منتديات اهل الحق
مرحبا بكم في منتدياتنا منتديات اهل الحق و أرجو من زائرنا العزيز أن يجد كل ما يبحث عنه من مواضيع و برامج ......وشكراا...
منتديات اهل الحق
مرحبا بكم في منتدياتنا منتديات اهل الحق و أرجو من زائرنا العزيز أن يجد كل ما يبحث عنه من مواضيع و برامج ......وشكراا...
منتديات اهل الحق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  
آيـــــات الشفاء في القرآن الكريم إن هذه الآيات تجتمع في كل آية فيها كلمة شفاء و تقرأ بترتيب المصحف فقد قال العلماء أن في هذا استعانة بكلام الله على الشفاء و خصوصا بالنسبة للأمراض التي لا تقدر عليها أسباب البشر...وهـــم:- الآية 14 من سورة التوبة: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ... صدق الله العظيم الآية 57 في سورة يونس : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ... صدق الله العظيم الآية 69 من سورة النحل : وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ... صدق الله العظيم الآية 82 من سورة الإسراء : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا... صدق الله العظيم الآية 80 من سورة الشعراء : وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ... صدق الله العظيم الآية 44 من سورة فصلت : وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ...||

 

 جمالية السرد في الأدب الإسلامي القديم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة





التقييم : 3
نقاط : 360522
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

جمالية السرد في الأدب الإسلامي القديم Empty
مُساهمةموضوع: جمالية السرد في الأدب الإسلامي القديم   جمالية السرد في الأدب الإسلامي القديم I_icon_minitimeالسبت فبراير 02, 2013 2:19 am





لقد كان للسَّرْد قديمًا وحديثًا دورٌ كبيرٌ في التَّأثِير على المُتَلقِّين، وكانَتْ
له وظِيفة جلِيلة في تَبلِيغ الخطاب، وسنَقِف في هاته العُجالة - بحَوْل
الله تعالى - على مَشْهَدٍ من مَشاهِد السَّرْدِ في الأدب الإسلامي
القَدِيم، يتبَيَّن منه أنَّه كان لا يَفصِل الأدب عن مُعانَاة هُمُوم
الحياة، وما تقتَضِيه سَيْرُورَتها من علاقات وخُضوع مطلق للمبدأ الإسلامي،
وأهداف مَنشودٌ تحقيقُها.

إن هذا المشهد هو قصَّة كعب بن مالك[1] الذي
كان له شأنٌ خاصٌّ في تَجهِيز نفسه من أجل المُشارَكة في الجهاد،
وتحديدًا في غزوة تبوك، ولكي نتبيَّن بعض جوانب جمالِيَّة السَّرْد فيه
نعتَزِم الوقوف على العناصر التالية:

1- فَضاء النص:
إنَّنا إذا تتبَّعنا ما يُحِيل على فَضاء النص المُمَثِّل للمشهد المُشار
إليه، نجده قد تَضَمَّنَ كلَّ العناصر الأساسية التي يَقُوم عليها
السَّرْد، ومن ذلك أن نجد النص قبلَ أن يَلِجَ صاحبُه إلى أغواره سارِدًا
ما يريد سرْدَه، يُقَدِّم فرشًا يُمَثِّل في أيَّام الله هاته ما يُسَمَّى
مُلابَسات النصِّ وحيثِيَّاته، وهو ما نَلمَسُه من قول كعب - رضِي الله
عنه -: "لم أتَخلَّف عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غزوةٍ
غَزاها إلاَّ في غزوة تَبُوك، غير أنِّي كنت تخلَّفت في غزوة بدر، ولم
يُعاتِب أحدًا تَخَلَّف عنها... ولقد شَهِدتُ مع رسول الله - صلَّى الله
عليه وسلَّم - ليلة العقبة حين تَواثَقْنا على الإسلام، وما أحبُّ أنَّ لي
بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أَذْكَرُ في الناس منها"[2].

إن السَّارِدَ يُرِيد بهذا المُعطَى أن يضع مُتلَقِّيَ خطابِه في موقع مَن يرى سَرِيرَتَه وطَوايَاه؛
فكأنَّه يُقَدِّم شهادة تَعصِمه من أن يُتَّهَمَ في دينه وصدْقِ
طَوِيَّتِه؛ ذلك لأنه إذا لم يَشْهَدْ غزوةً كانت فاصِلَة بين الكفر
والإيمان، وكان لها الدور الكبير في نفث استِشعار معِيَّة الله - تعالى -
في نفوس المسلمين ودَحْر جيوش الكفر وتمزِيقها كلَّ مُمَزَّق، ولم يُعاتَب،
كما لم يُعاتَب غيرُه، فإن الأمر يبدو أن فيه مُتَّسعًا يعيش المسلم منه
رخاء، فإن أَرادَ الالتِحاق بالمُجاهِدين التَحَق وإن لم يُرِدْ فإن الأمر
طَوْعُ يمينِه.

ومن جانِب آخر يُصِرُّ السارد على إعلان
موقفه المُتَمثِّل في بَيْعَة العقبة التي بايَع فيها رسول الله - صلَّى
الله عليه وسلَّم - مُلتَمِسًا فيه أفضل شاهِد يتبيَّن منه صدق سريرته؛
ذلك لأنه شاهِد يُعطِي الأهليَّة للسابقين بالإيمان الذين قاموا بدور
الرَّواحِل التي حملت الدعوة إلى الله، ولم تنتظر من الدعوة أن تحملها.

أ- الميثاق المرجعي:
ويُعرَف عند كثيرٍ من الدارسين بكونه يُمَثِّل مجموع العلاقات والروابط
التي تَربِط ما يتضمَّنه النصُّ من أحداث، وما كان الواقع قد أفرزه،
فكأنَّه يُمَثِّل الملامح الكبرى والتجلِّيات الواضِحَة التي يتبيَّن من
خلالها استِشعَار الأمانة العلمِيَّة التي تُحَتِّم على السَّارِد أن
يَسرد ما يُرِيد بأمانة من غير زيادة ولا نقصان، وهو ما نجده مُتَحقِّقًا
في كلِّ المصادر التي روت الحادثة، فلا تكاد تشعر بوجود فرق بين ما يُروَى
هنا وبين ما يُروَى في مظانَّ أخرى[3]، ومن ذلك أن يطرق كعب - رضِي الله
عنه - موضوع تخلُّفه عن الجهاد في غزوة تَبُوك، فيقول: "كان من خبري
أنِّي لم أكن قطُّ أقوى ولا أيسر حين تخلَّفت عنه في تلك الغَزاة، والله
ما اجتمعَتْ عندي قبلَه راحِلتان قطُّ، حتى جمعتُهما في تلك الغَزوة"[4].

لقد كان من المُمكِن أن يُوَرِّيَ صاحبُ الحادِثَة فيدَّعي عَارِضًا، ويُقدِّم
بين يدي نجواه عذرًا، ولو كان بَسِيطًا يتلفَّف فيه، فيَقِي نفسَه من
كلِّ التُّهَم التي لن يكون بمَنجاة منها، إلاَّ أنَّه أبَى إلاَّ أن يكون
من الصادِقين؛ فحالُه كلُّها مُيَسَّرة، ووضعُه الاجتماعي مُرِيح، وإذا
تخلَّف عن المشاركة في الجهاد فإنه لن يفعل إلا بداعي التهاوُن والكسل في
أحسن الأحوال.

لقد كان السَّارِد على عِلْمٍ بالمداخل التي من خلالها يُمكِن للمرْء في
المجتمع الإسلامي أن يَتخلَّف عن أمر جامع من غير أن يُلام؛ "فما رجل يريد أن يَتغَيَّب إلا ظن أن سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي الله"[5].

لقد رحل المُجاهِدون تحت رايَة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
إلاَّ أن كعبًا بقي مُنشِدًا إلى ما يَقتَضِيه التَّسوِيف، فيُمَنِّي
نفسَه بأن يقضي جِهازَه غدوة، حتى إذا كانت الغَداة لم يفعل، واستَجاب
لأمر الرغبات؛ فالغزوة كانت في الحَرِّ الشَّدِيد، وكانت "حينَ طابَت الثِّمَار والظِّلالُ"[6]، إلا أنهم لما فَصَلُوا وتبيَّن له أن اللِّحاق بهم قد انفَرَط عقدُه صار يُمَنِّي نفسه باللِّحاق بهم، فلم يُقَدَّر له[7].

