العليا في الإسلام بحكم معاصرتهم لرسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وقيامهم بواجب نصرته وموالاته ، وتفانيهم في سبيل الله ببذلهم
أموالهم وأنفسهم . ولهذا اتفق أهل العلم على أنهم صفوة هذه الأمة وأفضلها
، وأن الله شرفهم بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأثنى عليهم في
كتابه الكريم بقوله: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ
أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا
سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي
وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) الفتح/29 .
وأثنى
عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : (خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي ،
ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) البخاري
(3650) ومسلم (2535) .
وتوعد
النبي صلى الله عليه وسلم من ينتقصهم أو يسخر منهم أو يسبهم ، فقال : ( من
سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) السلسلة الصحيحة
(2340) .
وفي
إخراج حياة أي واحد منهم على شكل مسرحية أو فيلم سينمائي منافاة لهذا
الثناء الذي أثنى الله تعالى عليهم ، وتنزيل لهم من المكانة العالية التي
جعلها الله لهم وأكرمهم بها .
لأن
تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعاً للسخرية والاستهزاء به ، ويقوم بالتمثيل
أناسٌ غالباً ليس للصلاح والتقوى والأخلاق الإسلامية مكان في حياتهم
العامة ، مع ما يقصده أرباب المسارح من جعل ذلك وسيلة للكسب المادي ، وأنه مهما حصل من التحفظ فسوف يشتمل على الكذب والغيبة .
كما
يؤدي تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم إلى زعزعة مكانتهم في نفوس المسلمين
، وينفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم ، ويتضمن ضرورةً أن يقف أحد
الممثلين موقف أبي جهل وأمثاله من الكفار ، ويجري على لسانه سبُّ بلال ،
وسبُّ الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به الإسلام ، ولا شك أن هذا
منكر عظيم .
وما
يقال من وجود مصلحة وهي الدعوة إلى الإسلام ، وإظهار مكارم الأخلاق ومحاسن
الآداب ، فهذا مجرد فرض وتقدير ، فإن من عرف حال الممثلين وما يهدفون إليه
عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع الممثلين ورواد التمثيل ، ويأباه
أيضا شأنهم في حياتهم وأعمالهم .
ومن
القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية أن الشيء إذا كان فيه مصلحة ومفسدة
، وكانت مفسدته أعظم من مصلحته فإنه يحرم . وتمثيل الصحابة على تقدير وجود
مصلحة فيه فمفسدته أكثر من مصلحته.
فرعايةً للمصلحة ، ومنعاً للمفسدة ، وحفاظاً على كرامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب منع ذلك .
فبناءً على ما سبق يحرم تمثيل أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الأفلام أو المسرحيات أو غيرها .
والله تعالى أعلم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
اللجنة الدائمة في مجلة البحوث الإسلامية 1/223-248.