) مراحل تطور الحركة الشعرية في الأندلس
الأولى : مرحلة المحاكاة .و هذه المرحلة تنطبق على بقية النصف الثاني من القرن الثاني إلى بداية
القرن الثالث الهجري ، و هي محاكاة الشعر الأندلسي للشعر المشرقي في منهجه و
أسلوبه و طريقته .
في هذه الفترة بدأ الشعر في الظهور ، منذ زمن عبدالحمن الداخل الذي استطاع
القضاء على النزاعات القبلية التي استثارها يوسف الفهري ، ثم إنه حاول أن
ينشر الإسلام و روح الفروسية و هذا الأمر أبرز غرض الغزل كغرض تقليدي ،
فكان أميز في البيئة الأندلسية لارتباطه بالفروسية ، فالشاعر كان يبين
حالتين : حالته في الفروسية ، و الجانب الآخر من الركون إلى النساء التغزل
بهن . فكان غرض الغزل أسبق الأغراض الشعرية لشيوعه في بيئة الفرسان . و من
أشهر شعراء هذه الفترة : أبو المخشيِّ زيد بن عاصم ، و حسانة التميمية ، و
الحكم بن هشام الذي يقول في الغزل :
ظـلَّ من فـرط حبـه مملـوكا و لقد كان قبـل ذاك مليكا
إن بكى أو اشتكى الهوى زِيد ظلماً و بعاداً يدني حِمـاماً وشيكا.
و قد يتصور الباحث أن هذه المرحلة منفصلة عن ما بعدها بحيث تكون لا جديد
فيها ، و الحق أن هذه المرحلة وجد فيها تجديد مع أنها مرحلة محاكاة ، فهذا
أبو المخشي يصف العمى و الحالة النفسية للأعمى بوصف لم يسبق إليه .
خضعـت أم بناتي للعـِدا إذ قضـى الله بأمـر فمضى
و رأت أعمى ضريراً إنـما مشيه في الأرض لمس بالعصا
فبكت وجداً و قالت قولة و هي حرَّى بلغت منى المدى هذا المعنى الجديد هو ما جعل بعض الدارسين يبالغ فيقول : إن الشعر الأندلسي
لم يبدأ بالمحاكاة بل بدأ بالتجديد ، فقد مر بطفرة هائلة ففيه التجديد
الموضوعي ، و التجديد الفني ، و التركيز العاطفي ، و هذا الرأي تبناه
الأستاذ أحمد هيكل ، و هو مبالغة لا تقبل .
و هناك رأي لبعض الأقدمين مناقض لهذا الرأي ، و هو إهمال مرحلة المحاكاة
فابن سعيد الأندلسي ألف ( المرقصات و المطربات ) و لم يذكر فيها شئ من
شعر المحاكاة ، و جعل أول شاعر مبتكر ابن عبد ربه . جرسيه جومس في كتابه (
الشعر الأندلسي ) سمى شعراء الفترة الأولى بـ( النظامين ) أي : لا جديد
لديهم .
و هذا الرأي مبالغ فيه ، و الحق التوسط بأن الشعر الأندلسي عاش المحاكاة
للمشرق إلاَّ أنه وجد ما يميِّز الشاعر الأندلسي ، فهو و إن قلَّد و حاكى
إلاَّ أن له شخصيته ، فهي محاكاة أصيلة .
و حجم الشعر الذي وصلنا من هذه الفترة هو قليل جداً ، حيث أن كثير
منه فقد بدليل كثرة الشعراء ، و لم نجد الأبي المخشي ، و حسانة إلاَّ بعض
المقاطع مع أنه ذكر لهما ديوانا شعر .
المرحلة الثانية : مرحلة المحافظة و التجديد . و هي من بداية من بداية القرن الثالث إلى نهاية النصف الأول من القرن الرابع ، 200 - 350 هـ
خصائصها من حيث الأحداث التاريخية و الزمن ، فقد عاشت مرحلة اضطراب و ثوراث
من العرب أنفسهم و البربر وغير ذلك ، و أبرز ثورة عاشتها ثورة عمر بن
حفصون بقيت 50 عاماً مشتعلة ، و قد استقل عن الدولة بمناطق شمالية ، و قد
كانت تعود الجيوش الأموية كسيرة في كثير من الأحيان .
أثر الاضطرابات السياسية على الأدب : كان لها تأثير على الأدب فنجد في
تلك الفترة شعر العصبيات ، و شعر النقائض الشعرية يبرز في ذلك الوقت و من
نماذجه قول العبلي و هو شاعر مولد في الهجوم على العرب
مـنازلهم منهم قفار بلاقــعُ تجاري السَّفَى فيها الرياح الزعازعُ
و في القلعة الحمراء تدبير زيغهم و منها عليهـم تستدير الوقائـعو قد رد عليه شاعر العرب الأسدي فقال :
منازلنا معمورة لا بلاقـعُ و قلعتنا حصن من الضيم مانع
و فيها لنا عز و تدبير نصرة و منها عليكم تستتب الوقائع و مما يلاحظ أن الشعر انقسم إلى قسمين :
الأول : الشعر الذي سار على الاتجاه العربي القديم ، و هي المدرسة المحافظة على العمود الشعري .
الثاني : الشعر الذي سار على منهج المدرسة المحدثة .
و لذا نجد ظهور شعر الخمر ، و الغزل الشاذ ، و بدايات شعر الطبيعة ، و
بدايات الشعر الاجتماعي و نجد غرضاً جديداً في البيئة و هو غرض الزهد و
نجده عند بعض الأمراء الأمويين كقول الأمير عبد الله :
يا مَن يراوغه الأجلْ حَتَّامَ يلهيك الأمل
حتَّام لا تخشى الردى و كأنه بك قد نزل و نجد كذلك نظم الأراجيز التاريخية عند الغزال ، و ابن عبدربه ، و عبدالحمن الناصر .
يمثل هذه الفترة و خاصة في مجال الحداثة في الشعر يحيى بن حكم الغزال
( 156 – 250 ت ) فهو يمثل هذه الفترة في كل الجوانب : في المديح ، و
الهجاء ، و الغزل ، و النقائض … يقول في الهجاء :
ما أرى هاهنا من الناس إلاَّ ثعلباً يطلبُ الدَّجاجَ و ذِيبا
أو شبيهاً بالقطِّ ألقى بعينيـ ـه إلى فأرةٍ يريد الوثـوباو مما يلاحظ في المدرسة المحدثة الاهتمام بالأوزان القصيرة الراقصة ، و الحوار و القصة .
حجم الشعر الذي ضفرنا به : كثير مقارنة بما وصلنا من شعر المرحلة الأولى ، و
أول الدواوين التي وجدت ديوان يحيى الغزال ، و ديوان ابن عبدربه .
المرحلة الثالثة : مرحلة البراعة الفنية . و هي من سنة 350 هـ وما بعدها . كانت فترة من حيث السياسة مستقرة ، فقد جنى
الحكم المستنصر ثمرات الاستقرار الأمني من فترة و الده الناصر .
هذه الفترة تميز فيها كثر من اللامعين من الشعراء : كيوسف بن هارون
الرمادي ، و ابن زيدون ، و ابن عمار ، و المعتمد بن عباد ، و ابن دراج
القَسْطَليِّ ، و ابن هانئ ، ابن حزم ، ابن خفاجة …
اتجاهات الشعر التي سادت في هذا العصر
1 - الاتجاه القديم ، و هو أسلوب القصيدة العربية المعروفة
2 - الاتجاه المحدث
3 - الاتجاه الذي مزج بين القديم و المحدث ، أو ما يسمى بالمدرسة
المحافظة المجددة ، أو مدرسة أبي تمام ، و أشهر من مثل هذا الاتجاه ابن
دراج .
4- الاتجاه الجديد الخاص بالبيئة الأندلسية ، و هو الاتجاه الشعبي في الشعر ، و نعني به أسلوب الموشحات