فقه المياه وما يتعلق بها من أحكام ( الجزء الثاني ) - إعداد / عبدرب الصالحين العتموني
فقه المياه وما يتعلق بها من أحكام
الجزء الثاني
إعداد / العبد الفقير إلى الله
أبو معاذ / عبدرب الصالحين أبو ضيف العتموني
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
وبعد
● ثانياً : الماء الطاهر :
الماء الطاهر عند من يقول به من حيث التقسيم : هو الماء الطهور إذا خالطه
شيء طاهر فغير أحد أوصافه الثلاثة "اللون أو الطعم أو الرائحة " سواء
اجتمعت هذه الأوصاف أم انفردت وكان ذلك المخالط من الأشياء التي تسلب
الطهورية .
وهذا الماء لا يُرفع به الحدث بنوعيه ولكن يُستعمل في إزالة النجاسة علي الراجح ويستعمل كذلك في العادات مثل الأكل والشرب ونحو ذلك .
ومن الأحكام التي تتعلق بهذا النوع من المياه ما يلي :
1- الماء الطهور إذا خالطه شئ طاهر يمكن التحرز منه ولا يشق صون الماء عنه
مثل الدقيق واللبن والعسل والزعفران والصابون والصبغ والحبر ونحو ذلك ولم
يتغير به فهو باق على طهوريته واطلاقه وتحصل به الطهارة باتفاق الفقهاء .
أما إن تغير بسبب مخالطة شئ من هذه الأشياء الطاهرة في أحدى أوصافه
الثلاثة "اللون أو الطعم أو الرائحة "فقد اختلف العلماء في حُكمه هل يُرفع
به الحدث أم لا
على قولين :
القول الأول :
لا تحصل به الطهارة وهو مذهب مالك والشافعي وإسحاق ورواية عن أحمد لأنه ماء تغير بمخالطة ما ليس بطهور يمكن التحرز منه .
القول الثاني :
تحصل به الطهارة ما دام باقياً على مسماه وهو مذهب أبوحنيفة وأصحابه وأحمد
في الرواية الأخرى عنه نقلها عنه جماعة من أصحابه منهم أبوالحارث
والميموني وإسحاق بن منصور .
ومعنى قول : ( ما دام باقياً على مسماه ) أي مادام يطلق عليه اسم الماء
ولم يجعل فيه شئ طاهر يغيره ويخرجه عن هذا المسمى كاللبن إذا جعل في الماء
حتى غيره وصار لبناً وهكذا الشاي ونحوه فهذا الماء لا تحصل به الطهارة من
الحدث لكونه خرج عن اسم الماء إلى اسم آخر أي انتقل عن أصل خلقته إلى صفة
أخرى تخالف ما خلقه الله عليه .
أما ما دام اسم الماء باقياً ولم يخرج عن مسماه ولو وقع فيه شيء من الطاهرات فهذا باق على طهوريته .
فما تغير مسماه فلا خلاف أنه غير طهور إنما الخلاف فيما دام باقياً فيه مسمى الماء ولم يفقد الماء رقته وسيلانه .
واستدل أصحاب هذا القول : بقوله تعالي : ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا ) وهذا عام في كل ماء لأنه نكره في سياق النفي والقاعدة
الأصولية : أن النكرة في سياق النفي من صيغ العموم فهذا يعم كل ماء فلا
يجوز التيمم مع وجوده .
واستدلوا أيضاً بحديث ( إن الصعيد الطيب طهور ما لم تجد الماء ) رواه
أبوداود والترمذي وأحمد وغيرهم عن أبي ذر وصححه الشيخ الألباني رحمه الله
.
وهذا واجد للماء وهو طهور خالطه طاهر لم يسلبه اسم الماء
الترجيح :
رجح القول الثاني شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمهم الله جميعاً .
قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله : ( إذا تغير ( الماء )
بشيء ( طاهر ) يخرجه من اسم الماء حتى يجعله شيئاً آخر كاللبن إذا جعل على
الماء حتى غيره وصار لبناً أو صار شاياً أو صار مرقاً خارجاً عن اسم الماء
فهذا لا يصح الوضوء به لكونه خرج عن اسم الماء إلى اسم آخر .
أما ما دام اسم الماء باقياً وإنما وقع فيه شيء من الطاهرات كالتراب والتبن أو غير ذلك مما لا يسلبه اسم الماء فهذا لا يضره ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( القول الراجح : أن الماء
إذا تغير بشيء طاهر وهو باق على اسم الماء أنه لا تزول طهوريته بل طهور
طاهر في نفسه مطهر لغيره ) أهـ .
2- أن يكون هذا التغيير بسبب مخالطة شئ طاهر لا يمكن التحرز منه ويشق صون
الماء عنه مثل الطحلب وسائر ما ينبت في الماء من عشب ونحوه وكذلك ورق
الشجر الذي يسقط في الماء أو تحمله الرياح فتلقيه فيه وكذلك ما تجذبه
السيول من العيدان أو التبن ونحوه فتلقيه في الماء وكذلك إذا تغير بما هو
في قرار الماء كالكبريت والقار ونحوهما إذا جري عليه الماء أو كان في
الأرض التي يقف الماء فيها فهذا الماء حكمه أنه طهور وإن تغير بهذه
الأشياء الطاهرة لأن هذا كله يعفي عنه لأنه يشق صون الماء عنه ولا يمكن
التحرز منه وهذا باتفاق العلماء .
وذهب الشافعية والحنابلة إلي أنه إذا أخذ شئ من هذه الأشياء فطرحت في هذا
الماء قصداً وتغير الماء بذلك كان حكمه حكم ما يمكن التحرز منه .
3- أن يكون هذا التغير بسبب مخالطة شئ طاهر لا يمازج الماء ولا يتفتت فيه
مثل العود والكافور والعنبر ونحو ذلك وكذلك إذا تغير هذا الماء بسبب
المجاورة من غير مخالطة فهذا الماء لم يخرج عن كونه طهوراً لأنه تغير عن
غير مخالطة وبسبب المجاورة أشبه ما لو تروح بريح شئ علي جانبه وليس في ذلك
خلاف بين أهل العلم .
4- أن يكون هذا التغير بسبب ما طبخ في هذا الماء كأن يوضع فيه لحم ونحوه
فهذا الماء حكمه أنه طاهر غير طهور ولكنه لا يصير كذلك إلا إذا انتقل اسمه
انتقالاً كاملاً كأن يقال مثلاً هذا مرق وهذه قهوة لأنه حينئذ لا يسمي ماء
وإنما يسمي شراباً بحسب ما يضاف إلي هذا الماء وطبخ فيه .
5- أن يكون هذا التغير بسبب مخالطة ما يوافق الماء في صفتيه الطهارة
والطهورية كالتراب فإن الماء لا يخرج عن طهوريته لأن التراب طاهر مطهر
كالماء ولا فرق في ذلك بين وقوع التراب عن قصد أو عن غير قصد .
6- أن يكون هذا التغير بسبب مخالطة ما ينعقد من هذا الماء مثل الملح
البحري فإن هذا الماء لا يزال طهوراً لأن هذا الملح أصله طهوراً فهو
كالجليد والثلج .
ولكن إن تغير هذا الماء بالملح المعدني فإن حكمه حكم الماء المتغير بما يمكن التحرز منه لأن الملح المعدني ليس أصله الماء .
والملح المعدني : هو ما يستخرج من باطن الأرض .
7- أن يكون هذا التغير بسبب طول المكث في المكان من غير مخالطة شئ يغيره
وهذا الماء حكمه أنه طهور قال ابن تيمية رحمه الله : ( ما تغير بمكثه
ومقره فهو باق علي طهوريته باتفاق العلماء ) . أهـ
وقال ابن المنذر رحمه الله في الإجماع : ( أجمع كل من نحفظ قوله من أهل
العلم علي أن الوضوء بالماء الآجن من غير نجاسة حلت فيه جائز ... ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( الماء الذي يتغير من طول
مكثه يجوز الوضوء به والغسل منه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { الماء
طهور لا ينجسه شيء } وأجمع العلماء على أن الماء إذا تغير بالنجاسة صار
نجساً وهذا التغير الذي يحدث للماء من طول مكثه ليس تغيراً بالنجاسة حتى
وإن اخضر أو صارت له رائحة كريهة فإنه طهور يجوز التطهر به غسلاً ووضوءاً
وإزالة للنجاسة ) أهـ .
هذه بعض الحالات التي يتغير بها الماء الطهور بالأشياء الطاهرة وحكم كل منها
ولكن يشترط في هذا التغير أن يكون كثيراً بحيث يُخرج هذا الماء عن إطلاقه
ويصير لا يتناوله اسم الماء المطلق ولكن إن كان هذا التغير يسيراً والماء
ما زال حافظاً لإطلاقه فإنه باق علي طهوريته ولا يؤثر هذا التغير اليسير
فيه لأنه ثبت : عن أم هانئ رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
( اغتسل هو وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين ) رواه النسائي
وابن ماجة وأحمد والبيهقي وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
● ثالثاً : الماء النجس :
الماء النجس : هو عبارة عن ماء طهور خالطه شيء نجس فغير أحد أوصافه
الثلاثة "اللون أو الطعم أو الرائحة " وهذا الماء يحرم استعماله في
العبادات والمعاملات .
وهذا الماء لا يخلو تغيره من حالتين :
● الحالة الأولي : إذا كان هذا الماء كثيراً وغيرت النجاسة إحدي صفاته
"اللون أو الطعم أو الرائحة" فإنه يُنجس بالإجماع أما إذا لم يتغير هذا
الماء بخالطة هذه النجاسة فإنه يبقي علي أصله .
والعلماء رحمهم الله اختلفوا في تحديد مقدار الماء الكثير والقليل .
فذهب الشافعية والحنابلة إلي أن الماء الكثير هو ما بلغ مقدار القلتين أو
أكثر والقليل ما دون ذلك وسوف يأتي بيان مقدار القلتين فيما بعد إن شاء
الله .
وذهب الأحناف إلي أنه هو الذي إذا حرك أحد طرفيه آدمي لم تسر الحركة إلي الطرف الثاني .
وذهب ابن عمر ومجاهد إلي أنه هو ما لا يظن استعمال النجاسة باستعماله .
وقيل هو ما بلغ عشرة أذرع في عشرة وقيل هو الماء المستبحر إلي غير ذلك من الأقوال .
وما ذهب إليه الشافعية والحنابلة هو الذي رجحه العلماء لحديث القلتين وهو
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع
والدواب قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان الماء قلتين
لم يحمل الخبث ) رواه أبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة
والحاكم والدارقطني وأحمد وغيرهم وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
وما عدا ذلك من الأقوال في تحديد الكثير والقليل فهو الضعيف ليس عليه دليل .
قال الشوكاني رحمه الله : ( وهذه الأقوال ليس عليها أثارة من علم بل هي خارجة عن باب الرواية المقبولة والدراية المعقولة ) أهـ .
● الحالة الثانية : إذا كان هذا الماء قليلاً ( وهو ما دون القلتين ) وخالطته النجاسة فللعلماء في هذه الحالة قولان :
القول الأول : أنه ينجس تغير أم لم يتغير وهذا هو المشهور في مذهب أحمد
وبه قال الشافعي وأبوحنيفة وإسحاق وأبوعبيد وهو قول ابن عمر وسعيد بن جبير
ومجاهد .
واستدلوا بمفهوم حديث ابن عمر السابق في القلتين بأن مفهومه أن ما دون
القلتين ينجس بملاقاة النجاسة وإن لم يتغير لأن تحديده بالقلتين يدل علي
أن ما دونهما يتنجس إذ لو استوي حكم القلتين وما دونهما لم يكن للتحديد
فائدة .
واستدلوا أيضاً بحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع
مرار ) رواه مسلم وفي لفظ له : ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن
يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب ) .
وقالوا أمر النبي صلي الله عليه وسلم في هذا الحديث بغسل الإناء الذي ولغ
فيه الكلب وإراقة سؤره ولم يفرق بين ما تغير وبين ما لم يتغير مع أن
الظاهر عدم التغير .
القول الثاني : أنه لا ينجس إلا إذا تغير مثله مثل الماء الكثير أي أنه
إذا تغير تنجس وإن لم يتغير فلا يتنجس وهذا هو قول أحمد في الرواية
الثانية عنه وذهب إلي ذلك ابن عباس وأبوهريرة وحذيفة والحسن البصري وسعيد
بن المسيب وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد وابن أبي ليلي والثوري والأوزاعي
ويحيي القطان وعبدالرحمن بن مهدي وابن المنذر وداود الظاهري والنخعي ومالك
وهو قول للشافعي واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني
ورجحه الشيخ ابن باز وابن عثيمين وغيرهما من العلماء المعاصرين .
واستدلوا بحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أنه قيل لرسول الله صلى
الله عليه وسلم أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يطرح فيها الحيض ولحم الكلاب
والنتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الماء طهور لا ينجسه شيء )
رواه أبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي والدارقطني والحاكم
وأحمد وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
واستدلوا أيضاً بما روي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه
وطعمه ولونه ) رواه ابن ماجة والبيهقي والطبراني وضعفه الشيخ الألباني
رحمه الله .
وقال النووي : اتفق المحدثون على تضعيفه ولكن الإجماع علي العمل بمعناه ومضمونه .
قال صديق حسن خان رحمه الله : ( اتفق العلماء علي ضعف هذه الزيادة لكنه وقع الإجماع علي مضمونها ) أهـ .
والإجماع حجة ودليل لأنه لا ينعقد إلا عن دليل كما هو مقرر في الأصول وممن
حكي الإجماع ابن المنذر والشافعي والنووي وابن تيمية وابن جحر والشوكاني
رحمهم الله .
قال ابن المنذر رحمه الله : ( أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير
إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعماً أو لوناً أو ريحاً فهو نجس ) أهـ .
فالعبرة في نجاسة الماء هو التغير ولا عبرة بالكثير أو القليل في ذلك لأن
القاعدة الأصولية تقول ( الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ) وعلة النجاسة
الخبث فمتي وجد في شئ فهو نجس ومتي لم يوجد فهو ليس بنجس والحكم علي الماء
بالنجاسة يكون بوجود تغير في أحد صفاته اللون أو الطعم أو الرائحة فمتي
وجد هذا التغير بسبب النجاسة كان الماء نجساً ومتي لم يوجد فليس بنجس سواء
كان هذا الماء كثيراً أو قليلاً .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله في الفتاوى عندما سُئل عن حكم الماء القليل
إذا خالطته النجاسة مثل البول ونحوه : ( قد اختلف العلماء في ذلك : فمنهم
من رأى : أن الماء إذا كان دون القلتين وأصابته نجاسة فإنه ينجس بذلك وإن
لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان
الماء قلتين لم يحمل الخبث ) وفي لفظ ( لم ينجس ) أخرجه الإمام أحمد وأهل
السنن الأربع وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم .
قالوا : فمفهوم هذا الحديث أن ما دون القلتين ينجس بما يقع فيه من النجاسة وإن لم يتغير .
وقال آخرون من أهل العلم : ( دلالة المفهوم ضعيفة ) .
والصواب : أن ما دون القلتين لا ينجس إلا بالتغير كالذي بلغ القلتين لقول
النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ) أخرجه الإمام
أحمد وأبوداود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح من حديث أبي سعيد الخدري رضي
الله عنه وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم القلتين ليدل على أن ما
دونهما يحتاج إلى تثبت ونظر وعناية لأنه ينجس مطلقاً لحديث أبي سعيد
المذكور .
ويستفاد من ذلك : أن الماء القليل جداً يتأثر بالنجاسة غالباً ، فينبغي
إراقته والتحرز منه ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا ولغ
الكلب في إناء أحدكم فليرقه ، ثم ليغسله سبع مرات ) أخرجه مسلم في صحيحه .
وما ذاك إلا لأن الأواني التي يستعملها الناس تكون في الغالب صغيرة تتأثر
بولوغ الكلب وبالنجاسات وإن قلت فوجب أن يراق ما بها إذا وقعت فيه نجاسة
أخذاً بالحيطة ودرءاً للشبهة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( دع ما يريبك
إلى ما لا يريبك ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من اتقى الشبهات فقد
استبرأ لدينه وعرضه ) والله ولي التوفيق ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( أهل العلم مجمعون على أن
الماء إذا أصابته النجاسة فغّيرت ريحه أو طعمه أو لونه صار نجساً وإن لم
تغيره فهو باق على طهوريته إلا إذا كان دون القلتين فإن بعضهم يرى أن ينجس
وإن لم يتغير والصحيح أنه لا ينجس إلا بالتغير لأن النظر والقياس يقتضي
ذلك فإنه إذا تغير بالنجاسة فقد أثرت فيه خبثاً فإذا لم يتغير بها فكيف
يجعل له حكمها
) أهـ .
● مقدار القلتان التي يُعرف بهما حد الماء الكثير من الماء القليل :
القُلتان : تثنية قُلة والجمع قُلل أو قِلال .
والقُلة بضم القاف هي : الجرة الكبيرة من الفخار وهي مشهورة عند العرب
وسُميت بذلك لأنها تُقل بالأيدي أو تُحمل ويقع هذا الاسم علي الكبيرة
والصغيرة والمراد بها هنا قلتان من قلال هجر نسبة إلى هجر وهي قرية قريبة
من المدينة النبوية التي شبه النبي صلى الله عليه وسلم نبق سدرة المنتهى
بقلالها ثبت ذلك في صحيح البخاري .
وتخصيص القلال بقلال هجر لأنه رُوي في ذلك حديث يُبن ذلك التخصيص رواه
الخطابي في معالم السنن بإسناده إلي ابن جريج عن النبي صلي الله عليه وسلم
مرسلاً : ( إذا كان الماء قلتين بقلال هجر ... ) وذكر الحديث ولكن هذا
الحديث ضعيف .
قال الزيلعي في نصب الراية فيه أمران : أحدهما : أن سنده منقطع .
والثاني : أن قوله في الحديث بقلال هجر يوهم أن هذا من قول النبي صلي الله عليه وسلم وليس كذلك .
ولأن قلال هجر كانت أكبر ما يكون من القلال وأشهرها في عصر النبي صلي الله
عليه وسلم قال البيهقي : قلال هجر كانت مشهورة عندهم ولهذا شبه رسول الله
صلي الله عليه وسلم ما رأي ليلة المعراج من نبق سدرة المنتهي بقلال هجر
كما جاء ذلك في صحيح البخاري ( فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل
آذان الفيلة ) .
قال الخطابي : قلال هجر مشهورة الصنعة ومعلومة المقدار لا تختلف كما لا تختلف الصيعان والمكاييل فلذلك حملنا الحديث عليها .
فهي قلال معروفة الصنعة والمقدار عند العرب .
ومقدار القلتين بالدمشقي مائة رطل وسبعة أرطال وسبع .
وبالعراقي خمسمائة رطل وهو المشهور عن أحمد والشافعي في رواية عنهما لأنه
روي عن ابن جرير : أنه قال رأيت قلال هجر فرأيت القلة تسع قربتين أو
قربتين وشيئاً والقربة مائة رطل بالعراقي باتفاق القائلين بتحديد الماء
بالقرب والاحتياط أن يجعل الشئ نصفاً فكانت القلتان خمسمائة رطل .
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( والمائة رطل بالعراقي يزن قربة ماء تقريباً وعلى هذا تكون خمس قرب تقريباً ) أهـ .
والرواية الأخرى أنهما أربعمائة رطل لأنه روي عن ابن جريج ويحيى بن عقيل :
أن القلة تأخذ قربتين وقرب الحجاز كبار تسع كل قربة مائة رطل فصارت
القلتان بهذه المقدمات أربعمائة رطل .
ومقدار القلتين بالمساحة ذراع وربع طولاً وعرضاً وعمقاً .
وهو ما يساوي في المقاييس الحاضرة حوالي مئتان وسبعون لتراً (270 لتراً ) .
وهل هذا التقدير علي سبيل التحديد أم التقدير
فيه قولان للعلماء :
قال ابن قدامة رحمه الله : ( الصحيح أن ذلك تقريب لأن الذين نقلوا تقدير
القلال لم يضبطوهما بحد إنما قال ابن جريج : القلة تسع قربتين أو قربتين
وشيئاً وقال يحيى بن عقيل : أظنها تسع قربتين .
وهذا لا تحديد فيه ؛ فإن قولهما يدل على أنهما قربا الأمر والشيء الزائد
عن القربتين مشكوك فيه ... فليس للقربة حد معلوم فإن القرب تختلف اختلافاً
كثيراً فلا يكاد قربتان يتفقان في حد واحد ....
وفائدة هذا الخلاف هو أن من اعتبر التحديد قال إذا نقص شئ عن هذا الحد ولو
يسيراً لم يعف عنه ونجس بورود النجاسة عليه ومن قال بالتقريب عفي عن النقص
اليسير عنده ) أهـ .
● مسالة : هل يُمكن تطهير الماء النجس
وكيف يُطهر
الجواب :
نعم يمكن تطهير الماء المُتنجس ولتطهيره ثلاثة طرق :
● أحدها : إذا كان هذا الماء النجس قليلاً أي دون القلتين فتطهيره يكون
بالمكاثرة بقلتين طاهرتين إما أن يُصب فيه أو ينبع فيه فيزول بهما تغيره
إن كان متغيراً وإن لم يكن متغيراً طهر بمجرد المكاثرة .
● الثاني : إذا كان هذا الماء النجس قلتين فيطهر بأمرين :
الأمر الأول : المكاثرة .
الأمر الثاني : يترك حتى يزول تغيره بطول مكثه .
● الثالث : إذا كان هذا الماء النجس أكثر من قلتين فتطهيره بأحد أمور ثلاثة :
المكاثرة أو أن يزول تغيره بطول مكثه أو أن ينزح منه ما يزول به التغير ويبقي بعد ذلك قلتان فصاعداً .
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( والصحيح : أنه إذا زال
تغير الماء النجس بأي طريق كان فإنه يكون طهوراً لأن الحكم متى ثبت لعلة
زال بزوالها وأي فرق بين أن يكون كثيراً، أو يسيراً فالعلة واحدة متى زالت
النجاسة فإنه يكون طهوراً وهذا أيضاً أيسر فهماً وعملاً ) أهـ .
وكذلك أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز
رحمه الله عندما سُئلت عن حكم تطهير مياه المجاري بواسطة الطرق الفنية
الحديثة لأعمال التنقية ووسائل الترشيح والتطهير المختلفة .
وكان السؤال : ماذا يقول العلماء الكرام في الماء المستعمل في المراحيض
والحمامات ومع هذا الماء العذرة والبول ويروح هذا الماء إلى مكينة ويتغير
الرائحة الكريهة من هذا الماء ويختلط مع هذا الماء بالأدوية ويختلط مع هذه
الماء الطاهر ويرجع هذا الماء إلى المراحيض والحمامات ثانياً وإلى المطعم
هل يجوز استعمال هذا الماء في الوضوء والاغتسال من جهة الشرع أم لا
.
فقالت اللجنة في جوابها علي ذلك : ( الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد :
لقد دُرس هذا الموضوع من قِبل مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية وصدر فيه قرار هذا مضمونه :
( اطلع المجلس على البحث المعد في ذلك من قبل اللجنة الدائمة للبحوث
العلمية والإفتاء كما اطلع المجلس على خطاب معالي وزير الزراعة والمياه
... وبعد البحث والمداولة والمناقشة قرر المجلس ما يلي :
بناءً على ما ذكره أهل العلم من أن الماء الكثير المتغير بنجاسة يطهر إذا
زال تغيره بنفسه أو بإضافة ماء طهور إليه أو زال تغيره بطول مكث أو تأثير
الشمس ومرور الرياح عليه أو نحو ذلك لزوال الحكم بزوال علته .
وحيث إن المياه المتنجسة يمكن التخلص من نجاستها بعدة وسائل وحيث إن
تنقيتها وتخليصها مما طرأ عليها من النجاسات بواسطة الطرق الفنية الحديثة
لأعمال التنقية يعتبر من أحسن وسائل الترشيح والتطهير حيث يبذل الكثير من
الأسباب المادية لتخليص هذه المياه من النجاسات كما يشهد ذلك ويقرره
الخبراء المختصون بذلك ممن لا يتطرق الشك إليهم في عملهم وخبرتهم وتجاربهم
لذلك فإن المجلس يرى طهارتها بعد تنقيتها التنقية الكاملة بحيث تعود إلى
خلقتها الأولى لا يرى فيها تغير بنجاسة في طعم ولا لون ولا ريح ويجوز
استعمالها في إزالة الأحداث والأخباث وتحصل الطهارة بها منها كما يجوز
شربها إلا إذا كانت هناك أضرار صحية تنشأ عن استعمالها فيمتنع ذلك محافظة
على النفس وتفادياً للضرر لا لنجاستها ... وبالله التوفيق وصلى الله على
نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ) أهـ .
وكذلك وجه إليها سؤلاً حول هذا الموضوع وهذا نصه :
في هذه الأيام تجمع المياه النازلة في المجاري مع النجاسات في بعض البلدان
وتكرر لتعود للبيوت مرة ثانية هل طهر عين النجاسة في هذه المياه
.
الجواب :
( الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد : الأصل في
الماء الطهارة وما ذكرت من مياه المجاري إنما صارت متنجسة بما خالطها من
البول والغائط ونحوهما فإذا كررت وخلصت من النجاسة وزال منها ريح النجاسة
وطعمها ولونها صارت طاهرة و إلا فهي متنجسة بما بقي فيها من آثار النجاسة
ومظاهرها وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ) أهـ .
● الماء المستعمل :
الماء المستعمل هو : الماء المنفصل أو المتساقط من أعضاء المتوضئ أو المغتسل .
وليس هو الماء الذي فضل وبقي بعد الوضوء أو الاغتسال في الإناء الذي
يُغترف منه لأن هذا الماء يطلق عليه ( فضل الماء أو الاغتسال ) أي الماء
الذي تبقي في الإناء الذي يُغترف منه بعد الوضوء أو الاغتسال سواء كان
المتوضئ أو المغتسل رجل أو امرأة .
فهناك فرق بين الماء المستعمل في طهارة الحدث وبين الماء المتبقي في
الإناء الذي يغترف منه للطهارة من الحدث ولكل منهما حكمه وسيأتي بيان ذلك
إن شاء الله فيما بعد .
أما حُكم الماء المستعمل فقد اختلف فيه العلماء علي ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنه طاهر غير مطهر .
وهذا القول هو أشهر الرواتين عن أحمد وبه قال الليث والأوزاعي وهو المشهور
عند أبي حنيفة واحدي الرواتين عن مالك وظاهر مذهب الشافعي .
واحتج أصحاب هذا القول بحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ) رواه مسلم .
ورواه البخاري بلفظ : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم
يغتسل فيه ) وهذا الحديث رواه أبوداود والنسائي وغيرهما وصححه الشيخ
الألباني رحمه الله .
واستدلوا أيضاً بحديث عن الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم : ( نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة ) رواه أبوداود
والترمذي والنسائي وابن حبان وابن ماجة والبيهقي وصححه الشيخ الألباني
رحمه الله .
ومن جملة ما استدلوا به أيضاً أن السلف كانوا يكملون الطهارة بالتيمم عند قلة الماء لا بما تساقط منه .
القول الثاني : أنه طاهر مطهر وهو القول الثاني لأحمد في الرواية الأخرى
وبه قال الحسن وعطاء والنخعي والزهري ومكحول وأهل الظاهر والرواية الثانية
لمالك والقول الثاني للشافعي وهو قول ابن المنذر ويروي عن علي وابن عمر
وأبي أمامة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني وغيرهم من
العلماء المحققين ورجحه الشيخ عبدالرحمن السعدي وابن باز وابن عثيمين
رحمهم الله .
واستدل هؤلاء بأن الأصل في الماء الطهورية أنه طاهر مطهر ولا ينجسه شئ
لحديث : ( الماء طهور لا ينجسه شيء ) إلا إذا تغير أحد أوصافه أو خرج عن
اسم الماء المطلق بملاقاة شئ طاهر واستدلوا أيضاً بحديث الربيع بنت معوذ
في وصف وضوء النبي صلى الله عليه و سلم أنه ( مسح برأسه من فضل ماء كان في
يده ) رواه أحمد وأبوداود وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
القول الثالث : أنه نجس وهو قول أبويوسف القاضي وأبوحنيفة في رواية عنه
واستدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه ) رواه
البخاري .
وقالوا إن الرسول عليه الصلاة والسلام قد قرن في هذا الحديث بين النهي عن
التبول في الماء الدائم وبين الاغتسال فيه وحيث أن النهي عن التبول إنما
هو لعلة التنجيس فكذلك النهي عن الاغتسال هو أيضاً لعلة التنجيس بدلالة
الاقتران .
● حُكم طهارة الرجل بفضل طهارة المرأة والعكس :
اختلف الفقهاء في حكم التطهر بفضل ماء المرأة فذهب بعض الحنفية وبعض
الشافعية وأحمد في رواية إلى أن التوضؤ بفضل ماء المرأة مكروه مراعاة
للخلاف
وذهب بعض الحنفية وأحمد في رواية والمالكية في المذهب وبعض الشافعية منهم
البغوي إلى أن فضل ماء المرأة طاهر مطهر يرفع الحدث مطلقاً فلا يكره
استعماله لما ورد ( أن ميمونة رضي الله عنها قالت اغتسل بعض أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم في جفنة فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه
فقالت يا رسول الله إني كنت جنباً فقال : إن الماء لا يجنب ) رواه الترمذي
وأبوداود وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي والحاكم وصححه الشيخ
الألباني رحمه الله .
وذهب الحنابلة في ظاهر المذهب إلى أنه لا يجوز للرجل الطهارة بفضل طهور
المرأة لحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى أن يتوضأ الرجل بفضل
طهور المرأة ) .
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم : ( وأما تطهير المرأة بفضل الرجل
فجائز بالاجماع أيضاً وأما تطهير الرجل بفضلها فهو جائز عندنا وعند مالك
وأبي حنيفة وجماهير العلماء سواء خلت به أو لم تخل قال بعض أصحابنا ولا
كراهة في ذلك للأحاديث الصحيحة الواردة به وذهب أحمد بن حنبل وداود إلى
أنها إذا خلت بالماء واستعملته لا يجوز للرجل استعمال فضلها وروى هذا عن
عبدالله بن سرجس والحسن البصري وروى عن أحمد رحمه الله تعالى كمذهبنا وروى
عن الحسن وسعيد بن المسيب كراهة فضلها مطلقاً والمختار ما قاله الجماهير
لهذه الأحاديث الصحيحة في تطهيره صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وكل واحد
منهما يستعمل فضل صاحبه ولا تأثير للخلوة وقد ثبت في الحديث الآخر أنه صلى
الله عليه وسلم : ( اغتسل بفضل بعض أزواجه ) رواه أبوداود والترمذي
والنسائي وأصحاب السنن قال الترمذي هو حديث حسن صحيح وأما الحديث الذي جاء
بالنهي وهو حديث الحكم بن عمرو فأجاب العلماء عنه بأجوبة :
أحدها : أنه ضعيف ضعفه أئمة الحديث منهم البخاري وغيره .
الثاني : أن المراد النهي عن فضل أعضائها وهو المتساقط منها وذلك مستعمل .
الثالث : أن النهي للاستحباب والأفضل ) أهـ .
قال ابن قدامة رحمه الله : ( اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في وضوء
الرجل وضوء المرأة إذا خلت به والمشهور عنه أنه لا يجوز ذلك وهو قول عبد
الرحمن بن سرجس والحسن وغنيم بن قيس وهو قول ابن عمر في الحائض والجنب قال
أحمد يغتسل بفضل وضوء ميمونة وقالت ميمونة : ( اغتسلت من جفنة ففضلت فيها
فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إني قد اغتلست منه فقال : الماء ليس
على جنابة ) ولأنه ماء طهور جاز للمرأة الوضوء به فجاز للرجل كفضل الرجل .
ووجه الرواية الأولى ما روى الحكم بن عمرو : ( أن النبي صلى الله عليه
وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة ) قال الترمذي : هذا حديث حسن
ورواه أبوداود وابن ماجة قال الخطابي : قال محمد بن إسماعيل : خبر الأقرع
لا يصح والصحيح في هذا خبر عبد الله بن سرجس وهو موقوف ومن رفعه أخطأ قلنا
: قد رواه أحمد واحتج به وهذا يقدم على التضعيف لاحتمال أن يكون قد روي من
وجه صحيح خفي على من ضعفه وأيضاً فإنه قول جماعة من الصحابة قال أحمد أكثر
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون إذا خلت بالماء فلا يتوضأ منه فأما
حديث ميمونة فقد قال أحمد : أنفيه لحال سماك ليس أحد يرويه غيره وقال :
فيه اختلاف شديد بعضهم يرفعه وبعضهم لا يرفعه ولأنه يحتمل أنها لم تخل به
فيحمل عليه جمعاً بين الخبرين .
فصل : واختلف أصحابنا في تفسير الخلوة به فقال الشريف أبو جعفر قولاً على
أن الخلوة هي أن لا يحضرها من لا تحصل الخلوة من النكاح بحضوره سواء كان
رجلاً أو امرأة أو صبياً عاقلاً لأنها إحدى الخلوتين فنافاها حضور أحد
هؤلاء كالأخرى وقال القاضي : هي أن لا يشاهدها رجل مسلم فإن شاهدها صبي أو
امرأة أو رجل كافر لم تخرج بحضورهم عن الخلوة وذهب بعض الأصحاب إلى أن
الخلوة استعمالها للماء من غير مشاركة الرجل في استعماله لأن أحمد قال إذا
خلت به فلا يعجبني أن يغتسل هو به وإذا شرعا فيه جميعاً فلا بأس به لقول
عبد الله بن سرجس : اغتسلا جميعاً هو هكذا وأنت هكذا قال عبد الواحد في
إشارته : كان الإناء بينهما وإذا خلت به فلا تقربنه رواه الأثرم وقد (
كانت عائشة تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يغترفان
منه جميعاً ) متفق عليه فيخص بهذا عموم النهي وبقينا فيما عداه على العموم
) أهـ .
قال الشيخ عبدالله بن عقيل : عندما سأله سائل عن جواز الوضوء ببقية الماء الفاضل من وضوء المرأة
.
فأجاب بقوله : ( هذه المسألة فيها قولان للعلماء وهما روايتان عن الإمام
أحمد فالمشهور أنه لا يرفع حدث الرجل، مع كونه يرفع حدث المرأة وحدث الصبي
الذي لم يبلغ ويزيل النجاسات كلها مطلقاً، سواء ما تعلق منها بالرجل،
وغيره واحتجوا بحديث ورد في ذلك : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن
يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة ) رواه أبوداود وغيره وحسنه الترمذي وصححه
ابن حبان .
وهذا من مفردات المذهب . قالوا : ويشترط لذلك أن يكون الماء يسيراً وأن
تخلو به المرأة عند استعماله فلا يحضرها أحد حتى تنتهي وأن تكون المرأة
مكلفة وأن تتطهر منه طهارة كاملة عن حدث فإن اختل شرط منها فلا بأس به
للرجل ويرتفع به حدثه والقول الآخر أنه يرفع حدث الرجل،كغيره لأنه طهور لم
يغيره شيء، وهو رواية عن الإمام أحمد واختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية و
شيخنا ابن سعدي .
والحديث الذي استدل به الأولون فيه مقال وعلى فرض صحته فيحمل على التنزيه
وأيضاً فهو معارض بما هو أقوى منه وهو حديث ابن عباس : ( أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة ) أخرجه مسلم ولأصحاب السنن : اغتسل
بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فجاء أي النبي صلى الله عليه
وسلم ليغتسل منها فقالت : إني كنت جنباً فقال : "إن الماء لا يجنب" وصححه
الترمذي وابن خزيمة .
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في بعض أجوبته : ومن ذلك فضلة
المرأة زعم بعضهم أنه لا يرفع الحدث، يعني حدث الرجل، وولدوا عليه من
المسائل ما يشغل الأذهان وقال كثير من أهل العلم أو أكثرهم : إنه مطهر
رافع للحدث فإن لم يصح الحديث يعني حديث النهي فلا كلام كما يقوله البخاري
وغيره وإن قلنا بصحة الحديث فنقول : في صحيح مسلم حديث أصح منه : ( أن
النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل بفضل ميمونة ) وهذا الماء داخل في عموم
قوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ) قطعاً وداخل في عموم حديث :
"الماء طهور لا ينجسه شيء" وإنما نهي الرجل عن استعماله نهي تنزيه إذا قدر
على غيره، للأدلة التي ذكرنا واللَّه أعلم ) أهـ .
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( الصواب : أن الرجل لو
تطهر بما خلت به المرأة فإن طهارته صحيحة ويرتفع حدثه وهذا اختيار شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله ) أهـ .
● أخي الحبيب :
● أكتفي بهذا القدر وللحديث بقية في الجزء الثالث إن شاء الله .
● وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافياً كافياً في توضيح المراد وأسأله سبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل .
● وما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ أو زلل فمنى ومن الشيطان والله
ورسوله منه بريئان والله الموفق وصلي اللهم علي نبينا محمد وعلي آله
وأصحابه أجمعين .
أخوكم
أبومعاذ / عبدرب الصالحين أبوضيف العتموني
وشهرته / عبدربه العتموني
ج . م . ع / محافظة سوهاج / مركز طما / قرية العتامنة
01002889832 / 002