ب- الميثاق النوعي:
ويُعرِّف الدارِسون الميثاق النوعيَّ بكونه:
مجموع العلاقات التي تَربِط المؤلِّف والسارِد والشخصيَّة المرويَّ عنها،
فإذا طُفْنَا بجَنَبَات النصِّ وحيثيَّاته، وجدناه يُحَقِّق هاتِه
البُغْيَة أيَّما تحقيق؛ فإذا اعتُبِر كعبٌ مؤلفًا بوجهٍ من الأوجه، فإن
كونَه ساردًا وشخصِيَّة مَروِيًّا عنها لا غُبارَ عليه، وهو الأمر الذي
يُدخِلنا في إطار الحديث عن السيرة الذاتية، أو بعض أجوائها؛ فالحديث ها
هنا - بغضِّ النظر عن جوانبه التشريعية - إنما يُمَثِّل بعض ذلك؛ وعليه فإن
الميثاق النوعي يجد لنفسه مَرْتَعًا خصبًا في هاته الحال.

2- رحلة المعاناة:
إن جماليَّة الوصفِ والحَكْيِ تَتَجلَّى بوضوح في النص، ولا سيَّما في
تلك المَشاهِد التي تَتَعلَّق بنفسية السارِد، وهي التي كان من بينها ما
يظهر من الحال التي صار عليها من حزن وكمد ومشقَّة نفسيَّة؛ ذلك لأنه بعد
أن فصلت جموع المجاهِدِين صار كعبٌ يُقارِن بين كونه معهم وبين الحال التي
هو عليها، فحتى لو كان يتَّقِي حرَّ الهَجِير وسطوة لظَى القَيْظِ
والوَغَى بإخلاده إلى الأرض، وانشِداده إلى نِعَمِ الله الموسميَّة، فإنه
غدا يَعِيش هَمًّا وَضَنْكًا بوجوده بين مَن يَكرَه أن يكون بينهم، وهو ما
يصفه بقوله: "فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله - صلَّى الله
عليه وسلَّم - فطُفْتُ فيهم، أحزَنَنِي أني لا أرى إلا رجلاً مَغمُوصًا
عليه النفاق، أو رجلاً ممَّن عذر الله من الضعفاء"[8].

إلا أن المشقَّة لن تَبْقَى في تلك الحدود،
وإنما ستَزداد حدَّتها بقُفُول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نحو
المدينة، فاستَحضَر كعبٌ كلَّ ما يحمله المستقبَل في رَحِمِ الأيام
المُقبِلَة، واستَحضَر معه صعوبة اللُّقِيِّ مع الرسول الكريم، واستَحضَرَ
حرارة العيون والنظرات اللافِحة التي لن تكون رَحِيمة به أبدًا، استَحضَر
كعبٌ كل ذلك فقال: "فلمَّا بلغَنِي أنه توجَّه قافِلاً حضرني همِّي
وطَفِقْتُ أتذكَّر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدًا؟ واستعنت على ذلك
بكلِّ ذي رأيٍ من أهلي"[9].

لقد حالَ الإيمان بين كعبٍ وبين أن يرتَمِي في أحضان مُخالَفة الحقيقة، فقارَن بين أن يَصِير في مَصَافِّ المُنافِقين الذين يُخادِعون الله ورسوله، وبين أن يبقى من المؤمنين ﴿ الَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا ﴾ [الأنفال: 72]، و﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا
[الأنفال: 74]، رغم أنه سيتَحمَّل كلَّ عواقِب هذا الرأي، فقال: "فلمَّا
قِيل: إن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد أظلَّ قادِمًا، زاح
عنِّي الباطِل وعرفت أني لن أخرج منه أبدًا بشيء فيه كذب، فأجمعت
صدقه"[10].

أ- المُعانَاة مع الناس:
إن العَنَتَ سينصَرِف لأنَّه يستقرُّ أساسًا في الجانب النفسي - وإنه
لجانب خطر - من حياة كعبٍ ومَن شَمِلَتْه الحادثة معه[11]، فيَنهَى الرسول
- صلَّى الله عليه وسلَّم - عن كلامهم؛ فتَضِيق الدنيا بما حَوَت لأن
تصير على شاكلة عُنُقِ زجاجة، وإنه لامتِحان عسير، وهو ما يقول عنه كعب -
رضِي الله عنه -: فـ"تنكَّرت في نفسي الأرض، فما هي التي أعرِفُ، فلَبِثنا على ذلك خمسين ليلة"[12]، إلاَّ أن كعبًا سيكون أخطر وضعًا من غيره من الثلاثة الذين خُلِّفُوا؛ ذلك لأنه كان "أَشَبَّ القَومِ وأَجلدَهم"[13]، فكان يَشْهَد الصلاة مع المسلمين، ويَطُوف في الأسواق ولا يُكَلِّمه أحد، أمَّا الآخَران فقد بقِيَا في بيتيهما يبكِيان.

ومن جملة المشاهد الدالَّة على ما نحن فيه
ألاَّ يكلمه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهي أشدُّ عليه من
غيرها، ويَصِفُ كعبٌ هذا الأمر وصفًا أدبيًّا رفيعًا - والرجل شاعر -
تتبيَّن من خلاله الهزَّة النفسيَّة التي كان يعيشها؛ نظرًا لصدق إيمانه،
وقوة رُسوخ عقيدته، فيقول: "وآتِي رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
فأُسَلِّم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرَّك شفتيه بِرَدِّ السلام عليَّ أم لا؟ ثم أصلي قريبًا منه فأُسارِقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلَيَّ، وإذا التفتُّ نحوه أعرَضَ عنِّي"[14].

ب- المُعانَاة مع الأقارب:
لعلَّ الضنك يعرف حالات وأوضاعًا بعضها أخفُّ من بعض، إلاَّ أن ما عاشَه
كعبٌ وصاحباه كان في بُحْبُوحَة الحصار من ذوي القربى الدينيَّة
والدَّموِيَّة؛ فإذا كانت القطيعة من الناس جميعًا لها تأثيرها ذو
الانعِكاس غير المنكر، فإنها ستَكون أشدَّ وأنكى عليهم حين تَصدُر من ذوي
قرباهم النَّسَبِيَّة، وهو ما يَصِفُه كعبٌ بقوله: "حتى إذا طالَ عليَّ
ذلك من جفوة الناس، مَشَيْتُ حتى تسَوَّرْتُ جدار حائط أبي قتادة - وهو
ابن عمِّي وأحب الناس إليَّ - فسلَّمتُ عليه، فوالله ما ردَّ عليَّ
السلام، فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك بالله هل تعلمني أحبُّ الله ورسوله؟
فسكت، فعدت له فنشدته، فسكت، فعدت له فنشدته، فقال: الله ورسوله أعلم،
ففاضت عيناي، وتَوَلَّيْتُ حتى تَسَوَّرْتُ الجدار"[15].

ج- مُعانَاة الابتِلاء:
لقد كان لصدق الإيمان الدورُ الكبيرُ في ثَبات كعب وصاحبَيْه في هذه
المِحنَة، ولَوْلاه لكان للحادِثة مَسارٌ آخَر، ومن بين ما يُمكِن أن
نتبيَّن منه مَلامِح هذا المسار أن يَصِير كعبٌ مُرَاسَلاً من لدن مَلِك
غَسَّانَ الذي أرسل إليه كتابًا يقول له فيه: "أمَّا بعدُ، فإنه قد بلغني
أن صاحبك قد جَفاك، ولم يجعلك الله بدار هَوان ولا مضيعة، فالحَقْ بنا
نُواسِك، فقلت لمَّا قرأتها: وهذا أيضًا من البلاء، فتيَّممت بها
التنُّور، فسجرته بها"[16].

إن مَلامِح صدق إيمان كعب - رضِي الله عنه -
تَتراءَى لنا من بين ثَنايا إنكار هذا التصرُّف من لدن عدوِّ المسلمين،
وكأنه تبيَّن من خلاله أن العدوَّ يريد به أن يُفَرِّقَ جموعهم ويُشَتِّت
صفوفهم، فأبى عليه دينُه وإيمانُه أن يكون ممَّن يَتَّخذ وسيلةً من
الوسائل التي يَتحَقَّق بها الضرر للصفِّ الإسلامي.

إلا أن الوضع الذي كان يَعِيشُه هؤلاء لم يكن في حقيقته وضعًا هَيِّنًا بَسِيطًا،
بل كان ممَّا لا تَستَطِيع حمله الجبال الرَّواسِي؛ ولذلك فإن المرء إذا
ابتُلي بمثل هذا واستَجاب لدعوات الآخَرين من غير أبناء الصفِّ الإسلامي،
ربما يكون له بعض العذر عند بعضنا حين يُقارِن بين الحال التي صار عليها؛
من طول قطيعة، وابتلاء بكلِّ المَكارِه، وانسِداد أبواب الرؤية المنبئة
بفرج يُمَثِّل مخرجًا من الهمِّ المُحِيط به من كلِّ جانب، إلا أن كعبًا لم
يكن ممَّن يَرْضَى مثل هذا الإجراء، ولو كان يمكن أن يجد له مَن يقرأ له
العذر فيه، فتَيَمَّم بالرسالة التَّنُّور.

د- معاناة فِراق الأهل:
إن المصائب والابتلاءات التي حلَّتْ بكعب لم تكن لتَترُكَه وشأنَه،
فتوالَتْ عليه من كلِّ جانب، وطرقت حياته الشخصيَّة والعامَّة، فلم تستثنِ
منها شاذَّة ولا فاذَّة، وإذا وقفنا على بعضها سابقًا، فإنه في كلِّ
حالاته لم يكن بالأمر الذي يُساوِي في حِدَّتِه ونَكْءِ الجراج مِرَارًا
أمرَه بأن يَعتَزِل زوجتَه، وتالله إنه لأمرٌ ذو بال، ولو كان كعب ممَّن
كانوا ذوي إيمان ضعيف، أو ممَّن كانوا يُعانُون من فُتور في الالتزام
بالدين الإسلامي الحَنِيف، لما كان أمامه خيارٌ غير أن يُفارِق جماعة
المسلمين، والأبواب التي كانت تُشرَع أمامه على مصراعيها بُغيَة تحقيق هذا
المأرب كثيرة جدًّا، على رأسها ما أشرنا إليه من مُراسَلة ملك غسَّان له،
إلا أن صِدقَه والتِزامَه بالانضِباط لبَيْعَتِه كان أقوى من أن يجعله في
مهبِّ الريح فتخطفه أيادي المُناوِئِين.

لقد أَرسَلَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى كعب آمِرًا إيَّاه
بأن يعتزل زوجته، وحينَها سيكون الصحابي الجليل أمام مِحَكٍّ ليس
بِالْهَيِّن، فكلُّ ما سبق قويٌّ على النفس، إلا أن هذا أقوى، وكلُّ ما
قِيل يعود إلى خارج الأسرة الصغيرة، ولن تكون له قِيمة تُذكَر حينما
يُقارَن بأمور حاسِمة في الحياة الزوجية والأولاد وبِناء الأسرة، التي
حَلم بها كثيرًا قبل أن يأتي هذا الأمر الحاسِم في إيقاف استمرارِها إلى
حين نزول القول الفصل.

إن هذا ما يَروِيه كعبٌ - رضِي الله عنه - بقوله:
"حتى إذا مضَتْ أربعون ليلةً من الخمسين، إذا رسولُ رسولِ الله - صلَّى
الله عليه وسلَّم - يأتيني فقال: إن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
يَأمُرُك أن تَعتَزِل امرأتَك، فقلت: أُطلِّقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا؛ بل
اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى صاحِبَيَّ مثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحَقِي
بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر"[17].

3- التَّبئِيرُ (la focalisation):
يَتحَدَّد مفهوم (التبئير) في اللغة بكَوْنِه تركيزَ مصدر أشِعَّة الرؤية في نقطة مُحدَّدة تُعرَف بالبؤرة foyer،
وفي اصطِلاح علماء السَّرْد بكونه تركيز الحَكْيِ والوَصْفِ على شخصيَّة
مُحَدَّدة، أو حدث مُعَيَّن، أو عاطفة أو شعور، ورغم هذا التَّحدِيد فقد
اختلفت استعمالات مفهومه بين المهتمِّين؛ فقد عُبِّر عنه بالرؤية "vision" عند "بويون" J. Pouillon، وبالمفهوم aspect"" عند تودوروف T. Todorov، وبالأفق "perspective"، وبالتبئير "focalisation" عند جنيت G.Genette الذي قَسَّمه إلى تبئير داخلي حينما يَقُوم السارد بالعملية على ذاته، وآخر خارجي ويكون في غير هاته الحال[18].

وإذا كانت الحادثة باعتبارها نصًّا أدبيًّا سرديًّا تؤدِّي هذه الوظيفة على الوجه الأكمل،
فنرى أن كعبًا قد صار تحت المِجْهَر بصورة كامِلَة، حتى إن الخبايا
النفسِيَّة كانت تطفو على السطح فلا يُغالِبها غيرها[19]، فإن مَشاهِد
منها تُعَدُّ ذات قيمة تَبئِيريَّة أكثر من غيرها، وحينها يكون التَّبئِير
قد قطع أشواطًا مهمَّة من أجل أن يستقلَّ بدرجة ليست بالهيِّنة في المسار
السَّرْدي.

إن من جملة المشاهد الدالة على ما نحن فيه أن
نرى كعبا - رضي الله عنه - بين يدي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
وهو يروي لنا الحادثة فيقول: "فجئته، فلمَّا سلَّمت عليه، تبسَّم تبسُّم
المُغضَب، ثم قال: تعالَ، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: ما
خلَّفَك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ فقلت: بلى، إني والله لو جلست عند غيرك من
أهل الدنيا، لرأيت أن سأخرج من سخطه بعُذْرٍ، ولقد أُعطِيتُ جدلاً"[20].

إنَّنا نراه في هذا المشهد وقد وازَنَ بين قدراته التي إذا استَنَدَ إليها مع أحدٍ من أهل الدنيا وجد فيها ضالته،
فتحقَّق له المخارج من مثل هاته الورطات، إلا أنه أبدى استعدادًا
للاعتِراف بتقاعُسه عن المشاركة في الجهاد في الغزوة المذكورة، فنجده
يُصَرِّح به تصريحًا لا تلميحَ فيه، فيقول: "لا والله، ما كان لي من عذر،
والله ما كنت قطُّ أقوى ولا أيسر منِّي حين تخلَّفت عنك، فقال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: ((أمَّا هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله
فيك))"[21].

إلا أن كعبًا رغم كونه قد اعترف فقد طالَعَه مَن يُقدِّم إليه النصيحة
التي هي من الابتلاء أيضًا، فيحثُّه على العودة إلى رسول الله - صلَّى
الله عليه وسلَّم - من أجل أن يسحب اعترافَه، ويُقَدِّم عذرًا من الأعذار،
فيذكر كعب أنه قد أوْشك على أن يُؤَثِّر عليه مثل هذا الرأي حتى اعتزم
تنفيذه، إلا أن حال صاحبيه وموقف الرسول الكريم منهما قد رده عن ذلك،
ويقول في هذا: "فقمت وثار رجالٌ من بني سلمة... فوالله ما زالوا
يُؤَنِّبوني، حتى أردت أن أرجع فأُكَذِّب نفسي"[22].

4- تباشير الفرج:
إن الليل مهما تَمادَى طُولاً وحلكة فإنه يَبقَى بعده فرجٌ، و﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
﴾ [الشرح: 6]، "ولن يغلب عسر يسرين"[23]، وهو ما عاشَهُ كعبٌ - رضِي الله
عنه - فبعد أن ضاقَتْ به وبأصحابه الأرض بما رَحُبَتْ، وعاشَ القَطِيعة
بكلِّ أشكالها، وهَيْمَنَ عليه الضنك والسخط الممتحِن لأغوار قناعاته
وإيمانه والتِزامه بالخضوع لأمر الله ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
يأتي البَشِير الذي يزفُّ إليه البُشرَى بقَبُول توبته إلى الله، فتتهدَّم
بمجرَّد الإعلان عنها كلُّ الحواجز التي مَثَّلت لديه قبل قطيعة، وعاشَ
من خلالها أشدَّ أيامِه مرارةً، فتَعُود الحال إلى ما كانت عليه، ويَعُود
إلى الصفِّ والجماعة بعد أن لَفِظَه الصفُّ تأديبًا ومَوْعِظةً، فيفرح بها
كما تفرح الأمُّ بنجاة ولدها، أو بعودة ابنها الضائع، وبهذا الخصوص يقول:
"فلَبِثْتُ بعد ذلك عشرَ ليالٍ حتى كملت لنا خمسون ليلةً من حين نهى رسول
الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن كلامنا، فلمَّا صليت صلاة الفجر صبح
خمسين ليلة... سمعت صَوْتَ صارخٍ أَوْفَى على جبل سَلْعٍ بأعلى صَوْتِه،
يا كعب بن مالك، أبشر، قال: فخَرَرْتُ ساجدًا"[24].

تالله إنه لَمَشهدٌ عظيم، وإنه لَمَوقفٌ
يَربط المرء بالحال النفسيَّة التي عاشَهَا كعب فيتقمَّصها في بعض حالاتها
حتى لَيستشعر أنه هو المُبتَلَى - ونسأل الله العافية - فيبكي حينًا
ويضحك حينًا آخر، وحتى ليقارن بين ارتِباط الرَّعِيل الأول بدينهم، وبين
حالة الترهُّل التي تربطنا بديننا في أيام الله هاته، فيتبيَّن له حينها
أن الأمر كان جدًّا، وأن العلاقة كانت علاقة إخلاص، ولذلك آتَتْ أُكُلَها
كلَّ حين بإذن ربها.

لقد كان من تجلِّيات فرحة الصحابي الجليل - رضِي الله عنه - بتوبة الله -
تعالى - ورسوله الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنْ أهدى لباسه الذي
على جسده - وهو ما يملك - لِمَن زَفَّ إليه البُشرَى، فيقول: "فلمَّا
جاءَنِي الذي سمعت صوته يُبَشِّرني نزعتُ له ثوبَيَّ فكسوته إيَّاهما
بِبُشرَاه، والله ما أملك غيرهما يومئذٍ، واستعرتُ ثوبين فلبستهما،
وانطلَقْتُ إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيتلقَّاني الناس
فوجًا فوجًا يُهَنُّونِي بالتوبة"[25].

إن مَن يقف على جنَبَات النص الحديثيِّ المَدرُوس يجده نصًّا أدبيًّا بامتِياز؛ وَصفًا
وتصويرًا وحسنَ حبكَة، إلاَّ أنَّ المُلاحَظ بهذا الخصوص يَتَحدَّد في أن
التقنِيات التي تَعارَفَها الأدباء في التصوير الفني ممَّا يُكسِب النصوص
الفنيَّة شعريتَها وأدبيتَها، من مثل التقنيات البلاغِيَّة، كالتشبيه
والاستعارة وضروب المجاز - غير واردة بتاتًا، ومع ذلك فإن النصَّ يبقى
نصًّا أدبيًّا رفيعًا، فهلاَّ اهتمَّ الأدباء والنقَّاد والدارِسون الذين
لهم يدٌ على الأدب الإسلامي المُعاصِر بمثله، فإن ضالَّتهم ستكون على حالٍ
طيِّبة، ويَعثُرون في مثله على مَرامِهم، واللهُ وليُّ التوفيق وهو يَهدي
السبيل.
ــــــــــــــــ
[1] هو أبو عبدالرحمن كعب بن مالك بن أبي كعب عمرو، الأنصاري
السُّلَمِيُّ، صحابي جليل، شَهِد بَيْعَةَ العقبة، عاش بالمدينة
وتُوُفِّيَ بالشام عام 51هـ، وتجد الحادثة أو بعض ما يخصُّها في: "صحيح
البخاري"، نشر دار القلم، بيروت، 1987م، كتاب المغازي، حديث رقم: 4066،
و"صحيح مسلم"، دار إحياء التراث العربي، 1972م، في كتاب التوبة، حديث رقم:
4973، و"سنن الترمذي"، نشر دار الفكر، 1983م، من غير رقم للطبعة، في
تفسير القرآن عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -، حديث رقم: 3027،
و"مسند أحمد"، المكتب الإسلامي، 1985م، من مسند القبائل، حديث رقم: 25922.

[2] "صحيح البخاري"، كتاب المغازي، حديث رقم: 4066.

[3] انظر من ذلك: "تاريخ الأمم والملوك"؛ للطبري، دار الكتب العلمية
بيروت، ط1، 1407هـ، 2/ 182- 186، و"شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب"؛
للدمشقي، دار الكتب العلمية بيروت، 1/ 56، و"سِيَر أعلام النبلاء"؛
للذهبي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، 1413هـ؛ تحقيق: شعيب الأرنؤوط ومحمد
العرقسوسي، 20/ 23، و"البداية والنهاية"؛ لابن كثير، مكتبة المعارف،
بيروت، 5/ 26، و"الإصابة في تمييز الصحابة"؛ لابن حجر؛ تحقيق: محمد علي
البجاوي، دار الجيل بيروت، ط1، 1412هـ، 1992م، 6/ 65، و"لسان العرب"؛ لابن
منظور، دار صادر، بيروت، ط1، مادة "هجر".

[4] "صحيح البخاري"، في المغازي، حديث رقم: 4066.

[5] نفسه.

[6] نفسه.

[7] نفسه.

[8] نفسه.

[9] نفسه.

[10] "صحيح البخاري"، 4066.

[11] شَمِلَت الحادثة أيضًا مُرارَة بن الربيع العُمَريَّ، وهلال بن أمية الواقفي - رضِي الله عنهما.

[12] "صحيح البخاري"، 4066.

[13] نفسه.

[14] نفسه.

[15] نفسه.

[16] نفسه.

[17] نفسه.

[18] Verrier jean; RECIT. Universalis.

[19] إذ اقتَصرنَا على هذا المستوى ممَّا أوردناه من أحداث الحادث، سنجد أن رؤية السارِد كانت رؤية مع vision avec؛
نظرًا لأن السارِد شخصيَّة من شخصيَّات القصة، ونظرًا "للتساوي الحاصِل
فيها من حيث المعرفة بين السارِد والشخصية"، ("مستويات دراسة النص
الروائي")؛ عبدالعالي بو طيب، مطبعة الأمنية، الرباط، ط1، 1999م، ص: 190"،
إلاَّ أنَّنا إذا وقفنا على أحداث أخرى لم نُدرِجها في تلك المعالَجة، مثل
رؤيته للمنافِقين الذين جاؤوا يَعتَذِرون، ومثل موقف الرسول - صلَّى الله
عليه وسلَّم - منهم وعفوه عنهم، فإننا سنجدها رؤية من خلف = vision par derrière، وهي الرؤية التي "يتميَّز السارد فيها بكونه يَعرِف كلَّ شيء عن شخصيَّات عالمه، بما في ذلك أعماقها النفسية" (نفسه، 188).

[20] "صحيح البخاري"، 4066.

[21] نفسه.

[22] نفسه.

[23] "صحيح البخاري"، تفسير القرآن.

[24] نفسه.

[25] نفسه.
alahu a3lam

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
جمالية السرد في الأدب الإسلامي القديم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» للاستفادة:الف حكاية وحكاية من الأدب العربي القديم
»  الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق
»  النية التي هي القصد شرط من شروط إنتاج الأدب الإسلامي
»  إبراز قيم الإسلام وبخاصة التي يحاربها الغرب شرط آني من شروط الأدب الإسلامي
» كتاب أسرار جمالية قرآنية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اهل الحق :: منتديات الجامعة و البحث العلمي :: قسم الادب العربي-
انتقل الى: