منتديات اهل الحق
مرحبا بكم في منتدياتنا منتديات اهل الحق و أرجو من زائرنا العزيز أن يجد كل ما يبحث عنه من مواضيع و برامج ......وشكراا...
منتديات اهل الحق
مرحبا بكم في منتدياتنا منتديات اهل الحق و أرجو من زائرنا العزيز أن يجد كل ما يبحث عنه من مواضيع و برامج ......وشكراا...
منتديات اهل الحق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  
آيـــــات الشفاء في القرآن الكريم إن هذه الآيات تجتمع في كل آية فيها كلمة شفاء و تقرأ بترتيب المصحف فقد قال العلماء أن في هذا استعانة بكلام الله على الشفاء و خصوصا بالنسبة للأمراض التي لا تقدر عليها أسباب البشر...وهـــم:- الآية 14 من سورة التوبة: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ... صدق الله العظيم الآية 57 في سورة يونس : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ... صدق الله العظيم الآية 69 من سورة النحل : وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ... صدق الله العظيم الآية 82 من سورة الإسراء : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا... صدق الله العظيم الآية 80 من سورة الشعراء : وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ... صدق الله العظيم الآية 44 من سورة فصلت : وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ...||

 

  الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة





التقييم : 3
نقاط : 360864
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

	الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق Empty
مُساهمةموضوع: الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق   	الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق I_icon_minitimeالإثنين أبريل 29, 2013 10:56 am

الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق
د. محمد بن سعد الدبل



تقوم نظرية الأدب الإسلامي على معرفة موقف الإسلام من الأدب بعامة ومعرفة موقف الإسلام من الشعر بخاصة، ومن ثم الاطمئنان إلى ما سجل في ثنايا كتب التاريخ والسير، وأمهات مصادر الفكر والأدب عند العرب والمسلمين عبر تاريخهم الطويل الحافل بكل جديد.


ولا شك أن المصادر - التي لم يزل أدباء الإسلام قديما وحديثا - يستقون منها هي المصادر الكبرى في تاريخ الفكر الإسلامي تلك التي بلغت مرتبة علمية فكرية عالية جعلتها منهلا عذبا وموردا فياضا من مناهل أدب العربية.


وما دام الأمر - في توجيه الأدب الإسلامي، ومعرفة أسسه وقضاياه وتأصيل منهجه -يتوقف على معرفة موقف الإسلام من الأدب شعرا كان أو نثرا فإنه لا بد من نظرة متأنية وتأمل طويل في مصدري التشريع الإسلامي الخالد: كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.


نقول والله المستعان، أما كتاب الله تبارك وتعالى فهو كلام الله وكفى، كتاب أنزل من لدن حكيم خبير، كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كتاب كله عظات وأحكام وعبر، كتاب عقيدة سماوية سمحة خالدة، لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، كتاب تعبد الله به الأنس أجمعين، والجن أجمعين، وتحداهم به أجمعين.

أما صلته بشيء اسمه الأدب فمن خلال بلاغته السامية وإعجازه الثابت في الحرف واللفظ والتركيب والجملة والمعنى، ومن خلال تصوره الشامل للحياة ولا يصح - أبدا - أن يجعل كتاب الله مصدرا من مصادر الفكر، لأنه كتاب حق من عند الحق منزل على من لا يقول إلا الحق، والفكر والأدب كلاهما يخضع للتهويمات والخيال واحتمال وقوع الشيء من عدم وقوعه، وحاشا القرآن الكريم ذلك.

ووجه الصلة - هنا - للإفادة والاستفادة من كتاب الله - هو قول الله تبارك وتعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾[1].


ولكي نوضح الصلة بين القرآن الكريم وبين الأدب الإسلامي ومدى إفادة الأدباء من هذا الأصل المتين يحسن أن نورد شيئا من كلام الأدباء والأنبياء ممن يتصف أدبهم بالنزعة الإسلامية.


قال أبو إسحاق صاحب "زهرة الآداب" هذه أمثال للعرب والعجم والخاصة والعامة استقاها أصحابها من كتاب الله تعالى مما هو أعلى وأجمل وأشرف من كلامهم: أوردها الثعالبي وساقها في كتاب "يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر" قال: قال علي رضي الله عنه: "القتل أنفى للقتل" وفي القرآن ما هو أفصح وأبلغ ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ قال: والعرب تقوله لمن يعير غيره بما هو فيه: "عير بجير بره، نسى بجير خبره". وفي القرآن: ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ﴾.


وفي معاودة العقوبة عند معاودة الذنب، تقول العرب. (إن عادت العقرب عدنا لها)، وفي القرآن: ﴿ وَإِنْ عُدْتُّمْ عُدْنَا ﴾ وإن تعودوا نعد، وتقول العرب في ذوق الجاني وبال أمره: "يداك أوكتا وفوك نفخ"، وفي القرآن: ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ﴾، وفي قرب الغد من اليوم يقول شاعرهم: "وإن غدا لناظره قريب"، وفي القرآن: ﴿ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيْبٍ ﴾ ثلاث لفظات فقط.


وقالوا في ظهور الحق:"قد وضح الأمر لذي عينين"، وفي القرآن قول الله تعالى: ﴿ الْئَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴾.. وقالوا في الإساءة لمن لا يقبل الإحسان: أعط أخاك تمرة فإن أبى فجمرة، وفي القرآن: ﴿ وَمَن يَعْشُ عِن ذِكْرِ الَّرَحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيَطَانَاً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾.


وفي فوت الأمر قالوا: "سبق السيف العذل" وفي القرآن قول الله تعالى: ﴿ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾... وقالوا في الوصول إلى المراد ببذل الرغاب. "ومن ينكح الحسناء يعط مهرها". يقول الله في كتابه: ﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾.


وفي منع الرجل مراده يقول صخر بن عمرو أخو الخنساء:
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه
وقد حيل بين العير والنزوان



وفي القرآن الكريم: ﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ﴾.


وقالوا في تلافي الإساءة: "عاد غيث على ما أفسد"، وفي القرآن الكريم: ﴿ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَحَتَّى عَفَوْا ﴾، وفي الاختصاص قالوا: "لكل مقام مقال"، وفي القرآن: ﴿ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ ﴾.


وقالت العامة: من حفر لأخيه بئرا وقع فيها"، وفي القرآن: ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾.




ومن الشعر قولهم:
كل امرئ يشبهه فعله
ما يفعل المرء فهو أهله



وفي القرآن يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾.

ومن كلام العامة: المأمول خير من المأكول، وفي القرآن: ﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾ ومن جيد كلام العجم:"كل شاه تناط برجلها" وفي القرآن الكريم: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [2].

وهذه الفوائد التي مر ذكرها كلها مستوحاة من كتاب الله الذي لا يند عن علمه شيء. وإيرادها في هذا المقام ليس للمقارنة، ولا للموازنة ولا للمماثلة، وأننا نعلم علم اليقين أن كتاب الله تعالى كتاب لا يشبهه كلام مهما كان من البلاغة والفصاحة والبيان. فالكلمة الواحدة منه تأتي واسطة العقد وجوهره الثمين ومعناه الشريف. ولا يملك بليغ أو أديب إلا أن يقول: القرآن كلام الله وكفى.

أما حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وكل ما صدر عنه من قول فلا شك أنه المصدر الثاني للتشريع لا ينطق عن الهوى ولا يقول إلا الحق. ويمكن لكل أديب إسلامي أو قل لكل أديب ينزع من أدب إسلامي. غائي نبيل هادف يمكن أن يفيد ويستفيد من كلام النبوة في معرض القول لفظا لفظا، وجملة جملة وتركيبا تركيبا وفي الفكرة والصورة والمعنى بل والعاطفة المشبوبة الصادقة. والتخييل الحسن.

ذلك لأن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفه الجاحظ من عمالقة الفكر والأدب هو الكلام الذي قل عدد حروفه وكثر عدد معانيه، وجل من الصنعة، ونزه عن التكلف، وكان كما قال الله تبارك وتعالى قل يا محمد: ﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾، فكيف وقد عاب التشديق، وجانب أصحاب التعقيب، واستعمل المبسوط في موضع البسط. والمقصور في موضع القصر، وهجر الغريب الوحشي ورغب في الهجين السوقي. فلم ينطق إلا عن ميراث حكمه، ولم يتكلم إلا بكلام قد حف بالعصمة، وشيد بالتأييد. ويسر بالتوفيق. وهو الكلام الذي ألقى الله تعالى عليه المحبة وغشاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة، وبين حسن الإفهام، وقلة عدد الكلام، مع استغنائه عن إعادته. وقلة حاجة السامع إلى معاودته، لم تسقط له كلمة، ولا زلت به قدم. ولا بارت له حجة، ولم يقم له خصم، ولا أفحمه خطيب بل يبز الخطب الطوال بالكلم القصار، لا يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرفه الخصم، ولا يحتج إلا بالصدق، ولا يطلب الفنج إلا بالحق، ولا يستعين بالخلابة، ولا يستعمل المواربة، ولا يهمز ولا يلمز، ولا يبطئ ولا يعجل، ولا يسهب ولا يحصر. ثم لم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعا، ولا أصدق لفظا ولا أعدل وزنا، ولا أجمل مذهبا، ولا أكرم مطلبا، ولا أحسن موقعا، ولا أسهل مخرجا، ولا أفصح معنى، ولا أبين في فحوى من كلامه صلى الله عليه وسلم كثيرا"[3].

وفي هذا التمهيد لا يمكن أن نبسط الكلام على نظرية هذا اللون الأدبي لأن التمهيد مدخل لما سيقرره الباحث من موضوعات أخرى يتناولها بالتفصيل، ومن هنا تبرز أسئلة كثيرة، وعلامات استفهام كبيرة حول الأدب الإسلامي أصوله ومنهجه، وموضوعاته وأغراضه، خصائصه ومميزاته، تصوره للإنسان، تصوره للحياة، تصوره للكون، تصوره للحياة الآخرة، أخلاقيته وموقفه من العلاقة بين الجنسين، قديمه وحديثه ومعاصرته وكذلك الشأن من حيث ثبوته بين المدارس الأدبية. استمرار عطائه ونفعه وجدواه، أراد النقاد حول هذا الأدب، المغرضون ومدرسة الفكر الإسلامي التائهون والمتطرفون، المصيبون المعتدلون.


كل هذه القضايا إثارتها أمر غريب وعجيب، وأغرب منها وأعجب إلحاح كثير من المتأدبين في السؤال عن مدى وجود الأدب الإسلامي واختصاصه بتصور عام للحياة والكون والإنسان، ووجه الغرابة أن كيف يتساءل ويسأل هؤلاء عن صحة التسمية، ووجود المسمى؟ وكيف يسأل هؤلاء عن ذلك كله؟ وهم يعلمون علم اليقين أن لا صلاح ولا فلاح لإنسان هذه الأرض إلا باتخاذ الإسلام دينا ومنهج حياة، لأنه المنهج الوسط في كل شيء، وأهله هم الوسط في كل شيء، وعن هذه الأسئلة الكثيرة، وعلامات الاستفهام الكبيرة، وعن هذه القضايا، ومن خلال مسالة تنظير الأدب الإسلامي ومنهجته وتطبيقه لا بد من التدليل على الصحة وعدمها وتفنيد أضدادها، لينطلق الأديب المسلم من خلال عطائه الأدبي متيقنا بأنه الأديب الذي يعطى بقدر ما يعرف، ويجيب بقدر ما يعلم، ويسهم بقدر ما يستطيع مؤمنا بأنه لا يدوم إلا الحق، ولا يصح إلا الصحيح.


ومن الجيد النافع لبسط موضوع الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق أن نناقش - أولا - مسألة الصراع بين الحق والباطل بين البشر منذ أن بزغت شمس الإسلام، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمل رسالة دين الله ونشرها وتطبيق أحكامها. وبيان أنها النظام الشامل الشافي الكافي الذي لا تصلح حياة بدونه مهما بلغ الفرد والمجتمع في حياتهما من تمدن ورقي.


وهذه أشارات مقتضبة عن واقع الأدب الإسلامي بين القوى المتصارعة والتيارات المعاكسة لشيء اسمه الفكر الإسلامي، لتتضح رؤية التنظير والتطبيق لهذا الأدب.


لقد صاحب الدعوة الإسلامية منذ فجر تاريخها العريق كثير من القوى المناوءة والتيارات المغرضة التي لا هم لها ولا هدف ولا غرض سوى القضاء على الإسلام وفكره وأدبه ونظامه المشرع للحياة والأحياء، ومعلوم أن الإسلام في عطائه ينبع من مصدر واضح جلي لا يخفيه عن الأبصار إلا هذه القوى المغرضة أما كونه واضحا جليا فلأن مصدره هو القرآن الكريم والسنة النبوية، وأما أن القوى تسلط عليه لتخفيه فهذا أمر معروف لكل من تأمل وتدبر وأمعن لأن الخير لا يتضح إلا بجانب الشر، وقديما قيل: إذا رأيت الشر فاحكم بأن تحته الخير، فإذا استفحل الكفر فاعلم بأن الإيمان قوي إذ هو سبب استفحال الكفر ليصد الإيمان وأهله عنه، ويشير القرآن إلى صحة هذه القاعدة "الخير والشر في صراع" هذه الإشارة القرآنية نلحظها في قول الله عز وجل: ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾، أي مثل الحق، ومثل الباطل فالزبد مثال أو مثل لظاهرة الشر الذي يسيره الكفر ويدعو إليه فهذا المبدأ الخيري يحاول الشر بفعل الكفر أن يستره ويخفيه ويقف ضده، وإذا رأيت الشر فاحكم بأن معه الخير، فالزبد شر يقع على القشرة من العلو، وأما ما ينفع الناس فهو الخير الصراح الذي يمكث في التحتية ليخصب العلو ومن عليه ويمدها بالخير، والصراع العقدي الذي تشب أواره شياطين الإنس والجن موجود منذ أوجد الله تعالى الخليقة، لأنه سبق في علمه المحيط بكل شيء أن تلك الظواهر من المخلوقات لا يتم نفع بعضها لبعض إلا بوجود ما يناقضها أو يضاهيها، ومن هنا يأتي المعنى الكبير والمغزى المقصود من امتحان الخلق وابتلائهم بالصبر والامتثال.


وإذا كان هذا في جانب العقيدة فهو في جانب الحياة الفكرية والأدبية أوسع وأرحب وأعظم خطرا، لأن الفكر والأدب معينان يملأهما اللسان، واللسان كثيرا ما يفوت الطلبة الحسنى على صاحبه لأنه مظنة الشر كما هو مظنة الخير سواء بسواء، أما ما يتعلق بجانب العقيدة فللسان أثره وللقلب أثره وللروح أثرها وللعقل أثره وللنفس أثرها في إمداد الجانب العقدي سلبا وإيجابا امتثالا وانتهاء عملا وإتباعا.


وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".


وإذا تأملنا في هذا الصراع العقدي الفكري وجدنا أن شباب الإسلام منذ فجر الدعوة الإسلامية إلى جيل العصر الحاضر هم محور هذه القضية في الأدب الإسلامي نظرا لما يشكله شباب الأمة من قوة فتية تقف أمام القوة الشريرة المناوئة فتحاول أن تخطف الشباب، وتحاول أن تصده بمغرياتها متى عجزت عن أخذه بوسائل قمعها وتعذيبها، ودليل تلك القضية ما لقيه الشباب المسلم في عهد محمد صلى الله عليه وسلم على يد الكفرة المشركين الضالين الذين أبوا الإسلام واتبعوا دين أبائهم،. فما الذي لقيه صهيب الرومي؟ وسلمان الفارسي؟ وما الذي لقيه خباب وبلال وعمار؟ وتعود هذه القضية مجلية بخيلها ورجلها تملأ السجون بشباب الإسلام عبر قرون طويلة إلى اليوم فما الذي يلاقيه شباب الأمة في حربنا مع العدو في أفغانستان وفي فلسطين؟ وفي الحرب النفسية التي يشب أوارها أقلام المفكرين من الأدباء شيبا وشبانا؟ لا لشيء إلا لإزهاق الباطل وإظهار الحق والسير بالناس على الصراط المستقيم. صراط الله الذي له الملك في السموات والأرض، الصراط الذي أنعم به الله تعالى على النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وهذه القضية من أكبر القضايا ومن أجل الأغراض التي ينزع عنها الأدب الإسلامي، وإذا كان مما يعين على رسم صورة لنظرية الأدب الإسلامي الوقوف على أغراضه وفنونه فإن مما يصح ذكره أن نقول: إن الأدب الإسلامي في عموم أغراضه وفنونه لا يختلف عن وظيفة الأدب بمعناه العام النافع السليم، ذلك لأن الأدب من منظور إسلامي هو محاولة وضع الشيء في مساره الصحيح شكلا ومضمونا.


والإسلام دين الفطرة - فطرة الله الذي خلق كل شيء، وتمشيا مع تلك الفطرة السليمة حدد الإسلام كل ما يتصل بحياة المسلم. وما يصلحه في معاشه، وينفعه في معاده وهو بذلك يرسم للأديب طريقة سليمة، وجادة واضحة ينطلق منها إلى ميدان العطاء من خلال الكلمة الطيبة الصادقة المعبرة، فيحمله إلى أن يميز الكريم من اللئيم، والطيب من الخبيث، ويقطع حجة كل جدل خصيم وتحامل كل معتد أثيم، وأول ما يجب أن يعني به الأديب المسلم في الغرض والهدف والغاية من الكلمة أن يجيء فنه الأدبي زاخرا بعظيم حق الله تعالى على عباده، وثقل أمانته على خلفائه في أرضه، وأمنائه على شرائعه.


فكان لزاما أن يعني الأديب ببسط الأركان الخمسة التي ينبني عليها الإسلام، وشرحها وتقريب مفهومها للمتلقين، ليقوم المسلم بأداء كل ركن على الوجه الذي شرعه الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقرب مثال على ذلك طريقة الرسول الكريم في تربية المسلمين على كيفية القيام بأركان الإسلام وأدائها وفي جملتها الصلاة، فاستمع إلى قوله صلى الله عليه وسلم من حديث المسيء صلاته: ارجع فصل فإنك لم تصل.


فهنا تحرك العواطف بشيء من الحزم، على الرغم أن الموقف موقف عبادة امتثله صاحبه عن رضا وطيب خاطر، ولكن لا بد من شيء من الحزم ليهيئ ذلك الرجل المسيء صلاته، كل جوارحه فيتعلم شعائر دينه ممن لا ينطق عن الهوى.


وليس بمنتظر من الأديب في أغراض أدبه وفنونه أن يأتي بمثل ما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الرسول الكريم إنما يزود بالمعارف الربانية من عند الله تعالى، ولكن على الأديب المسلم أن يسلك الطريقة المثلى في العطاء الأدبي وأسلوب التأثير.


ويسير - جدا - على الأديب المسلم أن يبين للناس بعض الحكم والأسباب التي من أجلها شرع هذا الحكم - مثلا - وسن هذا وحرم ذلك وأقرب مثال على ذلك مشروعية الصيام، ففي استطاعة الأديب أن يبين أن ليس الصوم ركنا للدين فقط، بل هو كذلك ركن للحياة السليمة الصحيحة، لأن الحياة تتكون من عنصرين: هما الجسد والروح، ولكل منهما غذاء من نوعه فغذاء الجسد مادي، وغذاء الروح معنوي يأتي في جانب الصوم من خلال الصبر على احتمال التكاليف والمرونة على مدافعة الشهوات.


وقل مثل ذلك في سائر الأركان الخمسة، وفي كل ما ندب إليه الشارع الحكيم صلى الله عليه وسلم، وفي كل ما نهى عنه الشارع الحكيم صلى الله عليه وسلم، فأين الأديب المسلم من تبين خطر الربا؟ مثلا - أينه في أغراضه الأدبية وموضوعاتها من بيان خطورة هذا التعامل، هذا الأسلوب في البيع والشراء وما هو من البيع والشراء المباح في شيء؟


أين الأديب المسلم في كيفية معاملة أهل الكتاب؟ أين الأديب المسلم من كيفية التعامل مع الفرد المسلم ومع الجماعة المسلمة في جميع الأشياء؟ أين الأديب المسلم في بيان الكيفية السليمة لبسط التربية الإسلامية للناشئة وتوجيه الشباب؟ كل هذه الأغراض من صميم أغراض الأدب الإسلامي لكنها تختلف في طريقة العطاء عند الأدباء أنفسهم، إذا فحري بالأديب المسلم أن يحلق بالمتلقين في سماء هذه الأغراض ذات الغايات النبيلة فيحدث سامعه ويقرئ الناظر في كتابه بيتا من الشعر أو سطرا من النثر عن هذه المعاني، إليك - مثلا - الجهاد ذلك الموضوع الذي شرعه الإسلام وجعله مفتوح الباب إلى يوم القيامة من أجل الدفاع عن الإسلام وأهله وما لهم من حقوق في الدنيا والدين، ودليل استمرار فضيلة الجهاد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل أي الناس أفضل؟: "مؤمن يجاهد في سبيل الله تعالى بنفسه وماله"، فانظر إلى التعبير بلفظة "يجاهد" حيث جاءت بصيغة المضارع وفي ذلك معنى التجدد والحدوث والاستمرار.


وليحدثنا الأديب المسلم عن كل ما يتفرع عن الجهاد: عن معاملة الأسرى.. عن قسمة الغنائم.. عن الثبات والثبوت في صفوف المسلمين عن مقارعة العدو.. عن الوفاء بالعهد.. عن التزود بما يجب أن يكون عليه المجاهد.. عن مفهوم كلمة: الجهاد، ومفهوم كلمة الحرب، عن الغدر والخيانة.. عن الخدعة ومفهومها عن كل ما يتصل بأطراف هذا الموضوع.


وليحدثنا الأديب المسلم عن موضوع: الإيمان بالله تعالى جملة وتفصيلا وليحدثنا الأديب المسلم عن معنى النصيحة لله، ولرسوله، ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم.


وليحدثنا الأديب المسلم عن بر الوالدين وصلة الرحم، والسعي على الأرملة واليتيم، وأداء الحقوق لأهلها، ورد المظالم إلى أصحابها.


وما أجمل أن يحلق الأديب في آفاق هذه الأغراض وتلك المثل العليا التي أسداها الإسلام إلى الناس أجمعين، أسداها بمثله الرشيدة، وأحكامه العادلة، وهل كان الأدب في عموم أغراضه ومعانيه إلا التعبير عن قيم حية يتفاعل مع تجربتها الأديب من خلال ارتباط وثيق موثق بين الإنسان والكون والحياة؟ يصله هذا الارتباط بخالق الكون ومن عليه اللهم نعم.
فتعرف يا ابن أمي في العقيدة
يا أخا الإسلام في الأرض المديدة
وتجرد لانطلاقات بعيدة
وتوقعها جراحات جديدة
فهي طوبي واختبارت مجيدة
وتساءل عنها اليوم قصيدة
ما حياة المرء من غير عقيدة[4]

وسنبسط الكلام على أصول الأدب الإسلامي وأغراضه وفنونه في موضع أخر من هذه الدراسة والذي يحسن أن نوضحه - هنا - هو ما يتعلق بنظرية هذا الأدب وتطبيقه.


إنه من خلال هذا الصراع الأدبي، ومن خلال تعرفنا على رسالة الأدب الإسلامي يمكن القول: بأن مسألة نظرية هذا اللون من الأدب يجب أن تكون حصاد جهود مكثفة في مجالات متعددة فلا تشمل - فقط - الدراسات الأدبية بفروعها من التاريخ والنقد والدراسات الأدبية المقارنة[5].


ولا بد من مراعاة وحدات أربع لتصح النظرية وتحصل الثمرة هذه الوحدات هي: الحقيقة أو العالم الذي يعبر عنه الأدب، المتلقي لهذا العالم الأدبي، الأديب نفسه، نص العمل الأدبي.


وما دام الأمر كذلك، فيجب أن نفهم ونؤمن بقضية لها خطرها وأثرها تلك القضية هي: الإقناع والتسليم بوجود أسس متينة تبنى عليها معطيات الحياة البشرية ومقوماتها في مختلف ميادين الحياة سواء فيما كان مجاله العلم أو فيما كان مجاله الفكر والأدب. فالحياة الاقتصادية، والحياة العلمية والحياة الاجتماعية كل ذلك كان مبنيا في وجوده على أسس تنهض به ربما يعيده إذا إخلولق أو ضعف وضع نظرية جديدة تقومه وتعيده، وقل مثل ذلك عن الحياة الفكرية والأدبية فإنه لا يختلف اثنان على أنه قد كان للأمة العربية والإسلامية حياتها الفكرية والأدبية أسس شيدت عليها معالم فكرها وأدبها حتى إذا ما إخلولق عطاؤها الفكري والأدبي جاءت إلى وضع نظرية لهذا اللون من الأدب كما هو الحال في الأدب الإسلامي، فإنه لما تنبه المسلون إلى خطورة الموقف في حياتهم الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وإلى بعد هذه المعطيات عن نظام الإسلام بتأثير من تغريب العوام، تنبهوا إلى خطورة تغريب الحياة الفنية والأدبية، الأمر الذي فتح لعلمائهم وأدبائهم ومفكريهم وضع نظريات إسلامية في الفكر والاقتصاد والاجتماع والسياسة، وإلى محاولة جادة تعمل على إيجاد نظرية إسلامية للفن والأدب[6] وإذا أردنا أن نعرف أبعاد النظرية الإسلامية لرسم الخطوط الدقيقة والعريضة لمنهجة الأدب الإسلامي ثم لمرحلة تطبيقية، فإن لتصور هذه الأبعاد ولتصور هذه النظرية، ولرسم هذه الخطوط حتى تصل مرحلة التطبيق.


معالم وخصائص تراعي في الموضوعات التالية:
1- نظرة الأدب الإسلامي تصحيح للعلاقة بين الأدب والعقيدة.
2- نظرية الأدب الإسلامي تحقيق للتوافق بين العقيدة والحس الأدبي.
3- نظرية الأدب الإسلامي حماية للقيم الفنية.
4- نظرية الأدب الإسلامي حاجة ملحة[7].


وإذا أردنا تطبيق هذه النظرية على هذه الموضوعات دراسة وبحثا فإنه لابد من كلام مستفيض على هذه الموضوعات واحدة واحدة، ولعل من أوثقها صلة بنظرية الأدب الإسلامي موضوع "نظرية الأدب الإسلامي حماية للقيم الفنية، وهذا يتطلب الوقوف على معرفة الخصائص الفنية التالية:
1- التجربة الشعورية.
2- ألفاظ النص الأدبي.
3- معاني النص الأدبي.
4- مراعاة الصلة بين موضوع النص الأدبي وتوجيهات العقيدة الإسلامية.


وأول ما يحسن التنبيه عليه هو "معرفة الكيفية التي بها يولد النص الأدبي قصيدة كان أو مسرحية أو غير ذلك؟
إن كل من عانى مخاض الأدب في نفسه يجيب عن هذا السؤال بما يدل على أنه وجد في أعماقه شيئا مبهما تفاعل أو تفاقم بفعل مؤثرات خارجية أو داخلية، ثم وجد طريقه إلى خارج الذات، وهذا هو ما يعرف "بالتجربة الشعورية" التي هي رصيد إنساني عام يشترك فيه البشر بنسب متفاوتة، ولكن الأديب يتميز بتوقد الانفعال فيها وبالقدرة على التعبير عنها بأدوات لغوية مناسبة[8].


وحول التجربة الشعورية عند الأدباء القدماء، يقول ابن رشيق القيرواني: إنما سمي الشاعر شاعرا لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره، ويفسر ابن رشيق التجربة بنتائجها، وينظر إلى ما يأتي به الشاعر من معني مولد ولفظ مبتدع فيقول : إذا لم يكن عند الشاعر توليد معنى واختراعه، أو استظراف لفظ وابتداعه، أو زيادة فيما أجحف فيه غيره من المعاني أو نقص مما أطال سطره من الألفاظ أو صرف معنى إلى وجه آخر كان اسم الشاعر عليه تجاوزا ولم يكن له إلا اللفظ والوزن[9].


ونلحظ مفهوما أخر للتجربة الشعورية حيث يوصي أبو تمام الشعراء على استخراج القصائد من أعماقهم مما يعينهم على إذكاء تجربتهم وحسن التعبير عنها، وفي المعاصرين عدد من الأدباء عالجوا فكره أو موضوع التجربة الشعورية يقول الأستاذ الأديب شفيق جبري: اترك الذهن في أثناء الكتابة على سجيته يطرح الأفكار، وتنثال عليه الألفاظ انثيالا، وما أذكر أني كنت أقف في طرح الأفكار أو كنت أعني باختيار الألفاظ، وإنما كنت أسرع الإسراع كله فكانت الأفكار يدفع بعضها بعضا، وكانت الألفاظ يجر بعضها بعضا، فإذا هدأ الذهن بعد هيجانه وأتيت على الموضوع كله طويت الورق ساعات أو يوما أو يومين ثم عدت إلى موضوعي بعد هذا الزمن فإذا وجدت لفظا في غير محله نقلته، وإذا وجدت لفظا لا يصور ما أريد أحسن تصوير غيرته[10].


ومن الأسس المتينة القوية الثابتة التي تقوم عليها نظرية الأدب الإسلامي وصحة وجوده بين الآداب، موضوعات العقيدة، تلك الموضوعات التي تبنى ولا تهدم، فهي قيم أخلاقية رفيعة ليس هذا مجال حصرها وتعدادها.


ولكننا سنقف على شيء من هذه الأسس التي تنبني عليها النظرية القائمة اليوم، أعني نظرية الأدب الإسلامي.


فهناك من الأسس التي عالج بها الأدباء والنقاد القدماء موضوعات الأدب خروج الأديب بوجه عام والشاعر بوجه خاص على أهداف العقيدة والتقاليد المرعبة فلقد أخذوا على ابن هانئ الأندلسي تجاوزاته العقدية وعابوه على استعانته على صلاح دنياه بفساد أخرته.


"وأقول في هذا الأساس المبني المرعى. أعني أساس مراعاة موضوعات الأدب المنطلقة من توجيه العقيدة مراعاة للقيم والتقاليد.


وأقول: ما أكثر هؤلاء النقاد والأدباء في حياتنا الأدبية المعاصرة ممن يتسم في عطائه الأدبي بصلاح دنياه على حساب فساد أخرته، فقد طغت المجاملات، وكاد أن يعم خطرها، فكثيرا ما يستحسن الرديء ويترك الجيد، لا أقول يستقبح - فإن الأدب الجيد تفرضه جودته، وقد كثر النفعيون المنتفعون الذين يكاد عيشهم لا يأتي إلا من خلال أدبهم، وليكن ما يكن هذا الأدب، يقول الناقد القديم عبدالقاهر الجرجاني في هذا التوجيه السديد حين قرأ قول المتنبي ذلك القول المشتط في المبالغة:
يترشفن من فمي رشفات
هن فيه أحلى من التوحيد



يقول عبدالقاهر:
وأبعد ما يكون الشاعر من التوفيق إذا دعته شهوة الأغراب إلى أن يستعير للهزل والعبث من الجد ويتغزل بهذا الجنس[11]، ومعلوم أن عبدالقاهر الجرجاني صاحب منهج نفسي في نقد الأدب إذ يعتمد في تقويمه للأعمال الأدبية على دعامة الذوق الفطري الذي ينبع من أعماق النفس البشرية في تصورها للأشياء حسنا وقبحا ومن ثم التعبير عنها بواسطة الفن الأدبي الذي الشعر الواحد من فنونه الرفيعة.


وهذا يعنى أن على الأديب مراعاة ما أوصى به نقاد الأدب عند نقل التجربة الشعورية بواسطة العبارة، ومن وصاياهم في هذا الشأن ما جاء في صحيفة بشر بن المعتمر التي منها: "خذ من نفسك ساعة نشاطك وفراغ بالك وإجابتها إياك، فإن قليل تلك الساعة أكرم جوهرا،وأشرف حسا، وأحسن في الأسماع، وأحلى في الصدور، وأسلم من فاحش الخطأ وأجلب لكل عين وغرة من لفظ شريف ومعنى بديع.


وأعلم أن ذلك أجدى عليك مما يعطيك يومك الأطول بالكد والمطاولة والمجاهدة، وبالتكلف والمعاودة.. وإياك والتوعر فإن التوعر يسلمك إلى التعقيد، والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك، ويشين ألفاظك.


ومن أرام معنى كريما فليلتمس له لفظا كريما فإن حق المعنى الشريف في اللفظ الشريف، ومن حقهما أن تصونهما عما يفسدهما ويهجنهما.. فكن في ثلاث منازل/ فإن أولى الثلاث: أن يكون لفظك رشيقا عذبا وفخما وسهلا/ ويكون معناك ظاهرا مكشوفا وقريبا معروفا أما عند الخاصة إن كنت للخاصة قصدت، وأما عند العامة إن كنت للعامة أردت.


ومدار الشرف على الصواب وإحراز المنفعة مع موافقة الحال وما يجب لكل مقام من المقال.. فإن أمكنك أن تبلغ من بيان لسانك وبلاغة قلمك، ولطف تداخلك، واقتدارك على نفسك إلى أن تفهم العامة معاني الخاصة، وتكسوها الألفاظ الواسطة التي لا تنزل على مستوى الدهماء، ولا تجفو عن الأكفاء، فأنت البليغ التام.


فإن كانت هذه المنزلة لا تواتيك ولا تعتريك ولا تسمح لك عند أول نظرك، وتجد اللفظة لم تقع موقعها، ولم تصل إلى قرارها وإلى حقها من أماكنها نافرة من موضعها. فلا تكره نفسك ولا تكره لفظك على اغتصاب الأماكن والنزول في غير مواطن الكلام، فإنك إذا لم تتعاط قرض الشعر الموزون، واختيار الكلام المنثور لم يعبك بترك ذلك أحد، وإن أنت تكلفت الألفاظ ولم تتخير محكم النسج والعبارة ولم تك حاذقا مطبوعا، ولا محكما لسانك بصيرا بما عليك وما لك. عابك من أنت أقل عيبا منه. ورأى من هو دونك أنه فوقك.


فإن ابتليت بأن تتكلف القول وتتعاطى الصنعة، ولم تسمح لك الطباع في أول وهلة، وتعاصى عليك بعد اجالة الفكرة، فلا تعجل ولا تضجر، ودعه بياض يومك وسواد ليلك، وعاوده عند نشاطك وفراغ بالك فإنك لا تعدم الإجابة والمواتاة إن كانت هناك طبيعة.


فإن تمنع عليك بعد ذلك من غير حادث عرض، ومن غير إهمال. فالمنزلة الثالثة أن تتحول من هذه الصناعة إلى أشهى الصناعات إليك وأخفها عليك.. فالشيء لا يحن إلا إلى ما يشاكله. والنفوس لا تجود بمكنونها إلا مع الرغبة ولا تسمح بمخزونها مع الرهبة.


وينبغي للمتكلم أن يعرف أقدار المعاني، ويوازن بينها وبين أقدار السامعين، وبين أقدار الحالات. فيجعل لكل طبقة من كلامه كلاما. ولكل حالة مقاما حتى يقسم أقدار الكلام على أقدار المعاني، ويقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات وأقدار المستمعين على أقدار الحالات[12].قال بشر بن المعتمر: فلما قرئت هذه الصحيفة على إبراهيم بن جبلة السكوني: قال: أنا أحوج إلى هذا من هؤلاء الفتيان[13] يعني الذين يعلمهم إبراهيم الخطابة والأدب ونقول: إن هذه النظرية من النقاد القدماء إلى الأدب في مضامينه ومبانيه/ نظرة سديدة صائبة. ذلك لأن الأدب قبل أن يكون صورة معبرة، وفكرة مصورة، وعاطفة مؤثرة، وعقلا متحركا، وقلبا نابضا، وشعورا صادقا. فهو لفظ ومعنى قبل أن يكون على شكل الصورة المرسومة/ والفكرة الموسومة، فعلى الأديب أن يراعي خصائص ألفاظه وخصائص معانيه، عارفا بقدرة من يتكلم إليهم ويخاطبهم ولولا ذلك لكان الأدب شعرا أو نثرا من الكلام العادي الرخيص الذي يمكن أن يعبر عنه كل ناطق ولولا الفوارق بين الناس في المستوى العلمي والثقافي ومردود الأثر، لما عرف جاهل من عالم، وأديب من متأدب، وغبي من ذكي، وحصر من فصيح، ومبعد من مقلد، ومبتكر من مكرر.


وإذا فلا غرابة أن يلح النقاد الأوائل على إتباع مقاييس النقد الأدبي في خصائص الألفاظ والجمل والتراكيب والمعاني، وأن يجعلوا الحديث عن هذه المسائل من أكبر مقاييس النقد فوق ما للذوق من معيار يمكن أن توزن به الأعمال الأدبية جودة ورداءة.


وإن قيل: ما صلة هذه الآراء النقدية بالحديث عن التجربة الشعورية، وبالكلام على نظرية الأدب الإسلامي؟؟ فالجواب: إنه حين يقع الأديب تحت وطأة التجربة الشعورية فليس له من معبر إلى نقلها سوى العبارة الأدبية التي تتطلب مراعاة هذه الآراء بإتباع الخصائص الفنية المقومة لنصه الأدبي شعرا أو نثرا، وهذا يعني مرحلة تطبيق نظرية الأدب الغائي النبيل الهادف وأضربه في الأدب الإسلامي ولهذه الخصائص الفنية لفظاً ومعنىً وصورة إرهاصات أولي في الشعر الجاهلي أفاد منها شعراء الإسلام في نقلتهم الشعرية الإسلامية مما كون صرحا أدبيا إسلاميا خرج في نقلته من النظرية إلى التطبيق على النحو الذي سنتبينه في بعض النصوص من الشعر الجاهلي ثم الإسلامي "فقد جاء الشعر الجاهلي وليد البيئة العربية ما قبل الإسلام، واستطاع تصوير حياة العرب من كافة جوانبها وبكل أبعادها، فكان جديرا بأن يسمى سجل العرب الحافل بأيامهم ومآثرهم وعاداتهم وتقاليدهم فمن ناحية الدين عبر الشعر عن الفراغ العقدي ذلك الفراغ المتمثل في عبادتهم الأصنام التي ظنوها تقربهم إلى الله زلفى وبين شدة حاجتهم إلى دين صحيح ينتشلهم من غياهب الوثنية إلى توحيد الله الواحد القهار.


ومن الناحية السياسية رصد الشعر أبعاد السياسة والحياة الخارجية للعرب - آنذاك موضحا أن العلاقة بين القبائل العربية. ما تكون واترا وموتورا إذ أن جذوة العصبية القبلية كانت على أشدها في ذاك العهد وكثيرا ما كانت تنشأ حروب بينهم لأتفه الأسباب، كما كان للتفاخر والتباهي بالأنساب والأحساب أثر في إشعال الفتن والحروب[14] التي لم يخمد أوزارها إلا الإسلام.


وكانت تلك الحياة مسرحا للشعر والشعراء حيث تصول الكلمة في شتى أغراض الشعر من فخر ومدح وهجاء ووصف وغزل وإليك رائعة من عيون الشعر الجاهلي للنابغة في مديح الغساسنة.
رفاق النعال طيب حجزاتهم
يحبون بالريحان يوم السباسب

تحييهم بيض الولائد بينهم
واكسيه الاضريج فوق المشاجب

يصونون أجسادا قديما نعيمها
بخالصة الأردان خضر المناكب

ولا يحسبون الخير لا الشر بعده
ولا يحسبون الشر ضربة لازب

حبوت بها غسان إذ كنت لاحقا
بقومي وإذا أعيت على مذاهبي[15]



في هذه القصيدة يرسم الشاعر النابغة صورة لما عليه العرب في جاهليتهم سواء في الجزيرة العربية أو ما جاورها من بلدان يقطنها فبعضهم يعمل تجارة أو سياحة كالشام واليمن والعراق. وأن حكامهم يتميزون على حكام غيرهم من الأمم وذلك ببعد الصيت وحب الكرم والإيثار ودماثة الأخلاق والإيثار ودمائه الأخلاق وبساطة المظهر وعفتهم عن الخيانة. والزور والفحشاء وتواصيهم بتعهد الجار وصيانة العهد والوفاء به ومقت الغدر والخيانة.

وهذه الأخلاق مما أقره الإسلام في تشريعه السماوي فقد قال صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وإليك رائعة حسان بن ثابت من شعره الجاهلي فهي قصيدة ترسم صورة لمكارم الأخلاق التي كانت سائدة بين العرب وأقرها الإسلام: من هذه الرائعة قوله:
لنا حاضر فعم وباد كأنه
شماريخ رضوي عزة وتكرما

نود ذا المال القليل إذا بدت
مروءته فينا وأن كان معدما

وإنا لنقري الضيف إن جاء طارقا
من الشحم ما أضحى صحيحا مسلما



ومن روائع حسان بن ثابت رضي الله عنه داليته العصماء في رثاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي من شعره الإسلامي ومنها:
بطيبة رسم للرسول ومعهد
منير وقد تعفو الرسوم وتهمد

ولا تنمحي الآيات من دار حرمة
بها منبر الهادي الذي كان يصعد

وواضح آيات وباقي معالم...
وربع له فيه مصلى ومسجدا

بها حجرات كان ينزل وسطها
من الله نور يستضاء ويوقد

معالم لم تطمس على العهد آياها
أتاها البلى فالآي منها تجدد

عرفت بها رسم الرسول وعهده
وقبرا به واراه في الترب ملحد

ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت
عيون ومثلاها من الجفن تسعد

وما بلغت من كل أمر عشيرة
ولكن نفسي بعض ما فيه تحمد

أطالت وقوفا تذرف العين جهدها
على طلل القبر الذي فيه أحمد

لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة
عشية علوه الثري لا يوسد

وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم
وقد وهنت منهم ظهور أعضد



وبعد أن يندب حسان ابن ثابت رضي الله عنه دموع الحزن على رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه، يعود في نفس شاعري طويل يعدد فيه مآثر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفضائله ومحامده على الإسلام والمسلمين فيقول:
وهل عدلت - يوما - رزية هالك
رزية يوم مات فيه محمد

تقطع فيه منزل الوحي عنهم
وقد كان نور يغور وينجد
يدل على الرحمن من يقتدي به
وينفذ من هول الرزايا ويرشد
إمام لهم يهديهم الحق جاهدا
معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
عفو عن الزلات يقبل عذرهم
وإن يحسنوا فالله بالخير أجود
فحياتهم في نعمة الله بينهم
دليل به نهج الطريقة يقصد
عزيز عليه أن يحيدوا عن الهدى
حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوف عليه لا يثنى جناحه
إلى كنف يحنو عليهم ويمهد
فأصبح محمودا إلى الله راجعا
يبكيه جفن المرسلات ويحمد[16]


وإذا أردنا أن ننظر على توافر الخصائص الفنية في هذا النصوص. ألفيناها موافقة لرأي قدامة بن جعفر وغيره من نقاد الأدب، فالألفاظ ((تتسم بسهولة المخرج عليها رونق الفصاحة خالية من البشاعة)).


وفي عروضها وأوزانها نلحظ سهولة العروض وعذوبة الروي وسلاسة المخرج والمعاني متوجة بما يمدح به الرجال من معاني العقل والعفة، والعدل والشجاعة ومن العقل المعرفة والبيان والكفاية والعلم ومن الصفة القناعة وطهارة الثوب وقلة الشره ومن العدل السماحة والعطاء وقرى الأضياف، ومن الشجاعة القتال والمدافعة والمهابة[17].


وهذه القيم الإنسانية الرفيعة التي عبر عنها النابغة وحسان رضي الله عنه من أشرف المعاني ومن أنبل الموضوعات والأغراض التي هي من صميم الأدب الإسلامي في عموم أغراضه التي أقرها الإسلام وندب إليها وكثرة تلك النصوص شعرا ونثرا جاهلية وإسلاما مما يدل على حقيقة الأدب الإسلامي تجربة وعطاء سابقين لا نظرية فحسب.


والوقوف على تثبيت هذه التجربة، وتأصيل هذا العطاء لهذا اللون من الأدب يستدعي الكلام بالتفصيل على شيء من فنون الأدب الإسلامي.. وهذا ما سندرسه في مقالات حول الأدب الإسلامي؛ لتتضح الرؤية بشكل أوسع فيما يتعلق بصحة وجود الأدب الإسلامي، وأنه أصبح أدبا انتقل في مرحلة المنهجة، وتجاوز - أيضا - مرحلة (التنظير) إلى التطبيق من خلال عدد من النصوص البديعة شعرا ونثرا، ومن خلال عدد من الدراسات الأدبية والنقدية قديماً وحديثاً.

[1] الآيات 24 - 25 - 26 - 27 من سورة إبراهيم.

[2] زهر الآداب وتمر الألباب للحصري جـ4 ص1106 ومن بعدها تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد وشرح د/ زكي مبارك ط الرابطة دار الجيل بيروت.

[3] البيان والتبيين للجاحظ ج2 ص17، 18 تحقيق وشرح عبدالسلام هارون.

[4] من قضايا الأدب الإسلامي للدكتور/ صالح آدم بيلو ص107 دار المنار جدة - الأولى.

[5] نحو نظرية للأدب الإسلامي للدكتور/ محمد حمدون ص9، 35 ط الأولى دار المنهل، جدة.

[6] مقدمة نظرية الأدب الإسلامي ط الأولى ص9 الدكتور/ عبدالباسط بدر.

[7] المصدر السابق ص44 وما بعدها.

[8] المرجع السابق ص15، 16.

[9] المرجع السابق للدكتور/ عبدالباسط بدر ص16، 17 نقلا عن كتاب العمدة لابن رشيق.

[10] المرجع السابق ص18 نقلا عن كتاب (أنا والنثر) لشفيق جبري.

[11] أسرار البلاغة عبدالقاهر الجرجاني ص203 تصحيح محمد رشيد رضا.

[12] انظر الصناعتين لأبي هلال العسكري ص140 تحقيق محمد البجاري ومحمد أبو الفضل إبراهيم.

[13] البيان العربي د/ بدوي طبانه ص79 وما بعدها ط الرابطة.

[14] الأدب العربي في العصر الجاهلي وصدر الإسلام ص57 د/ زكريا عبدالرحمن صيام.

[15] ديوان النابغة الذبياني ص12، 13 وشرح كرم البستاني دار صادر بيروت.

[16] ديوان حسان بن ثابت ص35، 455، 456 جـ1 تحقيق الدكتور/ وليد عرفات دار صادر، بيروت.

[17] نقد الشعر لقدامة بن جعفر الرابعة. بعدها تحقيق الدكتور/ محمد عبدالمنعم خفاجي - وانظر نصوص نقدية لأعلام النقاد العرب ص47 وما بعدها للدكتور/ محمد السعدي فرهود.




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» جمالية السرد في الأدب الإسلامي القديم
»  النية التي هي القصد شرط من شروط إنتاج الأدب الإسلامي
»  إبراز قيم الإسلام وبخاصة التي يحاربها الغرب شرط آني من شروط الأدب الإسلامي
»  النظرية النسبية الخاصة لأينشتين - شرح مبسط
» كتب الأدب والتربية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اهل الحق :: منتديات الجامعة و البحث العلمي :: قسم الادب العربي-
انتقل الى: