منتديات اهل الحق
مرحبا بكم في منتدياتنا منتديات اهل الحق و أرجو من زائرنا العزيز أن يجد كل ما يبحث عنه من مواضيع و برامج ......وشكراا...
منتديات اهل الحق
مرحبا بكم في منتدياتنا منتديات اهل الحق و أرجو من زائرنا العزيز أن يجد كل ما يبحث عنه من مواضيع و برامج ......وشكراا...
منتديات اهل الحق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  
آيـــــات الشفاء في القرآن الكريم إن هذه الآيات تجتمع في كل آية فيها كلمة شفاء و تقرأ بترتيب المصحف فقد قال العلماء أن في هذا استعانة بكلام الله على الشفاء و خصوصا بالنسبة للأمراض التي لا تقدر عليها أسباب البشر...وهـــم:- الآية 14 من سورة التوبة: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ... صدق الله العظيم الآية 57 في سورة يونس : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ... صدق الله العظيم الآية 69 من سورة النحل : وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ... صدق الله العظيم الآية 82 من سورة الإسراء : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا... صدق الله العظيم الآية 80 من سورة الشعراء : وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ... صدق الله العظيم الآية 44 من سورة فصلت : وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ...||

 

 مظاهر التجديد في الدولتين النورية والصلاحية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة





التقييم : 3
نقاط : 360558
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

مظاهر التجديد في الدولتين النورية والصلاحية Empty
مُساهمةموضوع: مظاهر التجديد في الدولتين النورية والصلاحية   مظاهر التجديد في الدولتين النورية والصلاحية I_icon_minitimeالجمعة فبراير 08, 2013 2:41 pm




مظاهر التجديد في الدولتين:

النورية والصلاحية



ان
الحاجة تصبح ماسة إلى بروز قيادة سياسية وعلمية عندما تدلهم الخطوب، وتشتد
المحن على المسلمين؛ لتوضح مفاهيم الدين التي اندرست، وتعيد للأمة قوتها
وعزتها.


وفي
هذه المقالة سوف نلقي الضوء على حركة التجديد في العهدين الزنكي والصلاحي؛
فقد كانت الأمة مفككة الأوصال، ممزقة الولاءات قبل هذا العهد، وكانت البدع
ظاهرة، والفكر الباطني منتشراً، تدعمه مؤسسات وهيئات تحت مظلة الحكم
العبيدي "الفاطمي".



كان
الجهاد قد خبا وركد آنذاك، والمظالم قد عمت؛ مما أضعف بنية العالم
الإسلامي، وسهل اجتياح الصليبيين لديار المسلمين؛ فأسسوا مملكة لهم في بيت
المقدس، وعدة إمارات في سواحل بلاد الشام بعد أن ارتكبوا مجازر وحشية في
ديار المسلمين.
حتى إذا أهل القرن السادس الهجري؛ قام عماد الدين زنكي،
ثم ولده نور الدين رحمهما الله تعالى ورفعا راية العدل والجهاد، وتحكيم
الشرع والكتاب، ثم سار صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى على نفس الطريق؛
فطردوا الغزاة، ووحدوا الديار، وأحدثوا صحوة مباركة، وتجديداً جماعياً؛
حقق للأمة النصر، والعودة إلى تحكيم الدين الحنيف في أمور الحياة كلها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"(1).
وتجديد الدين: يعني إعادة نضارته ورونقه وبهائه، وإحياء ما اندرس من سننه ومعالمه، ونشره بين الناس.

والتجديد لايعني تغييراً في حقائق الدين الثابتة القطعية لتلائم أوضاع
الناس وأهواءهم؛ ولكنه تغيير للمفهومات المترسبة في أذهان الناس عن الدين،
ورسم للصورة الصحيحة الواضحة، ثم هو بعد ذلك تعديل لأوضاع الناس وسلوكهم،
حسبما يقتضيه هذا الدين(2).

وكان التجديد جماعياً اشترك فيه الأمراء والعلماء:
فقد قرب الملكان العلماء والفقهاء فجددوا، وصبغت الدولة بالصبغة الشرعية،
تحدث عنها مؤرخو تلك الفترة: قال أبو شامة المقدسي، مبيناً سبب اهتمامه
بتاريخ هاتين الدولتين: "وأطربني ما رأيت من آثار نور الدين وما سمعت من
أخباره مع تأخر زمانه، ثم وقفت بعد ذلك على سيرة الملك الناصر صلاح الدين،
فوجدتهما في المتأخرين كالعمرين في المتقدمين".
"فلله درهما من ملكين
تعاقبا على حسن السيرة، وجميل السريرة، والفضل للمتقدم نور الدين فإنه أصل
ذلك الخير كله؛ مهد الأمور بعدله وجهاده وهيبته في جميع بلاده، ولكن صلاح
الدين أكثر جهاداً، وأعم بلاداً، صبر وصابر، وادخر الله له من الفتوح
أنفسها، فهو الذي فتح الأرض المقدسة"(3).
كان نور الدين رحمه الله تعالى يؤاخي الصالحين، ويزورهم، ويحب الاقتداء بسيرة السلف الماضيين.

قال ابن الأثير رحمه الله تعالى: "طالعت السير، فلم أر فيها بعد الخلفاء
الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن من سيرته، ولا أكثر تحرياً منه للعدل..
كان لا يأكل ولا يتصرف إلا فيما يخصه من ملك له، قد اشتراه من سهمه من
الغنيمة" (4).
وكان رحمه الله كثير الصلاة في الليل، عفيف البطن
والفرج، مقتصداً في الإنفاق على نفسه وعياله.. لم يكن له بيت يسكنه، وإنما
كان مقامه في قلعة البلد الذي يحل فيه" (5).

أمضى رحمه الله تعالى
حياته مجاهداً يطارد الصليبيين؛ حتى إنه خلّص منهم نيفاً وخمسين حصناً
ومدينة، بنى أسوار مدن الشام كلها، وبنى المدارس الشرعية الكثيرة" (6).

لمثل هذه الصفات يستحق رحمه الله تعالى أن يكون رائد التجديد في عصره.
وقد سار صلاح الدين على خطا سلفه نور الدين؛ فحّكم الشريعة، ووحد البلاد،
وطرد الصليبيين من معظم بلاد الشام.. كان مهيباً شجاعاً، قرب العلماء، وقدم
الصلحاء في دولته، وكان يحب سماع القرآن والحديث والعلم.
قال ابن
الأثير: "كان رحمه الله تعالى كريماً حليماً متواضعاً صبوراً على مايكره،
توفي ولم يخلف في خزائنه غير دينار واحد وأربعين درهماً".
وقال العماد الكاتب: "ولم يترك داراً ولا عقاراً ولا مزرعة ولا شيئاً من الأملاك"(7).
وقد تميزت إدارة كل من نور الدين وصلاح الدين بالشورى، وتبادل الآراء؛
فكان لكل منهما مجلس فقهاء يتألف من ممثلي سائر المذاهب، يبحث فيه قضايا
الإدارة والحرب، وخطط المعارك.. وكان الوزراء والقادة من خيرة العلماء
الثقات.
فقد قرب نور الدين العلماء وأكرمهم، وكان لايرد لهم قولاً، وكان لهم دور قوي في إدارة الدولة.
لقد آتى التعاون البناء بين الأمراء الصالحين، والعلماء العاملين ثمرته
المرجوة، في صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية؛ فكانت الصحوة المباركة، وكان
التجديد الذي ساهمت فيه الأمة كلها؛ فشمل البناء العقدي للدولة، وإحياء روح
الجهاد في الأمة، ونشر الوعي الشرعي في طبقات المجتمع، ومن ثم رفع الظلم،
وتحقيق الرخاء والازدهار.

ومن مظاهر التجديد:
المظهر الأول: بناء دولة العقيدة:
وهو
أول منجزات التجديد في الدولتين: النورية، والصلاحية فقد كانت هوية الأمة
وما تزال هي عقيدتها، وكانت العودة إلى تكريس عقيدة أهل السنة والجماعة من
أبرز معالم التجديد في ذلك العهد.. فقد طال الانحراف، وانتشرت البدع، وكانت
العودة إلى تحكيم الكتاب والسنة من أضخم منجزات تلك الصحوة؛ فقد أقيم
العدل، وقمعت البدع، وفيما يلي تبيان لأبرز معالم ذلك البنيان العقدي
العظيم:

1 تحكيم الشريعة وإقامة العدل:
اهتم السلطان نور الدين محمود بتطبيق الشرع في سائر أمور الدولة، ونفذ
العدل، وقضى على المظالم؛ ولذلك لقب بالملك العادل،والملك الصالح.
قال
أبو شامة: "كان نور الدين يتحرى العدل، وينصف المظلوم من الظالم كائناً من
كان.. وكان يقول: نحن سخرنا للشريعة، ونمضي أوامرها"(Cool.
وقال ابن
كثير: "كان نور الدين يقوم في أحكامه بالمعدلة الحسنة، واتباع الشرع
المطهر، ويعقد مجالس العدل، ويتولاها بنفسه، ويجتمع إليه في ذلك القاضي
والفقهاء والمفتون، ويجلس يوم الثلاثاء بالمسجد المعلق في دمشق ليصل إليه
كل واحد من المسلمين"(9).
وقد أصبحت دولة نور الدين دولة الفقهاء
والقضاة؛ إذ طلب من قيادة الشرطة ألا ينفذوا شيئاً إلا بأمر القضاة... وقد
اشتد نور الدين رحمه الله تعالى في ذلك حتى عزم ألا يولي أمور الحكم بين
الناس إلا إلى القضاة، وأمر نوابه على المدن والإمارات بألا يقطعوا في أمر
دولة رأي الفقهاء والقضاة؛ حتى يتأكدوا من اتفاقه مع الشرع الحنيف (10).

2 دار العدل ورفع الضرائب والمكوس:
تعتبر دار العدل من أعظم منجزات الملك العادل، فقد بناها في دمشق، وهي
تشبه محكمة الاستئناف العليا؛ فقد كان يرفع إليها القضايا التي يعجز عنها
القضاة العاديون..
كان يجلس فيها هو والقاضي لينصف المظلوم من الظالم، ولو كان ولده، أو أكبر أمير عنده.
قيل: كان يجلس فيها يومين في الأسبوع، وقيل: أربعة أيام، وكان يأمر بإزالة الحاجب والبوابين(11).
وأتم صلاح الدين مابدأه نور الدين في تطبيق العدل؛ فكان يجلس للعدل في كل
يوم اثنين وخميس في مجلس عام، يحضره الفقهاء والقضاة، كان يفعل ذلك سفراً
وحضراً(12)، وقد رفع الملكان المكوس والضرائب عن الرعية، بدأ ذلك نور الدين
في بلاد الشام ومصر، وأمر بكتابة مناشير في رفع المكوس لتقرأ على الناس في
المساجد؛ إحياء للسنة ونفياً لكل مظلمة، وهدد من لايطبق ذلك من
المسؤولين"(13).
وقد أشاد ابن جبير في رحلته بآثار العدل الذي أرسى
دعائمه كل من نور الدين وصلاح الدين في مصر والشام، ولما ترتب عليه من أمن
واطمئنان.
فذكر أن صلاح الدين قد محا بدعاً سيئة، تمثلت في كثير من
الضرائب، التي كانت تؤدى على شرب ماء النيل وغيره، والمكوس التي كانت تؤخذ
من الحجاج أيام الفاطميين (14).

3 إحياء السنة وقمع البدعة:
وهذا من أبرز ميادين التجديد؛ لأن التجديد هو إحياء ما اندرس من العمل في
الكتاب والسنة، والأمر بمقتضاهما.. وقد مكنت حركة التجديد في ذلك العهد من
إحياء السنة، وقمعها البدعة بكل وسيلة ممكنة.
قال ابن كثير رحمه الله
تعالى :"أظهر نور الدين ببلاده السنة، وأمات البدعة، وأمر بالتأذين بحي على
الصلاة، حي على الفلاح، ولم يكن يؤذن بهما في دولتي أبيه وجده، وإنما كان
يؤذن بحي على خير العمل؛ لأن شعار الرفض كان ظاهراً"(15).
وكان من أعظم
إنجازات ذلك العهد إسقاط دولة العبيديين (الفاطمية)، وإعلان تبعيتها
للخلافة العباسية السنية، يقول نور الدين في خطابه للخليفة العباسي، وهو
يبشره بفتح مصر، وسقوط الدولة العبيدية: "فطالما بقيت (280سنة) مملوءة بحزب
الشياطين؛ حتى أذن الله لغُمّتها بالانفراج، واجتمع فيها داءان: الكفر
والبدعة، وتمكنا من إزالة الإلحاد والرفض، ومن إقامة الفرض"(16).
وقد
أبطل رحمه الله منذ عام (543ه)، في حلب بدعة الأذان بحي على خير العمل،
ومنع التظاهر بسب الصحابة، وأنكر ذلك إنكاراً شديداً(17).
وكان دور
صلاح الدين في حرب المبتدعة عظيماً، فقد اجتث شرورهم؛ فقضى على ثوراتهم،
وأحبط مؤامراتهم، وطهر وزارته بمصر من بقايا العبيديين الإسماعيلية، وأزال
آثارهم، وعزل قضاتهم، وشرد دعاتهم، وأزال أصول مذهبهم، كما جعل همه في
إعادة مذهب أهل السنة؛ فأعاد للمذهبين الشافعي والمالكي انتشارهما الأول
قبل مجيء الفاطميين، وبدأ في بناء المدارس لتدريس هذين المذهبين في جميع
أنحاء القطر(18).
ومن أجل ذلك حاول الحشاشون اغتيال صلاح الدين مرتين
خلال عامي "570 571"؛ فرحل السلطان إلى قلعتهم مصياف وأوسع الباطنية قتلاً
وأسراً، وخرب ديارهم(19).

وقد طبق المسلمون مفهوم الولاء والبراء
مع الصليبيين؛ فقاتلوهم، وجاهدوهم، وكانوا ينظرون إليهم باستعلاء الإيمان؛
حتى وهم مهزمون عسكرياً.
أمضى الملكان حياتهما في جهاد الغزاة
الصليبيين، يعاونهما في ذلك جيل الصحوة المباركة، من العلماء، وخريجي
المدارس الشرعية، من حفظة كتاب الله تعالى، وسنة رسوله الكريم .


كان ذلك الجيل ينظر إلى الغزاة، على أنهم مشركون يعبدون الصليب، وقد هبت
الأمة كلها تدعو إلى تحرير بيت المقدس، واتضحت أهداف المعركة تماماً، قال
العماد الكاتب يخاطب نور الدين محمود:
اغز الفرنج فهذا وقت غزوهم
واحطم جموعهم بالذابل الخطم
وطهر القدس من رجس الصليب وثب
على البغاة وثوب الأجدل القطم(20)
هذه أبرز معالم التجديد في البناء العقدي للدولة المجاهدة، أيام الهجمات الشرسة والغزوات الصليبية على ديار المسلمين(21).

المظهر الثاني: إحياء روح الجهاد في الأمة:
كان الجهاد من أبرز مظاهر التجديد في القرن السادس، بعد تأسيس دولة العقيدة، على الكتاب والسنة.
وقد كان الجهاد هو الشغل الشاغل للقائدين المسلمين: نور الدين وصلاح الدين، رحمهما الله.
لقد خبت جذوة الجهاد، وتفرقت الأمة، قبل هذا العهد؛ مما أطمع القوات
الصليبية بغزو ديار المسلمين، واستمرت جاثمة على البلاد قرنين من الزمن...
حتى هيأ الله للمسلمين من يقودهم إلى الجهاد في سبيل الله، بعد أن حكموا
شريعته، واستفادوا من طاقات الأمة كلها.
كان نور الدين زنكي هو الرائد
في إشعال جذوة الجهاد، وكان صلاح الدين الأيوبي هو البطل الملهم الذي أكمل
المسيرة، وحرر الديار، والمقدسات.
وكان هنالك الإعداد القوي: العسكري، والمعنوي، في العهدين الزنكي، والأيوبي.
وسوف نلقي الضوء على هذه الفترة المباركة؛ عسى أن نستفيد من تلك التجربة،
بعد أن أدلهمت الخطوب، وطمع بنا الأعداء، وقد أحاطوا بنا من كل حدب وصوب.

1 دور نور الدين الجهادي:
لقد تأثر آل زنكي بما لأبيهم عماد الدين من فضائل فكانوا جميعاً من رجال
الجهاد وفرسانه، وكان نور الدين أطولهم باعاً في هذا الميدان.
فقد تصدى رحمه الله لإنقاذ بلاد المسلمين من الغزاة الصليبيين، وقام برسالتين عظيمتين هما:
توحيد الإمارات المتفرقة، وتحرير ديار المسلمين من الغزاة.
لقد أكمل توحيد بلاد الشام ومصر؛ ليتمكن من تطهير البلاد من رجس الغزاة، وعدوانهم.
"كان رحمه الله مثال الشجاعة والعدل، خلّص من الكفار نيفاً وخمسين حصناً،
وأعد المنبر للمسجد الأقصى قبل أن تفتح القدس فقد فاته الأجل، وقدر للسلطان
صلاح الدين فتحه، فنقل المنبر إلى المسجد الأقصى بعد الفتح"(22)، واستمر
قائماً في المسجد حتى أصابه حريق اليهود بعد 1967م.
بمثل هذه الهمم العالية، والتصميم على استرجاع المقدسات تعود للأمة عزتها وكرامتها.
كانت الشهادة من أسمى أماني السلطان العادل، نور الدين؛ فقد نقل عنه أبو
شامة المقدسي القول: "كان يقول: طالما تعرضت للشهادة فلم أدركها، فقال له
قطب الدين النيسابوري الفقيه الشافعي : "بالله!.. لا تخاطر بنفسك وبالإسلام
والمسلمين، فإنك عمادهم. فقال: ياقطب الدين، ومن محمود حتى يقال له
هذا؟!"(23).

"وكان رحمه الله، يتعرض للشهادة باستمرار، وكان يسأل الله أن يحشره في بطون السباع وحواصل الطير"(24).
وكان رحمه الله شديد الحيطة، فإذا فتح حصناً، لايرحل عنه حتى يملأه رجالاً
وذخائر تكفيه عشر سنين، خوفاً من مضرة تحدث للمسلمين، فتكون الحصون مستعدة
وغير محتاجة إلى شيء(25).
وكان جنوده متأهبين معه للقتال، فلا يدع لهم
الراحة أبداً، وانتهى الأمر بهم أن زهدوا في متاع الدنيا، وشملتهم روح
الجهاد، فمضوا معه في مشاهده وحروبه بالليل والنهار (26).

2 دور صلاح الدين في قيادة الأمة نحو الجهاد في سبيل الله:
كان رحمه الله خير خلف لرائد الجهاد: نور الدين، فقد وصفه ابن شداد بقوله:
"ولقد هجر في محبة الجهاد في سبيل الله أهله، وأولاده، ووطنه، وسائر
ملاذه، وقنع من الدنيا بالسكون في ظل خيمة تهب بها الرياح، يمنة
ويسرة"(27).
وقد سيطر أمر الجهاد على نفسه، وأصبحت الشهادة في سبيل الله أغلى أمانيه.
روى ابن شداد أن السلطان التفت إليه مرة، وقال: "أما أحكي لك شيئاً؟! قلت
بلى، قال: في نفسي أنه متى يسر الله فتح بقية الساحل قسمت البلاد، وركبت
هذا البحر إلى جزائرهم، ثم أتبعهم فيها حتى لا أبقي على وجه الأرض من يكفر
بالله أو أموت...". وعندما اعترضه ابن شداد، قال له: "أنا أستفتيك ما أشرف
الميتات؟! قلت: الموت في سبيل الله، فقال: غاية ما في الباب، أن أموت أشرف
الميتات" (28).

وعندما وحد صلاح الدين مصر والشام، طارد الفرنجة،
ونذر نفسه لهذه المهمة العظيمة، مكملاً مسيرة نور الدين، وبعد فتح القدس،
وتطهير البلاد، رجع إلى دمشق، فوجد وكيل خزانته، قد بنى له داراً فخمة في
قلعة دمشق عام 584ه، قال له: "إنا لم نخلق للمقام في دمشق ولا في غيرها من
البلاد، وإنما خلقنا لعبادة الله عز وجل، والجهاد في سبيله" (29).

وقد بلغ من شغفه بأمر الجهاد، أن طلب من كبار وزرائه وكتابه أن يؤلفوا له
كتباً عدة في هذا الموضوع، فكان من هؤلاء: القاضي الفاضل، والعماد
الأصفهاني، والمؤرخ ابن شداد(30).

وكان رحمه الله قد عانى الأهوال
خلال حصار مدينة عكا؛ إذ كانت حملة الصليبيين حملة حقد وثأر، بسبب استرداد
المسلمين لمدينة القدس، وكان عدد مقاتلي هذه الحملة يزيد على نصف مليون
صليبي.. واستمر الحصار أكثر من سنتين، ومع ذلك صابر السلطان المجاهد صلاح
الدين، ورابط طوال هذه المدة "ويكون عادة أول راكب وآخر نازل، رغم مرضه،
الذي أشرف فيه على التلف، ثم عوفي".

ويضيف الإمام الذهبي قائلاً: "ولعله وجبت له الجنة، برباط هذين العامين"(31).
وكانت المعارك تشن عادة أيام الجمع وقت الصلاة والدعاء على المنابر للمجاهدين؛ وذلك طمعاً في الاستجابة خلال هذه الأوقات.
لقد قام الملكان نور الدين وصلاح الدين بدور فعال، جددا فيه الدعوة إلى
الجهاد، في وقت كان العالم الإسلامي يمر بمرحلة خطيرة، كما أنهما شجعا
المسلمين لاسترداد مقدساتهم وبلادهم المغصوبة.

وها نحن نقدم سيرة
هذين الملكين، عسى أن تكون نبراساً يضيء لأبناء أمتنا الطريق لاستعادة
مقدساتنا، من يهود وأشياعهم، وليس ذلك على الله بعزيز، على أن نأخذ
بالإعداد العقدي، والعسكري، قال الله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة
{الأنفال: 60} .

المظهر الثالث: الإعداد العسكري والمعنوي في الدولتين، الزنكية والأيوبية:
كان الإعداد النفسي يسبق الإعداد العسكري عادة، فقد ساهم العلماء،
والصلحاء في ذلك الإعداد، وكان جو المجاهدين مشبعاً بآيات ترتل، وأحاديث
نبوية تروى.
وفي ميدان المعركة كان صلاح الدين يمشي وبين يديه جماعة من
القراء، والعلماء، والصلحاء، وهم يرتلون القرآن الكريم أمام الجيش،
ويحذرونهم من الفرار، ويذكرونهم بما أعد الله تعالى من ثواب للشهداء،
ويتلون عليهم الآيات الخاصة بالجهاد، وفضل الشهادة.

وكان رواة
الحديث يحدثون المقاتلين بالأحاديث النبوية الشريفة، ويشجعونهم على الثبات
أثناء القتال، كما اتخذ المسلمون التهليل، والتكبير؛ لتقوية الروح المعنوية
عند المجاهدين(32).

وكانت الصلاة تقام جماعة في الجيوش، فإذا جاء
وقتها ضج العسكر بصوت الأذان، وأمّ إمام كل خيمة المصلين فيها، ويصلون
صلاة الخوف أحياناً، إذا كانت المعركة دائرة، وكان المجاهد يشعر أن تأدية
الصلاة والقتال محتدم أمر يزيده شجاعة، وإيماناً، وقوة، على مواجهة العدو..
وكان يعتقد أن الصلاة من أسباب النصر(33).
في مثل هذه الأجواء الطاهرة
مع عبق العبادة والإيمان انتصر المسلمون، وبغير هذه الأجواء يصعب تنزل
النصر على المؤمنين: يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت
أقدامكم {محمد: 7} .

أما الإعداد العسكري:
فيجب ألا يهمل، وقد اجتهد القادة في ذلك اجتهاداً يسترعي الأنظار. فقد بنى
نور الدين الأسوار حول مدن الشام كلها، وأنفق عليها الأموال الكثيرة،
وأقام على أركان الأسوار؛ الأبراج العالية التي لا ترام، وبنى القلاع في
المدن، وحرص على أن يشرف بنفسه على سلامتها، وقد أفادت هذه التحصينات أعظم
الفائدة في تلك الحروب الدائرة بين المسلمين والصليبيين (34).
ذلك لأن عماد الدفاع في ذلك العصر كان يعتمد على القلاع والحصون.
كما حرص نور الدين على تحصين أبواب المدن، وجعل أهل البلد في حالة دفاع
جيدة عند المفاجأة بهجوم ما، فقد حصن هذه الأبواب، وجعل عليها منائر، وجعل
لكل منار مسجداً أحدثه أوجدده، وما يزال بعضها قائماً حتى الآن في دمشق.
وجعل لكل باب "باشورة"، أي: سوق صغير؛ ليستغني أهل كل باب بما في سوقهم
الصغير إذا حوصرت المدينة، وأغلقت الأبواب، ومن هذه الباشورات: السويقة في
باب الجابية، وما تزال موجودة حتى الآن، وسويقة أخرى أمام الباب الصغير في
دمشق(35).

واهتم نور الدين رحمه الله بالحصون التي تقام في
المواضع الهامة، فبنى منها بضع مئات، وأقام الأبراج للمراقبة على مسافات من
الحصون، وزود ذلك كله بالجند الكثير، وكان يحرص على أن يكون في القلعة أو
الحصن ذخيرة وافرة، ومؤن مدخرة، يعتمد عليها المدافعون، وأهل البلد أثناء
الحصار(36).

أما الجيش الأيوبي:
فالمعلومات عنه متوفرة؛ ذلك لأن صلاح الدين، حباه الله بوزراء وأدباء
مؤرخين، دونوا حياته، والمعارك التي خاضها يوماً بعد يوم، كالقاضي الفاضل
والعماد الأصفهاني، والمؤرخ أبي شامة، وقاضي الجيش المؤرخ ابن شداد،
وغيرهم.
وقد اهتم صلاح الدين ببناء القلاع والحصون، وأمر بتحصين المدن
والثغور، في مصر، والشام؛ فجدد أسواق مدينة عكا عام 583ه، وقام بتحصينات
عظيمة، في بيت المقدس، وقسم العمل في أسوارها بين أولاده وأمرائه، فضلاً
عما قام به الفقهاء، والفقراء، في تلك السنة من جهود اقتداء بالسلطان صلاح
الدين؛ حيث كان يقوم بالعمل بنفسه، وذلك عام 588ه (37).
كما أمر
السلطان ببناء قلعة القاهرة، وتعتبر هذه القلعة من أعظم المنشآت الحربية
آنذاك، واستغرق بناؤها سبع سنوات(38)، وقد استفاد السلطان من الإمكانات
المادية المتوفرة في مصر، والشام، كما أنه استفاد وسلفه نور الدين، من
الطاقات البشرية للأمة الإسلامية كلها، لافرق بين جنس وآخر؛ لأن اللوثة
العنصرية ما كانت قد ظهرت بعد بين المسلمين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





التقييم : 3
نقاط : 360558
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

مظاهر التجديد في الدولتين النورية والصلاحية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مظاهر التجديد في الدولتين النورية والصلاحية   مظاهر التجديد في الدولتين النورية والصلاحية I_icon_minitimeالجمعة فبراير 08, 2013 2:42 pm




واهتم
صلاح الدين بإنشاء الأسطول البحري الذي صار له مكانته في التاريخ البحري
آنذاك، وأنفق عليه أموالاً طائلة، وأنشأ ديواناً للأسطول، سلمه لأخيه:
الملك (العادل)، وخصص له الميزانية اللازمة، فصار لبحرية السلطان القوة
الكافية لمهاجمة الصليبيين بعد عام 575ه، وبلغ عدد السفن الإسلامية آنذاك
ثمانين سفينة.
وقد انتصر هذا الأسطول الناشئ على القوات الصليبية في
عدد من المعارك، واسترد عدداً من المدن مثل: بيروت، وطرطوس، وجزيرة أرواد،
كما قام بتدمير أسطول أرناط، عند عيذاب في البحر الأحمر(39).
لقد تمكنت
حركة التجديد الإسلامي، من قيادة الأمة نحو الجهاد، بتعبئة معنوية، شعارها
صيحات: الله أكبر، مع التهليل، والتكبير، وقيام الليل، وخشوع القلب، شمل
الأمراء، والعلماء، والجند المرابطين.. فتمكنوا من طرد الغزاة، بعد أن
أخذوا بالأسباب المادية، والإعداد العسكري على أحسن المستويات في ذلك العصر
مع إقامة العدل، وتحكيم الشرع الحنيف.

المظهر الرابع: نشر العلم الشرعي (40) :
لقد شمل التجديد في عهد الملكين: (نور الدين وصلاح الدين) نشر العلوم
الشرعية، وفتح المدارس المختلفة لتدريس القرآن الكريم، والسنة النبوية،
وعلوم الفقه، واللغة، والدراسات الشرعية.
وقد سار نشر العلوم الشرعية جنباً إلى جنب مع إقامة علم الجهاد، وبناء دولة العقيدة.
فكان خريجو هذه المدارس، هم وقود المعارك الإيمانية، ومنهم كانت كوادر القيادات المختلفة التي تعاونت مع الملوك والسلاطين آنذاك.
لقد أسس نور الدين وصلاح الدين من بعده المدارس الشرعية، على غرار
"المدارس النظامية" التي أسسها الوزير السلجوقي "نظام الملك"، معتمدة مذهب
أهل السنة والجماعة في التدريس، ثم محاربة التشيع الذي كان قد ساد أيام
العبيديين، "فكان يحدد لكل مدرسة المذهب الفقهي الذي تسير عليه الدراسة،
ويعين لكل منها أحد كبار الشيوخ؛ ليدرس هذا المذهب أو ذلك"(41)، حسب الطرق
المتبعة آنذاك في التدريس.

كان نور الدين محمود رحمه الله يعتقد
أن المدارس والمساجد هي قاعدة الدين، فمضى ينشئها في كل بلد يدخل تحت
سلطانه؛ حتى بلغت تلك المدارس والمساجد المئات، وكان إذا أنشأ مدرسة أوسع
النفقة في بنائها، واجتهد في اختيار شيوخها، وأوقف عليها الأوقاف
الواسعة(42)، وكان حاصل أوقاف (نور الدين محمود) تسعة آلاف دينار كل شهر،
وقد خصصت للمدارس الكثيرة والمستشفيات، والخانات العامة فنادق في طرق
المسافرين (43).
وكان نور الدين نفسه يحفظ القرآن ويرتله، ويتمثل بآيه الكريم في مختلف المناسبات تمثلاً يشهد بفهم صادق.

وكان شغفه بالحديث النبوي عظيماً، وكانت المدارس في عهده تهتم بأصول الدين أولاً، وخاصة القرآن الكريم، والحديث الشريف(44).
ولذلك فإنه منذ فتح دمشق عام 549ه ، بنى دار (الحديث النورية) في دمشق،
وكانت أول دار للحديث بنيت، وتولى مشيختها: (الحافظ ابن عساكر)، واستمر
عطاؤها حتى منتصف القرن الثامن.
ثم كثرت المدارس المختصة بتعليم القرآن، والحديث، في دمشق، وأنحاء البلاد.
وأوقف رحمه الله كثيراً من المدارس التي كانت تدرس الفقه وأصوله؛ إضافة
إلى تدريس العلوم الشرعية، واللغوية، فكان رائد نهضة علمية شرعية، سار على
طريقه من جاء بعده.

وقد أوجز نور الدين سياسته التعليمية، وهدفه
من إنشاء هذه المدارس بقوله:"ما أردنا ببناء هذه المدارس التعليمية إلا نشر
العلم، ودحض البدع من هذه البلدة، وإظهار الدين"، كما يروي ذلك عنه أبو
شامة.
لقد كان نشاط هذه المدارس عقدياً، استهدف إعادة صياغة الأمة
المسلمة، بما يتفق وأهداف الإسلام، ومقومات الإصلاح والتجديد، كما كانت
المؤسسات العلمية، والمساجد، منابع لتجفيف التعاليم الإسماعيلية، والأفكار
الفلسفية، التي سيطرت على أفكار الناس فترة من الزمن.
وكانت تلك
المدارس تستقبل طلاب العلم، فيتعلمون فيها، ويقدم لهم الطعام والرواتب، من
الأوقاف الخيرية التابعة لتلك المدارس، وكانت ضياعاً وقرى، أو دكاكين
تجارية، وما يشبه ذلك.

وكثرت الكتب في المساجد، عن طريق الهدايا والهبات، فنشأت مكتبات عامة، وساهمت في نشر الوعي(45).
وقد حول صلاح الدين الأزهر إلى جامعة سنية، وأكمل مسيرة الملك الصالح نور الدين، فأنشأ دور القرآن والحديث في أنحاء البلاد.
ثم عين للأزهر والمدارس الأخرى المدرسين، وأجرى رواتب شهرية للمدرسين والطلاب، كما أوقف عليها الأوقاف الخيرية للصرف عليها.
ومن فضائله أنه أبطل المذهب الشيعي الرافضي في مصر، وأقام بها مذهب
الإمامين الجليلين: مالك والشافعي رحمهما الله.. وأنشأ المدارس العديدة
لهذا الغرض(46).
وقد أشار ابن جبير في رحلته إلى مآثر السلطان صلاح
الدين حول هذا الشأن، وقد لمس ذلك بنفسه، فقال: "من ذلك ما أمر السلطان
ببنائه من المدارس لتحفيظ القرآن الكريم؛ إذ كان معلموها يقومون بتعليم
أبناء الفقراء والأيتام خاصة، وكانت حاجاتهم مؤمنة، وتجري عليهم جرايات
كافية."
كما اهتم السلطان بطلبة العلم الوافدين إلى مصر من البلاد العربية، أو بمريدي الإقامة فيها.
ففي الإسكندرية مثلاً، صار كل واحد من هؤلاء الوافدين يجد مسكناً يأوي
إليه، ومدرساً يعلمه الفن الذي يريد أن يتعلمه، أو يجري عليه من الرواتب ما
يكفي لسد حاجاته.
وأمر رحمه الله بتعيين حمّامات يستحمون فيها، وجعل مارستاناً مستشفى لعلاج المرضى منهم، ولقي الوافدون من بلاد المغرب إلى بلاد
الشام مثلما لقوا في مصر من أسباب العيش بكرامة (47).

وقد امتد هذا النشاط إلى الأمراء، والعلماء، فتسابقوا لبناء المدارس،
وتخصيص الأوقاف للإنفاق عليها وعلى مدرسيها، وطلابها، كما نشطت السيدات في
تلك الفترة لوقف الأوقاف على المدارس الخيرية وبنائها في عواصم الأمصار
الإسلامية؛ ومن تلك السيدات "الخواتين"، أخت السلطان صلاح الدين "ست
الشام"، وابنته السيدة "عذراء" و"زمرد خاتون" زوجة نور الدين، وغيرهن كثير
من الأميرات وذوات اليسر والصلاح (48).

النهضة العلمية الشرعية في ظل حركة التجديد:
لقد كانت الجهود الخيرة قد أتت أكلها في القرن السادس قرن التجديد، قرن
الانتصارات، واستمر العطاء المتدفق خلال خمسة قرون؛ إذ شمل دولة المماليك
بعد الأيوبيين، فساهم سلاطين المماليك في فتح المدارس، وتنشيط الحركة
العلمية حتى بلغت دور الحديث والقرآن في دمشق وحدها، أكثر من عشرين داراً
وبلغ عدد المدارس الأخرى في دمشق "131 مدرسة" (49).
لقد كانت حقاً حركة
مباركة، أرّخ لها الشيخ عبدالقادر بن محمد النعيمي الدمشقي المتوفى سنة
927ه، في كتابه "الدارس في تاريخ المدارس"، كما أرّخ للمساجد المعروفة في
دمشق، منذ القرن الخامس حتى القرن العاشر للهجرة، وترجم لأصحابها وسيرة
مشايخها، وهو خير كتاب يبسط لنا النهضة العلمية في دمشق خلال خمسة قرون،
كما وصف تسابق أبنائها لإنشاء دور العلم والمعاهد الدينية، وقد بلغت المئات
(50).

لقد تخرج من تلك المدارس العدد الكبير من طلاب العلم، ونبغ
فيها عدد من كبار العلماء الذين ساهموا في حركة الإصلاح والتجديد،
وانخرطوا في صفوف الجيوش المجاهدة ضد الصليبيين أيام الأيوبيين، والمماليك،
كما انتصروا على المغول وردوهم على أعقابهم في عين جالوت.
لقد كان
خريجو هذه المعاهد هم وقود حركة الجهاد المباركة وهم حفظة كتاب الله،
وأصحاب علوم الفقه، والحديث النبوي الشريف.. ومن هؤلاء كانت كوادر الدولتين
النورية والصلاحية.
كانت التربية القرآنية الحديثية، على يد مشايخ
صالحين، منارات علم وهداية، وستبقى هذه التربية هي أمل الأمة المنشود، كلما
زاغت الأبصار، وادلهمت الخطوب، واضطربت السبل.

كان من خريجي تلك
المدارس الذين دخلوا بيت المقدس مجاهدين فاتحين، مع السلطان صلاح الدين:
ابن قدامة المقدسي الفقيه الشهير، صاحب المغني في الفقه، والشيخ ابن نجا
الواعظ، وعدد غفير من هذه النوعيات الفاضلة.
وكان يقوم بمهمة التدريس
في تلك المدارس عدد من كبار علماء ذلك العصر، فأثمرت النهضة العلمية في زمن
قصير، وأدت إلى نبوغ عدد كبير من المثقفين، والعلماء، وطلاب العلم.

"على أن الظاهرة المميزة للحركة الفكرية آنذاك هي تخلي العلماء، ورجال
الفكر، وجمهور الأمة عن أطر الانتماء المذهبي الضيق، وتجاوز الخلافات..
وسارت الدولة على سياسة تعبئة كافة المذاهب، وتنسيق جهود جميع فئات أهل
السنة والجماعة، في منهج موحد وقيادة متعاونة" (51).
وكان قادة الأمة
مثالاً يحتذى في هذه السياسة؛ فقد استفادوا من جهود علماء المذاهب الأربعة،
ومختلف المدارس الفقهية المعتبرة، واستوعبت الدولة كافة الطاقات الحية
الجادة، فكانت حركة التجديد قد شملت كافة طوائف المجتمع، وعلى رأسهم
العلماء، والفقهاء، الذين عمقوا في نفوس الأمة التصورات الشرعية، وأحدثوا
هذه النهضة العلمية المباركة، التي كان لها أكبر الأثر في طرد أعداء الأمة:
من الصليبيين والمغول التتار، من ديار المسلمين.

المظهر الخامس: إقامة الوحدة الإسلامية:
الوحدة بين المسلمين مطلب شرعي، وهدف سام حيوي، وما عز المسلمون في تاريخهم إلا بعد توحيد قواهم، متعاونين على البر والتقوى.
فعندما هاجم الصليبيون بلاد الشام في أواخر القرن الخامس الهجري كانت قوى
المسلمين متفرقة متناحرة، كثرت فيها الدويلات، وتعددت الإمارات، ففي دمشق
دولة، وفي حلب دولة، وفي حمص إمارة، وفي حماة أخرى، وكذلك بيروت والموصل،
وبقية المدن الشامية، وكان في مصر حكم العبيديين "الفاطميين" الإسماعيلية
الحاقدين على أهل السنة، فقام عماد الدين زنكي بتوحيد شمالي الشام والجزيرة
مع الموصل، وتابعه ولده نور الدين محمود فوحد بلاد الشام كلها، بعد أن قضى
على المدن المتناحرة المتناثرة، وكون منها دولة قوية، أرهبت حملة الصليب؛
فتنادوا يطلبون النجدة من بني جلدتهم.
ثم توج عمله بفتح مصر، وإسقاط
الدولة العبيدية، وكان ذلك من أعظم منجزات نور الدين، ووزيره صلاح الدين،
فعادت مصر إلى حظيرة الخلافة العباسية بعد جنوحها قرنين من الزمان (52).
واستمر صلاح الدين يلم الشمل، ويحافظ على وحدة البلاد، فتمكن هذان الملكان
من إقامة وحدة قوية، كانت وسيلة لا هدفاً؛ وذلك من أجل طرد الغزاة من بلاد
المسلمين (53).
وقد حشدا جميع الطاقات المتوفرة، بعد أن حققا العدل،
وحكما الشريعة، فكانت راية المعارك إسلامية عقدية، لا قومية ولا وطنية، فآل
زنكي من التركمان، وصلاح الدين من الأكراد، وكان المجاهدون من السلاجقة،
والأتراك، والعرب، والأكراد، لافرق بين جنس وجنس، فقد انصهرت فيها الأجناس،
والأعراق، بهدف تحطيم قوى الشرك، والابتداع.
كانت تجربة الوحدة
والجهاد، تجربة عظيمة، استردت فيها المقدسات وعز المسلمون بعد ذلك، وتمزق
الصليبيون، فما أحوج أمتنا اليوم إلى النسيج على منوالها، ولعل التاريخ
يعيد نفسه، وليس ذلك على الله بعزيز.

المظهر السادس: تحقيق الازدهار والرخاء :
ذلك أن دولة العدل المتوازنة، هي التي تحقق لشعبها حاجاته الاقتصادية والثقافية، وتؤمن للأمة حماية عقيدتها ومقدساتها..
وهذا ما حققه قادة الجهاد والتجديد في القرن السادس الهجري، واتخذوا لذلك وسائل متعددة منها:

إقامة المنشآت الخيرية، من مستشفيات، وأربطة، وخانات يأوي إليها المسافرون.
بناء المساجد والمدارس، وتشييد القلاع، والحصون، والأسوار؛ لحماية البلاد من غزوات الأعداء.

التورع في الإنفاق من أموال الأمة، وقد ضرب نور الدين وصلاح الدين أروع
الأمثلة في ذلك.. فقد عف الملكان، وعفت الحاشية والأمراء؛ فازدهر الاقتصاد،
وعم الرخاء، بعد تحقيق العدل، ومنع المظالم.

وقد كثرت المساجد،
والمدارس، والمشافي، وتقرر العلاج المجاني لعامة الناس، كما رفعت المكوس
والضرائب عن الرعية، وعم الأمن في ربوع البلاد، بعد أن بنيت الأبراج على
الطرق المخوفة، ورتب عليها الخفراء؛ فأمن المسافرون، وحفظت الأموال، ولجأوا
إلى الخانات الفنادق آنذاك من البرد والمطر (54).
وقد وصف الرحالة
المغربي "ابن جبير" الازدهار والرخاء في بلاد الشام ومصر، وأسهب في وصف
مظاهر الرخاء في المدن التي مر فيها، كدمشق، والموصل، والاسكندرية
والقاهرة، وشجع بني وطنه على الهجرة إلى أراضي الدولة المسلمة؛ لما وجده من
حسن استقبال، وتأمين حاجات الوافدين، وخاصة أصحاب الكفاءات (55).
لقد ذهب متاع الدنيا، وبقي لقادة التجديد الأثر الطيب والقبول الحسن إن شاء الله تعالى.
غفر الله لهما، ولمن عاونهما من الصالحين، والزهاد، والقادة المجاهدين، إنه سميع مجيب.
اللهم هيئ لنا من يخلفهم، ويسير على طريقتهم في التجديد والإصلاح، والجهاد
في سبيل الله، لطرد الغزاة الصهاينة من ديارنا، ويرد كيد من يشايعهم
ويتآمر على مقدساتنا، وليس ذلك ببعيد.





منقول بتصرف



@ الهوامش:

1 انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ ناصر الدين الألباني، (ج2/) ص(150)، رقم (599).
2 ينظر: كتاب العصرانيون، ص(175) .
3 الروضتين: لأبي شامة المقدسي، (ج1/) ص (3 4) طبعة بيروت.
4 الكامل في التاريخ: (ج /9 125)، دار الكتاب العربي بيروت .
5 البداية والنهاية لابن كثير: (ج /2 278 279)، دار الفكر.
6 سير أعلام النبلاء للذهبي (ج/20 531 539).
7 ينظر: البداية والنهاية، ج(13) ص (4 5)، والكامل في التاريخ: ج (/9 225 226).
8 الروضتين: لأبي شامة، ج (1)ص(27)، طبعة بيروت.
9 البداية والنهاية: ج (/12 278).
10 ينظر: الروضتين، ج (1) ص(13)، والبداية والنهاية: ج(/12 282 238).
11 سير أعلام النبلاء: ج (/20 536) والبداية والنهاية : ج (/12 279).
12 الروضتين: ج (/2 219)، طبعة القاهرة 1956م.
13 ينظر الروضتين، ج (1) ص (7،15)، طبعة بيروت وج (1) القسم الثاني، ص(479، 522)، طبعة القاهرة 1962م.
14 رحلة ابن جبير: ص (31)، دار صادر وبيروت 1964م.
15 البداية والنهاية، ج (/12 278).
16 الروضتين، ج (1) القسم الثاني، ص (502)، طبعة 1962م.
17 الكواكب الدرية في السيرة النبوية، دار الكتاب الجديد عام 1971م.
18 ينظر الروضتين، ج (1) قسم (2)، ص (488).
19 المرجع السابق، ج (1) ص (658،669)، والكامل لابن الأثير: ج(/9 139).
20 الروضتين: ج (/1 160) ومعنى الكلمات: الذابل: الرمح الدقيق، الخطم:
القاهر الضارب للأنف، الأجدل: الصقر، القطم: المشتهي الضراب واللحم.
21 ينظر تفصيلاً لذلك: كتاب الجهاد والتجديد في القرن السادس الهجري، طبع مكتبة الكوثر بالرياض عام 1419ه.
22 البداية والنهاية لابن كثير: ج12(326،286).
23 الروضتين لأبي شامة المقدسي: ج1، ص(Cool.
24 المرجع السابق، ج1، ص(10).
25 الروضتين ج1(467)، طبعة عام 1956م.
26 نور الدين محمود: حسين مؤنس، (324).
27 النوادر السلطانية لابن شداد، ص(21)، طبعة القاهرة 1964م.
28 المرجع السابق، لابن شداد، ص (23).
29 البداية والنهاية لابن كثير: ج12،ص(329).
30 الروضتين: ج2،ص(2221)، طبعة بيروت.
31 سير أعلام النبلاء: للذهبي، ج22، ص(210)، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة 1405ه.
32 ينظر: تاريخ ابن خلدون، ج5،(314)، وجيش مصر في عهد صلاح الدين: نظير حسان السعداوي، ص (4948)،طبعة مصر، عام 1957م.
33 سيرة صلاح الدين لابن شداد: ص(87)، وجهاد المسلمين في الحروب الصليبية: د. فايد عاشور،ص(19).
34 نور الدين محمود: د. حسين مؤنس، ص (321) الدار السعودية بجدة.
35 دمشق القديمة: د. صلاح المنجد، ص(36)، طبعة 1945م.
36 نور الدين محمود: حسين مؤنس، ص (321).
37 ينظر: الروضتين، ج2،(125)، والبداية والنهاية، ج12(347).
38 رحلة ابن جبير، ص (51)، طبعة عام 1907م.
39 ينظر: الأيوبيون، السيد الباز العريني، ص (188169)، دار النهضة العربية، عام 1967م.
40 الجهاد والتجديد في القرن السادس الهجري، ص (357).
41 تاريخ التربية الإسلامية: د. أحمد شلبي، ص(196195).
42 نور الدين محمود: د.حسين مؤنس، ص (307).
43 الكامل في التاريخ: لابن الأثير، ج9(125).
44 نور الدين محمود: حسين مؤنس، ص (308).
45 ينظر: الدارس في تاريخ المدارس، ج1(331) لعبدالقادر النعيمي، طبع عام 1988م.
46 ينظر: مفرج الكروب لابن واصل، ج2(5554)، والأيوبيون: السيد الباز العريني، ص (220).
47 المرجع السابق، ص (216215).
48 ينظر: الدارس في تاريخ المدارس، ج1(507،502).
49 السابق ج1،ص(463)، وص(129) .
50 الدارس في تاريخ المدارس: التمهيد للمحقق جعفر الحسني عضو المجمع العلمي العربي بدمشق، طبع دمشق، عام 1988م.
51 الأيوبيون: د. السيد الباز العريني، ص (223222).
52 انظر: الروضتين: ج1، القسم الأول، ص: (149)، والكامل ج9(5545)، وص (85 100).
53 ينظر الكامل لابن الأثير، ج9(130) وما بعدها، والروضتين: لأبي شامة، ج1، قسم (2)، 1962م.
54 ينظر: البداية والنهاية لابن كثير، ج12(278)، وما بعدها.
55 ينظر رحلة ابن جبير، ص(255،261)، وكذلك ص (251248)، طبعة بيروت، دار صادرة عام 1956م.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مظاهر التجديد في الدولتين النورية والصلاحية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ترددات قنوات سورية 2013 بعد التجديد
» من مظاهر حب الله لك:هدايته وعصمته ودوام عافيتـــــه
» بحث مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي للسنة الأولى ثانوي
» مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي للسنة الأولى ثانوي
»  أهم مظاهر الحضارة العباسية خلال القرن الرابع الهجري - جواد التباعي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اهل الحق :: منتديات الجامعة و البحث العلمي :: منتدى التاريخ-
انتقل الى: