أهم مظاهر الحضارة العباسية خلال القرن الرابع الهجري - جواد التباعي

أهم مظاهر الحضارة العباسية خلال القرن الرابع الهجري

تقديم :يرى
مؤرخو التاريخ العربي الإسلامي والحضارة العربية الإسلامية في القرن
الرابع الهجري عصرانحطاط سياسي أوعصر "الدول والإمارات".قسمت فيها الدولة
إلى عدة دويلات ، كالدولة السامانية بتركستان ، والفاطمية بمصر،
والحمدانية بالشام.وعصر" ازدهار ثقافي" بفعل التنافس بين حكام الولايات
على الاحتفاء بالأدباء والفنانين ومحاولتهم إبراز مظاهر تطور ولاياتهم
فجاءت حضارته حضارة مميزة كما سنرى في هذا العرض المتواضع

المحور الأول : مظاهر التنظيم السياسي والإداري

I. ـ الخلافة :

تعاقب على حكم الدولة العباسية خلال القرن الرابع الهجري ثمانية خلفاء عرفت الخلافة في عهدهم عدة تغييرات:
المقتدر بالله: 295هـ ـ 320 هـ : حكم وهو إبن 13 سنة، تميز بضعفه السياسي وسيطرة نسائه وأمه عليه (السيدة)
القاهر بالله:320هـ ـ 322هـ: عهد قضاء على الجماعات المناوئة( ) ،وإلقاء القبض عل الخليفة مخمور وحبسه حتى الموت
الراضي بالله : 322هـ ـ 329هـ : كان أخر خليفة يدون له شعر ويجالس العلماء ويخطب له على المنبر
المتقي لله : 329 هـ 333هـ :سيطرة الأتراك على مقاليد الحكم ولم يبقى من لخلافة سوى اسمها
المستكفي
بالله: 333هـ ـ 334هـ :بداية سيطرة البويهيين وخلعهم وقتلهم للخلفاء ،
وتحول دار الخلافة إلى طريق لكل من لم يرها (عشق الفارسية)
المطيع لله: 334هـ ـ 363هـ : 29 سنة بسلطة اسمية واستمرار حكم البويهيين
الطائع لله: 363هـ ـ 381هـ : تميزا بحذف اسم الخليفة من الخطبة
القادر بالله: 381هـ ـ 422هـ :
*ضرب الطبول على باب دار الخلافة خلال أوقات الصلوات ،واتخاذ شمسية كعلامة للسيادة
*ارتفاع نفقات دار الخلافة ، وانتشار نهبها وسرقتها خلال الفترات الانتقالية بين خليفة وأخر

II. ـ الوزارة

*تراجع اختصاصات الوزير مع بداية القرن ، حيث أخد الخليفة إدارة الضيعات العباسية
*التلقب ب " قطب الدولة "،" وزير الوزراء" وكان بعضهم من أدباء عصره (ابن عباد)
*يتقدم الجيوش، ويحتفظ بنسخة من الوثائق الهامة في داره ،لكن الصفة الحربية تتراجع
*كانت دار الوزير هي دار المحرم على ضفة دجلة حتى حدود 320 هـ حسب ابن مسكويه
*أخدت الوزارة بالرشوة أيام السيدة ، وضرب الوزراء خلال عهد معز الدولة
*بداية الترشح للوزارة ، احتفاظ الخليفة بوزير سلفه ، كثر تعيينهم (12 وزير في عهد المقتدر)
مع الإشارة إلى إبطال بني بويه للوزارة سنة 334هـ
.
III. ـ الإمارة :

*كان غالبية الأمراء من أبناء بيت الخلافة، ويدعى لهم مع الخليفة
*ظهور لقب أمير الأمراء الذي أصبح بيده كل شئ زمن تراجع الخلافة
IV. ـ القضاء :
*دخول اختصاص النظر في المواريث بصفة نهائية في القضاء
*جلسات علنية ،أحكام مكتوبة، رزق القاضي من بيت المال
*الإنتقال من المسجد إلى دار القاضي منذ 320 هـ ببغداد
*يساعد القاضي ببغداد سنة 366هـ كاتب وحاجب وعارض أحكام وخازن ديوان الحاكم
*في حالة عجز القاضي عن الحكم تنتقل القضية إلى المظالم الذي كان يشتغل إلى جانب القضاء

V. الدواوين:

وأهمها :
1ـ ديوان الجيش
2ـ ديوان النفات
3 ـ ديوان بيت المال
4 ـ ديوان الرسائل
5 ـ ديوان الخاتم
6 ـ ديوان البريد
7 ـ ديوان البر والصدقات
8 ـ ديوان الفض: الكتب الواردة من العمال إلى أمير المومنين
9 ـ ديوان المصادرين : كتاب الوزراء
10 ـ ديوان التوقيع : من يسأل شيئا عند الخليفة
11 ـ ديوان الجهبذة: مال الكفاية والوقاية والكسور
تتوقف يوم الجمعة ( الصلاة) والثلاثاء (راحة وسط الأسبوع)

المحور الثاني : الحياة الإجتماعية الإقتصادية :

I. ـ الحياة الإجتماعية :

1 : المسلمون : ويشكلون السواد الأعظم للدولة العباسية خلال هذا القرن
أ ـ الشيعة: وهي أبرز الطبقات الإجتماعية التي واصلت محاربة الخلافة صراحة
ب ـ الأشراف:* وهم أل بيت رسول الله ،كانوا يأخذون راتبا من الحكام
* كان لهم قضاء مستقل يتولاه نقيبهم بتعيين من الخليفة
* يلقب الواحد منهم ب"الشريف" خاصة الفرعين العباسي والعلوي
* يجرى لشيوخهم راتب خاص مع ميزانية أرزاق الخطباء
ج
ـ العلماء:*كانت لهم مكانة اجتماعية كبرى،وحضوا باهتمام الإمارات
الإسلامية التي غلب عليها طابع التنافس في استقطاب وتشجيع العلماء
والمثقفين
*كان لباسهم الطيلسان،واشتهروا بتوقيف بعض كتبهم لصالح مكتبات الجوامع
*تحدثت كتب المرحلة عن اشتغالهم بحرف إضافية إلى جانب تحصيل وتدريس العلم
*كانت مسألة أخد أجر عن التدريس محط اختلاف بينهم
د ـ القضاة:*خشية العلماء والمتصوفة من منصب القضاء " العلماء يحشرون في زمرة الأنبياء، والقضاة يحشرون في زمرة السلاطين "
*لباس القاضي السواد
هــ التجار: أصبح التاجر الغني ممثل الحضارة،وصنفوا حسب ثروتهم وطريقةعملهم(البزارون،ثم العطارون ...)
وـ
الرقيق: *إرتفاع قيمة الجواري والغلمان الدين يجيدون الشعر والموسيقى
والموهوبين والمتعلمين ، لكن أحسنهم كان الأقدر على حمل السلاح ، حيث
تراوحت قيمتهم بين ألف وألفي دينار
*إرتفاع ثمن الرقيق البيض(الصقالبة ،البلغار...) مقارنة مع السود( الزنوج، والزنجيات(كثرة الولادة))
*كان أغلبية النخاسين من اليهود
*كانوا مواضيع لعدة قصائد شعرية خلال المرحلة وصفتهم بالإيجاب والسلب
المتنبي: لاتشتري العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس منا كيد
التوحيدي: كن لعبدك خلا وكن لخلك عبدا
2 ـ غير المسلمين :
أ ـ اليهود :إجتمع أغلبهم في المدن الكبرى ،وبعض القرى بين دجلة ونينوى ،مارسوا على الخصوص مهن التجارة والصرافة
ب ـ النصارى :كانت أعدادهم قليلة ،وإحصائياتهم غير دقيقة ،مارسوا مهنة الطب بكثرة
ج ـ المجوس: في العراق ،وجنوب فارس ،عمل عضد الدولة على تأديبهم إثر الفتنة التي أثاروها سنة 369هـ مع المسلمين بشيراز
د
ـ الصابئة: اعتبروا مخالفين لأهل الذمة ،حيث أفتى القاهر بالله سنة 320 هـ
بقتلهم ،لكنه كف عنهم بعدما جمعوا له مالا كثيرا ،ويؤكد ابن حزم أنهم لم
يتجاوزوا الأربعين(40) نفسا سنة 400هـ
تميزت المرحلة بظهور التسامح بين الديانات بظهور علم "مقارنة الأديان"
*تحريم
التوارث بين المسلم والذمي بعد كتاب المقتدر لسنة331 هـ / 923م ومما جاء
فيه" ترد تركة من مات من أهل الذمة ولم يخلف وارثا على أهل ملته" ،أما
تركة المسلم فتعود لبيت المال
*يدفعون الجزية التي تتغير قيمتها بتغير العملة ،ولا يدفعها الرهبان والمعاقون
*انتشار الأديرة والكنائس ،ومشاركة بعض الخلفاء في احتفالات وأعياد ومواكب الذميين بالخصوص
3 ـ الأخـلاق والعاد ات
*استمرار ظاهرة الخصي مع ترقية المخصيين في الإسم إلى خدم ،وحرمانهم من الوظائف الدينية
*محاربة البغاء بفرض ضرائب ومعاقبة الباغيات خاصة في عهد عضد الدولة
*تعاون الحنابلة وبعض الشعراء مع المحتسب في محاربة المغنين والراقصين والزناة
*معاملة الأسرى معاملة الخوارج ،أما الخونة فعقابهم الصلب والإشهار وجدع الأنف
4 ـ أحوال المعيشة :
العمارة: أبواب خشبية منقوشة من خشب الساج الهندي بحلقات لولبية معدنية
بناء الحمامات العامة بزخرفة غير إسلامية ،مع التحفظ على دخولها
اللباس: البياض لباس الرجال والنساء المهجورات ، أما الأزرق فلباس الحداد في الشرق
أهم الملابس الدراريع والطيلسان والأقبية
الطبخ: أورد المتنبي وصفا لحلويات على شكل سمك مصنوع من السكر واللوز في العسل
الغناء: ورد منها مايسر وما يبكي ، بل وما يذهب العقل أحيانا(حكاية الجارية مع والي مصر)
الألعاب: انتشر لعب الشطرنج بعد تساهل الفقهاء ، وظهر لعب النرد الذي كان وراءه الكسب الحرام في بعض الحالات
الرياضة:
خاصة اللعب بالصوالجة( ضرب الكرة من على ظهر الخيول) . دون إغفال رياضات
أخرى للكسب والمراهنة كسباقات الحمام ،وحرشة الكلاب والديوك...
5 ـ الأعياد :
*النيروز:بداية السنة الشمسية خاصة عند الشيعة ويتم خلاله تبادل الهدايا
*رأس السنة الهجرية :اقتصر على قصر الخلافة ،ولم يكن محط اهتمام العامة
*أعياد الميلاد : عند المسيحيين يوم 25 دجنبر من كل سنة
*عيد الغطاس: في مصر بنهر النيل
*عيد الشجرة : عند المسيحيين بحمل الزيتون إلى كنيسة القيامة

II. الحياة الإقتصادية:

1ـ الفلاحة:
*المحاصيل الزراعية :أبرزها الحبوب والحنطة والتمر والزيتون وقصب السكر ...
*السقي: بمياه الأنهار الكبيرة كدجلة والفرات، ,استخدمت عدة تقنيات كالناعورة،الدولاب ،الدالية والغرافة
*تربية الماشية:خاصة تربية الأبقار والجواميس ،والإبل والأغنام،حتى أن سكان الأنبار سموا بفرسان الجواميس بتعبير المقدسي
2 ـ الصناعة:
*
الموارد: أبرزها الملح، الذهب، والفضة،والحديد والأحجار الكريمة،بالإضافة
إلى الألماس،والخشب ...وتتحدث المصادر عن قلة استخرج اللؤلؤ والمرجان لقلة
الغوص
*صناعة الرحي المائية: يتحدث ابن حوقل في "صورة الأرض" عن
تراجع الطواحين التي تحدث الجعجعة لحساب الطواحين المائية التي استغلت
مياه الأنهار،وحركتي المد والجزر عند مصبات الأنهار في البحر
*صناعة الحرير:انتشرت من بيزنطة حتى الشرق،واستورد المسلمون الثياب والأكسية الرومية
*صناعة العطور والزيوت العطرية :استحدثت بالعراق خلال المرحلة وخاصة تحويل البنفسج ،والنرجس
*صناعة الكاعذ: إنتقلت إلى العراق من الصين وسمرقند
3ـ التجارة:
*فتح الطريق التجاري بين العراق وروسيا إبتداءً من 309هـ حسب ابن خردادبة ،وازدهار طريق البحرالأحمر،وطريق المشرق غربا
*التعامل بالصكوك بعد ازدهار صناعة الكاغد
*تزايد أهمية النقود ،وضرب بني بويه للدينار،ولم تسلم العملة من التزوير
*تتم التجارة في حوانيت على طول شارع الحاضرة من الجانبين،وتقام أسواق أسبوعية
*التجارة على أساس"المقابضة"(بعت ،اشتريت)،خاصة تجارة الحرير والقطن ،وأشهر المراكز التجارية ،بغداد والبصرة

المحور الثا لث بعض مظاهر الحياة الثقافية والعلمية :

1ـ علوم الدين:

*تحرر علم الكلام من الفقه ، وظهرت مجموعة من الفرق الكلامية كالمعتزلة الذين خالفوا جمهور المسلمين مخالفة لاتخرج عن علم الكلام
*ظهور التصوف واعتماده على الاعتقاد بالأولياء
*حلول دراسة الكتب محل الأسفار(حفظ الحديث من غير سفر ولا مشقة )
*ازدهار الجرح والتعديل وعلم القراءات

2 ـ المذاهب الفقهية:

*المذهب الحنبلي: لعب الحنابلة دورا هاما لكن الغزالي يؤكد أنه لم يعترف لهم بالفقه حتى مطلع القرن 6هـ
*المذهب
الظاهري: أسسه داوود الأصفهاني (ت270هـ ) وعظم شأنه في الشرق خلال القرن
4هـ ،أنكر أصحابه على الشافعية التوفيق بين المذهبين الجديد والقديم في
الفقه .
*مذاهب أخرى لم تصمد أمام المذهب الحنبلي وأبرزها الأوزاعي بالأندلس

3ـ علوم اللغة :

*تخلص علم اللغة من الفقهاء ومناهجهم وألفت مجموعة من الكتب ك:
*"مقدمة في النحو" لإبن فارس ت (396هـ)
*"الموازنة" لحمزة الأصفهاني بين(350هـ و360هـ )
*"معجم الصحاح" للجواهري (ت392هـ)
*دراسة في الإشتقاق اللغوي لإبن جني (ت392هـ)

4 ـ الآداب
:
*النثر:تراجع الخطابة في الجيوش بعد أن انقضى عهد الفتوح. وصار الكثير من الجنود من الجيش الإسلامي من الأعاجم، فرساً أو تركاً
*ظهور فن المقامات الذي يغلب عليه التأنق اللفظي والتزيين البديعي
*اشتداد الحوار والتناظر، ولاسيما ما دار بصدد قضايا مهمة كالشعوبية والزندقة خاصة بين الخوارزمي وبديع الزمان
*إهتمام الأدباء بالحياة العامة ووصف حياة المدن
*الشعر: أهم ماميزه
*تجديد في تناول الموضوعات الموروثة مثل المدح والفخر والهجاء والغزل والرثاء ، وذلك بإضفاء صبغة جديدة عليها
*المزاوجة بين بساطة البداوة، وثقافة العصر العقلية " ، على يد المتنبي (ولد 303هـ )
*ترسيخ مكانة بعض الموضوعات القريبة النشأة مثل شعر المجون والزهد والتصوف
*وصف الشعراء لأبسط مظاهر الحياة اليومية كالميزاب،الصورة في المرآة ...
*تزايد أهمية الشعر الشعبي الذي لايخضع للضوابط المعروفة وأبرز شعرائه ابن الحجاج (ت391هـ)
* جمع بنو بويه بين الرياسة والعلم ،وعملوا على إزدهار الشعر، وتنسب بعض القصائد لعضد الدولة

5 ـ التاريخ والجغرافيا

*التاريخ:
عرف العرب النقد التاريخي وظهر لديهم الكثير من العمالقة المؤرخين كالطبري
الذي توفي سنة 310 هج و الذي يعتبر أشهر مؤرخي الفترة من أشهر كتبة "جامع
بيان التفسير" وكتاب" تاريخ الرسل والملوك" إضافة إلى المسعودي بكتابه
الشهير"مروج الذهب" وابن مسكويه "تجارب الأمم"و التنوخي "جامع التواريخ "
*الجغرافيا
:برز مجموعة من الجغرافيين أمثال الهمداني (ت334هـ) الدي وصف جزيرة العرب
وصف عالم لغة ،واليعقوبي أول واصفي المماك من العرب في"البلدان "،إضافة
إلى أبودلف وحكاية رحلته إلى بلاد أسيا الوسطى ،ومحمد التاريخي (ت363هـ
)الذي ألف في وصف إفريقية والمغرب
ونشير إلى أننا لم نتناول عدة
مسائل كالطرق التجارية ،والملاحة البحرية،والطب والصيدلة ،والفلك
،....التي لايتسع هذا العرض المتواضع للحديث عنها ،ونترك فرصة البحث فيها
خارج هذا العرض المتواضع
الخاتمة:
لقد كان القرن الرابع الهجري
عصر تناقض بين الساسي والحضاري،عرف عدة تطورات،لكن الطابع العام الذي ميزه
هو بداية تراجع الحضارة الإسلامية عموما في القرن الموالي في وقت بدأ تطور
الغرب وتستمر في التدهور حتى تصل إلى المستوى الذي نحن عليه اليوم