فقه المياه وما يتعلق بها من أحكام ( الجزء الثالث ) - إعداد / عبدرب الصالحين العتموني
فقه المياه وما يتعلق بها من أحكام
الجزء الثالث
إعداد / العبد الفقير إلى الله
أبو معاذ / عبدرب الصالحين أبوضيف العتموني
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
وبعد
● حُكم الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة :
اختلف العلماء في حُكم الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة على قولين :
القول الأول : أنه ينجس إن كان أقل من قلتين تغير أم لم يتغير وهو قول للشافعى ورواية عن أحمد .
القول الثاني : أنه لا ينجس إلا بالتغير سواء كان الماء قلتين أو أقل وهذا
مذهب أبى حنيفة ومالك والقول الثاني للشافعى وإحدى الروايتين عن أحمد .
لأن الماء الجاري له قوة يدفع بعضه بعضاً فيدفع النجاسة ويزيلها .
ولأنه مثل الماء الذي يصب على النجاسة فيزيلها ويطهر موضعها فإذا كان
الماء إذا ورد على النجاسة طهرها ولا ينجس هو لأنه لو نجَِس لَنَجَّسَ
الموضع وما طهر فكذلك إذا وردت عليه النجاسة لا تنجسه فالواردان واحد سواء
ورد هو على النجاسة أو وردت عليه النجاسة فإنه لا ينجس وهذه ميزة للماء
الجاري .
واستدلوا لذلك بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه
) رواه البخاري .
ورواه مسلم بلفظ : ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ) .
ومفهومه جواز البول في الماء الذي يجري لأن البول يجري مع الماء ولا يستقر فيه .
وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قدامة والشوكاني ورجحه الشيخ
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين وغيرهما من
العلماء المعاصرين .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( تنازع العلماء في الماء الجارى على قولين :
أحدهما : لا ينجس إلا بالتغير وهذا مذهب أبى حنيفة مع تشديده في الماء
الدائم وهو أيضاً مذهب مالك والقول القديم للشافعى وهو أنص الروايتين عن
أحمد وإختيار محققي أصحابه والقول الآخر للشافعى وهى الرواية ى عن أحمد
أنه كالدائم فتعتبر الجرية والصواب الأول فإن النبي صلى الله عليه وسلم
فرق بين الدائم والجارى في نهيه عن الإغتسال فيه والبول فيه وذلك يدل على
الفرق بينهما ولأن الجارى إذا لم تغيره النجاسة فلا وجه لنجاسته وقوله (
إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ) إنما دل على ما دونهما بالمفهوم
والمفهوم لا عموم له فلا يدل ذلك على أن ما دون القلتين يحمل الخبث بل إذا
فرق فيه بين دائم وجار أو إذا كان في بعض الأحيان يحمل الخبث كان الحدث
معمولاً به فإذا كان طاهراً بيقين وليس في نجاسته نص ولا قياس وجب البقاء
على طهارته مع بقاء صفاته وإذا كان حوض الحمام الفائض إذا كان قليلاً ووقع
فيه بول أو دم أو عذرة ولم تغيره لم ينجسه على الصحيح فكيف بالماء الذي
جميعه يجرى على أرض الحمام فإنه إذا وقعت فيه نجاسة ولم تغيره لم ينجس
وهذا يتضح بمسألة أخرى وهو أن الأرض وإن كانت تراباً أو غير تراب إذا وقعت
عليها نجاسة من بول أو عذرة أو غيرهما فإنه إذا صب الماء على الأرض حتى
زالت عين النجاسة فالماء والأرض طاهران وإن لم ينفصل الماء في مذهب جماهير
العلماء فكيف بالبلاط ولهذا قالوا أن السطح إذا كانت عليه نجاسه وأصابه
ماء المطر حتى أزال عينها كان ما ينزل من الميازيب طاهراً فكيف بأرض
الحمام فإذا كان بها بول أو قيء فصب عليه ماء حتى ذهبت عينه كان الماء
والأرض طاهرين وإن لم يجر الماء فكيف إذا جرى وزال عن مكانه ) أهـ .
وقال ابن قدامة رحمه الله : ( لا يتنجس ( الماء ) الجاري إلا بتغيره لأن
الأصل طهارته ولا نعلم في تنجيسه نصاً ولا إجماعاً فبقي على أصل الطهارة
ولأنه يدخل في عموم قوله عليه السلام : ( الماء طهور لا ينجسه شيء ) وقوله
: ( الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه ) فإن قيل :
قد ورد الشرع بتنجيس قليله لقوله عليه السلام : ( إذا بلغ الماء قلتين لم
يحمل الخبث ) قلنا : هذا حجة على طهارته لأن ماء الساقية بمجموعة قد بلغ
القلتين فلا يحمل الخبث وتخصيص الجرية منه بهذا التقدير تحكم لا دليل عليه
ثم الخبر إنما ورد في الماء الراكد ولا يصح قياس الجاري عليه لقوته
بجريانه واتصاله بمادته ثم الخبر إنما يدل بمنطوقه على نفي النجاسة عما
بلغ القلتين وإنما يستدل ها هنا بمفهومه وقضاء حق المفهوم يحصل بمخالفة ما
دون القلتين لما بلغهما وقد حصلت المخالفة بكون ما دون القلتين يفترق فيه
الماء الجاري والراكد في التنجيس وما بلغهما لا يختلف وهذا كاف .
وقال القاضي وأصحابه كل جرية من الماء الجاري معتبرة بنفسها فإذا كانت
النجاسة جارية مع الماء فما أمامها طاهر لأنها لم تصل إليه وما خلفها طاهر
لأنه لم يصل إليها والجرية التي فيها النجاسة إن بلغت قلتين فهي طاهرة إلا
أن تتغير بالنجاسة وان كانت دون القلتين فهي نجسة وان كانت النجاسة واقفة
في جانب النهر أو قراره أو في وهدة منه فكل جرية تمر عليها إن كانت دون
القلتين فهي نجسة وإن بلغت قلتين فهي طاهرة إلا أن تتغير ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( القول الصحيح الذي تطمئن
إليه النفس هو أن ( ما تغير بنجاسة فهو نجس وما لم يتغير فهو طهور ) سواء
كان جاريا ً أم راكداً ) أهـ .
● حُكم التبول أو الاغتسال في الماء الدائم أو الراكد :
الماء الدائم : هو الماء الباقي الذي له ما يُغذّيه ولكنه لا يجري على وجه الأرض مثل : مياه الآبار .
والماء الراكد : هو الماء الذي ليس له ما يُغذّيه ولا يجري على وَجْه
الأرض مثل : مياه البرك والمستنقعات . وقد ذُكِر غير ذلك في الفرق بينهما
.
وقد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن التبول أو الاغتسال في هذا الماء .
فعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه : ( نهى أن يُبال في الماء الراكد ) رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه ) رواه البخاري
: .
ورواه مسلم بلفظ : ( لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب فقالوا يا أبا هريرة كيف يفعل قال يتناوله تناولاً ) .
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( اختلف العلماء هل النهى للتحريم أو الكراهية
فذهب المالكية : إلى أنه مكروه .
وذهب الحنابلة والظاهرية : إلى أنه للتحريم .
وذهب بعض العلماء : إلى أنه محرم في القليل مكروه في الكثير .
وظاهر النهى التحريم في القليل والكثير لكن يخصص من ذلك المياه المستبحرة باتفاق العلماء ) أهـ .
● حُكم الماء الدائم أو الراكد إذا وقعت فيه نجاسة :
لا خلاف بين العلماء أن الماء الدائم أو الراكد إذا كان كثيراً أنه لا
ينجس بمخالطته للنجاسة إلا إذا تغيرت أحدى أوصافه الثلاثة ( اللون أو
الطعم أو الرائحة ) .
قال ابن حزم رحمه الله : ( واتفقوا أن الماء الراكد إذا كان من الكثرة
بحيث إذا حرك وسطه لم يتحرك طرفاه ولا شيء منهما فانه لا ينجسه شيء إلا ما
غير لونه أو طعمه أو رائحته ) أهـ .
أما إن كان قليلاً ولم يتغير بمخالطته للنجاسة فللعلماء في ذلك قولان :
القول الأول : أنه ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة ولو لم يتغير وهذا هو
المشهور في مذهب أحمد وبه قال الشافعي وأبوحنيفة وإسحاق وأبوعبيد وهو قول
ابن عمر وسعيد بن جبير ومجاهد .
القول الثاني : أنه لا ينجس إلا إذا تغير مثله مثل الماء الكثير أي أنه
إذا تغير تنجس وإن لم يتغير فلا يتنجس وهذا هو قول أحمد في الرواية
الثانية عنه وذهب إلي ذلك ابن عباس وأبوهريرة وحذيفة والحسن البصري وسعيد
بن المسيب وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد وابن أبي ليلي والثوري والأوزاعي
ويحيي القطان وعبدالرحمن بن مهدي وابن المنذر وداود الظاهري والنخعي ومالك
وهو قول للشافعي واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني
ورجحه الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز و الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين
وغيرهما من العلماء المعاصرين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( نهيه صلى الله عليه و سلم عن
البول في الماء الدائم أو عن الاغتسال فيه لا يدل على أنه يصير نجساً بذلك
بل قد نهى لما يفضي إليه البول بعد البول من إفساده أو لما يؤدى إلى
الوسواس كما نهى عن بول الرجل في مستحمه وقال عامة الوسواس منه ونهيه عن
الاغتسال قد جاء فيه أنه نهى عن الاغتسال فيه بعد البول وهذا يشبه نهيه عن
بول الإنسان في مستحمه ) أهـ .
وقال أيضاً رحمه الله : ( فإن قيل فإن النبي قد نهى عن البول في الماء
الدائم وعن الإغتسال فيه قيل نهيه عن البول في الماء الدائم لا يدل على
أنه ينجس بمجرد البول إذ ليس في اللفظ ما يدل على ذلك بل قد يكون نهيه
سداً للذريعة لأن البول ذريعة إلى تنجيسه فإنه إذا بال هذا ثم بال هذا
تغير الماء بالبول فكان نهيه سداً للذريعة أو يقال إنه مكروه بمجرد الطبع
لا لأجل أنه ينجسه وأيضاً فيدل نهيه عن البول في الماء الدائم أنه يعم
القليل والكثير فيقال لصاحب القلتين أتجوز بوله فيما فوق القلتين إن جوزته
فقد خالفت ظاهر النص وإن حرمته فقد نقضت دليلك وكذلك يقال لمن فرق بين ما
يمكن نزحه ومالا يمكن أتسوغ للحجاج أن يبولوا في المصانع المبنية بطريق
مكة إن جوزته خالفت ظاهر النص فإن هذا ماء دائم والحديث لم يفرق بين
القليل والكثير وإلا نقضت قولك وكذلك يقال للمقدر بعشرة أذرع إذا كان لأهل
القرية غدير مستطيل أكثر من عشرة أذرع رقيق أتسوغ لأهل القرية البول فيه
فإن سوغته خالفت ظاهر النص وإلا نقضت قولك فإذا كان النص بل والإجماع دل
على أنه نهى عن البول فيما ينجسه البول بل تقدير الماء وغير ذلك فيما
يشترك فيه القليل والكثير كان هذا الوصف المشترك بين القليل والكثير
مستقلاً بالنهى فلم يجز تعليل النهى بالنجاسة ولا يجوز أن يقال إنه إنما
نهى عن البول فيه لأن البول ينجسه فإن هذا خلاف النص والإجماع ) أهـ .
وقال النووي رحمه الله : ( لا ينجس كثير الماء ولا قليله إلا بالتغير حكوه
عن ابن عباس وابن المسيب والحسن البصري وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء وعبد
الرحمن ابن أبي ليلي وجابر بن زيد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن
مهدى : قال أصحابنا وهو مذهب مالك والأوزاعي وسفيان الثوري وداود ونقلوه
عن أبي هريرة والنخعي قال ابن المنذر وبهذا المذهب أقول واختاره الغزالي
في الإحياء واختاره الروياني في كتابيه البحر والحلية قال في البحر هو
اختياري واختيار جماعة رأيتهم بخراسان والعراق وهذا المذهب أصحها بعد
مذهبنا ... ) أهـ .
وقال أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ :
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله عندما وجه إليهم هذا السؤال : ما
حكم الشريعة في اغتسال الجنب في الماء الدائم الذي لا يجري مع العلم بأنه
يوجد في البر برك يستمر فيها الماء مدة طويلة لا يغيره إلا المطر في الصيف
أو الخريف وتوجد برك في المساجد وما حكم النهي في حديث « لا يغتسل أحدكم
في الماء الدائم وهو جنب » ....
فكان الجواب : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد :
أولاً : إقدام الجنب على الاغتسال في الماء الدائم الذي لا يجري لا يجوز
لما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: « لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب فقيل كيف يفعل يا أبا هريرة
قال يتناوله تناولاً » .
ثانياً : إذا بلغ الماء الدائم قلتين فأكثر ولم يتغير لونه أو طعمه أو
ريحه بالاغتسال فيه من الجنابة أجزأ الوضوء والغسل منه وصلح لتطهير
الأخباث والأحداث وإن تغير بنجاسة لم يصح استعماله في طهارة أحداث ولا
أخباث إجماعاً وإن تغير بمجرد تتابع الاغتسال من الجنابة فيه لا بنجاسة
ففي طهوريته خلاف والأحوط ترك استعماله في الطهارة خروجاً من الخلاف وإن
كان أقل من قلتين واغتسل فيه جنب فإن تغير بنجاسة جنب كانت على بدنه لم
يصح التطهر به من الأحداث ولا الأخباث وإن لم يتغير بنجاسة ففي صحة التطهر
به من الأحداث والأخباث خلاف والأحوط ترك استعماله في الطهارات عند تيسر
غيره وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( اختلف في الماء الذي يبل فيه : هل هو باق على طهوريته أو تنجس
.
فإن كان متغيراً بالنجاسة فإن الإجماع منعقد على نجاسته قليلاً كان أو كثيراً .
وإن كان غير متغير بالنجاسة وهو كثير فالإجماع أيضاً على طهوريته .
وإن كان قليلاً غير متغير بالنجاسة فذهب أبوهريرة وابن عباس والحسن البصري
وابن المسيب والثوري وداود ومالك والبخاري : إلى عدم تنجسه وقد سرد
البخاري عدة أحاديث رداً على من قال إنه نجس .
وذهب ابن عمر ومجاهد والحنفية والشافعية والحنابلة : إلى أنه تنجس بمجرد
ملاقاة النجاسة ولو لم يتغير مادام قليلاً مستدلين بأدلة منها حديث الباب
وكلها يمكن ردها .
واستدل الأولون بأدلة كثيرة .
منها : ما رواه أبوداود والترمذي وحسنه " الماء طهور لا ينجسه شيء "
وأجابوا عن حديث الباب بأن النهى لتكريهه على السقاة والواردين لا لتنجيسه
والحق ما ذهب إليه الأولون فإن مدار التنجس على التغير بالنجاسة قل الماء
أو كثر هذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
ومن هذا نعلم أن الراجح أيضاً طهورية الماء المغتسل فيه من الجنابة وإن قل
خلافاً للمشهور من مذهبنا ومذهب الشافعي من أن الاغتسال يسلبه صفة
الطهورية ما دام قليلاً ) أهـ .
وقال أيضاً رحمه الله : ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء
الدائم، الذي لا يجرى كالخزانات والصهاريج والغدران في الفلوات والموارد
التي يستسقى منها الناس لئلا يلوثها عليهم ويكرهها لأن هذه الفضلات القذرة
سبب في انتشار الأمراض الفتاكة .
كما نهى عن الاغتسال بغمس الجسم أو بعضه في الماء الذي لا يجرى حتى لا
يكرهه ويوسخه على غيره بل يتناول منه تناولاً وإذا كان المغتسل جنباً
فالنهى أشد فإن كان الماء جارياً فلا بأس من الاغتسال فيه والتبول مع أن
الأحسن تجنيبه البول لعدم الفائدة في ذلك وخشية التلويث وضرر الغير ) أهـ .
● حُكم الطهارة بالماء المشمس :
الماء المشمس : هو الماء المسخن بتأثير الشمس .
قال أحمد بن حمزة ابن شهاب الدين الرملي الشهير بالشافعي الصغير : ( وضابط
المشمس أن تؤثر فيه السخونة بحيث تفصل من الإناء أجزاء سمية تؤثر في البدن
لا مجرد انتقاله من حالة لأخرى بسببها ) .
وحُكمه أنه طاهر في نفسه لأنه لم يلق نجاسة ومطهر لغيره أي يرفع الحدث
ويزيل النجس لبقاء إطلاق اسم الماء عليه وهذا باتفاق العلماء .
ولكن اختلف الفقهاء في حكم استعماله على قولين :
القول الأول : جواز استعماله مطلقاً من غير كراهة سواء أكان هذا الاستعمال في البدن أم في الثوب .
وبهذا قال الحنابلة وجمهور الحنفية وهو قول لبعض فقهاء المالكية والشافعية وهو مذهب الظاهرية .
القول الثاني : كراهة استعماله : وهو ما ذهب إليه المالكية في المعتمد عندهم والشافعية في المذهب وبعض الحنفية .
وقالوا : إن كراهته من جهة أنه يورث البرص .
وقالوا أيضاً : إن الشمس بحدتها تفصل منه زهومة تعلو الماء فإذا لاقت البدن بسخونتها خيف أن تقبض عليه فيحتبس الدم فيحصل البرص .
واستدلوا بحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقد سخنت ماء في الشمس فقال : ( لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث
البرص ) رواه الدارقطني وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله .
وعن أنس أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " لا تغتسلوا
بالماء الذي يسخن في الشمس فإنه يعدي من البرص " رواه العقيلي وضعفه الشيخ
الألباني رحمه الله .
وعن عمر رضي الله عنه أنه كان يكره الاغتسال بالماء المشمس وقال : ( يورث البرص ) رواه الشافعي وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله .
والكراهة عند القائلين بها إنما تكون بشرطين :
الشرط الأول : أن يكون التشميس في الأواني المنطبعة كالنحاس والحديد
والرصاص لأن الشمس إذا أثرت فيها خرج منها زهومة تعلو على وجه الماء فإذا
لاقت البدن بسخونتها خيف أن تقبض عليه فيحتبس الدم فيحصل البرص ولا يتأتى
ذلك في أواني الخزف وغيرها لفقد العلة .
الشرط الثاني : أن يقع التشميس في البلاد الشديدة الحرارة دون الباردة
والمعتدلة فإن تأثير الشمس فيهما ضعيف ولا فرق بين أن يقصد التشميس أو لا
لوجود المحذور ولا يكره المشمس في الحياض والبرك .
وهذه الكراهة طبية لا شرعية لأنها لا تمنع من إكمال الوضوء أو الغسل بخلاف
ما لو كانت كراهته لشدة حرارته فإنها شرعية والفرق بين الكراهتين : أن
الشرعية يثاب على ترك استعماله بخلاف الطبية .
قال ابن حزم رحمه الله : ( ليس في الماء المشمس خبر صحيح ولا ضعيف وورد
أثر عن عمر باسناد لا بأس به والشافعي إنما كرهه من جهة الطب وقد كان
عالماً به : قال الشافعي ( ولا أكره الماء المشمس إلا من جهة الطب )
فالعجب من الشافعية إذ أخذوا قوله هذا حكماً وجعلوه مكروهاً شرعاً ولا حجة
لهم وقد يخطئ الطبيب .
وقد نص الشافعي في الأم على أنه إنما كرهه من جهة الطب ولم يدع أنه اعتمد فيه على حديث ) أهـ .
وقال ابن القيم رحمه الله : ( ولا يصح في الماء المسخن بالشمس حديث ولا أثر ولا كرهه أحد من قدماء الأطباء ولا عابوه ) أهـ .
وقال ابن قدامة رحمه الله : ( ولا تكره الطهارة بالماء المشمس وقال
الشافعي تكره الطهارة بماء قصد إلى تشميسه في الأواني ولا أكرهه إلا من
جهة الطب لما روي عن عائشة رضي الله عنها قال : دخل علي رسول الله صلى
الله عليه و سلم وقد سخنت له الماء في الشمس فقال : ( لا تفعلي يا حميراء
فإنه يورث البرص ) واختاره أبو الحسن التميمي ولنا أنه سخن بطاهر أشبه ما
في البرك والأنهار وما سخن بالنار وما لم يقصد تشميسه فإن الضرر لا يختلف
بالقصد وعدمه والحديث غير ثابت يرويه خالد بن إسماعيل وهو متروك الحديث
وعمر بن محمد الأعسم وهو منكر الحديث قاله الدارقطني قال : ولا يصح عن
الزهري وحكي عن أهل الطب أنهم لا يعرفون لذلك تأثيرا في الضرر ) أهـ .
وقال النووي رحمه الله : ( وهو الراجح من حيث الدليل وهو مذهب أكثر العلماء وليس للكراهية دليل يعتمد ) أهـ .
وقال أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ :
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله : ( لا نعلم دليلاً صحيحاً يمنع من
استعمال الماء المشمس ) أهـ .
وقال الشيخ حسام الدين موسى عفانة : ( لم يرد في الشرع ما يمنع ذلك وما
ورد من أحاديث وآثار في منع استعمال الماء المسخن أو المشمس وهو الذي يسخن
عن طريق الشمس فكلها باطلة لا تصح ولا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم
ومن هذه الأحاديث الباطلة ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عائشة
رضي الله عنها عن تشميس الماء وقال لها : ( لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث
البرص ) فهذا الحديث مكذوب وفي سنده كذاب كما ذكره أهل الحديث انظر
التلخيص الحبير للحافظ ابن حجر وقد ذكر ابن الجوزي حديث عائشة في
الموضوعات أي الأحاديث المكذوبة .
ومثله ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( نهى رسول الله أن نتوضأ
بالماء المشمس أو نغتسل فيه ) وفيه راو يضع الحديث كما قال ابن حبان انظر
التلخيص الحبير ومثله ما روي عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم : ( لا تغتسلوا بالماء الذي يسخن في الشمس فإنه يعدي من البرص ) وقد
ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال العقيلي : لا يصح في الماء المشمس حديث
مسند .
وذكر الشوكاني أحاديث الماء المشمس في كتابه الفوائد المجموعة في الأحاديث
الموضوعة وحكم الألباني على حديث عائشة في الماء المشمس بأنه موضوع أي
مكذوب وذكر طرقه وفصل الكلام عليها في كتابه "إرواء الغليل" فالذي يظهر
أنه إن ثبت أن فيه ضررا على البدن كره من هذه الجهة وإلا فلا يكره ) أهـ .
● حُكم الماء المُسخن بشئ نجس :
اختلف العلماء في حُكم الماء المسُخن بنجاسة :
فقيل : طهور بلا كراهة وهو مذهب الحنفية والشافعية .
وقيل : يكره وهو مذهب المالكية .
وأما الحنابلة فجعلوا الماء المُسخن بنجاسة على ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة كالدخان أو الرماد إلى الماء فينجسه إذا كان يسيراً وهذا هو المشهور في المذهب .
الثاني : لا يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة إلى الماء والحائل غير حصين فالماء على أصل الطهارة ويكره استعماله .
الثالث : إذا كان الحائل حصيناً فمنهم من كرهه أيضاً كالقاضي أبي يعلى ومنهم من قال : لا يكره كالشريف أبي جعفر وابن عقيل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وأما المسخن بالنجاسة فليس ينجس
باتفاق الأئمة إذا لم يحصل له ما ينجسه وأما كراهته ففيها نزاع لا كراهة
فيه في مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما
وكرهه مالك وأحمد في الرواية الأخرى عنهما .
وهذه الكراهة لها مأخذان :
أحدهما : احتمال وصول أجزاء النجاسة إلى الماء فيبقى مشكوكاً في طهارته
شكا مستنداً إلى أمارة ظاهرة فعلى هذا المأخذ متى كان بين الوقود والماء
حاجز حصين كمياه الحمامات لم يكره لأنه قد تيقن أن الماء لم تصل إليه
النجاسة .
وهذه طريقة طائفة من أصحاب أحمد : كالشريف أبي جعفر وابن عقيل وغيرهما .
والثاني : أن سبب الكراهة كونه سخن بإيقاد النجاسة واستعمال النجاسة مكروه عندهم والحاصل بالمكروه مكروه وهذه طريقة القاضي وغيره .
فعلى هذا إنما الكراهة إذا كان التسخين حصل بالنجاسة .
فأما إذا كان غالب الوقود طاهراً أو شك فيه لم تكن هذه المسألة وأما دخان
النجاسة : فهذا مبني على أصل وهو : أن العين النجسة الخبيثة إذا استحالت
حتى صارت طيبة كغيرها من الأعيان الطيبة مثل : أن يصير ما يقع في الملاحة
من دم وميتة وخنزير ملحاً طيباً كغيرها من الملح أو يصير الوقود رماداً
وخرسفاً وقصرملاً ونحو ذلك ففيه للعلماء قولان .
أحدهما : لا يطهر كقول الشافعي وهو أحد القولين في مذهب مالك وهو المشهور
عن أصحاب أحمد وإحدى الروايتين عنه والرواية الأخرى : أنه طاهر وهذا مذهب
أبي حنيفة ومالك في أحد القولين وإحدى الروايتين عن أحمد .
ومذهب أهل الظاهر وغيرهم : أنها تطهر وهذا هو الصواب المقطوع به فإن هذه
الأعيان لم تتناولها نصوص التحريم لا لفظا ولا معنى فليست محرمة ولا في
معنى المحرم فلا وجه لتحريمها بل تتناولها نصوص الحل فإنها من الطيبات وهي
أيضا في معنى ما اتفق على حله فالنص والقياس يقتضي تحليلها ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( قوله : "أو سخن بنجس كره" أي : إذا سخن الماء بنجس تغير أو لم يتغير فإنه يكره .
مثاله : لو جمع رجل روث حمير وسخن به الماء فإنه يكره فإن كان مكشوفاً فإن وجه الكراهة فيه ظاهر لأن الدخان يدخله ويؤثر فيه .
وإن كان مغطى ومحكم الغطاء كره أيضاً لأنه لا يسلم غالباً من صعود أجزاء إليه .
والصواب : أنه إذا كان محكم الغطاء لا يكره .
فإن دخل فيه دخان وغيره فإنه ينبني على القول بأن الاستحالة تصير النجس
طاهراً فإن قلنا بذلك لم يضر وإن قلنا بأن الاستحالة لا تطهر وتغير أحد
أوصاف الماء بهذا الدخان كان نجساً ) أهـ .
● حُكم الطهارة بالماء المسخن بشئ طاهر :
ذهب جمهور العلماء إلى جواز التطهر بالماء المسخن بشئ طاهر .
قال ابن المنذر رحمه الله بعد أن ساق طرفاً من آية التيمم : ( فالماء
المسخن داخل في جملة المياه التي أمر الناس أن يتطهروا بها وروينا عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد
الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته" وممن روينا عنه أنه رأى
الوضوء بالماء المسخن : عمر بن الخطاب وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك
وساق بعض الآثار ثم قال : "وهو مذهب عطاء والحسن أبي وائل وكذا قال كل من
نحفظ عنه من أهل المدينة وأهل الكوفة وكذلك قال الشافعي وأبو عبيد وذكر
أنه قول أهل الحجاز والعراق جميعاً " .
قال : وروينا عن مجاهد أنه كره الوضوء بالماء الساخن والذي روى عنه ذلك ليث وليس لكراهيته لذلك معنى ) أهـ .
وقال ابن قدامة رحمه الله : ( ولا يكره الوضوء بالماء المسخن بطاهر إلا أن
يكون حاراً يمنع اسباغ الوضوء لحرارته وممن روي عنه أنه رأى الوضوء بالماء
المسخن عمر وابنه وابن عباس وأنس رضي الله عنهم وهو قول أهل الحجاز وأهل
العراق جميعهم غير مجاهد ولا معنى لقوله فان زيد بن أسلم رضي الله عنه روي
أن عمر كان له قمقمة يسخن فيها الماء وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دخل
حماماً بالجحفة وذكر ابن عقيل حديثاً عن شريك رحال النبي صلى الله عليه و
سلم قال : "أجنبت وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فجمعت حطباً فأحميت
الماء فاغتسلت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر علي" ولأنها صفة
خلق عليها الماء فأشبه ما لو برده ) أهـ .
وسُئل الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين رحمه الله : ما حكم الوضوء من الماء الحار
فأجاب رحمه الله بقوله : ( لا بأس بذلك لكن إذا كان شديد الحرارة فإنه يصح
مع الكراهية وذلك لأنه يضر بالبشرة بالإحراق والألم وقد وجد خلاف قديم في
الماء المسخن هل يرفع الحدث أم لا
والصواب أنه يرفعه بل يصبح ضرورياً في البلاد الباردة لكن يكره إذا سخن بوقود نجس ) أهـ .
● حُكم الطهارة من الحدث أو الخبث بماء زمزم :
● أولاً : حُكم الطهارة من الحدث بماء زمزم :
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : يكره وهو رواية عند الحنابلة واختاره ابن تيمية رحمه الله .
لما رواه عبدالرزاق عن معمر عن الزهري أن عبدالمطلب لما أنبط زمزم بنى
عليها حوضاً فطفق هو وابنه الحارث ينزعان فيملآن ذلك الحوض فيشربان منه
الحاج فيكسره أناس من حسدة قريش بالليل ويصلحه عبدالمطلب حين يصبح فلما
أكثروا إفساده دعا عبدالمطلب ربه فأري في المنام فقال : ( قل اللهم إني لا
أحلها لمغتسل ولكن هي لشارب حل وبل ... ) .
والحل : مقابل الحرام - ومعنى بل : مباح في لغة حمير .
ولأنه يزيل به مانعاً من الصلاة أشبه إزالة النجاسة به .
القول الثاني : لا يكره وهو مذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والمشهور عند الحنابلة .
واستدلوا بعموم النصوص الواردة في جواز التطهير بالماء الطهور بلا فرق بين زمزم وغيرها ولعدم ثبوت نهي عن الاغتسال بماء زمزم .
واستدلوا أيضاً ما ثبت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم : ( دعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ ) رواه أحمد
وصححه الشيخ أحمد شاكر .
● ثانياً : حُكم الطهارة من الخبث بماء زمزم :
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : يكره وهو مذهب الحنفية والمشهور عند الحنابلة واختاره ابن تيمية رحمه الله .
وقالوا : لا يُستعمل ماء زمزم في مواضع الامتهان ولا يستعمل إلا على شيء
طاهر فلا ينبغي أن يغسل به ثوب نجس ولا في مكان نجس وكان النبي صلى الله
عليه وسلم يستعمله للتبرك به بشربه والوضوء به والاستشفاء به وصبه على
المرضى ونحو هذا من الاستعمالات التي فيها كل تكريم واحترام وتشريف لماء
زمزم فينبغي أن يُصَان عن صَبِّه على النجاسات .
القول الثاني : لا يكره وهو مذهب المالكية وقال الشافعية : هو خلاف الأولى .
وقالوا : لا يوجد دليل يمنع من ذلك فهو ماء كسائر المياه إلا أن له شرفاً
لبركته التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يوجب المنع من
استعماله في إزالة النجاسة ولا كراهته وإن كان الأولى عدم إزالة النجاسة
به مع وجود غيره .
قال ابن قدامة رحمه الله : ( ولا يكره الوضوء والغسل بماء زمزم لأنه ماء
طهور فأشبه سائر المياه وعنه يكره لقول العباس : "لا أحلها لمغتسل لكن
للمحرم حل وبل" ولأنه يزيل به مانعاً من الصلاة أشبه إزالة النجاسة به
والأول أولى وقول العباس لا يؤخذ بصريحه في التحريم ففي غيره أولى وشرفه
لا يوجب الكراهة لاستعماله كالماء الذي وضع فيه النبي صلى الله عليه و سلم
كفته أو اغتسل منه ) أهـ .
وقال النووي رحمه الله : ( ولا يكره الطهر بماء زمزم ولكن الأولى عدم إزالة النجاسة به ) أهـ .
وسُئل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله باز رحمه الله : هل يجوز الاستنجاء بماء زمزم
فأجاب بقوله : ( ماء زمزم قد دلت الأحاديث الصحيحة على أنه ماء شريف مبارك
وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زمزم : "إنها
مباركة إنها طعام طعم" وزاد في رواية عند أبي داود بسند جيد : "وشفاء سقم"
فهذا الحديث الصحيح يدل على فضل ماء زمزم وأنه طعام طعم وشفاء سقم وأنه
مبارك والسنة : الشرب منه كما شرب النبي صلى الله عليه وسلم منه ويجوز
الوضوء منه والاستنجاء وكذلك الغسل من الجنابة إذا دعت الحاجة إلى ذلك .
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نبع الماء من بين أصابعه ثم أخذ الناس
حاجتهم من هذا الماء ليشربوا ويتوضئوا وليغسلوا ثيابهم ، وليستنجوا كل هذا
واقع .
وماء زمزم إن لم يكن مثل الماء الذي نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه
وسلم لم يكن فوق ذلك فكلاهما ماء شريف فإذا جاز الوضوء والاغتسال
والاستنجاء وغسل الثياب من الماء الذي نبع من بين أصابعه صلى الله عليه
وسلم فهكذا يجوز من ماء زمزم وبكل حال فهو ماء طهور طيب يستحب الشرب منه
ولا حرج في الوضوء منه ولا حرج في غسل الثياب منه ولا حرج في الاستنجاء
إذا دعت الحاجة إلى ذلك كما تقدم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال : "ماء زمزم لما شرب له" أخرجه أحمد وابن ماجة وفي سنده ضعف ولكن يشهد
له الحديث الصحيح المتقدم والحمد لله ) أهـ .
وسُئل الشيخ عبدالله الفقيه : ماحكم الاستنجاء بماء زمزم
فأجاب بقوله : ( الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه
أما بعد : فالاستنجاء بماء زمزم مجزئ بإجماع أهل العلم كما ذكر ذلك
الماوردي وحكاه عنه النووي في المجموع .
ولكن نص كثير من الفقهاء على كراهة استعماله في مواضع الامتهان كإزالة
النجاسة ويدخل في ذلك الاستنجاء وهو مع ذلك مجزئ وعلة الكراهة أنه ماء
معظم مبارك قال ابن القيم : هو سيد المياه وأشرفها وأجلها قدراً وأحبها
إلى النفوس وأغلاها ثمناً وأنفسها عند الناس وهو هزمة جبريل وسقيا إسماعيل
.
وأما الوضوء والغسل به فالصحيح جوازه بلا كراهة لما جاء في المسند وصححه
الشيخ أحمد شاكر عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"دعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ" والله أعلم ) أهـ .
وقال الشيخ صالح آل الشيخ : ( لا بأس بذلك ومن المعلوم أن أهل مكة في
أزمنتهم الأولى كانوا يستعملون ماء زمزم ولم يكن عندهم غير ماء زمزم
فالصواب أن لا كراهة في ذلك وأنه جائز ) أهـ .
● أخي الحبيب :
● أكتفي بهذا القدر وللحديث بقية في الجزء الرابع إن شاء الله .
● وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافياً كافياً في توضيح المراد وأسأله سبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل .
● وما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ أو زلل فمنى ومن الشيطان والله
ورسوله منه بريئان والله الموفق وصلي اللهم علي نبينا محمد وعلي آله
وأصحابه أجمعين .
أخوكم
أبومعاذ / عبدرب الصالحين أبوضيف العتموني
وشهرته / عبدربه العتموني
ج . م . ع / محافظة سوهاج / مركز طما / قرية العتامنة
01002889832 / 002